تحدٍ صهيوني مستمر للعالم.. إمعان في تكريس الاحتلال
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
خالد بن سالم الغساني
في خطوة استفزازية خطيرة تؤكد استمرار سياسات الاحتلال التوسعية، والضرب عرض الحائط بكل قرارات الشرعية الدولية، وعدم الاعتبار لأي قانون أو سلطة يمكن أن توقف الغطرسة الصهيونية والجموح الاستيطاني لمزيد من الاحتلال والتوسع فيه، صادق الكنيست الإسرائيلي، بأغلبية ساحقة، على قرار يدعو إلى فرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية وغور الأردن، معتبرًا هذه الأراضي الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من "الوطن التاريخي المزعوم للشعب اليهودي".
ويهمّنا في البداية أن نؤكد أن هذا القرار الصادر عن سلطة احتلال مغتصبة وغير شرعية، فإنه يفتقر إلى أي أساس قانوني بموجب القانون الدولي، ويُعد خرقًا صارخًا لقرارات الأمم المتحدة، لا سيما قراريها رقمي 242 و2334، اللذين يؤكدان على عدم شرعية ضم الأراضي المحتلة بالقوة، كما إنه يتعارض مع اتفاقيات جنيف التي تحظر تغيير طابع الأراضي المحتلة أو نقل سكانها.
ومن ناحية أخرى، وبالرغم من خطورته، إلا أنه لا يمثل شيئًا جديدًا في إطار النهج الاحتلالي الذي تمارسه سلطات الكيان المحتل، التي لم تتوانَ في اتخاذ أي قرار أو فعل لتدعيم سلطاتها الاستيطانية على الأراضي العربية المحتلة، إلا أن دلالاته السياسية والاستراتيجية تكشف عن تصعيد متنامٍ وغير مسبوق في سياسات الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، بهدف تكريس الاحتلال وإجهاض أي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإمعان وإصرار على تحدي كل تلك الأعراف والقوانين الدولية.
يأتي هذا القرار في سياق إجماع متزايد داخل الائتلاف الحاكم اليميني والمتطرف في إسرائيل، الذي يرفض بشكل قاطع حل الدولتين، ويعتبر إقامة دولة فلسطينية تهديدًا لما يسمى بـ"المستقبل الإسرائيلي" المبني أساسًا على مستقبل شعب شُرّد وطُرد من أراضيه بالقوة، بعد أن مورست بحقه وأرضه أبشع أنواع القتل والتهجير والتدمير، من قبل كيانٍ محتل غاشمٍ وساديٍ وقح.
إنه يعكس محاولة أخرى واضحة لفرض أمر واقع على الأرض من خلال ترسيخ السيطرة على الضفة الغربية، مستندًا إلى مبررات أيديولوجية تربط بين أحداث عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، وادعاءات أمنية تُروّج لضرورة اتخاذ خطوات "استراتيجية" لضمان هيمنة الاحتلال. وفي الواقع، فإن هذه الخطوة ليست سوى استمرار لسياسات الضم والتوسع الاستيطاني، التي تهدف إلى تهميش الفلسطينيين وتغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للأراضي المحتلة.
إنه تحدٍّ سافر للشرعية الدولية، كما تعوّدت سلطات الكيان، لكنه يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية جادة للتصدي لهذه الانتهاكات التي تسعى إلى تقويض كل فرص يمكن أن تحقق السلام العادل والشامل. إنه يُفاقم التوترات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والعمليات العسكرية اليومية في الضفة الغربية، وسياسة التجويع التي تستهدف حياة الفلسطينيين وتقتل من تبقى منهم.
إن تصريحات مسؤولي الاحتلال التي تدعو إلى ضم الضفة الغربية وغزة مع تهجير الفلسطينيين الذين يرفضون الخضوع للسيادة الإسرائيلية، تؤكد على تكريس نظام فصل عنصري في الأراضي العربية المحتلة، وتنفيذ عمليات نزوح قسري واسعة النطاق.
