بدعم من دولة قطر وتحت رعاية فخامة الرئيس أحمد الشرع، رئيس الجمهورية العربية السورية، وقّعت الحكومة السورية مذكرة تفاهم استراتيجية مع تحالف من خمس شركات دولية بقيادة شركة أورباكون القابضة، لتطوير وتوسيع مطار دمشق الدولي، باستثمار أجنبي تُقدّر قيمته بأكثر من 4 مليارات دولار أمريكي.

 

يمثل المشروع أحد أعمدة الجهود الوطنية لإعادة البناء وتعزيز الاتصال بالعالم والمساهمة في تنشيط الاقتصاد والتجارة والسياحة، ويُعد محطة مفصلية ضمن سلسلة من المشاريع التنموية الكبرى التي يتم تنفيذها في قطاعات حيوية مثل الطاقة وإعادة الإعمار والبنية التحتية.

 

ويُعد هذا الاستثمار من أكبر الاستثمارات في البنية التحتية السورية منذ عقود، ويجسد التوجه نحو استعادة مكانة سوريا الإقليمية والدولية. ويُشكّل هذا المشروع جزءًا من حزمة المشاريع الاستراتيجية التي وجّه بها سموّ الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، بهدف دعم تعافي الاقتصاد السوري وترسيخ شراكة طويلة الأمد بين دولة قطر والجمهورية العربية السورية.

 

يتولى تنفيذ هذا المشروع تحالف دولي تقوده أورباكون القابضة القطرية عبر ذراعها الاستثمارية UCC Concessions Investments LLC، ويضم التحالف أيضًا شركة أسيتس إنفستمنتس الأمريكية (Assets Investments USA LLC) وشركة جنغيز للإنشاءات التركية (Cengiz İnşaat)، وشركة كاليون للإنشاءات التركية (Kalyon İnşaat)، وشركة تاف التركية (TAV Tepe Akfen)

 

وقد جرت مراسم التوقيع في العاصمة دمشق بحضور بحضور السيد توم باراك، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا وممثلين عن السفارة القطرية بسوريا وفود رسمية رفيعة المستوى وعدد من الدبلوماسيين، حيث قام بتوقيع الاتفاقية السيد عمر الحصري، رئيس الهيئة العامة للطيران المدني – ممثل حكومة الجمهورية العربية السورية، مع كل من السيد محمد معتز الخياط، رئيس مجلس إدارة شركة أورباكون القابضة، والسيد ساني شنر، رئيس مجلس ادارة شركة تاف التركية. والسيد أنتوني سالتر، الرئيس التنفيذي لشركة أسيتس إنفستمنتس الأمريكية، والسيد مراد أرجونول، عضو مجلس إدارة شركة جنغيز للإنشاءات التركية والسيد مورثان كاليونجو، رئيس مجلس إدارة شركة كاليون للإنشاءات التركية

 

يهدف هذا الاستثمار إلى إعادة تطوير مطار دمشق الدولي وتحويله إلى مركز إقليمي متكامل، قادر على استيعاب 31 مليون مسافر سنويًا عند اكتمال جميع مراحله، مع مرافق عامة على أعلى مستوى عالمي. وسيُنفذ المشروع وفق نموذج البناء – التشغيل – النقل (BOT)، عبر خمس مراحل متتالية تبدأ برفع الطاقة الاستيعابية إلى 6 ملايين مسافر خلال السنة الأولى، ثم 16 مليونًا عند اكتمال المرحلة الثانية، وصولًا إلى القدرة الكاملة البالغة 31 مليون مسافر سنويًا عند اكتمال جميع المراحل.

 

وسيُشيّد المطار وفق أرقى المعايير الدولية المعتمدة من منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) والاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA)، ليتضمن ما يصل إلى 32 بوابة تشمل بوابات مزودة بجسور عبور حديثة، ومنظومة متكاملة لخدمات الملاحة الجوية، إضافةً إلى سوق حرة متطورة تضم باقة متنوعة من المطاعم العالمية والمقاهي الراقية، وأبرز الماركات التجارية في عالم الأزياء، ليكون واحدًا من أحدث المطارات وأكثرها تطورًا في المنطقة.

