مصائد الموت قناع إسرائيل وأميركا في تجويع غزة
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
خلال لقائه برئيس الوزراء البريطاني في أسكتلندا 28 يوليو/ تموز 2025، فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم بتصريحات اعتبر فيها أن "هناك مجاعة حقيقية في غزة"، في تناقض واضح مع مواقفه السابقة المدافعة عن "مؤسسة غزة الإنسانية".
تصريحات ترامب جاءت في سياق فشل آلية التوزيع الحالية، التي وصفها حقوقيون بـ"مصائد الموت"، ليطرح فكرة إنشاء آلية جديدة بالتعاون مع بريطانيا والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الصديقة.
وهنا علينا الاستناد إلى مجموعة من الملاحظات والظروف في تحليلنا لتصريحات ترامب الأخيرة:أولا: إجهاض الآلية الأممية الناجحة
كانت آلية توزيع المساعدات الأممية منذ بداية الحرب تسير بشكل منظم وسلس، اتسمت بالشفافية والعدالة في الوصول إلى المحتاجين. ويعزز ذلك تقرير صادر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، نشرته وكالة رويترز، أكد بوضوح أن المساعدات لم تكن تصل إلى حماس، ولا توجد أي دلائل منهجية على ذلك.
هذا النجاح في إدارة المساعدات، هو تحديدا ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى استحداث بديل فاشل تمثل فيما يُعرف زورا بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تحولت عمليا إلى "مصائد موت" و"حمامات دم"، على حد وصف بعض المسؤولين الأمميين والأوروبيين.
ثانيا: ويتكوف ومؤسسة غزة الإنسانية كأداة للضغطيُعد ستيف ويتكوف الشخصية المحورية وراء ما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تحولت منذ إنشائها إلى أداة تخدم الخطة الإسرائيلية الرامية إلى تهجير سكان القطاع.
كما استُخدمت المؤسسة كورقة ضغط مؤثرة في المفاوضات مع حركة حماس، مما منح إسرائيل وحلفاءها نفوذا إضافيا في التحكم بمسار المساعدات. وبالنظر إلى هذا الدور الإستراتيجي، يُستبعد أن تتخلى إسرائيل أو ويتكوف عن السيطرة على ملف المساعدات الإنسانية في المستقبل القريب.
ثالثا: مشاهد المجاعة والاحتجاجات تفضح المؤسسةأدت صور المجاعة المروعة وأعداد الشهداء الذين سقطوا في مراكز التوزيع التابعة لما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"- التي تحولت إلى مصائد موت- إلى فضح حجم الكارثة الإنسانية.
إعلانوجاءت الشهادات الحية والموثقة لتؤكد الطبيعة الممنهجة والمتعمدة لاستهداف طالبي المساعدات، وكان آخرها شهادة الضابط الأميركي المتقاعد توني أغويلار، الذي كشف عن مشهد مأساوي لطفل يُدعى أمير؛ إذ بعد أن قبّل يد أحد الضباط الأميركيين المتقاعدين في مركز توزيع المساعدات، لم يمضِ وقت طويل حتى أُطلق الرصاص الغادر على جسده النحيل.
أُضيف إلى ذلك المنع التام لدخول الشاحنات بين الثاني من مارس/ آذار وحتى الثامن عشر من مايو/ أيار، فضلا عن التقليص الحاد في دخول المساعدات بعد بدء مراكز مساعدات "مؤسسة غزة الإنسانية" عملها، حيث شكّل عدد الشاحنات التي دخلت في شهر يوليو/ تموز ما نسبته 15% فقط من مجموع ما تم إدخاله في شهر فبراير/ شباط من العام نفسه.
وقد أدى ذلك إلى حرمان 90% من الأطفال دون سن الخامسة من مادة الحليب، وإلى انعدام الأمن الغذائي لما نسبته 80% من المجتمع الغزّي، ووصول أكثر من نصف مليون غزّي إلى مرحلة الجوع المفضي إلى الموت، وذلك وفقا لتقرير مجموعة التغذية الأممية.
هذه المشاهد الدموية والمفجعة أشعلت موجة من المظاهرات والنشاطات المناهضة للمؤسسة في مختلف أنحاء العالم، وكان للدول الغربية النصيب الأكبر من هذه التحركات.
كما أدى تململ الشارع العربي، خصوصا في دول الجوار لغزة، إلى تشديد القبضة الأمنية وتقييد الحريات، مما زاد من قلق الولايات المتحدة وإسرائيل حيال تنامي الغضب الشعبي والدولي ضد هذه الممارسات.
رابعا: فضيحة الاستثمارات الأميركية في المؤسسةتفجّرت فضيحة جديدة كشفت امتلاك بعض شركات الأسهم الأميركية البارزة حصصا في شركة الأمن الخاصة "سيف ريتش سوليوشنز"، المسؤولة عن إدارة مراكز توزيع المساعدات التابعة لما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تحولت عمليا إلى مصائد موت.
هذه الفضيحة زادت الضغط على المؤسسة، خاصة بعد أن قدمت الإدارة الأميركية تبرعا بقيمة 30 مليون دولار؛ بزعم دعم هدف إنساني بحت، بينما أظهرت تقارير متعددة أن المؤسسة تعمل في إطار تجارة حرب تحقق أرباحا على حساب المأساة الإنسانية.
