أكاذيب الصهيونية.. «الأكاذيب الأصولية 1»
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
من نافلة القول التمييز بين اليهودية والصهيونية، ولكن هذا التمييز يجب التأكيد عليه دائمًا؛ لأن بعض الناس يخلطون بينهما، وأكثرهم لا يدركون العلاقة المعقدة بينهما رغم اختلافهما التام من الناحية الأصولية. ويمكن القول في صيغة منطقية بسيطة للغاية: «ليس كل يهودي صهيونيًّا»: فاليهودية هي ديانة مستمدة من التوراة ومن التعاليم الدينية الروحية لدى أنبياء اليهود، فضلًا عن المرويات والأساطير والحكايات الخرافية لدى شعب اليهود على مر العصور.
«أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»: تلك هي الأكذوبة الأولى التي روجت لها الصهيونية، وهي تعني أن أرض فلسطين تخلو من أي شعب حقيقي في مقابل اليهود الذين هم شعب بلا أرض؛ ولذلك فإن هذا الشعب اليهودي يجب أن يستوطن أرض الميعاد التي تمتد من وادي العريش (أي من نهر النيل) إلى نهر الفرات. يستخدم اليهود الوعد الإلهي دون تأويل لسياقه ونبوءته الرمزية باعتباره وعدًا من الرب لجماعات من البدو الرحل بأن ينعم عليهم بالاستقرار في أي من المناطق الآهلة الصالحة للسكنى؛ ومثل هذا الوعد- كما يقول الفيلسوف جارودي- كان شائعًا في بلاد ما بين النهرين لدى الحيثيين والمصرين القدماء، إذ نجد مدونًا على المسلة الكبرى في الكرنك رسالة من الإله إلى تحتمس الثالث تبارك انتصاراته بالقول: «أمنحك هذه الأرض بامتدادها في جميع الجهات لكي تكون شرعًا لك» (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، ص. 45). والحقيقة أنه يمكننا القول بأن الديانات عادةً ما تخاطب معتنقيها باعتبارهم الأسمى ما داموا يتبعون تعاليمها، وبأن الإله سيجازيهم عن ذلك خير الجزاء. ولذلك، فإن مثل هذه الوعود الدينية ينبغي فهمها أو تأويلها في سياقها التاريخي باعتبارها وعدًا إلهيًّا لشعب ما في عصر ما وزمان ما.
كما أن ترويج مقولة «شعب الله المختار» لا ينبغي فهمها باعتبارها حكمًا إلهيًّا مطلقًا يصدق في كل زمان ومكان، وإنما باعتبارها مرتبطة بسياق زماني معين. وعلى سبيل المثال: عندما يؤكد القرآن على هذه المقولة بقوله تعالى» «وإني فضلتكم على العالمين»؛ فإن كلمة «العالمين» هنا تعني كل الشعوب الأخرى التي وعد الله اليهود بأنهم سيعلون عليهم؛ فإن هذا الحكم يخص اليهود قبل نزول القرآن، ولكنه ليس مطلقًا وإنما مشروط بالتزامهم الديني؛ ولذلك فإن وعد الله وتفضيله لهم يصبح بعد ذلك وعيدًا بالعقاب. وعلى النحو نفسه نجد أن القرآن عندما يصدر حكمًا على أمة الإسلام بقوله تعالى: «كنتم خير أمة أُخرجت للناس»، فإن هذا الحُكم ليس مطلقًا، وإنما هو حُكم يتعلق بمن آمنوا بالإسلام واعتنقوه في عصر ما، ولكنه ليس مقصودًا ليسري على المستقبل (ولذلك قال الرسول الكريم: « يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل..»). والمراد مما تقدم هو التأكيد على أن توظيف الدين أو تأويله بحيث يخدم مصالح وأجندات سياسية، هو نوع من الأكاذيب التي يُرَاد الترويج لها وإضفاء نوع من القداسة عليها.
ومن الأكاذيب التي تروج لها الصهيونية أن «القدس عاصمة أبدية لليهود»! والحقيقة أن كلمة «صهيون» تتردد كثيرًا في التوراة، لتشير إلى القدس ذاتها. وتشير الأسطورة الدينية إلى أن صهيون هو حصن يعلو جبل بقرب المسجد الأقصى يُعتقَد أن الإله يسكنه؛ لأن داود بعد أن استولى على الحصن أعاد بناء الهيكل الذي يسكنه الرب ومنه يحكم العالم، «لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ، اشْتَهَاهَا مَسْكَنًا لَهُ» (مزمور 132: 13). ولكن التأويل الكاذب هو ذلك الذي يستخدم هذه الأصول التوراتية والأساطير الدينية حولها لتبرير الاحتلال الصهيوني وعملية الاستيطان كمشروع سياسي قومي نشأ في أوروبا. ومن المهم التأكيد في النهاية على أنه من الخطأ القول بأن «كل الصهاينة يكونون يهودًا»؛ لأن بعض الصهاينة ليسوا يهودًا، إذ إن الصهاينة هم كل أولئك الذين يؤمنون بالمشروع الصهيوني أو يدافعون عنه من أجل أهداف سياسية تخدم الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط. ولذلك فإننا لا ينبغي أن ننسى ما قاله الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عند نزوله من الطائرة في تل أبيب مباشرة بعد أحداث السابع من نوفمبر 2023: «إن المرء لا يحتاج أن يكون يهوديًّا لكي يكون صهيونيًّا».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إنها نهاية الحقبة الصهيونية
لم يَعُد العالم يُصدِّق المُبرِّرات الكاذبة للكيان الصهيوني تجاه غزة وتجاه الشعب الفلسطيني.. شعوب وحكومات تَحوَّلوا، بعد قرابة السنتين من العدوان العسكري والإبادة الجماعية والتجويع المُتعمَّد، إلى نصرة الشعب الفلسطيني، إلى الاعتراف بحقه في الوجود والحياة وإقامة دولته المستقلة. إنها نهاية حقبة دامت منذ 1948، ما فتئ هذا الكيان يلبس خلالها لباس المظلومية، مُدَّعِيا وجوده ضمن محيط معاد من العرب والمسلمين يريدون القضاء عليه.
