الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام المأزوم
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
أدت برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي على غرار "تشات جي بي تي" إلى تقليص عمليات البحث التقليدية على الإنترنت وحرمان المواقع الإخبارية من بعض عائداتها من الزيارات والإعلانات، مما يشكل ضربة موجعة إضافية لقطاع مأزوم أصلا.
وتوقع مات كاروليان، نائب رئيس قسم الأبحاث والتطوير في مجموعة "بوسطن غلوب ميديا" التي تُصدر الصحيفة اليومية المرموقة، أن "تكون السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة بالغة الصعوبة على ناشري الصحف في مختلف أنحاء العالم، بصرف النظر عن حجمها".
ولا تزال الأرقام الدقيقة في هذا الشأن قليلة، لكن دراسة حديثة أجراها مركز "بيو للأبحاث" (Pew Research Center) أظهرت أن الملخص الذي بات الذكاء الاصطناعي التوليدي يوفره عند إجراء بحث على "غوغل"، غالبا ما يثني مستخدمي الإنترنت عن السعي إلى مزيد من التعمق.
وأصبح عدد المرات التي ينقر فيها المستخدمون على الروابط المقترحة نصف عدد مرات النقر أثناء بحث من دون ذكاء اصطناعي. وبالتالي، باتت نسبة مماثلة من المستخدمين تستغني عن زيارة مواقع وسائل الإعلام الإلكترونية التي تعتمد على عدد الزيارات في إيراداتها الإعلانية واشتراكاتها.
ورأى الأستاذ في جامعة "نورث إيسترن"، جون وهبي، أن "هذا الاتجاه نحو تضاؤل عدد الزيارات" المتأتية من محركات البحث التقليدية "سيتسارع، وسيُصبح الإنترنت عالما مختلفا عما عرفناه".
وسبق لسيطرة بعض الجهات كـ"غوغل" و"ميتا" أن أدت إلى خفض عائدات وسائل الإعلام الإلكترونية من الإعلانات، مما دفعها إلى التركيز في سعيها إلى تحقيق الإيرادات على المحتوى المدفوع والاشتراكات. لكن جون وهبي ذكر بأن الاشتراكات تعتمد أيضا على حركة الزيارات، وأنها "لا تكفي لجعل وسائل الإعلام الكبيرة قادرة على الاستمرار".
إعلانوقال مات كاروليان: "بدأنا نرى اشتراكات عبر تشات جي بي تي" الذي يوفر نقطة وصول جديدة إلى الأخبار، "لكن هذا الاتجاه لا يزال محدودا جدا مقارنة بمنصات البحث الأخرى"، حتى الصغيرة منها. وأضاف: "أما بالنسبة لأدوات المساعدة الأخرى القائمة على الذكاء الاصطناعي، على غرار (بيربليكسيتي)، فإن الحركة أبطأ حتى".
وسعيا إلى الحفاظ على مكانتها في عالم الذكاء الاصطناعي، يستخدم عدد متزايد من الشركات تقنية "تحسين محركات البحث التوليدية" "جي إي أو" (GEO) التي تشكل بديلا من تقنية "تحسين محركات البحث" "سي إي أو" (SEO)، وهي طريقة لتحسين ترتيب موقع إلكتروني في نتائج البحث بواسطة محركات البحث التقليدية.
ومن أهم مميزات التقنية الجديدة أنها توفر تصنيفا واضحا ومنظما بطريقة جيدة للمحتوى، يمكن أن تفهمه نماذج الذكاء الاصطناعي الرئيسية، وحضورا على منصات التواصل الاجتماعي وفي المنتديات.
وقال توماس بيهام، الرئيس التنفيذي لشركة "أوترلاي إيه آي" الناشئة في مجال تحسين المحتوى، إن "السؤال الأهم، في حالة وسائل الإعلام، هو: هل يجب على أصحاب المواقع السماح لأدوات استخراج المحتوى الهادفة إلى تغذية برامج الذكاء الاصطناعي باستخدام هذه المواقع للحصول على ما تحتاج إليه؟".
فالكثير من ناشري الصحف الذين أحبطهم استخراج برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي الرئيسية لبياناتها من مواقعهم بطريقة غير منظمة، اختاروا الرد من خلال منع الذكاء الاصطناعي من ولوج محتواهم.
وقالت دانييل كوفي مديرة منظمة "نيوز/ميديا ألاينس" المهنية لوسائل الإعلام إن "علينا ضمان الحصول على تعويض عادل من الشركات التي تستخدم محتوانا".
وعُقدت على هذا الأساس بعض الاتفاقات، منها مثلا بين صحيفة "نيويورك تايمز" و"أمازون"، وبين وكالة "أسوشيتد برس" و"غوغل"، وبين وكالة فرانس برس و"ميسترال إيه آي". لكن دعاوى عدة لا تزال جارية، من بينها تلك التي رفعتها "نيويورك تايمز" ضد "أوبن إيه آي" و"مايكروسوفت".
ومع ذلك، فإن اعتماد أسلوب منع استخراج البيانات من المواقع يقلل في الواقع من وجودها في إجابات مساعدي الذكاء الاصطناعي. ولاحظ توماس بيهام أن مسؤولي وسائل الإعلام، في ظل هذه المعضلة، "يختارون على نحو متزايد تمكين أدوات الذكاء الاصطناعي مجددا من ولوج مواقعهم".
ولكن حتى مع فتح الأبواب على مصراعيها، لا يمكن ضمان النجاح.
