موت الصحفيين في غزة جوعاً.. انهيار قواعد القانون الدولي
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
#موت #الصحفيين في #غزة جوعاً.. انهيار قواعد القانون الدولي
الدكتور #حسن_العاصي
أكاديمي وباحث في الأنثروبولوجيا
توجد مقولةٌ شائعةٌ في أوساط العاملين بوسائل الإعلام حول عدم رغبة الصحفيين في أن يكونوا هم محور القصة. ولكن في هذه الحالة، يرتبط الصحفي بالقصة ارتباطاً وثيقاً في معركته للبقاء. وقد يؤثر ذلك بشكل خطير على كيفية سرد القصة الأوسع لمحرقة غزة.
تم إغلاق المطابخ المجتمعية في غزة بشهر مايو/نيسان 2025 نتيجة نقص الموارد بسبب منع إسرائيل دخول الطعام. وكانت فكرة المطابخ المشتركة قد نشأت نتيجة شح الغذاء وارتفاع الأسعار ارتفاعاً كبيراً. ويكاد يكون من المستحيل العثور على غاز الطهي، وحتى حطب الوقود باهظ الثمن. وفقدت العديد من الأسر إمكانية الحصول على الغذاء، بل وفقدت أيضاً الوسائل اللازمة لإعداده. هذه المطابخ لا تقتصر على كونها مصدراً لتوفير الغذاء، بل تُعدّ أيضاً شريان حياة يضمن بقاء الناس على قيد الحياة. لكن هذه المطابخ أُجبرت على إغلاق أبوابها بعد نفاد الإمدادات الغذائية، مما وجّه ضربة قاصمة لجهود مكافحة الجوع المتفاقم في القطاع المحاصر، الذي يعاني من أزمة إنسانية غير مسبوقة.
جوع الصحفيين
ذكرت هيئة الإذاعة الأمريكية ABC وهي شبكة تلفزيونية وإذاعية، أن أحد مصوريها في غزة “لم يعد يملك القوة لحمل كاميرا”. “لقد فقد 34 كيلوغراماً بالفعل”. وهو “بالكاد يستطيع التحدث عبر الهاتف.”
لقد نقلت وسائل الإعلام لأشهر طويلة معاناة الفلسطينيين نتيجة النقص الحاد في الغذاء والإمدادات الأخرى في غزة التي دمرها ومزقها العدوان الإسرائيلي عليها، وقيام الاحتلال الإسرائيلي بفرض قيودًا على إيصالها. وعرضت شاشات التلفزة مشاهد أطفال رضّع يرقدون بصمت على أسرّة المستشفيات، ضعفاء جداً لا يطيقون البكاء بينما تحوم أمهاتهم حولهم، ويشعرون بالعجز لعدم قدرتهم على الرضاعة الطبيعية. كما نقلت تلك الوسائل الإعلامية تقارير عن طالبي إغاثة، يسارعون للحصول على أي طعام يمكنهم الحصول عليه لعائلاتهم ومجتمعاتهم. وبثت بصورة مباشرة عبر الأقمار الصناعية صور قتل الأطفال والنساء، وتدمير الأبنية والمدارس والمشافي فوق رؤوس النازحين الفلسطينيين المدنيين بسبب القصف المدفعي أو بالطيران الحربي الإسرائيلي.
أصبحت هذه القصص ممكنة النشر، ووصلت إلى ملايين المشاهدين في أنحاء مختلفة من العالم بفضل عمل شبكة من الصحفيين ومصوري الفيديو الموهوبين والشجعان الذين يقومون بالعمل الميداني على الأرض داخل حدود غزة نيابة عن الصحفيين الغربيين، نظراً للحظر الإسرائيلي الذي منع دخول وسائل الإعلام الأجنبية إلى قطاع غزة، وهو أمر غير مسبوق في تغطية الحروب.
والآن يُكافح هؤلاء الصحفيون المتفانين للقيام بعملهم لاستمرار نقل صورة المحرقة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في غزة..
وقصة مصور هيئة الإذاعة الأمريكية ليست قصةً منفردة، فقد تحدث أعضاء آخرون في نفس فريق، ومن وكالات أخرى عن جوعهم أيضاً. هؤلاء الصحفيون جميعهم غزّاويون، يُغطون أخبارهم، ويعانون ما يتعرض له أهل غزة مع استمرار الإبادة في القطاع.
ناشدت وكالة فرانس برس (AFP)، إحدى أكبر وكالات الأنباء في العالم، الحكومة الفرنسية المساعدة في إجلاء موظفيها. وقال اتحاد صحفيي الوكالة في بيان: “منذ تأسيسها عام 1944، فقدنا صحفيين في صراعات، بعضهم جُرح، وآخرون أسرى”. وأضاف: “لكن لا أحد منا يتذكر رؤية زملاء يموتون جوعًا”.
