منذ أربعينيات القرن الماضي، وظفت الحركة الصهيونية المذابح النازية لتبرير الهجرة إلى فلسطين وقيام الكيان، وابتزاز الغرب، وقمع أي صوت معارض لإسرائيل. واليوم، تمارس إسرائيل في غزة أسوأ ما شهده العالم في العصر الحديث من جرائم إبادة جماعية. وقد أصدرت منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية في يوليو ـ تموز 2025 تقريرا من ثمانية وثمانين صفحة، عنوانه "إبادتنا الجماعية"، وهو بحق لائحة اتهام شاملة لإسرائيل عن جرائمها خصوصا في غزة.

وتطالب بمحاكمة قادة الكيان وفقا لأحكام القانون الدولي، ويرد على كثير من التساؤلات حول السابع من أكتوبر:

جريمة الإبادة الجماعية

الإبادة الجماعية هي أخطر جريمة في القانون الدولي. وتعني التدمير المتعمد والعنيف لجماعة قومية أو دينية أو عرقية، أو محاولة القيام بذلك، مما يُلحق بها ضررًا جسيمًا لا يمكن إصلاحه. وذلك من خلال أفعال متنوعة تهدف إلى تدمير الأسس اللازمة لحياة الجماعة، بهدف إبادتها كليا أو جزئيا. ولا يمكن تبرير الإبادة الجماعية أخلاقيًا ولا قانونيًا تحت أي ظرف من الظروف، بما في ذلك الدفاع عن النفس.

عادةً ما تكون الإبادة الجماعية نتيجة تطور تدريجي، أحيانًا على مدى سنوات عديدة، لظروف تُمهّد الطريق لنظام قمعي وتمييزي ليتحول إلى نظام إبادة جماعية لتدمير جماعة محددة عبر مراحل تشمل حرمان الجماعة المستهدفة من حقوقها، وتجريدها من إنسانيتها، وتصويرها كتهديد يجب القضاء عليه، وتطبيع العنف ضدها في الخطاب العام والسياسي والقانوني، واستخدام العنف الجسدي المباشر ضدها.

إسرائيل نظام أبرتهايد منذ تأسيسها

عند قيام إسرائيل، كان لها هدف واضح منذ البداية: ترسيخ سيادة الجماعة اليهودية على كامل الأراضي الخاضعة لسيطرتها. وكانت أداتها الرئيسية لتحقيق ذلك: إنشاء نظام فصل عنصري من خلال الهندسة الديموغرافية، الفصل، تشكيل الخطاب العام، التلقين، العسكرة، واستخدام القوة والعنف. وقد طبق هذا النظام بشكل مختلف في كل منطقة خاضعة لسيطرته، مع العديد من التغييرات والتحسينات على مر السنين معتمدًا على ادعاء زائف بسيادة القانون، بينما تُترك حقوق الرعايا الفلسطينيين دون حماية.

نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينين

نزع الصفة الإنسانية من الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي واتفاقية الإبادة الجماعية. وهي العملية التي يُجرّد خلالها الضحايا من صفاتهم الإنسانية، ويُصوّرون على أنهم غير أخلاقيين أو خطرين بطبيعتهم، واعتبارهم مسئولين جماعيًا عن كل فعل سلبي يرتكبه أفراد أو منظمات محددة داخل مجموعتهم. وبهذه الطريقة، يُنظر إلى الضحايا على أنهم أشخاص "جلبوا معاناتهم على أنفسهم". وكثيرًا ما يتزامن نزع الصفة الإنسانية مع التحريض، الذي يهدف إلى حشد الجمهور لارتكاب العنف ضد جماعة معينة، أو الموافقة عليه سلبًا. ويُظهر التاريخ أن نزع الإنسانية عن الجماعة المستهدفة أو العرق المستهدف، كان دائمًا شرطًا مُمكّنًا لارتكاب فظائع جماعية، بما في ذلك الإبادة الجماعية.