وأدى انتشار صور المجاعة، ولا سيما مشاهد الأطفال الجوعى وأعداد الشهداء والجرحى من طالبي المساعدات، فضلا عن انكشاف البعد الربحي للمؤسسة، إلى دفع عدد من النواب الديمقراطيين وبعض الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي إلى المطالبة بوقف عمل المؤسسة، أو على الأقل تغيير جذري في آلية توزيع المساعدات.
خامسا: رفض أممي ودولي يضع إدارة ترامب تحت ضغط متصاعدما تزال المنظمات الأممية والدولية متمسكة بموقفها الرافض للمشاركة في عملية توزيع المساعدات عبر ما يُسمى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، مؤكدة أنها لن تنخرط في أي آلية تقوم على تسييس المساعدات أو عسكرة العمل الإنساني.
هذا الموقف الثابت شكّل ضغطا متعدد الأبعاد على الإدارة الأميركية، إذ أوجد أعباء قانونية وأخلاقية ومالية ولوجيستية متزايدة، وأبرز فشل الآلية الحالية في تحقيق أي معايير إنسانية أو مهنية للتوزيع الآمن والعادل للمساعدات.
هل يتم استحداث آلية جديدة لتوزيع المساعدات؟وعليه، فإن أي تغيير في آلية توزيع المساعدات- سواء بالاستغناء عن مؤسسة غزة الإنسانية أو الاستمرار بها ضمن نموذج معدل- قد يشكل فرصة للإدارة الأميركية لتخفيف حدة الانتقادات والضغوط الداخلية والخارجية.
إعلانكما يمكن أن يشجع هذا التغيير بعض المنظمات الأممية والدولية على الانخراط مجددا في عملية توزيع المساعدات، بعد أن قاطعتها بسبب تسييسها وعسكرتها.
من جهة أخرى، قد تستفيد إسرائيل من هذا التحول في إعادة تسييل المنحة العربية البالغة 100 مليون دولار، والتي تم تعليقها سابقا عقب انسحاب المنظمات الأممية والدولية من دعم المؤسسة وانتقادها بشكل وصل حد التجريم.
ووفقا لمراقبين، فإن طرح آلية توزيع جديدة قد يفتح الباب أمام انخراط أوسع لبعض الدول العربية، وربما يصل الأمر إلى تشكيل قوة أمنية عربية- سعت إليها بعض الدول العربية سابقا- بدلا من الاعتماد على الشركات الأمنية الأميركية، وهو خيار يُعتقد أنه قيد الدراسة الجدية، وقد يشهد زخما في المرحلة المقبلة، رغم الرفض القاطع هذا السيناريو من قبل فصائل المقاومة.
التحذير من إعادة إنتاج سياسة التجويعختاما، فإن تصريحات ترامب الأخيرة ليست مجرد اعتراف متأخر بالمجاعة التي يعيشها سكان غزة، بل هي إشارة إلى محاولة إعادة تشكيل آلية توزيع المساعدات بشكل يكرس السيطرة السياسية والأمنية على الغذاء، وهو ما ينذر بإعادة إنتاج سياسة التجويع بثوب جديد.
إن أي تغيير للآلية بعيدا عن الإطار الأممي سيبقى ناقصا وغير إنساني، وسيحوّل المساعدات إلى أداة ضغط في المفاوضات بدلا من كونها وسيلة إنقاذ.
لذا، تقع على عاتق المنظمات الأممية والدولية مسؤولية رفض الانخراط في نموذج جديد يحمل ذات أوجه التسييس والعسكرة التي أفرزتها "مؤسسة غزة الإنسانية"، ومقاومة كل الضغوط التي بدأت تتصاعد مؤخرا.
كما أن مشاركة بعض الدول العربية أو الإسلامية في هذه الآلية قد تُفسر، خصوصا من قِبل فصائل المقاومة وظهيرها الشعبي، على أنها مساهمة في استمرار الحصار والتجويع، وقد تشكل تورطا في مخالفة صريحة للقانون الإنساني الدولي، ونظام روما الأساسي، ومعاهدة جنيف الرابعة.
والطريق الوحيد لتأمين وصول المساعدات بشكل عادل وفاعل، هو العودة إلى الآلية الأممية السابقة التي أثبتت كفاءتها في إدارة التوزيع بشفافية وحياد، بعيدا عن المصالح السياسية والتجارية التي تحول الغذاء إلى سلاح ضد المدنيين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات المنظمات الأممیة والدولیة آلیة توزیع المساعدات مؤسسة غزة الإنسانیة التی تحولت ما ی عرف بعد أن
إقرأ أيضاً:
مسؤولة أوروبية تطالب الاحتلال بإيقاف تجويع غزة
طالبت مفوضة الإتحاد الأوروبي لشؤون المساواة والاستعداد وإدارة الأزمات، حاجة لحبيب، اليوم الأحد، سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإيقاف سياسة التجويع في قطاع غزة، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية.
وقالت لحبيب، في منشور على حسابها عبر منصة "إكس"، إن حجم المعاناة الإنسانية في غزة مروّع، مطالبة الاحتلال بإنهاء سياسة التجويع التي يمارسها ضد المدنيين، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية بفاعلية وعلى نطاق واسع.
وأعربت عن الصدمة من حجم المعاناة الإنسانية التي يشهدها المدنيون، مشددة على ضرورة أن تسود الإنسانية في غزة.