إيكونوميست: قائد الجيش الباكستاني يتقرب من ترامب
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
قالت صحيفة إيكونوميست إن قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير الذي تعرض لانتقادات لاذعة بسبب تدخله في السياسة، لم يكن يتمنى أكثر من علاقات خاصة مع واشنطن واستبعادها للهند.
وأوضحت الصحيفة أن حظوظ المشير، الذي حظي بغداء خاص مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد الحرب القصيرة بين باكستان والهند، تعكس تحولا في السياسة الأميركية، يؤثر على الهند والصين والشرق الأوسط، بعد أن أرهقت الديون وعنف المتمردين باكستان، وهمشتها في المشهد الجيوسياسي فترة طويلة كانت فيها أميركا ودول غنية أخرى تغازل الهند، خصم إسلام آباد اللدود.
وبعد أن تدهورت العلاقات الوثيقة بين أميركا وباكستان بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مخبئه الباكستاني عام 2011، ها هو ترامب يشيدا باتفاقية تجارية جديدة مع باكستان ويصف الهند بـ"الاقتصاد الميت"، ويفرض عليها رسوما جمركية بنسبة 25%.
وترى الصحيفة أن أميركا وباكستان تعيدان بناء العلاقات الآن مع التركيز على التجارة ومكافحة الإرهاب والتشاور بشأن سياسة الشرق الأوسط، وقد تبيع أميركا الأسلحة مرة أخرى إلى باكستان التي تحصل حاليا على حوالي 4 أخماس أسلحتها من الصين، مما يعني أن السياسة الباكستانية عند نقطة تحول هي الأخرى، حسب الصحيفة.
متدين وعمليومع أن رئيس الوزراء ولاعب الكريكيت السابق عمران خان المسجون لا يزال يتمتع بدعم شعبي واسع النطاق، فقد ارتفعت شعبية المشير منير منذ الحرب مع الهند، حيث تدور شائعات بأنه قد يصبح رئيسا أيضا، فاتحا بذلك فترة رابعة من الحكم العسكري لباكستان منذ استقلالها عام 1947.
ونبهت الصحيفة إلى أن مستقبل ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم، وعلاقاتها مع أميركا والهند والصين يعتمد بشكل متزايد على ما يريده المشير منير تحديدا، علما أن المتحدث العسكري الباكستاني الجنرال أحمد شريف شودري صرح بأن الحديث عن تولي المشير الرئاسة "هراء".
إعلانوعلى عكس معظم القادة العسكريين، فإن المشير ابن إمام، تلقى تعليمه في مدرسة دينية ويحفظ القرآن عن ظهر قلب، وهو أول قائد للجيش الباكستاني لم يتلق تدريبا في أميركا ولا بريطانيا، ومع ذلك، يقول شودري إنه "على معرفة جيدة" بالغرب، ويعارض بشدة الجماعات الجهادية العاملة على الأراضي الباكستانية.
ووصف بعض من يلتقون بقائد الجيش المشير بأنه متدين وعملي، وذو اهتمام كبير بالاقتصاد، وبأنه معجب بجهود التحديث التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وذكروا أنه يتميز بالميل للانتقام وسرعة الانفعال، كما أن شهيته للمخاطرة أكبر من شهية سلفه، الذي فضل دبلوماسية هادئة، لم تثمر في نهاية المطاف مع الهند.
وفي خطاب للمشير قبيل الحرب الأخيرة مع الهند، أشار البعض إلى أنه كان يرتجل عندما استحضر فكرة استحالة التعايش بين الهندوس والمسلمين في دولة واحدة، ووصف كشمير بأنها "وريد الهند"، وقال شودري إنه كان يعبر عن "ما يمثله، وما هو مستعد للموت من أجله"، جزئيا كرد فعل على صعود القومية الهندوسية في الهند.
دعم أميركيومع أن طموحات عاصم منير السياسية غير مؤكدة، فإن البعض يتوقع أنه قد يستحوذ على الرئاسة قريبا للاستفادة من شعبيته المحلية وولع ترامب بالرجال الأقوياء، مما سيؤدي إلى ترسيخ سلطته، ويبعد خطر حلول قيادة مدنية أقل طاعة محله كقائد للجيش عندما تنتهي ولايته الحالية في عام 2027.
وتتوقع الصحيفة أن يحظى المشير بدعم أميركا، بعد ما نال مؤخرا إشادتها لقتله وأسره قادة فرع محلي من تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة أنه أثار اهتمام شركاء ترامب بقطاعي العملات المشفرة والتعدين في باكستان، كما يرشح باكستان كوسيلة محتملة لتعزيز مصالح أميركا مع إيران وجهودها الرامية إلى إقناع المزيد من الدول الإسلامية بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وصف بعض من يلتقون بقائد الجيش منير عاصم بأنه متدين وعملي، وذو اهتمام كبير بالاقتصاد، وبأنه معجب بجهود التحديث التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان
وبالفعل خففت أميركا من انتقاداتها لبرنامج باكستان لبناء صواريخ باليستية بعيدة المدى، كان مسؤولون من إدارة الرئيس السابق جو بايدن يعتبرونه تهديدا لأميركا، كما استأنفت بعض برامج المساعدات، وهي تدرس بيع أسلحة، بينها مركبات مدرعة ونظارات للرؤية الليلية، لمساعدة باكستان في مكافحة المتمردين المحليين.