إن ثقافة الإفلات من العقاب، حيث يُحمى الجناة من المساءلة عن جرائمهم، يُمكّنهم من ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية. وفي الحالات التي تعرّض فيها الفلسطينيون للأذى، لم تُحاسب الدولة، ولا صناع القرار، ولا جنودها وقادتها وضباط شرطتها، ولا مدنيوها. وقد منح الدعم الطويل الأمد الذي تلقته إسرائيل من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، منحها حصانة من الآليات المتاحة للمجتمع الدولي لمنع انتهاكات القانون الدولي. ونادراً ما حُوكم أفراد من الجيش أو المستوطنين بتهمة إيذاء الفلسطينيين.منذ الأيام الأولى للاستيطان الصهيوني، جُرِّد الفلسطينيون من إنسانيتهم بطرق مختلفة بهدف تمكين التطهير العرقي والتهجير، وإقامة نظام هيمنة يهودية. فصُوِّرت فلسطين على أنها "أرض قاحلة"، و"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وكثيرًا ما أُنكرت الهوية الوطنية الفلسطينية. ولا يزال الجدل العام في إسرائيل قائمًا حول وجود هذه الهوية. وقد كانت، ولا زالت، الصور النمطية السلبية والتعميمات العنصرية عن الفلسطينيين والعرب والمسلمين من سمات الخطاب العام الإسرائيلي. وتُصوّر إسرائيل على أنها "فيلا في غابة" الشرق الأوسط، وجزيرة حضارة وتنوير في فضاء بدائي. وتُوصف الثقافة الفلسطينية والعربية الإسلامية بأنها تُمجّد الموت وتُعلّم الكراهية. وفي الوقت نفسه، يوصف جميع الفلسطينيين بأنهم بربريون بطبيعتهم. وتُوصف معدلات المواليد الفلسطينيين ووجودهم الفعلي في أي مكان بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط عادةً بأنها "تهديد ديموغرافي" و"قنبلة موقوتة" و"تهديد وجودي" في الخطاب الإسرائيلي: المؤسسة الأمنية، وسائل الإعلام الرئيسية، معاهد الأبحاث الرائدة، والسياسيين على اختلاف توجهاتهم.

ولّدت هذه النظرة للوجود الفلسطيني كتهديد دائم رؤية مُركّزة على القوة، راسخة بعمق في نسيج الثقافة الإسرائيلية. وشكّلت المكانة الرفيعة للجيش، وأثرت في السياسات العسكرية وسيناريوهات القتال، مثل استخدام المدنيين دروعاً بشرية، وقواعد إطلاق النار التي تتجاوز القانون الدولي، والقصف واسع النطاق للمناطق المدنية لحماية الجنود على الأرض. وبرزت هذه الممارسات في قطاع غزة على مدى العقدين الماضيين.

ثقافة الإفلات من العقاب

إن ثقافة الإفلات من العقاب، حيث يُحمى الجناة من المساءلة عن جرائمهم، يُمكّنهم من ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية. وفي الحالات التي تعرّض فيها الفلسطينيون للأذى، لم تُحاسب الدولة، ولا صناع القرار، ولا جنودها وقادتها وضباط شرطتها، ولا مدنيوها. وقد منح الدعم الطويل الأمد الذي تلقته إسرائيل من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، منحها حصانة من الآليات المتاحة للمجتمع الدولي لمنع انتهاكات القانون الدولي. ونادراً ما حُوكم أفراد من الجيش أو المستوطنين  بتهمة إيذاء الفلسطينيين.

غزة في الرؤية الصهيونية

تعد غزة في النظرة الإسرائيلية للقطاع "منطقة تهديد فريدة"، فثُلثا سكانها من اللاجئين الذين طُردوا خلال نكبة 1948، أو من أبنائهم وأحفادهم. وتُعرف مخيمات اللاجئين فيها وأماكن أخرى بـ"أعشاش الدبابير". ومنذ الأيام الأولى للاحتلال عام 1967، سعت إسرائيل إلى تفكيكها، وبالتالي إلى إدامة إرث الطرد والتهجير والقمع في القطاع. وحاولت إسرائيل إخلاء غزة من سكانها في السنوات التالية، وتركزت حملات القتل والتدمير الشامل على مخيمات اللاجئين في غزة خلال سبعينيات القرن الماضي، بقيادة أرييل شارون. ومنذ 2007، جعلت إسرائيل من غزة "مختبرًا" لاختبار الممارسات العسكرية والإدارية المتطرفة. وأصبحت فعليًا سجنًا هائلًا، ويُبقي سكانها على شفا أزمة إنسانية دائمة، ويتعرضون لعنف شديد. وفي 2008، حسبت إسرائيل الحد الأدنى من السعرات الحرارية التي يمكن السماح بدخولها إلى غزة دون التسبب في كارثة إنسانية. وأصبح الضرر الواسع النطاق بالمدنيين عبر العمليات العسكرية أمرًا طبيعيًا على مر السنين.

