لجريدة عمان:
2025-12-12@18:56:18 GMT

حين تسمو بنا الكلمة فنبقى

تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT

حين تسمو بنا الكلمة فنبقى

خبر قصير مكتوبا أو مرئيا، قد لا يستغرق نصف دقيقة، لكننا نبقى معه طويلا؛ ففي سرعة الإعلام إغراء للتروي في الكتابة؛ ففي الأدب عمق خاص يؤثر فينا طويلا؛ فقد يصير الخبر رواية أو فيلما أو مسرحية.

مفارقة صادمة، سواء كانت جبرا أو طوعا! بالرغم من تغني الأدب والفن بالأوطان، وحبها والبقاء فيها والدفاع عنها، إلا أن المواطن الذي يتأثر بذلك، سرعان ما يكفكف دموعه ويرحل! غرق عشرات المهاجرين قبالة سواحل اليمن، قبل بضعة أيام، لا يعيدنا فقط الى حوادث غرق الآلاف من قبل، بل إلى إنقاذ المستقبل من الغرق.

هي القصص والروايات من حياتنا، من حياة الشعوب. لذلك تنافس كتب التاريخ، بل لعها تكون أكثر صدقا؛ ذلك أن للمؤرخ أن ينحاز لزمنه وسلطات ذلك الزمن، فيما يكتب الأدب ما يعيشه.

لربما ودّ الشباب ممارسة السباحة والترفيه عن النفس، كما يعيش أمثالهم، على البرّ وعلى البحر؛ لكن حينما يطردهم البرّ، فإنهم يغامرون بل يهربون، فيصير أيّ مركب مركبا للهجرة والرحيل، لا للصيد والتجارة، لذلك يصطادهم البحر، كما اصطادهم تجار الحروب.

لم يذكر الخبر القادم من اليمن (بلاد العرب السعيدة) جنسية الغرقى، ربما لتدخل ما في تحرير الخبر، تماما كما يفعل محررو الأخبار في حوادث مشابهة، حتى لا يوحي الخبر بأن أهل البلد يهاجر مغامرا متعرضا لاحتمال الغرق حتى لا يتعرض لغرق محقق في بلاده؛ فما أصعب هذا كله! لعل باحثا يختار موضوع "الهجرة" يستعرض الهجرة الطوعية غير الرسمية التي تتم بالتسلل عبر البحار، خارج حدود الأوطان، من خلال الروايات أو القصص، أو من خلال الروايات الشفوية، أو من خلال السينما أو المسرح، راصدا مآلات المهاجرين موتا في الأمواج أو ذلا في البلاد الجديدة، أو مصائر مختلفة.

ماذا يقول من يركب القوارب في أول إبحار؟ سيقول ما يقوله مكفكفا دموعه على أمل العودة للوطن وقد اغتنى، أو "سحب" أسرته إليه هناك في منفاه الاختياريّ: ليتني بقيت هناك! إنها دعوة عميقة للبقاء في الوطن، لكن تتنازعها فكرة تأمين متطلبات الحياة، في زمن التحولات الذي لم يرحم أحد.

هو المهاجر الذي اختار الخلاص الفردي، وهي دعوة للكتابة فيما يتفق فيه وعليه المثقفون، وهي مختلفة عما اختلف الساسة عليه في البلد الواحد.

تصبح الكتابة واجبا تدفع المواطنين، للبحث عن خلاصهم الفردي والجمعي في أوطانهم.

هنا، لا مجال إلا للربط بين ما هو شخصي واجتماعي وسياسي، من الخلاص الشخصي؛ بمعنى أن إنفاق الوقت خارج الوطن للحصول على ورق رسميّ، ودخل مقبول، هو وقت مضاعف للوقت الذي يمكنه فيه تحقيق ذاته على تراب وطنه.

في عالم السينما، صورت الأفلام الهجرات يأساً، معمقة حب الوطن، وعلى حضوره، حين يصير التضامن الإنساني سائداً خلال الحياة، لا خلال الرحيل الخائف فقط.

