من يُنقذ الشركات المتعثرة من الإفلاس؟ مقارنة بين نموذجين عالميين
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
لماذا تنجو شركات أمريكية كبرى من الإفلاس وتعود أقوى، بينما تنهار مثيلاتها في دول أخرى دون أن تحظى بفرصة إنقاذ؟ وكيف تلعب الحوكمة دورًا فاصلًا بين البقاء والانهيار؟ هذه الأسئلة تفرض نفسها بقوة حين نتأمل تجارب الشركات حول العالم في أوقات الأزمات، خصوصًا عندما يتدخل القانون ليحسم مصير الكيانات المتعثرة.
خلف هذه القرارات توجد فلسفات حوكمة مختلفة تعكسها النماذج المعتمدة في إدارة الشركات. فبين نموذج يُعطي الأولوية للمساهمين، وآخر يُعلي من شأن الدائنين والموظفين، تتباين النتائج والمرونة والمصير المحتمل للشركات.
تُعد حوكمة الشركات من المبادئ الجوهرية التي تعزز النزاهة والشفافية والكفاءة في إدارة المؤسسات، وقد عرّفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) حوكمة الشركات بأنها مجموعة العلاقات التي تربط بين إدارة الشركة ومجلس إدارتها والمساهمين وأصحاب المصالح الآخرين.
كما تُعرف أيضًا بأنها السياسات والأنظمة الداخلية التي تنظم العمليات وتحدد الأدوار والمسؤوليات داخل الشركات، وتوفر آليات للمساءلة والرقابة، مما يحمي حقوق جميع الأطراف المعنية، ويحد من تضارب المصالح وإساءة استخدام السلطة.
وقد تزايد الاهتمام بالحوكمة بعد بروز نظرية الوكالة، التي فصلت بين الملكية والإدارة، وسلطت الضوء على التحديات التي قد تنشأ عندما لا تكون أهداف المديرين التنفيذيين متوافقة مع مصالح الملاك.
من هذا المنطلق، بات لمجلس الإدارة دور محوري في الإشراف على الأداء، ومنع تضارب المصالح، وضمان أن تُمارس السلطات بما يتماشى مع مصلحة الشركة والمساهمين.
ولحوكمة الشركات نماذج متعددة على مستوى العالم، من أبرزها: النموذج الأنجلو-أمريكي، النموذج الألماني (الأوروبي)، النموذج الياباني، ونموذج الرقابة الاجتماعية. ويُعد النموذجان الأنجلو-أمريكي والألماني هما الأكثر تأثيرًا وانتشارًا في البيئات التنظيمية والمؤسسية، لذا سيكون التركيز عليهما في هذا المقال.
يعتمد النموذج الأنجلو-أمريكي على هيكل إداري موحد، يكون فيه مجلس الإدارة هو الجهة المسؤولة عن تعيين ومراقبة الإدارة التنفيذية. ويولي هذا النموذج أهمية قصوى لحقوق المساهمين، إذ يملكون الحق في انتخاب جميع أعضاء مجلس الإدارة، ويُعرف أيضًا بالنهج الأنجلو-ساكسوني ويُطبق في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا.
يتميز هذا النموذج بارتفاع مستوى الإفصاح والشفافية، وهو ما يوفّر حماية خاصة لصغار المستثمرين. ومع ذلك، يُؤخذ عليه أن استقلالية مجالس الإدارة قد تكون محدودة، خصوصًا في الشركات العائلية أو الحكومية، ما يُضعف من فعالية الرقابة على الإدارة التنفيذية.
أما النموذج الألماني، المعروف أيضًا بالنموذج الأوروبي، فيعتمد على هيكل إداري ثنائي يتكون من مجلسين منفصلين: مجلس الإدارة التنفيذي الذي يدير العمليات اليومية، ومجلس الإشراف الذي يُمارس الرقابة ويضم ممثلين عن المساهمين والموظفين على حد سواء.
يُعطي هذا النموذج أهمية كبيرة للموظفين، باعتبارهم من أصحاب المصلحة الأساسيين، ويمنحهم الحق في تمثيل أنفسهم في مجلس الإشراف، بنسبة قد تصل إلى نصف الأعضاء.
ويتمتع هذا المجلس بصلاحيات واسعة تشمل تعيين الإدارة التنفيذية ومراقبة أدائها، بل وعزلها عند الضرورة. ويُعد هذا النموذج أكثر تحفظًا، ويُفضل التمويل المصرفي على التمويل عبر الأسهم، مما يؤدي إلى انخفاض نسبة ملكية الأسهم الفردية، وضعف دور السوق المالي في التأثير على قرارات الشركات مقارنة بالنموذج الأنجلو-أمريكي.
وفي ضوء هذا الاختلاف الجوهري بين النموذجين، تبرز مسألة العلاقة مع الدائنين والمدينين كعامل حاسم في فهم الفلسفة التنظيمية لكل نموذج.
فإذا نظرنا إلى البيئة الأنجلو-أمريكية، نجد أنها أقرب لأن تكون صديقة للمدينين، إذ توفر قوانين مرنة تساعد الشركات على تجاوز أزماتها المالية.
ويُعد الفصل 11 من القانون الأمريكي خير مثال على ذلك، حيث يُتيح للشركات المتعثرة فرصة لإعادة الهيكلة تحت إشراف قضائي دون إعلان الإفلاس الكامل، مما يسمح لها بالاستمرار في النشاط الاقتصادي وإعادة التفاوض مع الدائنين.