خطة على مدار سبعين عاما تنفذ اليوم

يجب فهم الهجوم الحالي على غزة وبالقدس والضفة، في سياق أكثر من سبعين عامًا فرضت فيها إسرائيل نظامًا عنيفًا وتمييزيًا على الفلسطينيين، متخذةً أشد أشكاله تطرفًا ضد سكان القطاع. وتستخدم كافة آليات الدولة لتحقيق أهداف هذا النظام، بما يضمن التفوق اليهودي على الفلسطينيين، وذلك عبر تأسيس آليات للسيطرة العنيفة، والهندسة الديموغرافية، والتمييز، وتفتيت الجماعة الفلسطينية. وهذه الأسس والآليات هي التي مكنتها من شن هجوم إبادة جماعية فورًا بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023.

حكومة من المتطرفين

يقود الحكومة الحالية وزراء كبار تبنوا بفخر وعلنًا أيديولوجيات عنيفة وإبادة جماعية. وعلى سبيل المثال، الوزير سموتريش الذي قال في أكتوبر/تشرين الأول 2021، لأعضاء الكنيست الفلسطينيين: "إنه خطأ بن غوريون الذي لم يُكمل المهمة ويطردكم عام 1948". وفي مارس/آذار 2023، قال: "لا وجود لشعب فلسطيني". وفي 2017، أصدر ما سماه ب"الخطة الحاسمة" التي تخير الفلسطينيين بين التخلي عن حقوقهم أو مواجهة الطرد والإبادة. إن تعيين رجلٍ كهذا في الحكومة، يُرسل رسالةً واضحةً مفادها أن الحكومة الإسرائيلية تُؤيد استخدام العنف للاستيلاء على الأراضي وتطهير المنطقة عرقيًا من الفلسطينيين.

جريمة الإبادة الجماعية في غزة

عقب هجوم السابع من أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حملة عسكرية مكثفة على قطاع غزة، تشمل القتل الجماعي بالهجمات المباشرة، أو من خلال خلق ظروف معيشية كارثية ترفع حصيلة القتلى الهائلة، والأضرار الجسدية والنفسية الجسيمة لجميع سكان القطاع، وتدمير النسيج الاجتماعي، والقضاء على البنية التحتية، بما في ذلك المؤسسات التعليمية والمواقع الثقافية الفلسطينية، والاعتقالات الجماعية، وإساءة معاملة المعتقلين في السجون الإسرائيلية، والتهجير القسري الجماعي، وجعل التطهير العرقي هدفًا رسميًا للحرب؛ والاعتداء على الهوية الفلسطينية، وتدمير مخيمات اللاجئين وتقويض الأونروا. لذلك، فإن دراسة سياسة إسرائيل في القطاع ونتائجها المروعة، ومع تصريحات كبار الساسة والقادة العسكريين حول الهجوم، تؤدي إلى استنتاج لا لبس فيه أن ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

عناصر الإبادة الجماعية في غزة

استعرض تقرير بتسيلم الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في القطاع منذ بدء الحرب، وحتى وقت صدور التقرير في شهر يوليو تموز 2025، وقسمها إلى ما يلي:

أولا ـ القتل والتسبب بأذى جسدي ونفسي جسيم:

منذ بدء الحرب وحتى يوليو تموز 2025، قُتل 58,000 فلسطينيا، 15% منهم نساء،و29% أطفال، و7% من كبار في السن. وفي السنة الأولى من الهجوم الإسرائيلي، انخفض متوسط العمر المتوقع للرجال في غزة بنسبة 51,6%، ليصل إلى 40,5 عامًا، بخسارة قدرها 34,9 عامًا مقارنةً بمتوسط العمر المتوقع قبل الحرب. وانخفض متوسط العمر المتوقع للنساء بنسبة 38,6%، ليصل إلى 47,5 عامًا، بخسارة قدرها 29,9 عامًا. ويُرجح أن يكون العدد الفعلي للقتلى أعلى بكثير، لصعوبة التغطية الكاملة لجرائم إسرائيل منذ بدء الحرب.