وأعربت قناة الجزيرة، المحظورة من العمل في إسرائيل، عن هذه المشاعر في اليوم التالي: “يتحمل المجتمع الصحفي والعالم مسؤولية جسيمة؛ من واجبنا أن نرفع أصواتنا ونحشد كل الوسائل المتاحة لدعم زملائنا في هذه المهنة النبيلة”، هذا ما صرّح به المدير العام للشبكة، مصطفى سواق، في بيان. وأضاف: “إذا لم نتحرك الآن، فإننا نخاطر بمستقبل قد لا يبقى فيه أحد ليروي قصصنا”.
لقد انهار أحد صحفيي الجزيرة واسمه “أنس الشريف” على الهواء مباشرة عندما انهارت امرأة خارج مستشفى خلفه. في الفيديو، يُسمع فلسطينيون آخرون يقولون له: “استمر يا أنس. واصل التغطية”. أنتم صوتنا.
لماذا تعتمد وسائل الإعلام الأجنبية على الصحفيين داخل غزة؟
وقّعت أكثر من ١٠٠ منظمة إنسانية دولية بتاريخ 23 يوليو/ تموز 2025 من بينها أطباء بلا حدود وأوكسفام وإنقاذ الطفولة، بياناً يُنذر بأن غزة على شفا “مجاعة جماعية “.
فيما تنفي إسرائيل باستمرار مزاعم تورطها في تأجيج أزمة الجوع في غزة، بل تُلقي باللوم على حماس في الوضع، وتصف روايات هذه الظروف داخل القطاع بأنها دعاية. ومع ذلك، فإن إسرائيل، برفضها التقارير الواردة من القطاع، لا تسمح لوسائل الإعلام الدولية بدخول غزة لجمع المعلومات والتحقق منها بشكل مستقل.
يمكن العثور في غزة على العديد من الأطفال وبعض البالغين في حالة هزال شديد ومهددين بالموت جوعاً بسبب نقص الطعام، في بعض المراكز الطبية القليلة التي ما زالت تعمل.
تمنع الحكومة الإسرائيلية زيارات ودخول الصحفيين الأجانب والغربيين منذ بداية الحرب. وتدّعي إسرائيل أنها “تمنعهم من الدخول” حرصاً على سلامتهم. ولم يُسمح للصحفيين بالدخول إلا تحت الإشراف المباشر للجيش الإسرائيلي – زيارات مُحكمة المراقبة ومُخطط لها، حيث لا يُسمح لوسائل الإعلام عموماً بالتفاعل مع السكان المحليين. الهدف من هذه الزيارات يكون دعائياً أو لتقديم رواية رسمية حول العمليات العسكرية، وليس لتغطية مستقلة.
ومع أن جدوى هذه الزيارات الصحفية محل شك، إلا أن هيئة الإذاعة الأسترالية (ABC) تقدمت بعدد من الطلبات للانضمام إلى ما يُسمى “الزيارات المُلحقة” – لكنها لم تُمنح هذه الفرصة، في حين تُمنح هذه الزيارات وسائل الإعلام الأمريكية وبعض الوسائل الأوروبية الكبرى.
أصبحت هذه الزيارات المُلحقة أقل انتظاماً منذ وقف إطلاق النار الأخير – ويُعتقد أن آخرها كان عندما اصطحب الجيش الإسرائيلي مجموعة من الصحفيين إلى مجمع المستشفى الأوروبي في خان يونس في أوائل يونيو/حزيران 2024. يمكن مقارنة هذا بالوضع في أوروبا الشرقية، حيث يُمكن للصحفيين الدوليين العمل داخل معظم أنحاء أوكرانيا.
تحاول رابطة الصحافة الأجنبية، التي تمثل وسائل الإعلام الدولية العاملة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، الطعن في قيود الجيش الإسرائيلي أمام المحكمة العليا في إسرائيل، وهي عملية تعثرت مراراً وتكراراً بسبب التأخيرات والتأجيلات. مع كل ذلك، تعتمد وسائل الإعلام الأجنبية على الصحفيين الفلسطينيين داخل غزة للمساعدة في نقل أحداث هذه الحرب.
وإذا كانوا الآن يكافحون للنهوض من فراشهم يومياً، غير قادرين على حمل كاميراتهم وميكروفوناتهم – ناهيك عن مشاكل الاتصال الحادة في القطاع التي تعيقهم عن نقل الصور والفيديو إلى العالم – فهذه مشكلة بالغة. على الرغم من العدد المرتفع للغاية للقتلى في الغارات الجوية الإسرائيلية خلال العدوان، والذي تقدره لجنة حماية الصحفيين باستشهاد 186 منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. لذلك قد تصبح رواية قصة حرب غزة ونقلها إلى العالم أكثر صعوبة.
