هذه هي الحلقة الثالثة من وثيقة مراجعات أعدتها جماعة الإخوان المسلمين لمسارها الفكري والسياسي، تنشرها "عربي21" في سياق توسيع النقاش حولها. تركز هذه الحلقة على أحد المحاور الأساسية في فكر الإمام حسن البنا، وهو اختياره بين ترسيخ الحريات السياسية ودعم الآليات الديمقراطية كبديل عن اللجوء لاستخدام العنف في مواجهة الأزمات، محاولةً لفهم كيف تعامل البنا مع تحديات الجماعة في لحظات الأزمة، وما الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربته في مواجهة الاستبداد والاعتداءات على شرعية الجماعة.



اختيارات البنا بين ترسيخ الحريات أو الانحياز لاستخدام العنف

أصدر الإمام البنا في أعقاب قرار حل الجماعة ردا - وكذلك تعقيبا - على الاتهامات التي وجهت للجماعة كتبرير لحلها، وقد تم نشرهما لاحقا في كتيب تحت عنوان “ قضيتنا “، ومن العبارات اللافتة التي أوردها البنا في هذا التعقيب دعوة قوية ومسببة للقوى السياسية للتعاون للدفاع عن الحريات في ذلك الحين ( على الذين يحرمون أسلوب” العمل المباشر” ونحن منهم أن يدافعوا عن الحريات، ويمهدوا السبيل أمام الدليل والبرهان، والحجة والإقناع، فذلك وحده هو الذي يحول دون الالتجاء إلى القوة والعنف، ومن سُد في وجهه باب الحلال المشروع لم يجد أمامه غير الحرام الممقوت). رسالة قضيتنا – طبعة مستقلة قدم لها الأستاذ فهمي أبو غدير - ص 55

وبداية فتعبير "العمل المباشر" غير مألوف في ثقافتنا، وإنما هو نبت للتجربة الاجتماعية الأوربية، وهو يحمل في ثناياه معنى استخدام العنف لحسم الصراعات السياسية في المجتمع.

ومراد البنا واضح، فهو يدعو من يرفض العنف إلى التمكين للحريات، ومن ثم التأسيس لهذا التمكين بترسيخ قواعد الشورى وآليات الديمقراطية فهو البديل الوحيد الذي يراه حائلا دون اللجوء للعنف.

وهو يوجه نداءه هذا للأحزاب والقوى السياسية ورجال الفكر بعد التنكيل بجماعة الإخوان المسلمين داعيا إياهم ( ليجاهدوا معنا في سبيل مقاومة هذا المبدأ الخطر، وهو تحكم فرد في شعب، واستخدام السلطة الاستثنائية في القضاء علي الهيئات والجماعات بلا عاصم من شرع أو قانون). رسالة قضيتنا – طبعة مستقلة قدم لها الأستاذ فهمي أبو غدير - ص 55.

وقد أوردنا هذه النقول لمحاولة الكشف عن جانب منهجي في تعامله مع الأزمة التي ألمت بالجماعة حينذاك وذلك من زاويتين:

الزاوية الأولى ـ وهي تتضح عند مقارنة رد فعل البنا علي الأزمة في حينه، ببعض ردود الأفعال على أزمتنا الحالية التي تبني منهجيتها على أن الجماعة قد أعذرت إلى الله بالتزامها بالمسار اليمقراطي في مرحلة ما قبل الانقلاب، أما وقد حدث ما حدث، فالجماعة قد أصبحت في حلٍ من اللجوء لاستخدام القوة.
فالبنا لم يجعل العصف الذي أصاب الجماعة وقتها سببًا لأن تصبح في حلٍ مما سبق لها أن حُرمته ـ وفق ما جاء بعبارته ـ ولكنه يدعو للتعاون لتهيئة المناخ لاستعادة الوضع السوي.

والفرق واسع بين هذا الاختيار وذاك، أخذًا في الاعتبار أن سلوك مسار العنف سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من التدهور في العملية السياسية مما سيدفع في اتجاه مستويات أكثر حدة من العنف.

ولن تنتهي ردود الأفعال المتبادلة هذه إلا بسحق أحد الطرفين للطرف الآخر، أو بانهيار المجتمع بكامله.