وقد خلّف الهجوم الإسرائيلي مئات الآلاف المصابين بإصابات جسدية ونفسية بالغة، والتي سيعانون من آثارها لسنوات عديدة، إن لم يكن لبقية حياتهم. و بلغ إجمالي المصابين 138 ألف شخص، 25% منهم بهم إصاباتٍ مُغيرةٍ للحياة تتطلب رعايةً تأهيليةً فوريةً وطويلة الأمد، مثل بتر الأطراف، إصابات العمود الفقري، إصابات الدماغ الرضحية، والحروق الشديدة. ويبدو أن الأرقام الرسمية للإصابات أقل من العدد الفعلي.

هناك نقص حاد في أدوية التخدير ومسكنات الألم، لذا تم إجراء عمليات بتر دون تخدير حتى للأطفال. وأجريت بعضها في ظروف غير صحية دون معدات جراحية كافية، وأحيانا خارج مرافق المستشفى تمامًا. وفي الحالات التي لم تتوفر فيها الأدوية الأساسية كالمضادات الحيوية، اضطر الأطباء إلى بتر أطراف المرضى لإنقاذ حياتهم، مع أن البتر لم يكن ضروريًا في الظروف العادية.

منذ بدء الحرب وحتى يوليو تموز 2025، قُتل 58,000 فلسطينيا، 15% منهم نساء،و29% أطفال، و7% من كبار في السن. وفي السنة الأولى من الهجوم الإسرائيلي، انخفض متوسط العمر المتوقع للرجال في غزة بنسبة 51,6%، ليصل إلى 40,5 عامًا، بخسارة قدرها 34,9 عامًا مقارنةً بمتوسط العمر المتوقع قبل الحرب. وانخفض متوسط العمر المتوقع للنساء بنسبة 38,6%، ليصل إلى 47,5 عامًا، بخسارة قدرها 29,9 عامًا. ويُرجح أن يكون العدد الفعلي للقتلى أعلى بكثير، لصعوبة التغطية الكاملة لجرائم إسرائيل منذ بدء الحرب.اعتمدت إسرائيل سياسة تسمح بمستويات غير مسبوقة من الأذى للمدنيين عند ضرب ما تعتبره أهدافًا عسكرية. وكانت أوامر الإخلاء للمدنيين في غزة غير واضحة أو مضللة. وقصفت إسرائيل مرارًا وتكرارًا "الممرات الآمنة" التي استخدمها النازحون للانتقال إلى "المناطق الإنسانية"، والتي تعرضت هي الأخرى للقصف الممنهج. وقد تعرضت "المنطقة الإنسانية" في المواصي للقصف 97 مرة

وترجع الأسباب الرئيسية للوفيات غير المباشرة إلى: الإصابات، الأمراض المُعدية، سوء التغذية، وفيات الأمهات والمواليد، والمضاعفات الناجمة عن الأمراض المزمنة غير المعالجة. وجميعها نتيجة مباشرة لتدهور الظروف المعيشية في قطاع غزة، والقيود الإسرائيلية على دخول المساعدات الإنسانية، وهجوم إسرائيل على نظام الرعاية الصحية الذي جعلته عاجزًا عن التعامل مع التدفق المستمر للإصابات.

وقد زادت معدلات الإجهاض بنسبة 300% على الأقل منذ أكتوبر 2023. ووجد تقدير أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان أن حالة حمل واحدة من كل ثلاث حالات في غزة تُعتبر عالية الخطورة، وأن واحدًا من كل خمسة أطفال يولد قبل أوانه أو يعاني من نقص الوزن، ووفقًا لدراسة نشرتها "أطباء بلا حدود"، فإن ما يقرب من جميع أطفال غزة، البالغ عددهم 1.2 مليون طفل، بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي.