 

كما يشمل نطاق المشروع تطوير الطريق الرئيسي المؤدي إلى المطار بطول يتراوح يصل إلى ٥٠ كيلومترًا، بالإضافة إلى تمويل بقيمة 250 مليون دولار أمريكي لشراء ما يصل إلى 10 طائرات إيرباص من طراز A320 لصالح شركة الطيران السورية، بهدف تعزيز الأسطول وزيادة تنافسية الناقل الوطني.

 

صرح السيد محمد معتز الخياط، رئيس مجلس إدارة أورباكون القابضة: إن هذا المشروع يجسد ثمرة شراكة استراتيجية جمعت نخبة من الشركات الدولية الرائدة تحت هدف واحد، وهو إعادة بناء أحد أهم المرافق الحيوية في سوريا بما يعكس طموحاتها المستقبلية. نحن في أورباكون القابضة نؤمن بأن نجاح مشاريع بهذا الحجم يتطلب تكامل الخبرات العالمية مع الفهم العميق لاحتياجات السوق المحلية، وهو ما نسعى لتجسيده في كل مرحلة من مراحل التنفيذ.

 

ولا يسعنا في هذا الحدث إلا أن نثمّن الدور الكبير لسمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر حفظه الله، الذي قدّم كل الدعم والتوجيهات اللازمة لمشاركة القطاع الخاص القطري في تنمية سوريا الجديدة، والمضي نحو تنفيذ مشاريع استراتيجية تسهم في دعم الاقتصاد في الجمهورية العربية السورية."

 

قال السيد رامز الخياط، رئيس أورباكون القابضة القائدة للتحالف والرئيس التنفيذي للمجموعة: "هذا المشروع لا يمثل مجرد تطوير لمطار دمشق الدولي، بل هو جسر استراتيجي يعبر بسوريا نحو مستقبل من التعافي والازدهار. نحن نستثمر في مستقبل تنموي مستدام يعزز حركة التجارة والسياحة، ويربط سوريا بالعالم بأعلى المعايير، ويحفز التطور الاقتصادي وجذب الاستثمارات في شتى القطاعات. من خلال موقع سوريا الاستراتيجي خبراتنا وشراكاتنا المحلية الإقليمية، سيكون مطار دمشق الدولي نموذجاً لمشاريع النقل المتطورة الذكية في المنطقة."

 

وقال السيد ساني شنر، رئيس مجلس ادارة شركة تاف التركية: "نرى في هذا المشروع فرصة استثمارية استراتيجية تتجاوز تطوير البنية التحتية، إذ يمثل بوابة لإعادة تنشيط الاقتصاد السوري ودمجه مجددًا في حركة التجارة والاستثمار الإقليمية والدولية. نضع في هذا الاستثمار خبراتنا المتراكمة في تطوير وتشغيل مشاريع النقل الكبرى، لنقدم مطارًا بمعايير عالمية يرفع كفاءة قطاع الطيران، ويعزز جاذبية السوق السورية أمام رؤوس الأموال العالمية، ويمهّد لمرحلة جديدة من النمو والاستقرار."

 

وتجدر الإشارة إلى أن شركة أورباكون القابضة سبق أن عملت على تنفيذ عدد من المطارات البارزة، بما في ذلك مطار حمد الدولي، ومطار رواندا، ومطار طرابلس، وتضيف اليوم مشروع تطوير وتنفيذ وتشغيل مطار دمشق الدولي إلى قائمة أهم مشاريعها الاستراتيجية في المنطقة.