في عالم السوشيال ميديا، ينقسم الشباب من متبرم بالحال، وبين من يقبله مزينا الحال، كون لا يشكو مما يشكو المتبرمون منه.

في الإعلام الحال ملتبس، خاصة في الإعلام الرسمي، لذلك فإن الأدب من قصص وروايات، ويوميات هو الأكثر قدرة على التعبير عن عالم الهجرة والمهاجرين.

أجنحة للطائرات، ومثلها رمزيا لكل المراكب والنفوس المغتربة التي تجد حلّ الاغتراب داخل الوطن بالاغتراب خارجه.

وهي أجنحة كلمات، لا لتلحق بالمهاجرين لتعيدهم الى الوطن، بل لتكون أجنحة نطير بها داخل أوطاننا حتى نضمن ألا يهرب الناس للبحر.

لم يهاجر أحد خارج وطنه إلا وندم، فيما لم يندم من بقي في الوطن، أما المال فيذهب ويروح، ولعل مثال غزة الفلسطينية اليوم دليل حيّ، وهو ما يظهر في كلمات الكتاب والمواطنين عن البقاء، بالرغم من تعرض الباقين للتجويع والموت.

هنا تتجلى رسائل الأدب الحقيقي النابع من عمق الإنسان والمنتمي له، حين يسافر الكاتب فينا، يستجلي ما نفكر به ونشعر به، وحيث يدفعنا برفق وذكاء إلى تأمل مكاننا في الوطن، وبأنه دوما لنا مكان في أوطاننا؛ فلنا من نقدمه ولنا ما نأخذه.

ذلك هو السفر الحقيقي حين نتصالح مع ذواتنا، فنبقى هنا، كل في وطنه، في هذا الوطن الكبير، عندها فإن كل باق في الوطن، في أي قطر منه، سيقوينا جميعا.

حين نشر الطب صالح رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" عام 1966 فإنها سرعان ما صارت واحدةً من أفضل مائة رواية في القرن العشرين على مستوى الوطن العربي، بل نالت استحسانا وقبولاً عالميا، وعلمت أن هناك نية بتحويلها الى إلى فيلم سينمائي.

ولأن الهجرات عادة ما كانت في بلادنا الة الغرب، أو الشمال الغربي، فإنه يمكن رؤية الرواية كعمل أدبي يتحدث عن العلاقة بين الشرق والغرب. وهي التي اختطت طريقا في الأدب. المختلف خلال 59 عاما هو أن الهجرة كانت تتم بشكل رسمي عن طريق السفر العادي المؤقت الذي يتحول الى هجرة طوعية، أو عودة خائبة مصدومة.

منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومرورا بالقرن العشرين، والربع الأول من القرن الواحد والعشرين، ونحن نعيش حالة من الترابط ما بين الهجرة وأحوال بلادنا، خاصة أواخر العهد العثماني، حيث كانت الهجرات بحثا عن الخلاص. ولم يكد القرن التاسع عشر ينتهي، حتى أصبحت الهجرات ظاهرة خاصة في بلاد الشام التي أوجد الكتاب المهاجرون أدبا خاصا بموضوعها، جمعتهم رابطة أسموها بالرابطة القلمية، استمرت منذ عام 1920 الى عام 1932، عام رحيل جبران خليل جبران أحد أبرز المؤسسين. ما نعرفه أن جبران اختار أن يعود للوطن للعيش فيه، فتأخر، فعاد ولكن ليحتضنه تراب وطنه.

لم تتوقف الهجرات، لا في أواخر العهد العثماني-التركي، ولا في عهد الاستعمار، ولا في عهد الاستقلال، لكنها تزايدت آخر عقدين من خلال الهجرات غير القانونية، في إشارة كان المفروض وقتها أن تكون ناقوسا يدق للتحذير من وصول بلادنا إلى أوطان طاردة لأبنائها خصوصا جيل الشباب.

منظمة نشترك فيها جميعا من السياسي إلى الاقتصادي إلى الثقافية لتقوية بقاء العربي على أرضه؛ فكل ومجاله، وكل بما وهب، حتى نعيد ثقة الشباب بأنفسهم، وبأمل تحقيق الذات هنا في الوطن.