الزاوية الثانية ـ رغم أن البنا بذل غاية جهده في تفنيد الاتهامات التي كالتها وزارة الداخلية ـ بالحق والباطل ـ لجماعة الإخوان بالخروج عن الشرعية القانونية من خلال ممارسة العنف، والحض على الارهاب، والإعداد لقلب نظام الحكم، فإن عبارته الواردة في خواتيم تعقيبه، والتي أثبتناها هنا توحي ضمنًا بمعنى مغاير، أشبه بالمصارحة بأنه إذا كان هناك ثمة خروج عن الشرعية من جانب الجماعة فإنه يجد عذره في أنه رد فعل لخروج سبقه عنها من جانب الدولة، وأن علاجه الحقيقي بالتزام الدولة بالشرعية.

وبالطبع فإن مقصود البنا هنا ليس إضفاء المشروعية على فكرة اللجوء للعنف، ولكنها تمثل دعوة منه لإحياء فكرة العقد الاجتماعي حيث تتوافق مكونات المجتمع علي واجبات وحقوق محددة لكل طرف من الأطراف.

على أن ما يلفت النظر في هذه الدعوة أنه بينما تتوافر لدى البنا قناعات حقيقية بشرعية مطالب الحركة الإسلامية من العودة للهوية الإسلامية، وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، والتزام الدولة بأن تكون دولة فكرة تحمل المشروع الإسلامي وتنافح عنه، رغم توافر هذه القناعات فإنه لم يضم هذه المطالب لمفردات العقد الاجتماعي الذي دعا له في تلك اللحظة الحرجة من تاريخ الجماعة – رغم أنه طالما طالب بها في مناسبات سابقة - وإنما اقتصر على المطالبة بكفالة الحريات العامة مقابل الحفاظ علي السلم الأهلي، وهو اقتصار له مغزى من حيث دلالته على قناعة الإمام البنا بأن تحقيق هذه المطالب يجب ألا يكون من خلال استخدام العنف أو حتى من خلال المقايضة السياسية، وأن طريق تحقيقها هو ترسيخ القناعة بها لدى شرائح المجتمع بعد تعرضه لموجة تغريب جارفة، وهي عملية دعوية في المقام الأول.

نظرات حول مسألة العنف في فكر وتجربة البنا

هناك الكثير من الفوائد التي يمكن الخروج بها من النظر في تراث الإمام البنا ومواقفه فيما يتعلق بمسألة العنف نعرض بعضًا منها:

النظرة الأولى ـ البنا ودور الحكم النيابي في الإصلاح.. تصويب وتفعيل أم تهوين وتجاوز؟

يمثل حادث تحطيم الحانات الذي وقع عام 1939 فرصة جيدة لتفهم أحد اجتهادات البنا لتلافي استخدام العنف بين أطراف المجتمع، والقصة ـ كما هو معلوم ـ تخص مجموعة من شباب حركة "مصر الفتاة" قاموا بتحطيم بعض حانات الخمور محاربةً للمنكر مما عرضهم للمحاكمة الجنائية.

قد يظن البعض من وقع كلمات الإمام البنا الحازمة أنه يتحدث عن استخدام القوة بالضرورة، وهنا يحسن بنا أن نعود لتراث البنا لننتبه لاتساع معانى الجهاد والمجاهدة في فهمه، ثم نستكمل عبارته الأخيرة فإذا هو يقصد نوعًا من المجاهدة السياسية سواء في سحب نواب الشعب الثقة من الحكومة المنحرفة، أو عدم منح الأمة ثقتها للنواب المقصرين في أداء واجبهم.وقد حرص الإمام البنا على التعقيب على الحادث في أكثر من مقال موضحًا اعتراضه على ما قام به هؤلاء الشباب، وتناول في أحد المقالات النظام النيابي باعتباره آلية جيدة ومشروعة لمواجهة المنكر بما في ذلك خلع الحكام المنحرفين.