اليوم لم يعد هناك مَن يُصدِّق أن جيران الكيان أعداء له وقد أصبح لديهم مشروعَ سلام مُتَّفَق عليه، وقد دخلوا في تطبيع ثنائي من دون مقابل، بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي قبلت “التنسيق الأمني” معه حتى ضد فصائل من شعبها.
واليوم أيضا تأكد للعالم أجمع أن هذا النظام الصهيوني الذي ما فتئ يَدَّعي الديمقراطية بات الأكثر ديكتاتورية ودموية ولا إنسانية في المنطقة بعد جريمة التجويع، ثم قتل الجوعى الباحثين عن الغذاء، ثم قتل المرضى من الجوع بِمَنع الدواء عنهم، ثم قتل الأطباء والممرضين والمسعِفين بتدمير المنشآت التي تأوي الجوعى والموتى من الجوع…
اليوم بات الكيان الصهيوني بلا قناع، رمزا للإجرام والظلم في نظر العالم أجمع بما في ذلك شرائح واسعة من الشعب الأمريكي بمن فيهم من معتنقي الديانة اليهودية غير المتصهينين، بل قُلْ بمن فيهم من يهود غير متصهينين داخل الكيان ذاته.. وهي نتيجة تكفي وحدها المقاومة لو أنها اكتفت بها.
لقد بات واضحا أن ما بعد “طوفان الأقصى” هو حقبة أخرى مختلفة تماما وغير إسرائيلية بالتأكيد رغم المحاولات اليائسة لرموز أقصى التطرف الصهيوني في العالم، الثلاثي (نتن ياهو- بن غفير- سموتريتش) إقناع أنفسهم بغير ذلك، وحديثهم المستمر عن وهم مشروع شرق أوسط جديد! متخلفين عن مرحلتهم بنحو نصف قرن من الزمن!
إيران على سبيل المثال في هذا الشرق الأوسط لم تعد بعد اليوم تخشى الضربة القاضية من سلاح الجو الصهيوني بعد أن تَمكَّنت من الرد بالصواريخ الباليستية الدقيقة والفوز بالنقاط بعد العدوان الأخير عليها. يكفي أن الصهاينة الذين بدأوا العدوان هم مَن طالبوا الأمريكان حليفهم الأول بوقف القتال وقد أوجعتهم الضربات الإيرانية وأصيبوا بالإحباط من قدرة إيران على الصمود…
كما أن سوريا التي عملوا على تحطيمها لعقود من الزمن، وبدت لهم بعد سقوط نظام الأسد أنها ستكون لقمة سائغة فإذا بها تتعامل مع اللعبة الدولية بطريقة غير متوقَّعة وتُبيِّن أنه ليس من السهل تمرير المشروع الصهيوني بها وإيصالها إلى حالة التقسيم..
واليمن كذلك، رغم الظروف التي يمرُّ بها، ورغم سنوات الحرب ضده، والعدوان الثلاثي الأخير عليه بمئات الطائرات العسكرية، لم يتم ردعه ولا منعه من مراقبة البحرين الأحمر والعربي ومنع السفن الصهيونية من المرور به فضلا عن منعه من القيام كل يومين بتسديد صواريخه نحو أهداف مُحدَّدة تُجبر ملايين الإسرائيليين للدخول إلى الملاجئ وتشلّ مطارهم الدولي الوحيد…
وكذلك حزب الله الذي تم ضربه في مقتل أكثر من مرة بات اليوم مُتعافيًّا في تنسيق تام مع حكومته لِردع العدو الصهيوني ومنعه من الاستفراد بهذا البلد الصامد.. أما المقاومة أخيرا فيكفي أنها اليوم هي مَن تُحدِّد مصير المفاوضات: إنْ حَضَرَتها تنعقد وإن غابت عنها تفشل.. وها هي اليوم تتَّخذ قرارا شجاعا برفض استئناف المفاوضات مع العدو ما لم يتم وقف حرب التجويع ضد الأبرياء من المدنيين في كافة القطاع، وستنجح في ذلك بإذن الله، وسيضطر الظالمون إلى الاعتراف في آخر المطاف بأن حقبتهم الذهبية قد ولّت إلى غير رجعة وستكون هذه هي آخر مراحل وجودهم في الشرق الأوسط بعد أن ظنُّوا أنهم امتلكوه وسيطروا عليه إلى الأبد.
الشروق الجزائرية