 

كما أن شركات التحالف الأمريكية والتركية تمتلك خبرة واسعة في تطوير وتشغيل أبرز المطارات حول العالم، حيث ساهمت في تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى شملت: مطار إسطنبول الجديد – أضخم مشروع مطاري في العالم حاليًا – والذي نُفذ عبر تحالف İGA بقيادة كاليون وجنغيز، بالإضافة إلى مطار أوردو–غيرسون ومطار ريزة–أرتفين في تركيا، ومطار إسطنبول أتاتورك، ومطار أنقرة إسنبوغا، ومطار غازي باشا – ألانيا، ومطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي في المدينة المنورة، ومطار الملك خالد الدولي – الصالة الخامسة في الرياض بالمملكة العربية السعودية، ومطار تبليسي الدولي ومطار باتومي الدولي في جورجيا، ومطار إنفيدهة – حمامات في تونس، ومطاري سكوبجي وأوهريد في جمهورية مقدونيا الشمالية، إلى جانب تطوير الصالة الثالثة في مطار القاهرة الدولي في جمهورية مصر العربية.

 

من المتوقع أن يسهم المشروع في توفير أكثر من 90,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وتعزيز الاقتصاد المحلي في مختلف القطاعات، مع تمكين سوريا من العودة الفاعلة إلى شبكة الطيران الإقليمية والدولية، لتصبح منصة استراتيجية متقدمة في المنطقة.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: أخبار مقالات الكتاب فيديوهات الأكثر مشاهدة أورباکون القابضة مطار دمشق الدولی العربیة السوریة هذا المشروع فی المنطقة مجلس إدارة رئیس مجلس دولة قطر مطار ا

إقرأ أيضاً:

الانعطافة السورية الروسية.. الدوافع والفرص والعقبات

أسهم التدخل الروسي في سوريا عام 2015 في الحيلولة دون سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بسرعة وإطالة عمره في السطلة، كما مكّن موسكو من إبراز قدرتها في المشهد العسكري والتدخل المباشر لأول مرة خارج الحدود التقليدية للاتحاد السوفياتي منذ عام 1991.

ومن خلال التدخل العسكري والقتال في صفوف نظام الأسد المخلوع، أثبتت روسيا حضورها في الشرق الأوسط عبر بوابة سوريا ومن قاعدتي حميميم وطرطوس، بالإضافة إلى مطار القامشلي وعدة نقاط في شمال البلاد.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل اقتربنا من سيناريوهات انفجار الذكاء الاصطناعي؟list 2 of 2لماذا تدعم دول جزر المحيط الهادي إسرائيل؟end of list

لكن بعد اندلاع حرب أوكرانيا عام 2022، وما تبعها من استنزاف، تقلّص دور موسكو في إدارة الملف السوري، الأمر الذي نتجت عنه تحولات جيوسياسية أهمها تراجع نفوذ طهران في دمشق وهي حليف رسمي لروسيا في المنطقة.

ومع بدايات معركة ردع العدوان التي انطلقت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تبين أن الدعم الروسي للأسد تراجع إلى أبعد الحدود، وسرعان ما تحول موقف الكرملين في اتجاه الانسحاب من الخطوط الأمامية رغم الإبقاء على القواعد العسكرية.

وبعد تولّي الحكومة السورية الجديدة قيادة البلاد، بدا أن دمشق وموسكو أبقيا أبواب التفاهم مفتوحة رغم ضبابية المشهد، إذ تم الاتصال -عبر الهاتف- بين الرئيسين فلاديمير بوتين وأحمد الشرع في 12 فبراير/شباط 2025.

كما أن زيارة وزير الخارجة السوري أسعد الشيباني إلى موسكو في نهاية يوليو/تموز 2025، أعطت مؤشرا على الاهتمام بروسيا بوصفها شريكا عسكريا، وقوة ذات ثقل في ميزان القوى التي تتصدر المشهد الإقليمي.

ويبدو أن المتغيرات في الساحتين السورية والروسية قد تدفع البلدين إلى إعادة تفعيل قنوات الشراكة، ولكن وفقا لأسس ومعطيات جديدة.