ويذكر البنا في هذا المقال: (تحريم الخمر وتعاطيها أمر من اختصاص الإمام فإذا قصر كان خارجا عن الكتاب والسنة، وعندئذ يجب علي العلماء وذوي الرأي أن يقدموا له النصيحة، فإذا أبى وجب علي الأمة أن تجاهده حتي تخلعه، ومن هنا نرى أن الإسلام دين نظام، جعل حق تغيير المنكر للإمام، ولم يعط هذا الحق لكل فرد من أفراد الأمة، وإلا أصبح الأمر فوضى، والحكومة هي التي تقوم في عصرنا مقام الإمام، فهي المسئولة عن تحريم المنكرات، فإن لم تفعل وجب على نواب الأمة أن يسحبوا الثقه منها، فإذا لم يؤد النواب واجبهم أصبح لزامًا علي الأمة ألا تمنحهم ثقتها، وتنتخب غيرهم، فإذا اجتمع تحت قبة البرلمان نواب مسلمون أمكن القضاء علي كل منكر بقوة القانون وحكم النظام). حسن البنا ـ مجلة النذير  ـ يناير 1939 عن كتاب الحصاد المر للظواهري ـ ص 110

ووجه الالتفات هنا أمران:

الأمر الأول ـ اهتمام البنا بالتوفيق ـ ما استطاع ـ بين التكليفات الشرعية، والمشروعية القانونية والدستورية، حتى إذا وصل الانحراف بالحاكم إلى أنه أصبح مستحقا للإبعاد عن الحكم، وجب على الأمة أن تجاهده حتى تخلعه.

وقد يظن البعض من وقع كلمات الإمام البنا الحازمة أنه يتحدث عن استخدام القوة بالضرورة، وهنا يحسن بنا أن نعود لتراث البنا لننتبه لاتساع معانى الجهاد والمجاهدة في فهمه، ثم نستكمل عبارته الأخيرة فإذا هو يقصد نوعًا من المجاهدة السياسية سواء في سحب نواب الشعب الثقة من الحكومة المنحرفة، أو عدم منح الأمة ثقتها للنواب المقصرين في أداء واجبهم.

الأمر الثاني ـ أن الإمام البنا كان يدرك ـ مثلما ندرك نحن ـ أن النموذج الذي يطرحه لتغيير المنكر يفتقد للفاعلية في ظل التركيبة السياسية للمجتمع المصري في حينه، غير أنه كان يريد بنشره لهذه الأفكار وقتها التاكيد على أن خياره هو السعي لتفعيل هذا النموذج المشروع قانونًا لأداء التكليف الشرعي المطلوب، وليس تجاوز الأنظمة القائمة - باستخدام العنف مثلا - لمحاولة تحقيق ذات الهدف، ولعله يمكن استجلاء منهجية البنا هذه بأوضح ما يكون عند مقارنتها بمنهجية الدكتور أيمن الظواهري وهو يعلق على مقال الإمام البنا المذكور مستهجنا منطقه في تفعيل دور السلطه النيابية في تغيير المنكر ( إن هذه الحكومة أسيرة قوات الاحتلال البريطانية، التي تحكم مصر في الحقيقة، وإن الانتخابات ـ حتى لو جاءت بنواب مسلمين للبرلمان ـ ستعجز عن مواجهة الإنجليز، وسلطة كهذه لايمكن أن يسند لها سلطة تغيير المنكر وإن هذه هي المشكله الحقيقية التي يجب مواجهتها بنزع الشرعية عنها والدعوة لخلعها).

فالرؤيتان تتفقان في القناعة بعجز سلطات الحكم عن تغيير المنكر، ولكن تختلفان عما يوجبه هذا العجز، فالبنا يسعى نحو علاج هذا العجز لتفعيل الآليات القائمة، بينما المنهجية الأخرى تبني على هذا العجز سقوط شرعية سلطات الحكم، ومن ثمَ تسعى لخلعها.

ومن المفيد التذكير أن البنا لم يصدر عنه ما يشير إلى تهوينه من الجهد الشاق الذي يتطلبه تفعيل الآليات القائمة من الناحية السياسية ـ وكذلك من الناحية الفكرية ـ ولكن إعمال فقه الموازنات يقتضي المقارنة بالجهد المطلوب لإنفاذ البديل الآخر، وفرص النجاح القائمة لكل بديل.

النظرة الثانية ـ البنا بين نفوره من مصطلح الثورة وقبوله للنشاط الثوري

للإمام البنا منهجية خاصة في التعامل مع الألفاظ والتعبيرات الشائكة، فمثلا على قدر ما نال مصطلح الأحزاب من نقدٍ قاسٍ منه، فإنه لا مانع لديه من أن يصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها حزب سياسي نظيف، والمفهوم هنا أنه إذ ينتقد أو يرفض المدلول الاصطلاحي المتداول فإنه لامانع لديه من قبول المعاني الإيجابية المباشرة لمثل هذه الألفاظ بعيدا عن دلالاتها كمصطلحات.