وأوضحت شركة "أوترلاي إيه آي" أن وسائل الإعلام تمثّل 29% من الاقتباسات التي يوفرها "تشات جي بي تي"، وتأتي في المرتبة الثانية بعد مواقع الشركات (36%). لكن الشركة الناشئة رأت أن البحث بواسطة "غوغل" يعطي الأولوية للمصادر الموثوقة، في حين "لا يوجد مثل هذا الارتباط في البحث بواسطة تشات جي بي تي".
وأفاد تقرير "معهد رويترز" لعام 2025 عن الأخبار الرقمية بأن نحو 15% من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي للاطلاع على الأخبار. ومن شأن متابعة الأخبار عبر هذه القناة، كما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تشويش فهم القراء للمصدر الحقيقي للأخبار وقيمتها.
إعلانوشدد مات كاروليان على أن "ثمة من يجب أن يقوم بالمهمة الصحفية في مرحلة ما.. فمن دون صحافة حقيقية، لن تجد منصات الذكاء الاصطناعي هذه ما تلخصه".
وتعمل "غوغل" على إقامة شراكات مع وسائل إعلام لتعزيز وظائف الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي توفره. ورأى جون وهبي أن "المنصات ستُدرك أنها تحتاج إلى الصحافة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات اجتماعي الذکاء الاصطناعی التولیدی برامج الذکاء الاصطناعی وسائل الإعلام تشات جی بی تی محرکات البحث إیه آی
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تخصص 145 مليون دولار لتسليح وسائل التواصل والذكاء الاصطناعي.. أكبر حملة دعائية
ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي خصصت أكثر من نصف مليار شيكل (نحو 145 مليون دولار) في ميزانية عام 2025، لتمويل حملة رقمية واسعة تهدف إلى "تسليح وسائل التواصل الاجتماعي" واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها ChatGPT، في إطار ما وصفته بأنها أكبر حملة دعائية تنفذها في الولايات المتحدة منذ بدء حرب الإبادة ضد قطاع غزة.
وبحسب ما أوردته الصحيفة استنادا إلى وثائق سجل الوكلاء الأجانب الأمريكي (FARA)، فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية استأجرت شركة "Clock Tower" الأمريكية، التي يديرها براد بارسكال، مدير حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتوجيه الخطاب الإسرائيلي عبر الإنترنت، بما يشمل محاولات التأثير على كيفية استجابة أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل "ChatGPT" و"Grok" و"Gemini" عند تلقيها استفسارات تتعلق بـ"إسرائيل".
???? NEW (via Ynet):
Israel has earmarked over half a billion shekels ($145 million) in its 2025 budget to weaponize social media and ChatGPT in its largest U.S. propaganda push since it began carrying out a genocide in Gaza, according to newly filed FARA documents.
Israel’s… https://t.co/9nRPhdPmGw pic.twitter.com/eEwsxpgZXJ — Drop Site (@DropSiteNews) October 6, 2025
وأوضحت الصحيفة أن المشروع، الذي أُطلق عليه اسم "مشروع 545"، يستهدف تحقيق نحو 50 مليون ظهور شهريا، مع تركيز 80 بالمئة من محتواه على فئة جيل Z عبر منصات تيك توك وإنستغرام ويوتيوب.
كما كشفت الوثائق أن برنامجًا موازيًا يحمل اسم "مشروع إستر" سيُخصص لدعم المؤثرين الأمريكيين من خلال عقود مالية تصل قيمتها إلى 900 ألف دولار للفرد الواحد، بميزانية شهرية تقدر بـ 250 ألف دولار.
وتشمل الخطة في مرحلتها الأولى التعاون مع 5 إلى 6 مؤثرين يُطلب منهم النشر ما بين 25 إلى 30 منشورًا شهريًا، قبل أن تتوسع لاحقًا لتضم وكالات أمريكية وشبكات من صناع المحتوى الإسرائيليين.
وتُظهر البيانات أن المؤثرين المشاركين يمكنهم تحقيق أرباح تتراوح بين عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف من الدولارات شهريا.
وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التقى مؤخرا مجموعة من المؤثرين في مدينة نيويورك، حيث وصف خلال اللقاء وسائل التواصل الاجتماعي بأنها "الجبهة الثامنة" لإسرائيل، مضيفا: "السلاح الأهم اليوم هو وسائل التواصل الاجتماعي".
وفي سياق متصل، كشفت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، استنادا إلى وثائق مسجلة لدى وزارة العدل الأمريكية بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA)، أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي خصصت مبالغ مالية ضخمة لتوظيف عشرات المؤثرين الأمريكيين على مواقع التواصل الاجتماعي، في إطار حملة دعائية تهدف إلى تشكيل الرأي العام الأمريكي لصالحها، ضمن مشروع يُعرف باسم "مشروع إستر".
وبحسب ما نشرته الصحيفة، استعانت تل أبيب بشركة "بريدجز بارتنرز إل إل سي"، المملوكة للمستشارين الإسرائيليين أوري شتاينبرغ ويائير ليفي، والتي في حزيران/ يونيو 2025، وسرعان ما حصلت على نحو 200 ألف دولار للتعاقد مع مؤثرين على وسائل التواصل.
وتشير العقود إلى ميزانية تقارب 900 ألف دولار تُدفع على عدة أشهر، مقسمة بين دفعات مقدمة بقيمة 60 ألف دولار لتغطية تكاليف التعاقد، و140 ألف دولار لمرحلة التطوير بمشاركة 5 أو 6 مؤثرين، إضافة إلى مخصصات شهرية تصل إلى 250 ألف دولار للمؤثرين والإنتاج، و50 ألف دولار لتغطية ختام الحملة.