دبلوماسية إكراه ترامب للحلفاء… وتآكل الثقة بالحليف الأمريكي!!
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
تشكّل ما نطلق عليه في السياسة الخارجية «دبلوماسية الإكراه» التي يتقنها ويمارسها الرئيس ترامب بكثافة كورقة ضغط قوية على الدول حول العالم أداة مهمة ليجبر بها الحلفاء قبل الأعداء على الانصياع لرغباته ومطالبه لتحقيق أهداف آنية يسوقها كانتصار، برغم افتقادها للعمق الاستراتيجي.
بعد تأجيل ثلاث مرات أصدر الرئيس ترامب أوامر تنفيذية في 31 يوليو لقائمة عشرات الدول التي ستخضع لرفع الرسوم الجمركية والتعريفات الجمركية على بضائعها المصدرة إلى الولايات المتحدة-والتي تدخل حيز التنفيذ في 8 أغسطس الجاري وتشمل دولا جارة وحليفة وصديقة بما فيها دول فقيرة ومأزومة وتعاني أوضاعا اقتصادية صعبة ومعقدة.
ولا تقتصر دبلوماسية الإكراه باستخدام سلاح التعريفات الجمركية الفتاك لترهيب وتهديد الدول التي لا تنصاع لمطالب ترامب وإدارته، بل تتعداها للتدخل في شؤونها الداخلية بما فيها الإجراءات القضائية، وسياستها الخارجية والتدخل السافر في قراراتها السيادية بما فيها دول حليفة للولايات المتحدة.
وبرغم مفاخرة ترامب منذ بدء رئاسته الثانية في يناير، أنه سينجح بالتفاوض وإلزام عشرات الدول على توقيع اتفاقيات تجارية لمصلحة الولايات المتحدة. لكن بعد أكثر من 4 أشهر وقع اتفاقيات تجارية مع 7 دول حليفة والاتحاد الأوروبي!!
أعلن الرئيس ترامب رفع الرسوم الجمركية على حوالي 70 دولة بنسب متفاوتة تبدأ من 10%-على الدول التي يسجل التبادل التجاري فائضا لمصلحة الولايات المتحدة، ورفع الرسوم الجمركية لـ15% على الدول التي يسجل الفائض التجاري ارتفاعا بسيطا لمصلحة تلك الدول، ورفع الرسوم الجمركية بين 15% حتى 50% على الدول التي يشكل الفائض التجاري لمصلحتها أكثر من 15%! وبعضها دول حليفة!!
والصادم عقاب ترامب الحلفاء برفع نسب الرسوم الجمركية على وارداتها. فرفع الرسوم الجمركية ليعاقب كندا الجار والحليف لـ35% على وارداتها، و25% على واردات الهند و50% على واردات البرازيل-نسبة الرسوم الأعلى. في خلط للاقتصاد بالسياسة بلي الذراع والإكراه.
والملفت رفع ترامب نسبة الرسوم الجمركية على كندا-ومنح المكسيك 90 يوما للتوصل لاتفاق تجاري-يخالف روح والتزامات اتفاقية التكتل الاقتصادي لشمال أمريكا!! كما أن كندا-عضو حلف الناتو ومجموعة السبع الكبرى ومجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات العالم-بنسبة مرتفعة-35%! وذلك عقابا لها كما برر ترامب لفشل كندا بقيامها بما يلزم للسيطرة على منع تدفق شحنات «مواد مخدرة» عبر الحدود إلى الولايات المتحدة!!
والأغرب تهديد ترامب بتغريدة مستفزة بعد إعلان مارك كارني رئيس وزراء كندا-عزم بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم، سيعقّد ويؤثر على التوصل لاتفاق رسوم الجمركية المتبادلة مع كندا-وختم ترامب تغريدته بمطلع النشيد الوطني الكندي. والسؤال ما هي العلاقة بين الرسوم الجمركية والاعتراف بفلسطين؟ في ترهيب واستفزاز الحلفاء والجيران وطعنة لأقرب حليف وجار مسالم للولايات المتحدة. وخلط للسياسة والاقتصاد والتجارة!! وهذا ما أسميه بلطجة دبلوماسية الإكراه!