ثانيا ـ التجويع وتدمير البنية التحتية الغذائية

قبل الحرب، كان 64% من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وكان 80% منهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية. ومع الحرب الحالية، فرضت إسرائيل حصارًا شاملًا على القطاع، مما أدى إلى نقص متزايد في الإمدادات الغذائية. وفي سبتمبر/أيلول 2024، نشرت 15 منظمة إغاثة تحليلًا يُظهر أن إسرائيل منعت 83% من المساعدات الغذائية للقطاع، وهاجمت قوافل توزيع المساعدات الإنسانية، وضباط الشرطة الفلسطينية المكلفين بتأمينها. كما دمّرت بشكل منهجي البنية التحتية التي تُمكّن من إنتاج الغذاء، مثل مطحنة القمح الوحيدة العاملة في القطاع. ومع بداية 2024، لم يتبقَّ سوى 15 مخبزًا تعمل من أصل حوالي 130 مخبزًا كانت تعمل قبل الحرب. وظل الوضع على حاله حتى أوائل يوليو/تموز 2025.

بحلول ديسمبر/كانون الأول 2024، كان 95% من الماشية وأكثر من نصف قطعان الأغنام والماعز في غزة قد دُمّرت. وقضى الهجوم الإسرائيلي تقريبًا على صناعة صيد الأسماك. وبحلول أبريل/نيسان 2025، تضرر أكثر من 80% من الأراضي الزراعية والآبار الزراعية. وألحق الهجوم أضرارًا جسيمة طويلة الأمد ستؤثر سلبًا على قدرة السكان على إنتاج الغذاء في المستقبل.

وطوال الحرب، أنكرت إسرائيل وجود نقص في الغذاء أو عجز في المساعدات الإنسانية، واتهمت حماس بسرقة المساعدات. وقد نفت وكالات الإغاثة المعنية هذا الادعاء. وخلصت وكالتان حكوميتان أمريكيتان إلى أن إسرائيل تتحمل المسؤولية الرئيسية عن الجوع هناك.

ومنذ مارس 2025، أصبح التجويع سياسة رسمية ومعلنة. ووفقًا لتقييم أُجري في مايو 2025، كان حوالي 93% من سكان غزة، يعانون من انعدام أمن غذائي حاد، منهم 244,000 يعيشون في "جوع كارثي"، وسيصل العدد إلى 470,000 نسمة، أي حوالي 22% من سكان غزة، بحلول سبتمبر/أيلول 2025.

وفي نهاية مايو/أيار 2025، بدأ الجيش الإسرائيلي ومؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، وهي منظمة خاصة مرتبطة بالحكومتين الإسرائيلية والأمريكية، بتشغيل أربعة "مواقع توزيع آمنة" لتلقي المساعدات؛ ولكن، بعد أيام قليلة من تشغيلها، وصفها ممثلو الأمم المتحدة بأنها "مصائد موت"، حيث يُطلق النار على العشرات أثناء انتظارهم فتحها، وصرح مسؤول إسرائيلي بأن هدف المشروع هو "إظهار توزيع المساعدات للعالم لمجرد صد الضغوط الدولية". وكل هذا يدعم الاستنتاج القائل بأن المراكز صُممت لخدمة التهجير القسري لسكان غزة، بروح خطة ترامب، أي أنها وسيلة أخرى تستخدمها إسرائيل لتنفيذ عمليات التجويع والتطهير العرقي.

ثالثا ـ تدمير أساسيات الحياة

دمر الجيش الإسرائيلي 84% من مرافق المياه في غزة، بما فيها المخصصة لمياه الشرب ومعالجة مياه الصرف الصحي، والري. ومنع الجيش جهود إصلاحها. وقد أدت هذه السياسة، إلى جانب التدمير الواسع النطاق لشبكة الصرف الصحي في غزة، إلى استخدام المياه الملوثة وانتشار الأمراض، مما أسفر عن آلاف الوفيات. وقد أشار البعض إلى أن غزة أصبحت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 مركزًا لحرب بيولوجية "شفافة" تُشكل خطرًا ليس فقط على السكان المحليين، بل أيضًا على الصحة العامة العالمية.

