بين مطرقة القتل في غزة وسندان التفكيك في الضفة: قرار إبادة بغطاء أممي
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
منذ أكثر من سبعة عشر شهرا، يعيش الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تحت سطوة حرب لا تكلّف نفسها عناء التخفي وراء المسميات التقليدية. لم تعد "العملية العسكرية" توصيفا مناسبا، ولا "الرد الأمني" غطاء منطقيا، ما يحدث هو تحطيم منظّم لشعب، وتجريد ممنهج من كل ما يمنحه الحق في البقاء: الغذاء، والمسكن، والأمان، والأمل.
عندما يصبح القتل قرارا دوليا.. لا حادثا عرضيا
في غزة، لم تَعد الغارات الجوية وحدها تقتل، الذي يقتل الآن هو الحصار، هو الجوع، هو التعتيم، هو التخلي. حين تُغلق المعابر، وتُمنع الإمدادات، وتُقصف المستشفيات، وتُستهدف طوابير الخبز، فإن القتل لم يعد رد فعل عسكري، بل قرار سياسي مكتمل الأركان.
لم تَعد الغارات الجوية وحدها تقتل، الذي يقتل الآن هو الحصار، هو الجوع، هو التعتيم، هو التخلي. حين تُغلق المعابر، وتُمنع الإمدادات، وتُقصف المستشفيات، وتُستهدف طوابير الخبز، فإن القتل لم يعد رد فعل عسكري، بل قرار سياسي مكتمل الأركان
قرابة مليوني إنسان يعيشون في شريط ساحلي محاصر، بلا دواء ولا كهرباء، أطفالهم يتضورون جوعا، ونساؤهم يلدن في الظلام، وجرحاهم يموتون قبل أن يصل إليهم الإسعاف. لا شيء في غزة يترك مجالا للصدفة، كل تفصيل فيها محسوب، التجويع مقصود، العطش متعمّد، الدمار مقصود، كل بيت يُقصف، وكل شارع يُسوّى بالأرض، كأنما على يد مهندس يخطط لمحو كل معالم الحياة.
صرخات المخيم في الضفة.. لا يسمعها أحد
في الوقت الذي تُدفن فيه العائلات تحت الأنقاض في غزة، تُحاصر الذاكرة في الضفة الغربية. المخيمات التي نشأت كإرث للنكبة، تتحوّل إلى ساحات مواجهة، ثم تُجرَّف، وتُفرَّغ من سكانها. لا تنفصل جرائم الضفة عن مشهد غزة، بل تكمله وتوسّع أفقه.
ما يحدث في مخيمات جنين وبلاطة وشعفاط والدهيشة وغيرها، ليس إجراءات أمنية، بل سياسة تفكيك منهجي لهوية الفلسطيني. كل مخيم يُستهدف هو محاولة لطمس فكرة اللجوء، وتصفية رمزية العودة، وإعادة تعريف الفلسطيني كمجرد "ساكن عشوائي"، لا كلاجئ صاحب حقّ.
كأن الفلسطيني متهم بجرم الوجود
بين غزة والضفة، يتكرّس شعور بأن الفلسطيني متهم بجريمة لم يرتكبها: جريمة البقاء. يُقصف لأنه ما زال حيا، ويُهجّر لأنه يصر على التمسك ببيته، ويُحاصر لأنه لم يُوقّع بعد على وثيقة استسلام وجودي.
وفي هذه الحرب، لم تعد القذائف وحدها أدوات القتل. تُشارك فيها المؤسسات، القرارات، البيانات المزدوجة اللغة. مجلس الأمن؟ عاجز، المحكمة الجنائية؟ بطيئة، المنظمات الأممية؟ "قلقة"، والفيتو؟ حاضر دائما لإفشال أي مشروع يُطالب فقط بوقف إطلاق النار أو إيصال المساعدات.
اللغة الدولية صارت شريكة في الجريمة
من أخطر ما كشفته حرب الإبادة في غزة هو الانحدار الأخلاقي في اللغة السياسية الدولية. صارت الكلمات قاتلة بقدر الصواريخ. "الطرفان"، "الاشتباك"، "الردود"، "حق الدفاع عن النفس"، كلها مصطلحات تُفرغ الجريمة من مضمونها، وتساوي بين الجاني والمجني عليه، بين الدولة المحتلة والشعب المحاصر، بين الطائرة الحربية والطفل الجائع.