لعل الكلمة، واللحن، والخط واللون، والمشهد البصري الدرامي، تقوم بأداء أكثر الرسائل نبلا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الوطن من خلال

إقرأ أيضاً:

نهيان بن مبارك: «شتاء صندوق الوطن» نافذة للإبداع وتنمية المواهب وتعزيز قيم الهوية

أكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، رئيس مجلس إدارة صندوق الوطن، أن برامج «شتاء صندوق الوطن» أصبحت نافذة للتعرف على إبداعات الصغار، ودعم المواهب الطلابية في مختلف المجالات الأدبية والفنية والتقنية والرياضية، بجانب رسالتها الرئيسية في تعزيز الهوية الوطنية، وتعريف الطلاب بمكوناتها وأهدافها ودورها ومكانتها في نفوس أبناء وبنات الإمارات ولاسيما لدى أجيال المستقبل، ودعم مكانة اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم.

وأكد أن نجاحات البرامج هي استمرار لتميّز صندوق الوطن في مجال تعزيز الهوية من خلال عشرات المبادرات، والتي تأتي تجسيداً حيا للرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والذي يؤكد لنا دائماً أن الحفاظ على الهوية الإماراتية يجب أن يكون في مقدمة أولويات الجميع أفراداً ومؤسسات.

جاء ذلك عقب الزيارة التفقدية التي قام بها معاليه أمس في مدارس أبوظبي المشاركة في برنامج «شتاء صندوق الوطن»، الذي يستمر أسبوعين في إمارات الدولة كافة، حيث بدأت الزيارة بمتابعة معاليه لطلاب المدارس وهم يشدون بـ«أسماء الله الحسنى»، ثم تابع نماذج من مشاركات المدارس في مبادرة «حياتنا في الإمارات».

وأشاد معاليه بمشاركة بلدية أبوظبي في تدريب الصغار على الزراعة العضوية للحفاظ على البيئة الإماراتية، وفي غرفة الذكاء الاصطناعي تفقّد معاليه تدريب الطلاب على الاستفادة من تقنية الذكاء الاصطناعي في التعريف بالبيئات الإماراتية المختلفة ضمن الخريطة الجغرافية للدولة.

وشهد معاليه ورشة تدريبية أدارها منصور المنصوري وتحمل عنوان «عين على الطبيعة»، لتعريف الطلاب بأساسيات ومهارات التصوير الفوتوغرافي، وفي غرفة الإبداع والابتكار استمع إلى إبداعات إماراتية شابة في مجالات الكتابة والفنون البصرية.

وأطلق معاليه بطولة صندوق الوطن للألعاب الشعبية  كأس الكيرم الوطني/ النسخة الأولى، بمشاركة 55 فريقاً من مختلف مدارس الدولة، باعتبار الكيرم من الألعاب الشعبية، وتصنّف ضمن التراث الشعبي للدولة.

واختتم معاليه زيارته بمتابعة جانب من الجلسة النقاشية التي أدارتها سعادة الريم بنت عبدالله الفلاسي الأمين العام للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة، بعنوان «لمة الماضي وتكنولوجيا اليوم»، ودار النقاش حول كيفية إعادة التواصل الحقيقي بين أفراد الأسرة بمشاركة عدد كبير من الأسر الإماراتية وأولياء الأمور، تحت شعار «أسرة متماسكة مجتمع متلاحم»، وتناولت الجلسة البحث عن المشتركات بين الأجيال المختلفة في إطار القيم الإماراتية الأصيلة.

أخبار ذات صلة نهيان بن مبارك يفتتح المؤتمر الدولي الثالث لمستقبل أكثر استدامة 2025 نهيان بن مبارك: الإمارات ترسخ مكانتها مركزاً عالمياً للتقنيات الناشئة

رافق معاليه خلال جولته سعادة عفراء الصابري المدير العام بوزارة التسامح والتعايش، وسعادة ياسر القرقاوي مدير عام صندوق الوطن، وعدد من القيادات الفكرية والتعليمية، وأعضاء مجلس إدارة أكاديمية جيمس العالمية.