لقد فرضت إسرائيل حصاراً شاملاً على القطاع في مارس/آذار 2025، حيث أوقفت جميع الشاحنات المتجهة إلى الأراضي المحتلة لما يقرب من ثلاثة أشهر في محاولتها الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. مع إصرارها على وجود إمدادات كافية للسكان، اضطرت إلى السماح بتخفيف جزئي لهذا الحصار على المواد الأساسية، بما في ذلك الدقيق وحليب الأطفال.
طورت إسرائيل نموذجاً جديداً لإيصال المساعدات الخاصة، حيث نصبت مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) موزعاً للغذاء وغيره من المواد، وأعلنت أنها ستتجاوز قنوات الأمم المتحدة القائمة، التي قالت إن حماس استولت عليها. ومع اقتراب سكان غزة من المجاعة الجماعية أكثر فأكثر، منعت الحكومة الإسرائيلية الأمم المتحدة ووكالات أخرى من توزيع الغذاء في غزة، واستبدلتهم بمقاول جديد غامض.
تقول وزارة الصحة في غزة والأمم المتحدة إن أكثر من 2000 فلسطيني قُتلوا في إطلاق نار بالقرب من مواقع منظمة الإغاثة الإنسانية العالمية وقوافل الشاحنات – وهي أرقام تنفيها منظمة الإغاثة الإنسانية العالمية والجيش الإسرائيلي، على الرغم من أن السلطات الإسرائيلية لا تُصدر بياناتها الخاصة عن الضحايا في هذه المواقع.
لا تنكر وكالات الإغاثة وجود بعض الإمدادات داخل الحدود، لكنها تتهم القوات الإسرائيلية بجعل إيصالها عبر القطاع أمراً بالغ الصعوبة، ورفض ضمان مرور آمن للقوافل. كما عرضت مؤسسة الإغاثة الإنسانية العالمية (GHF) توفير خدماتها الأمنية الخاصة لمساعدة سكان القطاع.
تُعدّ الأزمة التي نتجت عن كل هذا، و21 شهراً من القصف الجوي والمدفعي، واحدةً من أكبر وأهمّ قصص القتل والتدمير والتجويع في العالم. لكن ربما سيصعب سردها، إذا مات الصحفيون جوعاً، إذ يُكافحون لمساعدة وكالات الأنباء العالمية في سردها ونقلها إلى العالم.
حذر صحفيون مستقلون يعملون لصالح وكالات أنباء دولية من أن الجوع ونقص المياه النظيفة يؤديان إلى المرض والإرهاق قبل الموت جوعاً. وقالت مجموعة من الصحفيين العاملين في وكالة فرانس برس هذا الأسبوع إنه “بدون تدخل فوري، سيموت آخر الصحفيين في غزة”. وقام مصور يعمل لدى وكالة فرانس برس بإرسال رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي نهاية الأسبوع، قال فيها: “لم أعد أملك القوة للعمل في الإعلام. جسدي نحيل، ولا أستطيع العمل بعد الآن”.
انهيار النظام الأخلاقي
كتب طياران متقاعدان من سلاح الجو الإسرائيلي في الطبعة العبرية لصحيفة هآرتس الإسرائيلية أن “عضواً في الكنيست تفاخر بأن أحد إنجازات الحكومة الإسرائيلية هو القدرة على قتل 100 شخص يومياً في غزة دون أن يُصدم أحد” (مقتطف من مقال هآرتس في صحيفة نيويورك تايمز). واضافا إننا نتجاهل انهيار النظام الدولي الذي حدّد حياتنا لأجيال، مُعرّضين أنفسنا جميعاً للخطر.
لقد بدأ هذا الانهيار بعجز العالم الليبرالي عن كبح جماح عدوان إسرائيل على غزة. وتصاعد عندما لم يُحرّك أحد ساكناً لوقف قصف المستشفيات. والمدارس ودور العبادة واتسع نطاقه عندما أصبح التجويع الجماعي سلاحاً من أسلحة الحرب. ويبلغ هذا الانهيار ذروته في وقتٍ لم تعد فيه الحرب الشاملة تُعتبر مكروهاً بشرياً، بل أصبحت سياسةً متعمدةً من قِبَل دولة إسرائيل.
إن تداعيات هذا الانهيار عميقة على السياسات الدولية والإقليمية. لكن القواعد تتزعزع تماماً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، التي انتهكت في مارس/آذار 2025 أيضاً وقف إطلاق النار الذي ساعدت إدارة ترامب في التفاوض عليه في يناير/كانون الثاني. والآن نشهد مستوى جديداً من القسوة: استخدام التجويع كسلاح حرب. في غضون ذلك، يدعو السياسيون الإسرائيليون علناً إلى التطهير العرقي. تباهى “بتسلئيل سموتريتش” وزير المالية اليميني المتطرف، بأن إسرائيل “تدمر كل ما تبقى من قطاع غزة” وأن “الجيش لا يدخر جهداً في ذلك”. وأضاف: “نحن نغزو ونطهر ونبقى في غزة حتى تُدمر حماس”. ومفهومه عن حماس واسع النطاق. وأوضح: “نحن نقضي على الوزراء والبيروقراطيين وتجار الأموال – كل من يدعم حكم حماس المدني”. إن قتل أعضاء الحكومة المدنيين (لأنهم ليسوا مقاتلين) جريمة حرب. ومرة أخرى، لا تفعل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي شيئاً.