من ناحية أخرى، فإن هذا القرار يُشكّل دعمًا مباشرًا لسياسات التوسع الاستيطاني، التي تتسارع عبر إخلاء مجتمعات الرعاة الفلسطينيين قسرًا، وتوسيع البؤر الاستيطانية، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي. هذه الإجراءات تهدف إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية، وتفتيتها إلى جيوب معزولة، مما يجعل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة مستحيلة عمليًا. كما يُضعف السلطة الفلسطينية، التي تُعاني أصلًا من أزمة شرعية داخلية بسبب الانقسام السياسي ومحدودية سلطتها تحت الاحتلال، مما يُعزز من حالة الإحباط الشعبي ويُعمق التوترات الداخلية.
إن الشعب الفلسطيني الذي يواصل مقاومته الباسلة بكل الوسائل المشروعة، يجد نفسه مع هذا القرار أمام تحدٍّ وجودي يتطلب منه شحذ قواه، وإعادة تنظيم صفوفه ورصّها لتصعيد المقاومة الشعبية والمسلحة للدفاع عن أرضه وحقوقه الثابتة.
وإن استمرار سلطات الاحتلال في تحدي قرارات الشرعية الدولية التي أصبحت مجرد "أحبار على ورق" أمام تعنت الكيان الصهيوني، يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، يتطلب استجابة دولية حاسمة تتجاوز البيانات الشكلية إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل، بما في ذلك وقف الدعم العسكري والمالي، وتفعيل آليات المساءلة عبر المحكمة الجنائية الدولية. كما إنه يدعو الدول المحبة للسلام إلى تعميق عزلة إسرائيل دوليًا، ودعم الحملات الشعبية وحركة المقاطعة وفرض العقوبات.
إن قرار الكنيست إعلانٌ صريح لتكريس الاحتلال وإنهاء أي أمل بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني؛ ذلك أنه يُغلق أبواب التسوية السياسية بشكل نهائي، ويُؤكد أن الصراع مع الاحتلال إنما هو صراع وجودي تؤكده كل ممارسات سلطات الكيان المحتل. إنه يستهدف استئصال الشعب الفلسطيني من أرضه، وفي مواجهة هذا التحدي يواصل الشعب الفلسطيني تمسكه بخياراته المشروعة، عبر المقاومة بكل أشكالها، للدفاع عن حقه في الأرض والسيادة والعودة. وعلى العالم أن يتحمّل مسؤولياته التاريخية، ولا يكتفي فقط بإدانة هذه السياسات، بل إنه مطالب باتخاذ إجراءات عملية لردع الاحتلال ودعم نضال الشعب الفلسطيني، ففي ظل إمعان سلطات الاحتلال في تحدي العالم، يبقى العمل على تعزيز صمود الفلسطينيين ومقاومتهم الباسلة، هو الرد الأقوى على هذا العدوان، والضمانة الحقيقية لاستمرار القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعدالة والحرية في العالم.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی الضفة الغربیة هذا القرار
إقرأ أيضاً:
فلسطينيون يتظاهرون في أنحاء الضفة الغربية تضامنًا مع غزة
تظاهر آلاف الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية، أبرزها رام الله ونابلس والخليل؛ احتجاجًا على الحرب المستمرة في غزة، وتضامنًا مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
رفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، وحملوا صورًا لضحايا ومعتقلين، ولافتات تحذّر من المجاعة المتفاقمة في غزة.
وأكدت هيئة شؤون الأسرى أن أعداد المعتقلين ارتفعت بشدة منذ اندلاع الحرب، بعضهم لأسباب تتعلق بحرية التعبير.
كما شارك أطفال في التظاهرات مرتدين قمصانًا كتبت عليها شعارات مثل “جوعانين” و”غزة تموت”، في إشارة إلى النقص الحاد في الغذاء.
يُذكر أن المساعدات إلى القطاع ما زالت تواجه قيودًا صارمة، وتقول منظمات أممية: إن الفوضى تحول دون وصول الغذاء إلى مستحقيه.