وخلصت الصحيفة إلى أن المشير يهدف إلى بناء علاقة أكثر استدامة ومتعددة الجوانب مع أميركا، رغم ضعف مناخ الاستثمار في باكستان، ورغم انعدام الثقة المتبادل بشأن مكافحة الإرهاب، وذلك في وقت تسعى فيه باكستان إلى ألا تكون العلاقات مع أميركا على حساب الصين.
أما الجارة العدو الهند، فيريد المشير منير عاصم جلبها إلى طاولة المفاوضات، رغم أن رئيس وزرائها ناريندرا مودي، عازم على المقاومة، وقد تعهد بالرد على أي "هجمات إرهابية" أخرى بمزيد من العمل العسكري.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات ترجمات
إقرأ أيضاً:
حين تصطدم مصالح أميركا بدولة الاحتلال: الأولوية للأولى
كان دونالد ترامب يأمل بأن يتزامن توقيع اتفاق تبادل الأسرى، الذي تم التوقيع عليه قبل ثلاثة أيام، مع دخوله إلى البيت الأبيض، حيث نجح الوسطاء حينذاك في الحصول على موافقة المقاومة، لكن بنيامين نتنياهو المطلوب لـ»الجنائية الدولية» استمر في التلاعب بالبيت الأبيض وأفشل تلك الصفقة.
في حينه لم يكن ترامب يتحدث عن وقف الحرب العدوانية، والبدء بعملية سلام في الشرق الأوسط كما يفعل اليوم، بل كان كل همّه أن يضع وسم بطولته على اتفاق يؤدّي إلى الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين فقط.
وكما نجح نتنياهو في التلاعب بإدارة جو بايدن، استمراراً لنهج التلاعب، بإدارات سابقة، فإنه نجح في التلاعب بإدارة ترامب لأكثر من تسعة أشهر، منحه خلالها الأخير أكثر من فرصة، وقدم له كل ما يلزم، لإنهاء المهمة، لكنه فشل في تحقيق أي من أهداف الحرب إلّا ما يتصل منها بتدمير قطاع غزّة، ورفع الكلفة البشرية، وتجفيف أسباب الحياة في القطاع.
لم يتوقف نتنياهو عن ترديد أهدافه من مواصلة الحرب الهمجية، بدءاً بتدمير وتفكيك حركة المقاومة، إلى الإفراج بالقوة عن أسراه، إلى تهجير سكان القطاع، وإعادة احتلاله واستيطانه.
ترامب عملياً وعلنياً تبنّى تلك الأهداف وتحدث عن «ريفيرا الشرق الأوسط» من دون أهل القطاع، لكنه أسلم إلى الفشل هو الآخر، حتى فاض به الكيل واضطر إلى التدخل بقوة، لإنهاء الحرب العدوانية عبر المفاوضات.
جاء ذلك بعد الفشل في غزّة، والفشل في إسقاط النظام الإيراني وتدمير مشروعه النووي، والفشل في إخراج جماعة «أنصار الله» «الحوثيين» اليمنية، من معادلة الصراع لفتح الطرق أمام التجارة الدولية، وبعد التحوّلات التي وقعت بعد إقدام دولة الاحتلال على الاعتداء على قطر وفشل عملية اغتيال وفد «حماس» المفاوض.
بعظمة لسانه قال ترامب، إنه لا يستطيع المواصلة في مواجهة العالم الذي تحوّل عن دعم الحرب الأميركية الإسرائيلية.
يبدو أن ترامب أدرك متأخراً، أن نتنياهو الفاشل يحاول التلاعب به وبإدارته، وأنه يهدد المصالح الأميركية في المنطقة، وأيضاً يدفع نحو عزلة متزايدة لأميركا والدولة العبرية على المستوى الدولي.
لا يغيب عن ترامب، المخاطر المترتبة على التحولات في الرأي العام الأميركي، بما في ذلك الحزبان «الديمقراطي» و»الجمهوري»، والتي تشير استطلاعات رأي أميركية متكررة، إلى أن هذه التحولات، ضربت في العمق السردية الإسرائيلية، وباتت تضغط بقوة على المستوى السياسي الأميركي.
ويقف خلف قرار ترامب بإنهاء الحرب حرصه الشديد على إنقاذ دولة الاحتلال من نفسها، بعد أن أخذها نتنياهو وائتلافه «اليميني» المتطرّف، إلى حافّة الهاوية، كما يعترف عديد المسؤولين الإسرائيليين.