أدى هذا التحول المطرد في الممارسات المقبولة إلى سياسات وممارسات إجرامية للتهجير القسري والمعاناة الجماعية والإبادة الجماعية، وكلها تُرتكب في ظل صمت سلبي أو تواطؤ نشط من دول قوية. حتى الصليب الأحمر، الذي عادةً ما يكون صامتاً، يُعرب عن رعبه. صرحت “ميريانا سبولجاريك إيغر” Mirjana Spoljaric Egger رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمراسل بي بي سي “جيريمي بوين” Jeremy Bowen: “الإنسانية تنهار في غزة”. وأعربت عن أسفها قائلةً: “إن مشاهدة شعب يُجرد تماماً من كرامته الإنسانية أمرٌ لا بد أن يُصدم ضميرنا الجماعي”. ومع ذلك، فإن الغضب الرسمي خافت في أحسن الأحوال، إذ يتلاشى كل ما كان يُعتبر يوماً ما راسخاً مؤسسياً.
إسرائيل مفارقة تاريخية
ما الذي يُمكّن إسرائيل من الإفلات من العقاب على جرائم القتل؟ لطالما حمت الولايات المتحدة إسرائيل من الانتقادات الدولية ودعمتها عسكرياً. وتتراوح الأسباب المُقدمة لهذا الدعم عادةً بين الرابطة “الثابتة” بين البلدين، ونفوذ لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) AIPAC في واشنطن. ويمكن للمرء أن يجادل بأن الشيء الوحيد المختلف في هذه الحرب الحالية هو نطاقها.
ولكن الأمر لا يقتصر على واشنطن فحسب، فإسرائيل وقضية فلسطين تُسببان انقسامات حادة للغاية في معظم أنحاء العالم الغربي. فقد منعت الدنمارك مؤخراً الأطفال الذين يستعدون للتصويت في انتخابات شبابية وطنية من مناقشة السيادة الفلسطينية. لماذا؟
في حوار مع “عزرا كلاين” Ezra Klein من صحيفة نيويورك تايمز، قدمت أستاذة القانون الدولي لحقوق الإنسان الأمريكية “أصلي بالي” Asli Bali تفسيراً واحداً لما يميز فلسطين. وتشير إلى أنه في عام 1948 كانت فلسطين “الأرض الوحيدة التي كان من المقرر إنهاء استعمارها عند إنشاء الأمم المتحدة… والتي لم يتم [حتى الآن] إنهاء الاستعمار”. باختصار، إسرائيل مفارقة تاريخية. كانت جنوب أفريقيا في يوم من الأيام ضمن هذه الفئة. لعقود، اعتُبرت فلسطين وجنوب أفريقيا “مثالين مستمرين على إنهاء الاستعمار غير المكتمل، استمرا طويلاً بعد انتهاء الاستعمار الكامل في بقية العالم”. اليوم، تُعدّ فلسطين الاستثناء الأخير لتلك العملية التاريخية – إرثٌ واضحٌ تماماً للشعب الذي خضع للاستعمار في السابق، لكن العالم الغربي يرفض الاعتراف به كشذوذ. بعبارة أخرى، بالنسبة للكثيرين في الولايات المتحدة ومعظم العالم الغربي، يُفهم إنشاء دولة إسرائيل على أنه تحقيق للتطلعات القومية اليهودية. بالنسبة لبقية العالم، فإن تحقيق التطلعات القومية اليهودية نفسه جعل إنهاء الاستعمار في فلسطين غير مكتمل.
في عام 2003، كتب المؤرخ البريطاني “توني جودت”Tony Judt أن “مشكلة إسرائيل هي أنها وصلت متأخرة جداً. لقد استوردت مشروعاً انفصالياً بطابعه المميز من أواخر القرن التاسع عشر إلى عالمٍ متطور، عالمٍ تسوده الحقوق الفردية، والحدود المفتوحة، والقانون الدولي. إن فكرة “الدولة اليهودية” ذاتها – دولةٌ يتمتع فيها اليهود والدين اليهودي بامتيازاتٍ حصرية، ويُستبعد منها المواطنون غير اليهود إلى الأبد – متجذرة في زمانٍ ومكانٍ مختلفين. باختصار، إسرائيل مفارقةٌ تاريخية. إن فكرة جوت بأن إسرائيل من مخلفات عصرٍ آخر تتطلب فهماً لكيفية تسارع الجهود العالمية لإنهاء الاستعمار بشكل ملحوظ بعد عام 1945. وكانت النتيجة عالماً جديداً – عالماً تخلى عن الفلسطينيين، تاركاً إياهم في مخيمات اللاجئين عام 1948. هذا العالم الجديد، الذي انبثق من رماد الحرب العالمية الثانية، أصبح ما نسميه اليوم “النظام الدولي القائم على القواعد”، والذي يُعد القانون الدولي عنصراً أساسياً فيه.