وشنّت إسرائيل أيضا هجومًا منهجيا واسع النطاق على كامل البنية التحتية الطبية في قطاع غزة، مُلحقةً أضرارًا جسيمة ومُستهدفة المستشفيات والكوادر الطبية. ولم تعد معظم المستشفيات والعيادات في غزة قادرةً على توفير الرعاية الطبية الأساسية. وحتى يونيو/حزيران 2025، لم يتبقَّ سوى 17 مستشفىً من أصل 36 مستشفىً في القطاع تعمل جزئيًا، بينما تُواجه نقصًا حادًا في الكادر الطبي والوقود والمعدات الطبية. وفي مايو/أيار 2025، أفادت منظمة الصحة العالمية بأنه لم يتبقَّ سوى حوالي 2000 سرير مستشفى متاح في جميع أنحاء القطاع لسكان يزيد عددهم عن مليوني نسمة، يتعرضون لهجوم مستمر ويعانون من الجوع وسوء الأوضاع الصحية. وقد منعت إسرائيل أو قيدت أو أخرت دخول الإمدادات الطبية الأساسية. وفرض الجيش الإسرائيلي حصارًا على واقتحمها، مدعيًا استخدامها لأغراض عسكرية، وهو ادعاء لم يُثبت صحته في معظم الحالات، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.

رابعا ـ المحو العمراني لغزة

وفقًا للتقديرات الأخيرة، دُمِّر أو تضرر ما يقرب من 92% من المباني السكنية. أحياء بأكملها، بل وحتى مدن بأكملها، مُحيت من على الخريطة تقريبًا. وقد شهد جنود خدموا في القطاع بأن الهدم المنهجي للمنازل والمباني العامة والبنية التحتية والأراضي الزراعية لم يُنفذ لأغراض عملياتية فحسب، بل أصبح هدفًا في حد ذاته. وفي هذا السياق، انتشر حرق المنازل على يد الجنود على نطاق واسع، سواءً بأمر أو بناءً على تقديرهم الشخصي ـ مدعومًا بالعقلية العسكرية السائدة.

خامسا ـ تدمير النية الاقتصادية

واصلت إسرائيل استهداف البنية التحتية التجارية والاقتصادية في غزة بشكل منهجي طوال أشهر القتال. ووفقًا لتقرير مشترك صادر عن البنك الدولي والأمم المتحدة في أبريل 2024، تضرر أو دُمّر ما يقرب من 80% من المؤسسات العامة والتجارية والصناعية نتيجة الهجوم الإسرائيلي، مما أدى إلى انهيار شبه كامل للنشاط الاقتصادي في غزة. وخلال العام الأول من الحرب، بلغ متوسط معدل البطالة في غزة 79,7%، ودفع الهجوم الإسرائيلي مستوى التنمية الاقتصادية إلى الوراء بنحو 70 عاماً ــ إلى مستويات عام 1955.

سادسا ـ التهجير القسري في قطاع غزة

منذ السابع من أكتوبر، هُجّر 90% من سكان غزة مرة واحدة على الأقل. وأصبح معظمهم، وهم لاجئون أصلاً،  لاجئين للمرة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة. وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدر الجيش أول أوامر إخلاء جماعي لسكان شمال غزة والاتجاه جنوبًا، دون معرفة ما إذا كان سيُسمح لهم بالعودة. وفي نهاية عام 2023، فصل الجيش شمال القطاع عن جنوبه بإنشاء ممر نتساريم، الذي اتسع ليصل عرضه إلى سبعة كيلومترات، وصُنف على أنه "منطقة قتل"، أي أن أي فلسطيني يُعثر عليه فيه سيُقتل رميًا بالرصاص. وكان الغرض من هذا التقسيم، هو التحكم في حركة السكان إلى جنوب غزة ومنع عودتهم شمالًا. ومع مرور الوقت، أمرت إسرائيل السكان مرارًا وتكرارًا بالإخلاء، واعتبارًا من يونيو 2025، أصبح 85% من قطاع غزة إما مشمولًا بأوامر الإخلاء العسكرية أو تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي.