تمادى ترامب بمواقفه المستفزة وتعداه بتهديد البرازيل عاشر أكبر اقتصاد عالمي-وعضو مجموعة البريكس بلس-إحدى أكبر وأهم المنظمات الدولية التي تمثل ما بات يُعرف بـ»الجنوب العالمي» مع روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا-بفرض 50% رسوم على بضائعها المصدرة إلى الولايات المتحدة بما فيها «القهوة» والنفط وغيره-إذا لم توقف محاكمة صديقه الرئيس السابق «بولسنارو» (ترامب البرازيل) الذي يحاكم بتهمة الانقلاب على نظام الحكم في البرازيل بعدما خسر الانتخابات!!
وبرغم العلاقة الوثيقة بين ترامب ورئيس وزراء الهند مودي-تهجم وانتقم ترامب من الحليف الهندي، فرفع بنسبة الرسوم 25% على واردات البضائع الهندية. وانتقد بتغريدة في حسابه في «تروث سوشيل» التقارب والعلاقة بين الهند وروسيا-ووصف الاقتصاد الهندي (السريع النمو) بـ»الميت»!! وانتقد صفقات الأسلحة بين الهند وروسيا حول منظومة S-400 الدفاعية. ووصف مدفيديف الرئيس الروسي السابق أنه كان رئيسا فاشلا. « وكذلك لا يوجد تبادل تجاري حقيقي مع روسيا.
واضح تآكل ثقة الحلفاء بالحليف الأمريكي. ردت كندا بحماية الوظائف الكندية والتهديد بالرد بالمثل. وتوعدت البرازيل بالرد بالمثل، وعلقت الهند صفقة مقاتلات F-35-وتوعدت باتخاذ الإجراءات المطلوبة لحماية مصالحها!!
رفع ترامب الرسوم الجمركية على الحلفاء الرئيسيين في الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان وكوريا الجنوبية-وحتى إسرائيل التي تحظى بحصانة داخل النظام السياسي الأمريكي-وبات يُنظر إليها من بعض أعضاء مجلس الشيوخ والنواب وخاصة الديمقراطيين والتقدميين والمستقلين بأنها عبء مكلف لإصرارها على حرب الإبادة وسلاح التجويع على سكان غزة لـ22 شهراً.
وينظر الحلفاء الخليجيون بقلق من سياسات ترامب المتقلبة وغير المتوقعة، منذ رئاسته الأولى. خاصة بعد حادثة اعتداء ابقيق وخريص عام 2019- ويبحثون عن بدائل! نشرت دارسة مطلع هذا العام دراسة أكاديمية مع د. نوف الجسار-زميلتي في قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت دراسة بعنوان «تأثير استراتيجية انكفاء الولايات المتحدة على أمن منطقة الخليج العربي: 2009-2024-تغطي إدارات الرؤساء أوباما وترامب الأولى وبايدن». أكدنا على أن الانكفاء الأمريكي يشكل تهديدا حقيقيا على أمن منطقة الخليج العربي. وطالبنا ببلورة مشروع تعاون أمني ودفاعي خليجي جماعي لفرض توازن قوى رادع»!
لا يُعقل أن يخاطب ويتعامل رئيس أمريكي بأسلوب التهديد والوعيد والاستفزاز ويستصغر قادة دول حليفة. هذا السلوك والأسلوب المتعالي دفع صحيفة «فايننشال تايمز» الاقتصادية البارزة لعنونة مقال تحليلي ناقد: «تدمير ترامب للحلفاء العالميين»!! وهكذا يستمر ترامب بخسارة ثقة واحترام الحلفاء!!
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه ترامب الحلفاء الاحتلال الحلفاء ترامب التعرفة الجمركية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الرسوم الجمرکیة على الولایات المتحدة الدول التی دول حلیفة على الدول بما فیها
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: ترامب لن يسمح للعالم بالتخلص من رسومه الجمركية
في الثاني من أبريل/نيسان الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أمام البيت الأبيض ما سماه "رسوم يوم التحرير"، وذلك في خطوة أربكت الأسواق العالمية وهددت سلاسل التوريد.
لكنْ بعد أسبوع، خفّض ترامب النسب إلى 10% لمعظم الدول، وللصين لاحقًا في مايو/أيار، مما أعاد بعض الاستقرار مؤقتًا.
ورغم محاولة الأسواق تجاوز الصدمة، تؤكد إيكونومست أن ترامب لم يتوقف عند ذلك الحد. ففي الأيام الأخيرة أصدر أوامر تنفيذية جديدة ألغى بموجبها الإعفاء المعروف بـ"دي مينيميز" للطرود دون 800 دولار بعدما كان قد ألغاه فقط للصين، كما رفع "رسم الفنتانيل" على كندا من 25% إلى 35%، معتبرا أنه عقوبة لفشلها في وقف تهريب المخدرات، وردا على دعمها لإقامة دولة فلسطينية، بحسب ما نقلت إيكونومست.