أصبح القانون الدولي أكثر تدويناً في هذه الفترة أيضاً. لم يكن عام 1948 تاريخ النكبة الفلسطينية وولادة إسرائيل فحسب، بل كان أيضاً العام الذي صدر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إلى جانب ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، يُمثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الأساس الرئيسي للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ولكن ما فائدة “النظام الدولي القائم على القواعد” إذا استمرت القواعد في التغير؟
الحقيقة هي أننا لم نعيش قط في ظل “نظام دولي قائم على القواعد”، أو على الأقل ليس النظام الذي يتخيله معظم الناس عند سماعهم هذه العبارة. لم تمنع فكرة أن القانون الدولي يضع حدوداً لأفعال الدول الإبادة الجماعية في رواندا. ولم يوقف “النظام الدولي القائم على القواعد” الغزو الأمريكي “غير القانوني” للعراق عام 2003. وقبل عام 2023 بوقت طويل، دأبت إسرائيل على انتهاك قرارات مجلس الأمن.
لا تقتصر مشكلة القانون الدولي على عدم وجود آلية إنفاذ لإجبار الدول المارقة على الامتثال. بل تكمن مشكلة القانون الدولي في أنه “من المرجح أن يكون أداة في يد الأقوياء لا الضعفاء”، كما كتب المنظر القانوني وأستاذ العلوم السياسية الأمريكي “إيان هيرد” Ian Hurd في كتابه الصادر عام 2017 بعنوان “كيف نفعل الأشياء بالقانون الدولي”. How to Do Things with International Law.
نميل إلى اعتبار القانون حداً متفقاً عليه لأفعالنا. كما قال الرئيس الأمريكي الراحل “دوايت أيزنهاور” Dwight Eisenhowe في مقولته الخالدة: “لم يعد أمام العالم خيارٌ بين القوة والقانون. إذا أُريد للحضارة أن تبقى، فعليها اختيار سيادة القانون”.
ولكن ماذا لو فُهم القانون بشكلٍ أفضل كنظامٍ يُقيّد السلوك، نعم، والأهم من ذلك، يُشرّع ما هو ممكن؟
من يُحدّد الحدود يُحدّد ما هو مقبول. وهكذا، يكون الأقوياء أكثر ميلاً لتغيير مسار ما هو مقبول لمصلحتهم. وكما يوضح هيرد، فإن القانون الدولي “يُسهّل قيام الإمبراطورية بالمعنى التقليدي لأن الدول القوية… تُشكّل معنى القواعد والالتزامات الدولية من خلال التفسير والممارسة”.
مع أن القانون الدولي يحظر الحرب عموماً، إلا أنه يُحدّد استثناءً للدفاع عن النفس، والدول القوية هي التي يُمكنها تغيير مسار ما يُشكّل دفاعاً مشروعاً عن النفس. (على سبيل المثال، تدّعي إسرائيل بشكل عام الدفاع عن النفس في عدوانها على إيران، كما تدّعي روسيا صراحةً الدفاع عن النفس في مهاجمتها أوكرانيا). في كتابه، يبحث هيرد كيف بررت الولايات المتحدة استخدامها لحرب الطائرات بدون طيار، بل وحتى التعذيب، بالاحتكام إلى القانون الدولي. فالقانون الدولي، بالنسبة لهيرد، ليس نظاماً يعلو على السياسة. إنه سياسة بحد ذاتها.
النقطة التي نستخلصها هنا ليست أن القانون الدولي غير موجود أو أنه غير ذي قيمة. من الواضح أن هناك حاجة لقواعد لحماية المدنيين ومنع الحرب. القانون الإنساني الدولي هو أيضاً كيان حيّ ينبض بالحياة ويتكيف ويتوسع. اعتُمدت البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف عام 1977. وأُقرّ نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية عام 1998.
لكن القانون الدولي يُواجَه أيضاً مراراً وتكراراً بالضغوط، وبشكل روتيني. تُنتهك وتُدفع باستمرار لخدمة الدول القوية. وبالتالي، يُفهم القانون الدولي عملياً على أنه خط سلوك مقبول متغير باستمرار. ربما نصل الآن إلى نقطة انحرف فيها هذا الخط عن المقاصد التأسيسية للقانون الدولي لدرجة أن النظام نفسه على وشك الانهيار.