وحول هذا الموضوع، نشر مركز عمران للدراسات الإستراتيجية ورقة تحليلية حول دوافع الطرفين في استعادة العلاقات في الظروف الراهنة، ورسم الملامح المتوقعة لتلك العلاقة ومحدّداتها.

إعلان

الورقة التي جاءت تحت عنوان "بين الإرث السياسي الثقيل الانعطافة الروسية السورية: الدوافع والفرص والعقبات" أعدها الباحثان ساشا العلو وصبا عبد اللطيف.

دوافع الحكومة السورية الجديدة نحو موسكو

نتيجة لبحثها عن الاستقرار الداخلي، والانفتاح في العلاقات الخارجية، تعتبر الحكومة السورية الجديدة أن موسكو تبقى خيارا ووجهة قديمة وجديدة، رغم العداء في مرحلة ما قبل سقوط الأسد.

ويعزز هذا الخيار أن روسيا لها القدرة على لعب أدوار في المرحلة الحالية والمقبلة نظرا لخبرتها الطويلة وعلاقاتها المتشابكة مع مختلف أطراف الصراع.

ويرجع الحضور الروسي في الساحة السورية إلى مرحلة وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة عام 1963، حيث لبعت موسكو أدوارا مختلفة في سياق تشكل الدولة السورية وقتها، إذ أبرمت علاقات أمنية وعسكرية متينة استمرت إلى ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991.

وبعد أن أصبح بشار الأسد رئيسا لسوريا، يمّم وجهه نحو الغرب وخاصة باريس ولندن، لكنه بعد اندلاع الثورة 2011، رجع إلى موسكو بوصفها حليفا قديما، وشكّلت له حماية من الاحتجاجات الداخلية وارتداداتها الدولية.

هذه الخبرات المتراكمة التي تملكها روسيا في الساحة السورية، جعلت السلطة الجديدة لا تمانع من الشراكة معها، ولكنها تريد أن يكون ذلك وفقا لمحدّدات أهمها إعادة التفاوض على كافة الاتفاقيات وعقود التأجير طويلة الأمد.

وبقدر ما تسعى الحكومة الجديدة في دمشق، إلى توظيف خبرات روسيا في تدعيم الأمن والاستقرار الداخلي، فإنها تهدف بالدرجة الأولى إلى أن لا تستغل موسكو الشبكات الخطيرة والموجودة داخل أرضها في الإضرار بأمنها.

يبدو أن السلطة السورية تسعى بالدرجة الأولى إلى تحييد قدرة موسكو عن استخدام تلك الشبكات كأدوات في زعزعة الأمن أو تعطيل أي توافقات محلية. ثم السعي بالدرجة الثانية إلى محاولة توظيفها في تدعيم الأمن والاستقرار.

على الجانب الآخر، لا يبدو أن موسكو الساعية للحفاظ على الحد الأدنى من نفوذها تمانع هذه الأدوار والتنسيق فيها، والذي بدأت تظهر مفاعيله في بعض المناطق والملفات.

ففي الساحل السوري، حيث تتواجد القوات الروسية في قاعدتي "حميميم وطرطوس"، يلحظ تنسيق أمني أكبر بين القوات الروسية والحكومية لتأمين استقرار المنطقة التي شهدت في مارس/آذار 2025 أحداثا دامية، كان خلالها الدور الروسي ملتبسا في تغطية بعض عناصر النظام السابق ضمن المنطقة، أو على الأقل عدم مشاركة معلومات أمنية مع السلطات الجديدة.

أما بالنسبة للشمال الشرقي -حيث تتواجد القوات الروسية في مطار القامشلي- فتظهر مؤشرات متزايدة حول محاولات موسكو استثمار تموضعها العسكري وعلاقتها بما تسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) باتجاهات تصب في مصلحة الحكومة السورية ضمن المنطقة. وكانت موسكو قد عرضت سابقا التوسط بين الحكومة السورية وقسد التي قد تجد في روسيا أيضا هامشا إضافيا للمناورة وسط احتماليات تراجع الدعم الأميركي وتصاعد ضغط الحكومة المركزية في دمشق وتركيا على جانب الحدود.

