الروائي الأردني جلال برجس يتساءل عبر “أثير”: لماذا تقرأ النساء أكثر من الرجال؟
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
أثير – الروائي الأردني جلال برجس
إن تأملنا تاريخ المرأة منذ بدء الخليقة، سنجد أنها بعد زمن من القمع، والتشييء، قد ابتكرت طرقها الكفاحية الخاصة في اقتناص العيش، وفي امتلاك مشروعية سلطتها، وحريتها، ونزوعها إلى حياة بمستويات استثنائية في الوعي، وفي طرد الغبار، الذي تكلس بقصدية أسست لها حقباً من الأحادية، عن حقيقتها الأكيدة في كونها محور الكون، وبؤرته المضيئة؛ حقيقة لها وجهان: واحد شعري أدى إلى نصف موروثنا في قصيد شَّيد بجدارة أدبية ديواننا العربي بغنائيته، وبانحيازه أيضًا إلى سلطة المعنى.
والقراءة واحدة من هذه الأدوات القصوى بمعنييها المعرفي، والمُواجه؛ قراءة مستكشفة، باحثة، متوخية، مستنبطة، لم تأت في معظمها من جهة العبث، أو رفاهية اللحظة، أو حرية الحركة التي تم استبدالها في بعض المجتمعات بحرية التفكير، فأصبح المضيّ إلى الأمام ناقصًا، بل أعرجًا.
ونتيجة لهذا السياق الحر نلاحظ بعد العام 2000م تقريبًا كيف أخذت نوادي القراءة بالخروج إلى العلن في العالم العربي، وبدأت تحصد نتائجها الإيجابية على الصعيد المعرفي، رغم صخب العصر الجديد بكل هيمنته الاستهلاكية؛ إذ ازداد الطلب على الكتب بشكل ملحوظ، وحفلت مواقع مراجعات الكتب بآراء لافتة. لقد ازدادت نسبة القراءة عمومًا في العشرين سنة الأخيرة في العالم العربي بشكل لافت من الجنسين، لكن الملاحظ أن معظم أعضاء نوادي القراءة من النساء، وأن المرأة صاحبة النسبة العظمى من مجموع الفعل القرائي. هذا لافت، ومهم، ومدعاة للتساؤل؛ إذ أن ما يحدث هو بمثابة تجمع نسوي ثقافي خلاق، سينعكس في الأيام القادمة على الأجيال الجديدة إيجابًا.
خلال الخمس سنوات الفائتة دعيت إلى ما يفوق الخمسين من نوادي القراءة في الأردن وخارجه، ولم أجد إلا عددًا قليلًا من الرجال في ناديين أو ثلاثة. وأقمت عددًا من الندوات، والورشات، والمحاضرات، وحفلات التوقيع، وكان الحضور النسائي أيضًا طاغيًّا. كانت معظم الحوارات ذات سوية ثقافية عالية، وأدوات القراءة على درجة كبيرة من الوعي، وكان الانتماء للكتاب واضحًا وجليًّا بكل جديته؛ فلماذا تشكل النساء النسبة الكبرى من القراء، والمنضمين إلى الأنشطة الثقافية؟
أتحدث هنا عن تفوق ملحوظ في النسبة، ولا أتحدث عن حصرية القراءة في جنس بعينه فقط؛ فتاريخ الرجال مع القراءة شاسع وغنيّ، وعلى درجة قصوى كان لها أثر كبير في مختلف المناحي السياسية والثقافية والاجتماعية؛ إنهم يقرأون، لكن النساء في هذه المرحلة يقرأن أكثر. ربما يقول قائل إن الرجل في أيامنا هذه مطحون بين دواليب الحياة، رغم أن المرأة في عصرنا هذا باتت مطحونة هي الأخرى، خاصة بعد خروجها من فضاء البيت التربوي إلى فضاء العمل المحكوم بقوانين وممارسات لا علاقة لها بالأمومة. مع ذلك فهي تقرأ ليتسع حقلها المعرفي، ولئلا يتسرب الوقت سدى في الفراغ، وتقرأ للمتعة، ولاكتشاف الناس، والأماكن، والأزمنة، تمامًا مثلها مثل الرجل. لكننا إن ذهبنا نحو جذور انتماءها العميق للكتاب، وفعل الاستغراق في عوالمه متكئين على إدراكنا لواقعها الإشكالي الذي للآن لم يخلو من عناصر الصراع؛ سنجد أنها تسعى لاستنباط سلطتها الخاصة كمقابل غير نِدِّي مع الرجل، بل كمعادل لمفهوم السلطة الإنسانية التي تنبثق منها جملة قرارات حياتية مرتبطة بحرية الحركة والتفكير والاختيار، لهذا يخشى الكثير ممن يعانون علو سلطتهم الذكورية الندية من شراكة المرأة القارئة، ليس خشية من الصراع ونتائجه؛ بل خشية على تفشي الخلل في المعادلة التي تفترض علوية الرجل بوعي شمولي غير قابل لتفكيكه ديموقراطيًا.