أي جحيم مستقبلي نعيش فيه حاليًا؟
يحمل العدوان الإسرائيلي على غزة احتمالاً مرعباً بحدوث تحول جذري في خط المقبولية يجعل الإبادة الجماعية سلاحاً حربياً مشروعاً. إذا كنت تعتقد أنني أبالغ، فانظر إلى ما كتبه المؤرخ البريطاني “كولين جونز” Colin Jones في مجلة “نيويوركر” The New Yorker في وقت سابق من هذا العام. استشار جونز محامين بارزين في المؤسسة العسكرية الأمريكية حول آرائهم بشأن الحرب الإسرائيلية في غزة. ما وجده هو جيش أمريكي يشعر بقلق بالغ إزاء تقييده بالقانون الدولي عند خوض حرب مستقبلية ضد قوة عظمى كالصين – لدرجة أن “تخفيف إسرائيل لقيودها على سقوط الضحايا المدنيين” يُغير بشكل مفيد معايير السلوك الأمريكي المستقبلي.
يكتب جونز للجيش الأمريكي: “لا تبدو غزة مجرد بروفة لنوع القتال الذي قد يواجهه الجنود الأمريكيون فحسب، بل إنها اختبار لمدى تحمّل الشعب الأمريكي لمستويات الموت والدمار التي تنطوي عليها هذه الأنواع من الحروب”
في كتابه، يُوضح أستاذ العلوم السياسية الأمريكي “إيان هيرد” Ian Hurd أيضاً فرقاً جوهرياً بين النظامين القانونيين المحلي والدولي. يقول إن ما نتوقعه من القانون المحلي هو أن يكون “واضحاً ومستقراً ومعروفاً مسبقاً”، بينما القانون الدولي يخضع لموافقة الدول.
لا يمكن أن يكون ازدراء ترامب لمؤسسات القانون الدولي أوضح من ذلك. فقد فرض عقوبات على قضاة وخبراء قانونيين في المحكمة الجنائية الدولية بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف غالانت. (أصدر عقوبات مماثلة عام 2020). تحدى ميثاق الأمم المتحدة بقصف إيران، وهي دولة ذات سيادة لا تُشكل خطراً وشيكاً على الولايات المتحدة. أما الرد العالمي؟ فكان توبيخاً خفيفاً خجولاً من الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” Emmanuel Macron ودعماً كاملاً من الأمين العام لحلف الناتو، “مارك روته” Mark Rutte.
ما يسعى إليه ترامب وأمثاله من قادة ليس تدمير القانون بقدر ما هو استعماره. ولا يقل ازدراءه للمؤسسات القانونية المحلية وضوحاً. فقد استغل حالات طوارئ زائفة ليدّعي “صلاحيات طوارئ” لم يسبقه إليها أي رئيس، مما مكّنه من الالتفاف على الكونغرس، والحكم بمراسيم. ونشر قوات عسكرية في كاليفورنيا، رغماً عن حاكمها، بل إن محكمة استئناف أذنت بقراره. إنه يسير على خطى التحدي العلني لمختلف الأوامر القضائية.
ما الذي يحدث؟
من المنطقي الاعتقاد بأننا نعيش في عصر جديد من الفوضى، لكن هذا لن يُظهر التغيير المُحدق بنا. الأمر لا يتعلق بغياب القانون، بل بإعادة صياغة القانون. ما يسعى إليه ترامب والقادة أمثاله من الشعبويين، ومن اليمينيين، ومن العنصريين البيض المتشددين امتلاك القانون وتطويعه من خلال تحديد معاييره لخدمة مصالحهم. بالنسبة لهم، وُجد القانون ليخضع لإرادتهم، ويدمر خصومهم، وليُوفر ذريعة لسلوك يُعاقَب عليه كجريمة في عالم أفضل.
ربما ليس من المُستغرب أن ينهار قانون هشّ كالقانون الدولي تحت وطأة ضغوط اليوم. ما قد يُثير الدهشة هو كيف نفقد أيضاً إحساسنا الداخلي بالاستقرار والسلام والأمن، ومدى ارتباط النضال من أجل فلسطين بهذا التفكك الداخلي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير.
اسألوا “سيرين حداد” الطالبة الأمريكية من أصل فلسطيني، وأحد الوجوه البارزة في الحراك الطلابي المناهض للإبادة في غزة داخل الجامعات الأمريكية. فقدت أكثر من 200 فرد من عائلتها في غزة منذ بدء الحرب. شاركت في مظاهرات طلابية مؤيدة لفلسطين، ما أدى إلى حرمانها من التخرج جامعة “فيرجينيا كومنويلث” Virginia Commonwealth University في مايو 2025. أو اسألوا “محمود خليل” الطالب والناشط الحقوقي الفلسطيني الذي قضى 104 أيام رهن الاحتجاز بسبب خطابه السياسي المحمي دستورياً، ولا يزال يواجه خطر الترحيل.