كأن العالم يتواطأ في صياغة رواية جديدة، لا مكان فيها لذكر الاحتلال، ولا استدعاء التاريخ، بل مجرد مشهد دموي يُعاد تدويره على شاشات الأخبار، ثم يُنسى مع الحدث التالي.
لا مخيم يبقى.. ولا ذاكرة تُغفر
تفكيك المخيمات في الضفة ليس فقط تفكيكا لمساكن اللاجئين، بل هو نزع لجذور الحكاية الفلسطينية. كل مخيم يُجرف هو صفحة تُنتزع من ذاكرة النكبة، وكل لاجئ يُطرد من بيته الجديد، هو لاجئ مرتين، وطريد مرتين، وشاهد مرتين على جريمة لا تريد أن تنتهي.
وفي الضفة، كما في غزة، يجري كل شيء ببطء محسوب. لا قصف شاملا، بل اقتحام تدريجي. لا تفجير كاملا، بل حصار مخنوق. الموت لا يأتي دفعة واحدة، بل يزحف، على هيئة جرافة، أو قنّاص، أو قانون جديد، أو تصريح ممنوع.
الإنسان الفلسطيني.. هدف دائم
في خضمّ كل هذه الأحداث، يبقى الفلسطيني هو الهدف الوحيد الذي لا يتغير. ليس كحامل سلاح، ولا كجزء من "نزاع"، بل كإنسان. نعم، الإنسان الفلسطيني نفسه، بحياته اليومية، بطفله، بخيمته، بحلمه، هو المستهدف. ولذلك، فإن هذه الحرب، بقدر ما هي عسكرية، فهي نفسية، وجودية، أخلاقية.
الحرب لا تستهدف جسد الفلسطيني فقط، بل ذاكرته، وتماسكه، وثقته بالعالم، بل حتى قدرته على الحلم. فحين يُولد الطفل تحت القصف، ويكبر في الحصار، ويموت قبل أن يحلم بمستقبل، فهذه جريمة قتل للحياة نفسها.
الصمت العالمي: تحالف غير معلن
غزة تقاوم بصبرها، الضفة تصرخ في صمتها، والمخيمات، مهما هُدمت، تبقى شاهدة على أن فلسطين لا تُمحى بالجرافات، ولا تُمحى بالقنابل، ولا بالقرارات المنزوعة الأخلاق
لم يكن الصمت الدولي يوما حياديا، إنه موقف، وهو في حالتنا موقف متواطئ. العالم اليوم لا يكتفي بعدم وقف الجريمة، بل يسهّل استمرارها، حين يُبرر، ويُموّل، ويُبرم الصفقات. كل دولة تمنح سلاحا لدولة الاحتلال، أو تمنع قرارا في مجلس الأمن، أو تُدين "الطرفين"، هي شريكة في الإبادة، وإن ارتدت بدلة الدبلوماسية.
ما بعد الحرب: لا عودة إلى ما قبلها
الفلسطيني يدرك أن هذه الحرب، بما فيها من قتل وتجويع وتفكيك، لن تنتهي باتفاق وقف إطلاق نار. هذه حرب تُعيد صياغة موقعه في العالم، تحاول انتزاع شرعيته، وتُخرجه من سياق الضحية إلى متهم افتراضي. ولذلك، فإن ما بعد هذه الحرب يجب ألا يكون عودة إلى الصمت، بل إلى المطالبة الصارخة بإعادة بناء نظام عدالة دولية يراه، يسمعه، يعترف بحقه.
وفي الختام:
في زمنٍ تحوّل فيه القتل إلى قرار دولي، والصمت إلى أداة قتل، والنظام العالمي إلى هيكل بلا روح، لا يملك الفلسطيني إلا أن يتمسك بالحياة. غزة تقاوم بصبرها، الضفة تصرخ في صمتها، والمخيمات، مهما هُدمت، تبقى شاهدة على أن فلسطين لا تُمحى بالجرافات، ولا تُمحى بالقنابل، ولا بالقرارات المنزوعة الأخلاق.
إنها ليست مجرد حرب أخرى، إنها لحظة كشف كاملة.. عن عالم فقد إنسانيته، وشعب لم يفقد كرامته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الفلسطيني غزة الضفة الاحتلال احتلال فلسطين غزة الضفة ابادة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الحرب فی الضفة لا ت محى فی غزة
إقرأ أيضاً:
مقاومة الجدار: قرار إقامة المستوطنات حرب إبادة للجغرافية الفلسطينية
قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير مؤيد شعبان إن مصادقة ما يسمى بـ"كابينيت الاحتلال الإسرائيلي" على تسوية وإقامة 19 مستوطنة جديدة في أنحاء الضفة الغربية تعتبر خطوة أخرى في سباق إبادة الجغرافية الفلسطينية لصالح مشروع الاستيطان الاستيطاني، معتبرا أن هذا القرار بمثابة تصعيد خطير ويكشف عن النوايا الحقيقية لحكومة الاحتلال في تكريس نظام الضمّ والفصل العنصري والتهويد الكامل للأرض الفلسطينية.