هذه كانت مقدمة مطلوبه عند النظر في تعامل البنا مع كلمة “ الثورة” ومشتقاتها، فالأصل أن تعامله معها كمصطلح يأتي في معرض النفور؛ انظر لعبارته الشهيرة في رسالة "المؤتمر الخامس" (أما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولايعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها) فهي تحمل مخاطر الفوضى التي لا يملك أحد أن يتحكم فيها، أو يتنبأ بمآلاتها، أو يتحوط لنتائجها. رسالة المؤتمر الخامس - مجموعة رسائل الامام البنا.

ورغم ذلك فلا حرج لديه من اعتبار الإسلام ذاته ثورة ( إن الإسلام ثورة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، يزلزل الأوضاع الفاسدة، ويحطم صروح البغي والعدوان الشامخة، ويجدد معالم الحياة وأوضاعها، ويقيمها على أثبت الدعائم).

للإمام البنا منهجية خاصة في التعامل مع الألفاظ والتعبيرات الشائكة، فمثلا على قدر ما نال مصطلح الأحزاب من نقدٍ قاسٍ منه، فإنه لا مانع لديه من أن يصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها حزب سياسي نظيف، والمفهوم هنا أنه إذ ينتقد أو يرفض المدلول الاصطلاحي المتداول فإنه لامانع لديه من قبول المعاني الإيجابية المباشرة لمثل هذه الألفاظ بعيدا عن دلالاتها كمصطلحات.(والحقيقة فإن المفهوم من تناول البنا للثورة “كمصطلح “ أنه ينظر إليها كعملية تفاعلات اجتماعية تلقائية تحدث في المجتمع نتيجة الضغوط والمظالم التي يكابدها أفراده) ستؤدي حتما إلى ثورة من ضغط الظروف والأحوال. رسالة المؤتمر الخامس - مجموعة رسائل الامام البنا.

على أن هذا الرفض لا ينسحب لدى الإمام البنا على صورة من الحراك الشعبي الذي يمكن أن تلجأ إليه الأمة ـ كاستثناء على الأصل ـ إذا عجزت الآليات الطبيعية عن القيام بعملية التغيير التي تسعى إليها وفق ما عرضناه في النظرة السابقة، فهو يطرح تصوره في هذه الحالة (عند انحراف القيادة ـ الحكومة ـ عن الصراط المستقيم، حينئذ وحينئذ فقط، تظهر الزعامة الشعبية، ومن ورائها الأمة فتقوّم ما اعوج من سير الحكومة بالنصح ثم باللوم ثم بسحب الثقة والعزل)، من تراث الامام البنا ـ الجزء 9 ـ ص 322 مقال معسكرات ثلاث ـ جريدة الاخوان اليوميه 8 ـ 4 ـ 1948

ولا ريب أن مثل هذا الفعل يمكن أن نطلق عليه أنه "نشاط ثوري" لما فيه من نقض لشرعية الحكام من خلال الأمة التي تتحرك خلف زعامتها الشعبية، وقد يتحفظ البعض على هذا التعبير مثلما هو الحال عند الإمام البنا وفق مفهومه للثورة الذي اجتهدنا في تبينه.

على أن خطورة المآلات هنا تفرض علينا أن نتجاوز الاهتمام بضبط المفاهيم إلى السعي لتبين الضوابط المستفادة من فكر البنا في التعامل مع مثل هذه الحالة:

الضابط الأول ـ أن لجوء الأمة لهذا الخيار "ذي الطبيعة الثورية" يتعين أن يظل في إطار الاستثناء على الأصل الذي يجب أن نجتهد في تفعيله ما استطعنا، وقد يفهم البعض حديث البنا عن استخدام الاليات الدستورية في التغيير على النحو السابق ذكره باعتبارها مجرد دعوة شكلية بعيدة عن الواقع، إلا أن أهميتها تنبع من صلتها الوثيقة بالمستقبل، فنحن هنا لا نستهدف معالجة حاله قد تتكرر بعد ذلك مرة أو مرات، ولكن لبناء وترسيخ نظام يستوعب التعامل مع كافة هذه الحالات، فنهج البنا يقتضي ألا تقتصر الغاية من استخدام هذا الخيار ذي الطبيعة الثورية – إذا كان محتما - على معالجة انحراف حاكم من الحكام، ولكن تجاوز ذلك للتمكين لمبدأ استخدام الآليات الدستورية في القيام بتلك المهمة مستقبلا، وهي غاية أكثر اتساعا وسيكون لها أثرها – لا ريب – على طبيعة المعركة، وعلى نوعية القوى التي يمكن أن تلتف حول طرفي الصراع، إذ إن المواجهة لن تقتصر على نظام إستبدادي بعينه ولكنها ستمتد لتواجه الثقافة الاستبدادية من جذورها.

الضابط الثاني ـ حديث البنا عن "ظهور الزعامة الشعبية، ومن ورائها الأمة" يجب أن يحيي في أذهاننا أن تلك هي مهمة الأمة ابتداءً، وأن هناك في ميراثنا الإسلامي معنى مستقر بشأن أهل الحل والعقد الذين يعبرون عن رأي الأمة، والذين يحددهم البنا في (أهل الفقه والاجتهاد، وأهل الخبرة في الشئون العامة، ومن لهم نوع قيادة ورئاسةٍ في الناس كزعماء البيوت والأسر، وشيوخ القبائل، ورؤساء الجماعات). رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الاسلامي - مجموعة رسائل الإمام البنا.

وبالطبع ينضم لهم من يماثلونهم في الدور القيادي وفق تطور حياة المجتمعات، فهؤلاء ـ من ناحية ـ هم أصحاب الحق في التعبير عن موقف الأمة من نزع شرعية الحكومة، ومن ناحية أخرى يمثلون الزعامة الشعبية صاحبة المكانة والقادرة على تحريك الأمة للضغط على الحكام للرضوخ لقرار العزل.

ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن احراز تقدم ذي وزن على هذا المسار يعني التحول لحالة مختلفة جذريا عن الواقع الذي نعايشه في بلادنا هذه الآونة من زاويتين:

الزاوية الأولى ـ أن النجاح في تحريك قوة الجماهير العارمة يعني أن المواجهة أصبحت بين نظام معزول وإرادة شعبية عامة وليس مجرد فصيل من الفصائل أو تيار من التيارات.

الزاوية الثانية ـ إن الحركة الجماهيرية الواسعة، وتحول النظام إلى العزلة، تعني ـ فيما تعنيه ـ تآكل شرعية هذا النظام تدريجيا، ومن ثم استعادة الأمة ـ بذات القدر ـ لشرعيتها الأصيلة بما في ذلك حقها في استخدام القوة ضد من لا ينصاع لهذه الشرعية.

وبالطبع فمن المسلم به أن المسألة تتطلب جهادا شاقا على أرض الواقع؛ فالحكام الذين تسعي الأمة لخلعهم يتترسون ما استطاعوا بالدولة وأجهزتها، وما أدراك ما الدولة الحديثة في بلادنا وقد توحدت مكوناتها في تنظيم شمولي واحد فرض وصايته على أهلها.

وعلى الجانب الآخر كيف هو حال الأمة اليوم وقد امتصت الدولة الحديثة منها عافيتها، وحرمتها من فاعليتها، وكان آخر عهدها بشعورها بكرامتها ـ ويا للمفارقه ـ يوم أن كانت تقاوم المحتل المعتدي على أرضها.

علي أية حال يكفينا هنا التأكيد على أن هذه هي مهمة الأمة، يتزعمها في القيام بها قادتها ـ الذين تسمع لهم، ويعبرون عنها ـ في تكويناتها الاجتماعية المستقرة، وليست مهمة فصيل من الفصائل مهما اشتدت قوته أو تحمست قيادته، وهي مهمة صعبة ولا ريب، فهل ما زالت لهذه التكوينات فاعليتها؟ أو قل كيف نعيد لها هذه الفاعلية؟

وهل ما زالت قياداتها معبرة عن عموم أفرادها؟ أو قل كيف نحقق التمثيل الحقيقي لهؤلاء الافراد؟ وكل هذه ـ وغيرها ـ أسئلة مشروعة، تمثل تحديات يتعين التغلب عليها، لا اليأس من مواجهتها، ولكن ليس من الحكمة – في كل الأحوال – الاستخفاف بها وتجاوزها.