لقد تمت الموافقة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، شأنها شأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في عام 1948 المشؤوم. كان صدورها مُلِحًاً وضرورياً بعد محرقة النازية للشعب اليهودي، وقد بُني القانون الدولي الحديث على أساس أن الجميع في المجتمع الدولي سيعمل معاً لمنع جرائم الإبادة الجماعية في المستقبل. وبينما فشل هذا المجتمع الدولي في الوفاء بهذا الوعد في الماضي، فإن أعمال الإبادة والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة، بتمويل وتمكين من الغرب المتواطئ في كل خطوة، هي التي ساهمت بشكل كبير في انهيار النظام العالمي القائم على القواعد. وبالنظر إلى الوضع الحالي، فإن هذا النظام لن يصمد لأكثر من مئة عام.
إذا كان هناك بصيص أمل، فيمكن العثور عليه في العدد المتزايد من الناس حول العالم الذين يرفضون التخويف لإسكاتهم. ويمكن أن يُعزى انهيار هذا الأمل مباشرةً إلى النفاق الذي يسود العالم.
هكذا عامل العالم الفلسطينيين. لم تتعرض أي فئة أخرى لمثل هذه الحالة المطولة من الضياع في النظام الليبرالي الذي تأسس بعد عام 1945. يُشكل اللاجئون الفلسطينيون أقدم وأكبر حالة لاجئين مُطولة في العالم في العصر الحديث. وتزداد المطالب المفروضة على الفلسطينيين لمجرد البقاء على قيد الحياة وحشيةً كل ساعة.
في غزة، يُقتل الفلسطينيون اليائسون برصاص القناصة والطائرات المسيرة يومياً وهم ينتظرون الطعام. الجفاف وشيك لأن هجمات إسرائيل دمرت معظم محطات معالجة مياه الصرف الصحي وشبكات الصرف الصحي والخزانات والأنابيب في القطاع. لقد دمرت إسرائيل ما يصل إلى 98٪ من الأراضي الزراعية في غزة. هذا شكل من أشكال الحرب الشاملة التي لا ينبغي للعالم الحديث أن يشهدها أبداً، ناهيك عن التغاضي عنها.
لا أحد يعلم ما الذي سيحل محل النظام الدولي المنهار حالياً من حولنا، لكن أي نظام سياسي يُعطي الأولوية لمعاقبة المحتجين على الإبادة الجماعية بدلاً من وقف القتل قد استنفد قواه تماماً.
إذا كان هناك بصيص أمل في كل هذا البؤس المُثير للغضب، فيمكن إيجاده في العدد المتزايد من الناس حول العالم الذين يرفضون الخضوع للترهيب لإسكاتهم. ربما رأينا مثالاً بسيطاً على هذه الشجاعة في مدينة نيويورك مؤخراً، ولا أتحدث فقط عن فوز “زهران ممداني” Zohran Mamdani بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة المدينة. في اليوم نفسه، ترشحت اثنتان من السياسيين التقدميين في بروكلين هما “أليكسا أفيليس” Alexa Aviles و”شاهانا حنيف” Shahana Hanif لإعادة ترشيحهما. وكلاهما يدعم فلسطين، وتعرضا لهجوم لا هوادة فيه بسبب مواقفهما من غزة، وكلاهما رفضتا تغيير آرائهما. ضخّ المانحون المؤيدون لإسرائيل أموالاً في حملات منافسيهما. ومع ذلك، فاز كلاهما بسهولة في الانتخابات.
هناك عوامل متعددة تدخل في الفوز بأي حملة سياسية، لكن أي دعم مُعلن لفلسطين كان في الماضي بمثابة ناقوس خطر. هل نحن على أعتاب التغيير؟ ربما لم تعد حرية الفلسطينيين عبئاً، بل أصبحت الآن موقفاً رابحاً حقيقياً في السياسة؟
لعل فلسطين اليوم، كما قالت حداد، أوضح تعبير عن “شعور السلطة بالتهديد من الحقيقة”. وتابعت: “إذا كانوا يخشون طالباً يحمل لافتة أو رسالة مكتوبة بالطباشير أو يطالب بالعدالة، فنحن أقوى مما يريدوننا أن نصدق”. إنها محقة من أجلنا جميعاً.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الصحفيين غزة القائم على القواعد الجیش الإسرائیلی الإبادة الجماعیة الولایات المتحدة القانون الدولی ی إنهاء الاستعمار لحقوق الإنسان النظام الدولی الأمم المتحدة وسائل الإعلام هذه الزیارات الصحفیین فی فی إسرائیل فی القطاع عن النفس إذا کان أن یکون أکثر من فی هذه من الم الذی ی عام 1948 فی غزة
إقرأ أيضاً:
تايمز: إسرائيل في خطر حقيقي من فقدان الدعم الدولي
قالت صحيفة تايمز البريطانية يجب على الحكومة الإسرائيلية، مع تفشي المجاعة في غزة، أن تتخذ إجراءات عاجلة للتخفيف من الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وإلا ستواجه خطرا حقيقيا بفقدان الدعم الدولي.