وقال شعبان إن "هذه الخطوة تأتي ضمن سياسة ممنهجة تقودها حكومة المستوطنين بزعامة نتنياهو وسموتريتش، الرامية إلى شرعنة البؤر الاستيطانية وتحويلها إلى مستعمرات رسمية، بما يكرّس السيطرة الإسرائيلية الدائمة على الأراضي الفلسطينية".
وأضاف أن القرار يشكل تحديا صارخا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن، وخاصة القرار 2334، ويدقّ ناقوس الخطر بشأن مستقبل الضفة الغربية التي تتعرض لعملية استعمار ممنهجة تستهدف اقتلاع الوجود الفلسطيني وتحويل المدن والقرى إلى جيوب معزولة ومحاصرة.
وبين شعبان أن هذا القرار جاء في سياق تصاعدي واضح للمشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي، الذي يسير وفق خطة متكاملة تهدف إلى موضعة أكبر قدر ممكن من المستعمرات والتكتلات الاستعمارية في الجغرافية الفلسطينية بهدف الفصل الجغرافي وإخضاع الحياة الفلسطينية لمنطق الجنون الاستعماري، مؤكدا أن هذا الإعلان يضاف إلى سلسلة إعلانات كبيرة لحكومة الاحتلال في مسألة التقدم بجملة قرارات حول المستوطنات، ففي 23 آذار 2025، أعلن الاحتلال عن فصل 13 حيا استيطانياً عن مستوطنات كبرى واعتبارها مستعمرات مستقلة، في خطوة هدفت إلى منحها صلاحيات إدارية وأمنية منفصلة، وتوسيع مساحة السيطرة للمستعمرين في عمق الأرض الفلسطينية.
ثم أعقب ذلك في 29 أيار 2025 قرار آخر يقضي بتحويل 22 بؤرة استيطانية إلى مستوطنات
قائمة بذاتها، وهو ما شكّل آنذاك أخطر عملية "شرعنة" لمواقع استيطانية غير قانونية منذ عقود.
وبين أنه ومع مصادقة الكابينيت على إقامة وتسوية 19 مستوطنة جديدة، يتضح أن هذه القرارات ليست أحداثا منفصلة، بل محطات متتابعة في مشروع استعماري شامل يستهدف فرض واقع جديد على الأرض الفلسطينية يسبق أي حل سياسي محتمل، ويؤكد أن حكومة الاحتلال الحالية تعمل وفق رؤية استراتيجية تهدف إلى إنهاء إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا عبر توسيع المستعمرات وربطها بشبكات طرق استعمارية وأمنية تخدم فقط المستعمرين.
وأكد شعبان أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بالتعاون مع الجهات الرسمية والشعبية كافة، ستواصل العمل القانوني والدبلوماسي والميداني لفضح جرائم الاستعمار الإسرائيلي أمام المجتمع الدولي، داعيا إلى تحرك عاجل من الأمم المتحدة والدول الأطراف السامية في اتفاقيات جنيف لوقف هذا التمدد الخطير.
وشدد شعبان على أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه وحقه التاريخي فيها، ولن تُرهبَه مشاريع الاستعمار، مهما بلغت إجراءات الاحتلال من تطرف وعدوانية.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين غزة: 12 ضحية وانهيار 13 منزلًا وأكثر من 27 ألف خيمة بسبب المنخفض الجوي داخلية غزة تصدر بياناً بشأن الأوضاع في القطاع خلال المنخفض جباليا النزلة: مخيمات غارقة وسيول تحاصر النازحين في كارثة إنسانية متفاقمة الأكثر قراءة استطلاع رأي: أغلبية إسرائيلية تؤيد العفو عن نتنياهو مستوطنون يقطعون خطوط ناقلة للمياه في الأغوار الشمالية يديعوت: نتنياهو يحاول إقناع ترمب أنه مضطهد لتكثيف جهود العفو عنه موعد قرعة كأس العالم 2026 بتوقيت الأردن والقنوات الناقلة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025