شارك كبار صناع القرار في إسرائيل في الخطاب الذي يجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم، ويصوّرهم على أنهم "حيواناتٌ" لا ينبغي معاملتهم كبشر. ففي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت عن فرض حصار شامل على غزة، وقال: "نحن نحارب حيوانات بشرية، ونتصرف بناءً على ذلك".وابتداءً من أكتوبر/تشرين الأول 2024، نفّذت إسرائيل سياسة تجويع متعمدة، وفي غاية القسوة، تهدف إلى تهجير المنطقة بشكل دائم. ووصف العديد من الخبراء إجراءات إسرائيل في شمال غزة بأنها محاولة لتنفيذ تطهير عرقي عبر تحويل التهجير "المؤقت" إلى تهجير دائم.

وفي أوائل 2025، أعلن ترامب عن نيته تعزيز "استيعاب" النازحين من غزة في الدول المجاورة. وكانت هذه الخطة مبنية على مقترح صاغته الحكومة الإسرائيلية قبل عدة أشهر. وأوضح الدعم الشعبي الواسع لممارسة التهجير القسري، أو الطرد، يُعتبر حلاً مشروعًا ومرغوبًا فيه "للمشكلة الفلسطينية. وعلى مدى أشهر، سعت الحكومة الإسرائيلية إلى الترويج لنقل النازحين من غزة إلى دول مختلفة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية. وبدءًا من مايو/أيار 2025، أُعلن التطهير العرقي في غزة كهدف رئيسيٌ للحرب، وأن تدمير القطاع وسيطرة إسرائيل على المساعدات الإنسانية وسيلتان لتحقيق هذا الهدف، مما يُعد أعمال إبادة جماعية، ويكشف عن عقلية ونوايا كبار صانعي القرار طوال فترة الحرب.

سابعا ـ نزع الصفة الإنسانية عن  أهل غزة

شارك كبار صناع القرار في إسرائيل في الخطاب الذي يجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم، ويصوّرهم على أنهم "حيواناتٌ" لا ينبغي معاملتهم كبشر. ففي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت عن فرض حصار شامل على غزة، وقال: "نحن نحارب حيوانات بشرية، ونتصرف بناءً على ذلك". وشاركت شخصيات من كافة الاتجاهات السياسية في التحريض، فأعرب بيني غانتس عن دعمه لطرد سكان غزة، وردد آخرون فكرة أنه "لا يوجد مدنيون غير متورطين في قطاع غزة". وأظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الجمهور الإسرائيلي تتفق مع مقولة "لا يوجد أبرياء في غزة"، وتؤيد منع المساعدات وترحيل سكانه قسرًا.

ثامنا ـ السجون الصهيونية معسكرات تعذيب

قبل السابع من أكتوبر، تحول نظام السجون الإسرائيلي إلى آلية تهدف إلى الإساءة المنهجية للمعتقلين الفلسطينيين، وذلك نتيجة للسياسات العنصرية والعنيفة لوزير الأمن القومي إيتامار بن غفير. وتحت غطاء العدوان على غزة، أصبحت السجون ساحاتٍ يتجلى فيها عنف الدولة في أبشع صوره وأكثرها وحشية. وأصبح من الممارساتٍ المنهجية فيها: العنف المنتظم الشديد، الاعتداء الجنسي، الإذلال والإهانة، التجويع المتعمد، الظروف غير الصحية، الحرمان من النوم، والحرمان من العلاج الطبي.

التعليق

هذا التقرير ليس إدانة لإسرائيل وحدها، بل هو إدانة أيضا لكل القوى الداعمة للاحتلال، وإدانة أيضا لقادة الدول العربية والإسلامية الذين ران عليهم صمت القبور، وشارك بعضهم بالتواطؤ والدعم لهذا العدوان. إن هذا التقرير هو صرخة في واد ومسمار في نعش الاحتلال ودعوة للقوى الحية لإيقاف هذه الجريمة التي تحدث في غزة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب فلسطين غزة تقرير الحرب الاحتلال احتلال فلسطين غزة تقرير حرب كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أکتوبر تشرین الأول 2023 المساعدات الإنسانیة متوسط العمر المتوقع الهجوم الإسرائیلی الإبادة الجماعیة الجیش الإسرائیلی السابع من أکتوبر التهجیر القسری القانون الدولی البنیة التحتیة د الفلسطینیین یولیو تموز 2025 منذ بدء الحرب إبادة جماعیة صناع القرار فی قطاع غزة إسرائیل من إسرائیل فی قبل الحرب فی الخطاب ت إسرائیل فی القطاع على أنهم لیصل إلى سکان غزة من سکان على غزة التی ت هجوم ا بما فی فی غزة