هذا النموذج القانوني يُظهر جانبًا من فلسفة النموذج الأنجلو-أمريكي الذي يُراعي مصالح المدينين ويمنحهم فسحة للحركة والنجاة، حتى لو كان ذلك على حساب تأخير حقوق الدائنين.
في المقابل، يتسم النموذج الألماني بكونه أكثر قربًا من مصالح الدائنين، خاصة أن البنوك تلعب دورًا محوريًا فيه، وتُعد من المساهمين الدائمين في كثير من الشركات الألمانية.
ويُمنح ممثلو البنوك والموظفين مقاعد في مجلس الإشراف، مما يضمن حماية مصالح المقرضين، ويُؤكد على نهج الحذر والاستدامة المالية.
ولا يُوفر هذا النموذج أدوات مرنة كتلك الموجودة في النموذج الأمريكي، بل يُعامل التعثر المالي بصرامة أكبر. وعليه، فإن النظام الألماني يُصنّف كصديق للدائنين، في حين يُصنّف النظام الأنجلو-أمريكي كصديق للمدينين، مما يعكس التباين الجذري في فلسفة إدارة الأزمات المالية والرقابة المؤسسية.
ومن خلال هذه المقارنة يتبين أن لكل نموذج نقاط قوة وضعف، ويكمن التحدي الحقيقي في مواءمة عناصر الحوكمة بما يتناسب مع البيئة الاقتصادية والقانونية والثقافية لكل دولة.
فبينما يُفضل النموذج الأنجلو-أمريكي في البيئات التي تشجع على الابتكار والنمو السريع، يُعتبر النموذج الألماني أكثر ملاءمة للبيئات التي تُقدر الاستقرار طويل الأجل والعلاقات المؤسسية المستقرة. ومن المهم ألّا تنساق الدول النامية خلف نماذج الحوكمة العالمية دون تكييفها مع واقعها المحلي، بل عليها أن تنظر بعين الاعتبار إلى ما إذا كانت بحاجة إلى نظام يضمن الحماية للممولين والاستقرار للأسواق، أم نظام يوفر للمؤسسات مرونة قانونية وقدرة على التعافي من الأزمات.
ولعل الحل لا يكمن في الاختيار بين أحد النموذجين، بل في تطوير نموذج هجين يتكئ على مكامن القوة فيهما معًا، ويوائم بين الحوكمة الصارمة والمرونة الواقعية.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: مجلس الإدارة هذا النموذج التی ت
إقرأ أيضاً:
«الطاقة» تُطلق مسرعة لدعم ريادة الأعمال وتشجيع الشركات الناشئة في القطاع
بحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة، ووزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله بن عامر السواحة، أطلقت وزارة الطاقة برنامج "مُسرِّعة طاقتك"، ضمن جهودها لدفع عجلة الابتكار في القطاع، وتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز الاستدامة البيئية، وتوفير فرص العمل من خلال دعم مشاريع ريادية تسهم في تنويع الاقتصاد وتوطين التقنيات، وتمكين المحتوى المحلي من خلال تقديم الدعم للشركات الناشئة المتخصصة في قطاع الطاقة لتحقيق مستهدفات السعودية 2030، وذلك بالتعاون مع (الكراج).
وصُمم البرنامج الذي تشارك فيه شركات رائدة في مجال الطاقة وعدد من الجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة، ليكون مبادرة عالية التأثير من خلال تعزيز الشراكات الإستراتيجية بين الشركات الناشئة ورواد الأعمال والجهات الحكومية، عبر نموذج دعم شامل يتضمن إرشاد فني وتقني، وربط الشركات الناشئة بالمستثمرين، مما يسهم في تعزيز دور القطاع الخاص في دفع الابتكار وتحقيق النمو في قطاع الطاقة.
وستركز المسرعة على دعم الشركات الناشئة التي ستسهم في تحقيق كفاءة الاستهلاك والتنمية الاقتصادية، من خلال دعم الابتكارات التي تعزز كفاءة الطاقة وتحسن التكاليف، وأيضًا على الشركات التي تسهم في الريادة في أسواق الطاقة العالمية، ما يرسخ مكانة المملكة مركزًا لتقنيات الطاقة الناشئة.
كما ستمكّن المسرعة الشركات التي تسهم في تعظيم المنفعة المالية من خلال خفض التكاليف في قطاع الطاقة، وتعزيز المحتوى المحلي والتنويع الاقتصادي، من خلال تشجيع تطوير حلول الطاقة المحلية وزيادة فرص العمل، وتلك التي تسهم في إدارة الانبعاثات والاستدامة البيئية من خلال دعم الشركات الناشئة التي تركز على خفض الكربون والطاقة النظيفة والتقنيات الخضراء، والشركات التي تحقق ضمان أمن الطاقة وموثوقية الإمداد عبر تعزيز البنية التحتية للطاقة وتحسين مرونة سلسلة الإمداد.
ويستهدف البرنامج دعم ثلاث مجموعات من الشركات الناشئة على مدى ثلاث سنوات، بمعدل 20 شركة في كل مجموعة، في حين يتم التنفيذ على أربع مراحل رئيسية خلال فترة تتراوح بين 6 إلى 12 شهرًا، تبدأ بمرحلة الاستكشاف والاختيار، تليها مرحلة التسريع، ثم تنفيذ المشاريع التجريبية، وتنتهي بجولات الاستثمار.
وزارة الطاقةوزير الاتصالات وتقنية المعلوماتأخبار السعوديةالشركات الناشئةأخر أخبار السعوديةوزير الطاقةقد يعجبك أيضاًNo stories found.