وأوضح معاليه أن تعزيز الهوية الوطنية ليس مجرد شعار، بل أفعال مترابطة، تبدأ بالتوعية وتنتهي ببناء مجتمع متلاحم يعتز بتاريخه ويحتضن تنوعه، ويؤسس لمستقبله، ويقبل على لغته العربية ويتعرف على مواطن الجمال فيها، ويحترم قيمه وتراثه، وهذا ما تعلمناه من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ومن هنا تأتي أهمية برنامج شتاء صندوق الوطن، الذي يركّز على الهوية والعربية لغة القرآن، من خلال العديد من الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية والمجتمعية والتراثية والوطنية وغيرها، حتى تكون هذه القيم جزءاً من الحياة اليومية، مشدداً على ضرورة وصول هذه القيم بأساليب مبتكرة إلى الأجيال الجديدة، بالتعاون مع جميع المؤسسات.

وثمّن جهود المدارس المشاركة بالبرنامج ومساهمات كل الشركاء والداعمين والمتطوعين، معرباً عن أمله بأن يحقق شتاء صندوق الوطن النجاح المأمول منه كما في الدورات السابقة، من خلال اكتساب ثقة الطلاب وأولياء الأمور على السواء، مؤكداً أن هذا النجاح يجعل من هذه المبادرة مجالاً يحتفي فيه الطلبة بهويتهم وقيمهم ومبادئهم، وقدراتهم، ويظهرون التزامهم القوي بالأخلاق الحميدة.

وأضاف معاليه أن جميع أنشطة البرنامج على تنوعها وثرائها تحتفي بالأجيال الجديدة، وتعمل على تعميق إدراكهم لنبض الوطن ومكانته وتاريخه وتراثه وقيمه الأصيلة التي تعزّز لديهم الانتماء والولاء للوطن وقيادته الرشيدة، ولتقدمه وإنجازاته، وهو ما نلتزم به جميعاً وفق الرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.

وأكد أن هدف الصندوق هو المساهمة في بناء أجيال المستقبل الواعية بهويتها الوطنية، والقادرة على الإبداع والريادة، وتعزيز الثقة باللغة العربية، وتطوير مهارات القراءة والفهم باللغة العربية من خلال آيات قرآنية، وإطلاق القدرات والمهارات الإبداعية والابتكار لدى الجيل الجديد، ولا سيما تقنية الذكاء الاصطناعي.

وأشاد معاليه بالحماس الكبير الذي لمسه من كافة المشاركين من طلاب المدارس والمعلمين وإدارة البرنامج، وتنوع أنشطة البرنامج التي تمزج بين التراث والتاريخ واللغة والقيم والسلوك الإنساني والرياضة، إلى جانب الأنشطة التي تتعلق بالذكاء الاصطناعي والاستدامة، ومسابقة «حياتنا في الإمارات»، مؤكداً أن هذا دليل على أن صندوق الوطن يسير في الطريق الصحيح، ووفق الرؤية الواضحة لقيادتنا الرشيدة.

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة يعلن موعد انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الـ37
  • وزير الثقافة يعلن موعد انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الـ37 بمدينة العريش 26 ديسمبر جاري
  • ما الذي تم من تطوير بمستشفى قصر العيني وأهم التحديات؟..رئيس جامعة القاهرة يجيب
  • ندوة بكلية إعلام عين شمس للحفاظ على الوطن من موجات التغريب
  • نهيان بن مبارك: «شتاء صندوق الوطن» نافذة للإبداع وتنمية المواهب وتعزيز قيم الهوية
  • محافظ البنك المركزي يلقي الكلمة الرئيسية في الاجتماع السنوي العشرين
  • الدكتور العيسى يلقي الكلمة الافتتاحية لمؤتمر إندونيسيا للوئام بين أتباع الأديان
  • أمين عام هيئة كبار العلماء: الكلمة المنضبطة سلاح يجب استخدامه لخدمة الوطن
  • الشركات العائلية.. من بناء الوطن إلى تسريع وتيرة «عُمان 2040»
  • محمد فاروق: فضيحة بمعني الكلمة للكرة المصرية