وعرضت الصحيفة في افتتاحية لها الوضع المأساوي لسكان غزة، من جميع الأعمار والفئات، الذين عصف بهم سوء التغذية وشدة الجوع.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2خبير أميركي: إيران لا تحتاج إلى إعادة بناء منشآتها المتضررة لإنتاج قنبلة نوويةlist 2 of 2مقال بواشنطن بوست: غزة تتضور جوعا وأقصى اليمين الإسرائيلي يحلمend of listوأشارت إلى أن الموت البطيء جوعا يبدأ في الظهور أولا بين أولئك الذين أضعفهم المرض، وأن أكثر من ألف فلسطيني قُتلوا، وآلاف آخرون أُصيبوا أثناء محاولاتهم الوصول إلى الطعام في مواقع توزيع المعونات.
وقالت إن هذا يحدث على مرأى من العالم، في القرن الحادي والعشرين، بمنطقة تقع في معظمها تحت سيطرة دولة ديمقراطية.
لن يستمر
وانتقدت هذا الوضع وقالت إنه لا يمكن أن يستمر، مضيفة أن إيصال المساعدات من قِبل "مؤسسة غزة الإنسانية" أسوأ من أن يكون غير فعال.
إن ندرة المعونات وصعوبة الوصول إليها، تقول "تايمز"، هي وصفة للفوضى، إذ يندفع الفلسطينيون اليائسون نحو الغذاء، ويقوم الجنود الإسرائيليون بتفريقهم بالذخيرة الحية مع نتائج مروعة متوقعة.
وفي ظل هذه الظروف، تؤكد الصحيفة، عادة ما يكون من يحصل على المعونات هم الرجال الأقوياء من الشباب، أما الأمهات الأرامل، وذوو الإعاقة، وكبار السن، ففرصهم أقل بكثير: الضعفاء يُتركون لمصيرهم. وحتى الأرز والدقيق والمكرونة في الطرود تحتاج إلى ماء نظيف وغاز للطهي، وهما أمران نادران في أرض مدمّرة.
الفخ لا يزال نشطا
وعادت تايمز لتشير إلى أن هذه الأوضاع فجرها هجوم أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي صممه زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الراحل يحيى السنوار، إذ كانت حساباته أن هذه الحرب ستنتهي إما "بتبادل للرهائن، أو برد إسرائيلي بالغ الوحشية يشوّه سمعتها، أو مزيج من الاثنين".
وأكدت الصحيفة أن "الفخ الذي نصبه السنوار لإسرائيل لا يزال نشطا".
تايمز: ما هي الاستراتيجية الإسرائيلية التي يمكن الدفاع عنها وسط أنقاض غزة؟ غير إنساني ووهميوتناولت الافتتاحية السياسات التي يتبناها وزراء أقصى اليمين في الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، واصفة إياها بأنها لا تهتم بالمدنيين الفلسطينيين وتتصادم مع حقوق الإنسان والرأي العام العالمي.
إعلانوأشارت إلى أن سموتريتش تجرأ على القول إن تجويع الفلسطينيين قد يكون "أمرا عادلا وأخلاقيا" من أجل تحرير المحتجزين الإسرائيليين.
ووصفت تايمز هذا التصريح بأنه لم يكن فقط غير إنساني، بل وهميا أيضا. كما قالت إن وزير التراث عميحاي إلياهو قد صرّح مؤخرا بأن الحكومة "تندفع نحو محو غزة"، مشيرة إلى أن هذا قد أثار استياء الإسرائيليين المعتدلين.
لا وقت لإضاعته
ونوهت إلى أن قوانين الحرب تنص على أن المقاتلين ملزمون ببذل كل ما في وسعهم لحماية المدنيين الأبرياء، ومع ذلك، فإن عددا كبيرا جدا من سكان غزة باتوا مجرد أضرار جانبية في هذا الصراع.
وتساءلت تايمز عن الإستراتيجية الإسرائيلية التي يمكن الدفاع عنها الآن وسط أنقاض غزة؟
وأكدت أن الكارثة الإنسانية هناك تُهدد علاقات إسرائيل مع دول العالم، ودعت الولايات المتحدة للإصغاء الآن إلى تزايد القلق داخل إسرائيل وخارجها، وللضغط على حكومتها من أجل فتح مسارات المساعدات.
وختمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول "لم يعد هناك وقت لإضاعته".