وفي سلوك عقابي مشابه، فرض ترامب رسوما بنسبة 50% على أكثر من نصف واردات أميركا من البرازيل، مبررا ذلك بما وصفه بـ"الاضطهاد السياسي" للرئيس السابق جايير بولسونارو، وهو ما شبّهه بالمعاملة التي تعرّض لها شخصيا بعد مغادرته البيت الأبيض عام 2021.
رسوم شاملة.. و18% متوسط جديدوتشير إيكونومست إلى أن الرسوم الجديدة التي تطال دولا من الهند إلى آيسلندا، تستهدف شركاء أميركا التجاريين ممن يسجّلون فوائض. وتدخل هذه الرسوم حيز التنفيذ في 7 أغسطس/آب، مما يرفع متوسط الرسوم -وفقًا لتقديرات "بدجت لاب" في جامعة ييل- إلى نحو 18%.
وفي محاولة لتفادي الأسوأ، وقّع الاتحاد الأوروبي في 27 يوليو/تموز اتفاقًا مع ترامب خفّض الرسوم إلى 15% بدلًا من 20% التي أُعلنت في أبريل/نيسان أو 50% التي لوّح بها لاحقًا.
وتفيد إيكونومست أن دولا كاليابان وكوريا الجنوبية سلكت المسار ذاته، بينما تواجه الهند احتمال فرض رسوم بنسبة 25% وفق أمر تنفيذي صدر في 31 يوليو/تموز، وسط انتقادات ترامب لـ"قيودها الوقحة".
إعلانويأمل المسؤولون الهنود في خفض هذه النسبة بالتفاوض، خاصة بعد أن منحت إدارة ترامب باكستان، خصمها الإقليمي، رسوما أخف بنسبة 19%.
دول صغيرة تُهمّش.. وأخرى تُعاقبترصد إيكونومست أن دولًا صغيرة مثل ليسوتو وبوتسوانا حظيت بـ"إهمال حميد" حيث فُرضت عليها رسوم موحدة عند 15%، دون 50% التي أُعلنت في أبريل/نيسان. وفي المقابل، رُفعت الرسوم على تركيا من 10% إلى 15%.
وتُضاف هذه الإجراءات إلى رسوم سابقة على السيارات والمعادن، وغيرها من الرسوم التي أعاد ترامب تفعيلها منذ عودته للرئاسة.
ومع أن بعض السلع مثل الإلكترونيات مستثناة، تؤكد إيكونومست أن متوسط الرسوم يتراوح الآن بين أقل من 3% على إيرلندا وأكثر من 40% على الصين.
تباطؤ الوظائف يفضح الأثر الاقتصاديبعد تطبيق الرسوم، أظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي أن الاقتصاد أضاف فقط 73 ألف وظيفة في يوليو/تموز، وهو رقم دون التوقعات بكثير. وترى إيكونومست أن هذا التراجع يعكس أثر عدم اليقين التجاري، مما دفع الشركات إلى تأجيل استثماراتها.
كما تحُد الرسوم من قدرة الفدرالي على تحفيز الاقتصاد، فبحسب المجلة، تجاهل جيروم باول -رئيس الاحتياطي الفدرالي– ضغوط ترامب وأبقى أسعار الفائدة ثابتة، مشيرا إلى أن أثر الرسوم في التضخم "لن يكون صفريا".
تُبرز إيكونومست أن التأثير لا يتوقف عند حدود التجارة، بل يتسرب إلى المستهلك الأميركي حتى عند شراء منتجات محلية. إذ تتحمّل فئات مثل الحواسيب والأجهزة اللوحية رسوما تُقدّر بـ17% من إجمالي إنفاق المستهلكين، كما شملت التأثيرات الأجهزة المنزلية وماكينات الحلاقة الكهربائية.
ورغم أن الأسواق المالية بدت غير مكترثة إذ تعافت سريعا بعد "يوم التحرير"، تحذّر إيكونومست من أن تجاهل هذه الرسوم سيصبح مستحيلا حين تبدأ العائلات الأميركية بدفع ثمن أعلى لكل سلعة اعتادت شراءها.