الضابط الثالث ـ وهو وثيق الصلة بمقتضيات الضابط السابق، فمع استبطاء فصيل من الفصائل الوصول لإجابات هذه الأسئلة الصعبة، وتحريك تلك التكوينات المتكلسة، فإنه ينتدب نفسه بديلا ليس فقط عن قيادات هذه التكوينات الاجتماعية للأمة، بل وعن الأمة بكاملها بعد أن استسلم لصعوبة تحريكها، ولما كانت طاقته ـ مهما قويت ـ لا تتناسب مع هذه المهمة فإنه يجنح لاستخدام العنف لعله يوفي بها، فيكرر تجارب مؤلمة لم يتم الاعتبار بها، ويهدر طاقات ضخمة في غير مسارها الصحيح، ويضيع آمالا واسعة كان من غير البعيد تحقيقها، ولا نسأم من أن نذكّر هنا بزوايا النظر التي أكد البنا في رسالة “المؤتمر الخامس” على ضرورة إعمالها عند التفكير في استخدام القوة.

إقرأ أيضا: الإخوان المسلمون" يفككون علاقتهم بالعنف.. ملامح السلمية في تجربة الجماعة (1)

إقرأ أيضا: الإخوان والحكم قبل الثورة.. كيف فهم البنا شرعية النظام الملكي؟ (2)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير البنا العنف الاخوان موقف عنف اخوان البنا موقف سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإخوان المسلمین المؤتمر الخامس استخدام العنف استخدام القوة الإمام البنا التعامل مع البنا فی یمکن أن فإنه لا من خلال لدیه من على أن

إقرأ أيضاً:

إحالة ميدو للمحكمة الاقتصادية بتهمة التشهير بالحكم محمود البنا

قررت جهات التحقيق المختصة في مصر الجديدة إحالة قضية التشهير المتهم فيها لاعب الزمالك السابق والإعلامي أحمد حسام "ميدو" إلى المحكمة الاقتصادية، وذلك في ضوء البلاغ المقدم من الحكم الدولي محمود البنا، والذي حمل رقم 4800 لسنة 2025.

مصدر: الزمالك يطلب التعاقد مع مدافع زد لتعويض غياب أحمد حسامألف سلامة عليك يا حبيبي.. عواد يدعم أحمد حسام بعد الإصابة

وكانت النيابة قد أخلت سبيل ميدو في وقت سابق على ذمة القضية، بكفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه، وذلك بعد اتهامه من قبل البنا بالتشهير والإساءة إليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ووفقًا لتصريحات المحامي أحمد العدوي، لصدى البلد، دفاع الحكم محمود البنا، فإن قرار الإحالة للمحكمة الاقتصادية جاء بعد فحص البلاغ من قبل وحدة تكنولوجيا المعلومات، نظراً لاختصاص المحكمة بالنظر في قضايا النشر الإلكتروني والجرائم المعلوماتية.

طباعة شارك جهات التحقيق أحمد حسام لاعب الزمالك السابق الإعلامي أحمد حسام مصر الجديدة

مقالات مشابهة

  • حمدي رزق: مشاهد انتخابات الشيوخ ترسيخ للمناخ الديمقراطي.. فيديو
  • الجغبير: الوقوف إلى جانب غزة لم يكن يوماً محل مساومة بل خيار وطني لا نقاش فيه
  • تحرّك أميركي-سعودي ضاغط على لبنان: خيار الدولة أو العزلة
  • نيودلهي ترفض الضغوط الأمريكية: النفط الروسي خيار استراتيجي لا مساومة عليه
  • إحالة أحمد حسام ميدو للمحكمة الاقتصادية بتهمة سب وقذف الحكم محمود البنا
  • إحالة ميدو للمحكمة الاقتصادية بتهمة التشهير بالحكم محمود البنا
  • إحالة أحمد حسام ميدو للمحاكمة بتهمة سب الحكم محمود البنا
  • خيار مثالي للفطور أو الغداء.. طريقة عمل العدس بجبة شكشوكة
  • حركة ضمير تدعو إلى إصلاحات سياسية ومؤسساتية عميقة وتحذّر من تراجع الحريات