أما في الجنوب السوري، فيبدو أن الحكومة تنظر أيضا إلى إمكانية تفعيل أدوار روسية محتملة في سياق "خفض التوتر" وتدعيم مواقفها من إسرائيل، خاصة مع تأكيد الرئيس بوتين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على دعم روسيا لوحدة وسلامة الأراضي السورية.

إعلان

مقابل تلك التوقعات، تضع السلطة السورية أمام موسكو مُحددات واضحة لتنظيم العلاقات وتفعيلها:

إعادة تعريف الشراكة والتواجد على الأراضي السورية وفق أسس السيادة واستقلال القرار. احترام القرار السوري المستقل والتحرّر من عقلية التبعية الجيوسياسية، وأن تتعامل موسكو مع دمشق المعتمد شريكا سياديا مستقلا، لا تابعا ضمن محور طهران موسكو، أو منصة ضغط ضد الغرب. لا يبدو ملف بشار الأسد وحاشيته، رغم حساسيته البالغة، من بين المحددات الرئيسية التي قد تعيق استعادة مسار العلاقات السورية الروسية.

الانعطافة الروسية نحو دمشق وعراقيلها

من جانبها، تدرك موسكو حجم التغيير الذي حدث في سوريا بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، والخسارة الإستراتيجية التي لحقت بها بعد الإطاحة بحليفها بشار الأسد، الأمر الذي تعزز بالانفتاح الغربي على السلطة الجديدة، وخروج إيران من المعادلة.

وموازاة مع ذلك، تسعى موسكو إلى عدم الخروج من المعادلة وفقدان مواطن نفوذها التقليدية عبر إدارة الخسائر حتى يبقى لها حضور إستراتيجي في الشرق الأوسط.

وتعدّ انعطافة موسكو نحو سوريا الجديدة مدفوعة بأسباب اقتصادية متعلقة بتحصيل ديونها المتراكمة والتي حصلت عليها مقابل عقود امتيازات واستثمارات خاصة.

ورغم مؤشرات التقارب بين دمشق والكرملين، فإن مسار استعادة العلاقات بشكل فعال ويخدم الطرفين، تعترضه العديد من المعوّقات والعراقيل.

ومن أهم تلك العقبات هو إرث الحرب، وأزمة الثقة مع الرأي العام والنخبة الجديدة، إذ إن الجميع يتذكّر الدور الروسي في سوريا خلال السنوات الماضية التي شهدت الكثير من قتل المواطنين وتعذيبهم وتهجيرهم.

وجدير بالسلطات الجديدة أن تربط هذا الملف ببرنامج إعادة العلاقات، وتطالب بتعويض المتضررين من القصف الروسي خلال فترة الأسد.

وفي هذا السياق، تحتاج موسكو أن تتبنّى مقاربة مختلفة، وتعترف بالأخطاء والانتهاكات التي ارتكبتها في حق المدنيين السوريين، والثوار الباحثين عن مستقبل أفضل لبلدهم.

وانطلاقا من هذه المحدّدات، يمكن القول إن مكانة روسيا في الشرق الأوسط وسوريا تراجعت بعد سقوط الأسد، وإن إعادة التموضع متاحة من خلال الإشارات التي أعطتها السلطة الجديدة في دمشق، لكن ذلك لن يتم إلا بأدوات وسياسات مختلفة.

الفرص والتحديات

ومن خلال المواقف السياسية الجديدة للبلدين، تبين أن كلا منهما يقف على عتبة إعادة ضبط العلاقة بحذر وترقّب.

ففي سياق التحديات الداخلية لسوريا، تعتبر الحكومة الجديدة أنها تعاني من أزمات أمنية وخاصة بعد مشكلة السويداء، وما صاحبها من الضربات الإسرائيلية، الأمر الذي قد يدفعها إلى البحث عن القوة الروسية بوصفها شريكا قد يضمن التوازن.