إقرأ أيضاً:

الأونروا : إسرائيل تحاول استبدال منظومة الأمم المتحدة بمؤسسة غزة الإنسانية

اتهم مفوض الأونروا فيليب لازاريني ، اليوم السبت 2 أغسطس 2025 ، إسرائيل بمحاولة ممنهجة لاستبدال منظومة الأمم المتحدة الإغاثية في غزة ، بما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، محمّلًا المنظمة المسؤولية عن مقتل نحو 1400 جائع.

وكتب لازاريني في منشور على منصة "إكس" أن "المجاعة في غزة تشكّلت إلى حدّ كبير بفعل محاولات متعمدة لاستبدال النظام الإنساني المنسق من قبل الأمم المتحدة، عبر ما يُسمى GHF، وهي منظومة مساعدات مزعومة مسؤولة عن مقتل ما يقارب 1400 شخص جائع".

وأوضح أن "الكارثة تفاقمت بعد منع أونروا، العمود الفقري للاستجابة الإنسانية في غزة، من إدخال أي مساعدات إلى القطاع منذ الثاني من آذار/ مارس الماضي، أي لأكثر من خمسة أشهر"، منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر وأطبقت حصارها على القطاع.

وشدّد لازاريني على أن "تهميش الأونروا وإضعافها لا علاقة له بادعاءات تحويل المساعدات إلى جماعات مسلحة، بل هو إجراء متعمد يهدف إلى الضغط الجماعي ومعاقبة الفلسطينيين لمجرد كونهم يعيشون في غزة".

وشدد على أنه "لم يعد هناك وقت لتضييعه، ويجب اتخاذ قرار سياسي ب فتح المعابر فورًا ومن دون شروط". وختم بالقول إن "أونروا تمتلك الخبرة والكوادر والموارد اللازمة لتقديم استجابة إنسانية كاملة، والمساهمة في قلب مسار المجاعة".

 

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين ثلاث إصابات إثر دعسهم بآلية عسكرية للاحتلال في جنين الرئيس عباس يوجّه بإعداد خطة عمل لمخرجات مؤتمر حل الدولتين بالفيديو: القسام تنشر مشاهد جديدة لأسير إسرائيلي داخل نفق في غزة الأكثر قراءة جولة جديدة خلال أيام - صحيفة: حراك وتكثيف لمحاولات إحياء مفاوضات غزة تفاصيل اجتماع سوري إسرائيلي في باريس قناة إسرائيلية: محاولات حثيثة لاستئناف مفاوضات غزة خلال أيام تركيا تكشف النقاط الخلافية حول مفاوضات غزة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • من بوابة رفح إلى قلوب الفلسطينيين.. مصر تزعج إسرائيل وتحبط حملات التشويه
  • القوات المسلحة اليمنية: نفذنا 3 عمليات ضد أهداف للاحتلال الإسرائيلي
  • ما الذي يحدث في الموساد؟ تقرير إسرائيلي يشير إلى فشل استراتيجي ونقطة سوداء تسجل عليه
  • عن سوريا والشرع وحزب الله.. إليكم ما قاله تقريرٌ إسرائيلي
  • الأونروا : إسرائيل تحاول استبدال منظومة الأمم المتحدة بمؤسسة غزة الإنسانية
  • وزيرة التخطيط تتلقى تقريرًا حول الموقف التنفيذي لمشروعات مركز البنية المعلوماتية
  • تقرير حقوقي: نظام المساعدات الإسرائيلي في غزة حولها إلى حمام دم ومصيدة لموت محقق 
  • رئيس الأركان الإسرائيلي يفكر بالاستقالة ويكشف تقييمه بشأن الأسرى في غزة
  • عن حرب وجبهة لبنان.. إقرأوا آخر تقرير إسرائيليّ