ومن أرض الكتاب تقف المرأة بسلاحها القرائي بوجه المقولة التي ترى فيها ضلعًا أعوج، وكيانًا عقليًا ناقصًا لا يمكن أن يتفوق على الرجل. وانبثاقًا من هذه المنطقة الجوانية في سعيها الحثيث إلى اجتراح حياتها تقرأ المرأة أيضًا لتدفع بالخسران بعيدًا عنها؛ ففي الكتاب يمكنها أن تهزم الوحدة لتعيش عالمًا جديدًا يخرج بها على الواقع، ويمنحها تذكرة مجانية لممارسة شكلًا فريدًا من أشكال السفر إلى بلدان لها حيوات عادلة، وجماليات تبعث على التشبث بالعيش، وأزمنة ربما تأتي ذات يوم. تقرأ المرأة لئلا تسقط في تلك في الهوة التي تخلفها أزمات عديدة منها أزمتها الكونية؛ فحين تحب المرأة تبحث في الكتب عن الصورة التي تريدها لرجلها، وتبحث عن ذاتها التي لم تأخذ مكانها الحقيقي في مخيلته.
في الكتب كتف مواسٍ لامرأة خبأت وجعها، وفيها صوت قال نيابة عنها ما لم تقله، وفيها ما لم تعرفه عن ذكورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالأنوثة، اكتمال يتجاوز المفهوم العلمي للتلاقي الذي نجده في جوانب حتى غير بشرية كثيرة في الكون، بل يتجاوزه نحو إعادة تفسير الحياة هل هي عقاب على خطيئة؟ أم حياة يجب أن تعاش وفق مفهوم الحياة بحد ذاتها؟
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
بمشاركة أكثر من 100 مدرسة.. مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق مهرجان القراءة الحرة
انطلقت فعاليات مهرجان القراءة الحرة الرابع والعشرون لطلاب وطالبات التعليم العام، اليوم، في الرياض، وذلك ضمن برنامج المشروع الثقافي الوطني لتجديد الصلة بالكتاب الذي تنظمه مكتبة الملك عبدالعزيز العامة.
وتستمر فعاليات المهرجان على مدار أسبوعين، بمشاركة أكثر من 100 مدرسة، وأكثر من 1500 طالب وطالبة، وعدد من التربويين والمعلمين.
وتهدف الفعاليات التي تتنوع هذا العام في فعالياتها، سواء على مستوى القراءة، أو الدورات القرائية، أو في استخدام التقنيات الحديثة المساعدة، إلى تنمية ميول وتعزيز حب القراءة والاطلاع، وتنويع مجالات المعرفة الأدبية والعلمية والثقافية لدى الطلاب والطالبات، وتشجيع المعلمين والمعلمات على غرس مفهوم القراءة الحرة التي تركز كذلك على إبراز المواهب والمعلومات وتنمية اللغة العربية لدى المشاركين والمشاركات في الفعاليات.
وتسعى مكتبة الملك عبدالعزيز العامة إلى تكريس جهودها في نشر الوعي القرائي لدى مختلف شرائح المجتمع، وذلك بإقامة العديد من الأنشطة المتنوعة، والفعاليات المتعلقة بالقراءة، وترسيخ مفهوم حب القراءة لدى أفراد المجتمع، وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم العام كونها الحلقة الأولى والأقوى في مسيرة البناء الذي يُعد المفتاح المركزي للتطوير والتقدم وبناء الحضارات في جميع المجالات، واللبنة الأساسية في تكوين الشخصية لدى النشء وتنمية القيم الفكرية والروحية.
وخُصصت مكتبة متنقلة لزيارة الطلاب والطالبات للمكتبة خلال أيام المهرجان، وذلك في فرعيها خريص والمربع، وإقامة دورة قرائية للمرحلة المتوسطة و الثانوية، وتخصيص مكتبات الطفل بفرع المكتبة بالمربع وخريص لإقامة فعاليات المهرجان لطلاب المرحلة الابتدائية، وتجهيزها بكل ما يلزم من الإمكانات التقنية والأجهزة الحديثة، وبث المواد المشوقة والمناسبة من خلال شاشات العرض التي تسعى لتعزيز العلاقة بين الطفل والكتاب وتعزيز ثقته بنفسه لاكتساب العلوم المختلفة.
يذكر أن البرنامج انطلق منذ العام 1429هـ، واستفاد منه أكثر من 1150 مدرسة، وأكثر من 70,000، وأسهم في إيصال المعرفة وتأصيل عادة القراءة لدى الطلاب والطالبات.
أخبار السعوديةمكتبة الملك عبدالعزيز العامةأهم الأخبارمهرجان القراءة الحرةبرنامج المشروع الثقافي الوطنيقد يعجبك أيضاًNo stories found.