وفي المقابل تملك روسيا رصيدا من الخبرة وقنوات الاتصال الواسعة مع الأطراف المعارضة في المشهد السوري، كما أن لها معرفة بالتعامل مع التهديد الإسرائيلي الذي خبرته ميدانيا منذ عام 2015.

ورغم كل ذلك فإن المؤشّرات توحي إلى أن إعادة التفاوض والجدية في العلاقات، قد تنكشف من خلال مراجعة عقود القواعد العسكرية (حميميم وطرطوس) وإعادة توسيع العلاقات في المجالات التنموية والاقتصادية بدلا من الاكتفاء بصفقات التسليح.

وتشير المعطيات إلى أن نجاح هذا المسار مرهون بإرادة الطرفين وقدرتهما على إدارة معادلة دقيقة تتمثل في "صيانة السيادة السورية وضمان الحضور الروسي على أسس جديدة".

وإن تحقّقت تلك المعادلة فيمكن لدمشق وموسكو أن تنتقلا من الحساسيات وثقل إرث الماضي إلى واقعية التحوّل وإكراهاته، حيث تقاس الشراكة بقدرتها على تثبيت الاستقرار.

وفي هذا السياق، تراهن موسكو على البقاء حتى ولو كان النفوذ محدودا، في انتظار متغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية وما تحمله من فرص.

من جانبها، لا تخفي السلطات السورية الجديدة أنها بحاجة إلى التجربة الروسية وخبرتها الطويلة في الميدان التي ترجع إلى عقود من الزمن، لكنّها نتيجة للظروف الحالية تستطيع تطويع تلك العلاقة ومراجعتها بأكبر كم من المكاسب.

إعلان

ومع الأخذ بعين الاعتبار، أن الحكومة السورية تطمح إلى أن تكون أبوابها مفتوحة أمام الجميع، إلا أنها ليس بوسعها أن تكون حليفا إستراتيجيا للجميع، مما يعني أن تحديد البوصلة لا بد أن يتم ولو بعد حين.

وانطلاقا من ذلك فإن السياسة الخارجية للنظام الحالي ستنعكس بشكل كبير على الاستقرار الداخلي، ووحدة البلاد وأمنها.

ولتجنّب الانعكاسات الخارجية، يتحتّم على النظام الجديد في دمشق أن يتجه نحو حوكمة رشيدة، وإبرام عقد اجتماعي يصلح علاقة الدولة بالمجتمع، ويؤسس لشرعية داخلية تكون قادرة على حمايته وصموده أمام التحديات والتجاذبات الخارجية.

كما أنه يجدر بالنظام الحالي أن ينطلق من مبدأ الابتعاد عن التخندق والتحالف ضمن الأحلاف الخارجية، حتى يحقّق قطيعة مع إرث النظام السابق وتجاربه.

مقالات مشابهة

  • بقيمة 7 مليارات جنيه.. تفاصيل أحدث تحالف مصرفي لدعم مشروع عقارى
  • سلطة العقبة: إعادة المبالغ المدفوعة في مشروع بيع الأراضي المدعوم
  • الجزائر توقع اتفاقية مع مداد للطاقة بقيمة 5.4 مليارات دولار
  • مدير مؤسسة مياه عدن يتفقد سير العمل في مشروع إعادة تأهيل خط ضخ المياه بالخط البحري
  • اليوم.. مطار الغردقة الدولي يستقبل 18 ألف سائحا على متن 101 رحلة دولية
  • مطار مرسى علم الدولي يستقبل 2500 سائح على متن 14 رحلة دولية
  • المؤتمر الدولي الخامس لأسنان عين شمس بمشاركة 40 خبيرا أجنبيا و50 شركة دولية.. غدا
  • رئيس الوزراء يتابع مشروع "مبنى 4" بمطار القاهرة الدولي
  • رئيس الوزراء يتابع مشروع إنشاء مبنى 4 بمطار القاهرة الدولي
  • الانعطافة السورية الروسية.. الدوافع والفرص والعقبات