هذا التحوّل في موقف ترامب جاء، أيضاً، بعد تجاوز الخط الأحمر، حين أقدم على قصف الدوحة، الأمر الذي أدخل الشكوك، وأثر سلبياً على ثقة حلفاء أميركا في المنطقة إزاء تعهداتها بحماية أمنهم واستقرارهم.
كان يمكن لترامب، أن يتحمل لبعض الوقت غضب حلفائه من العرب، لو أن نتنياهو نجح في تحقيق أهداف الحرب، وأن يستعيد القدرة على إخضاعهم، تحت تأثير القدرة الإسرائيلية ولمواصلة نهب ثروات الخليج العربي، والحصول على مزيد من الأموال لكنه لم يعد قادراً على حماية مصالح بلاده في المنطقة، مع استمرار الفشل الإسرائيلي الذي لم يعد يقف عند سقف محدّد.
هكذا علينا أن نصل إلى قناعة، بأن ترامب لم يكن جادّاً وحازماً كما هو اليوم، إزاء وضرورة وقف الحرب البربرية، ومحاولة تحقيق أهدافها بطرق دبلوماسية.
في التوقيت، أيضاً، لا يمكن أن نستبعد كهدف شخصي سعي ترامب، للحصول على «جائزة نوبل للسلام»، لكن هذا الهدف ما كان كافياً لتفسير الأمر، مهما قيل في نرجسية ترامب.
ليست غزة مؤهّلة، لأن تكون تحت الوصاية الأميركية كما يعتقد الكثيرون، ويرغب ترامب، فهذه مسألة لا تزال محل تفاوض ونقاش. ولكن الأكيد أن دولة الاحتلال أصبحت تحت الوصاية الأميركية، إذ لم يكن نتنياهو حرّاً في التصرف، واتخاذ القرار، بل كان عليه الانصياع للقرار الأميركي.
يشهد على ذلك، اجتماعه مع ويتكوف وكوشنر قبل الدخول إلى اجتماع الحكومة، للمصادقة على الصفقة، وحضورهما الاجتماع لنصف ساعة كانت كافية لضمان اتخاذ القرار.
ويشهد على ذلك، أيضاً، بدء أميركا، بإنشاء وحدة عسكرية من 200 جندي، يقيمون في إحدى القواعد العسكرية الإسرائيلية لمراقبة تنفيذ الاتفاق. مقابل ذلك تؤكد المصادر الأميركية أنها ليست في وارد إرسال أي قوات عسكرية إلى القطاع.
ويشهد على ذلك، أيضاً، الزيارة التفقدية التي أجراها الوفد الأميركي، بصحبة قائد القوات الأميركية ورئيس أركان جيش الاحتلال، إلى غزة، للوقوف على مدى الالتزام بمرحلة الانسحاب الأولى لجيش الاحتلال.
في حين يتحول ترامب إلى نتنياهو فوق مهامه، يبدو الأخير مجرد ناطق إعلامي يحاول ترميم صورته في المجتمع الإسرائيلي، وتسويق مشهد انتصاري لا يقنع حتى أقرب المقرّبين إليه.
رحلة العودة عن الحرب الدموية قد بدأت، إلى غير رجعة في هذه الجولة من الصراع الدامي، وأقصى ما يمكن أن يفعله نتنياهو، هو أن يجد الذرائع لمواصلة القصف بين الحين والآخر، كما يجري مع لبنان.
اليوم ستشهد مدينة شرم الشيخ المصرية قمة عالمية يحضرها زعماء 20 دولة، أوروبية وشرق أوسطية، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ومسؤولي وكالات دولية، للإشراف على توقيع الاتفاق، وبحث سبل متابعة السلام في المنطقة، ولضمان سريان الاتفاق من دون عراقيل.
الاحتفال بالتوقيع ليس أكثر من إظهار عزم المجتمع الدولي على متابعة إنجاح الصفقة، التي تحتاج إلى مزيد من المفاوضات، للاتفاق على بقية بنودها، التي تنطوي على إشكاليات أو غموض.
هذا المشهد الذي يرتسم في شرم الشيخ يذكّرنا، بمشهد توقيع اتفاقية أوسلو في حديقة البيت الأبيض، في أيلول 1993، وبحضور دولي أوسع، فهل يتكرر ما وقع لذلك الاتفاق أم أن الأمور مختلفة هذه المرة؟
مصداقية أميركا، ومصالحها على المحكّ هذه المرة، فلقد أحدثت الحرب الإبادية والتجويعية على غزّة زلزالاً شديداً على المستوى الدولي، استعادت خلالها القضية الفلسطينية مكانتها في صدارة القضايا التي تهدّد السلم العالمي، وتهدّد النظام الدولي السائد.
وفي ذلك الوقت كان نتنياهو في بداية شبابه وعهده في الحكم، فهل ستتيح له المتغيرات الداخلية، والخارجية الفرصة لإعادة عجلة التاريخ إلى الخلف؟ أشكّ في ذلك.
الأيام الفلسطينية