الخطاطبة يكتب .. تحفيز ” المفتي” وذكريات صندوق الأجيال “والنجش” وأشياء أخرى
تاريخ النشر: 9th, August 2025 GMT
#سواليف
تحفيز ” المفتي” وذكريات صندوق الأجيال “والنجش” وأشياء أخرى
كتب #نادر_خطاطبة
على طاري إعلان فضيلة #المفتي_الأسبق للدفاع المدني، د. #محمد_الغول، فتح المزاودة بمليوني دينار على رقم مركبة رئيس الوزراء (1-1) قبل طرح الرقم رسمياً، انبرى بعض الإعلام في ظل موجة الجدل الواسع والمتشعب حول إعلان فضيلته، إلى تحليل أن الرجل قصد “تحفيز المزاد” طالما أن عائداته ستذهب لصندوق دعم الطالب الفقير، غير أن واقع الحال، أن نص منشور فضيلته كان واضحاً وصريحاً، ولا يحمل أي إيحاء أو تلميح إلى نية التحفيز، إذ قال حرفياً:
“أنا أزاود على هذا الرقم بحال طرحه للمزاد من قبل إدارة ترخيص #السواقين والمركبات بقيمة 2 مليون دينار”.
لاحقاً، أوضح فضيلته في بيان أنه – كغيره من #المتقاعدين المثقلة رواتبهم بالقروض – أراد “تحفيز من أعطاه الله من سعته”. لكن كثيرين، ومثلي ربما الملايين، أخذوا الأمر على محمل الجد، لاعتبارات عدم معرفتنا بظروفه المعيشية، فسلّمنا بصدقية العرض، واحتسبنا فضيلته ضمن من وسّع الله عليهم.
يُؤخذ على بيان المفتي إشارته إلى أنه تناهى إلى مسامعه حرمة #بيع_الأرقام، وهو قول صحيح وإن كان محل اجتهادات متباينة. غير أن الصفة العلمية والمهنية الملتصقة بفضيلته كانت تستدعي منه تفصيلاً أوسع في بيان الحكم الشرعي للتحريم، خاصة وأنه صادر عن مرجعية دينية يُنتظر منها البحث والتحري قبل الإفتاء.
أما مسألة “التحفيز” في المزاد الخيري، فهي بدورها تحتاج إلى نظر شرعي مستقل، إذ تفتح الباب إلى مفهوم آخر معروف في الفقه الإسلامي هو “النجش”، أي المزاودة على سلعة دون نية الشراء، بهدف إيهام الآخرين برغبتها لرفع سعرها، وهو محرم شرعاً لما فيه من خداع وتضليل.
ومع تطور الحياة ووسائل الإعلان، باتت صور النجش متعددة، سمعياً وبصرياً وكتابياً، وقد تُوظف حتى في عروض سلع رمزية أو استعراضية، يراها البعض تبذيراً أو مظهراً من مظاهر الفشخرة، لكن حين تصدر مثل هذه الإشارات من شخصيات وازنة، فإن أثرها في تحريك السوق والمزاودين يصبح مضاعفاً، ما يفرض مسؤولية مضاعفة في وضوح النية ودقة التعبير، حتى لا تختلط الرسائل على العامة، ولا تختلط النوايا بالممارسات المحظورة شرعاً.
وبعيداً عن قصة المفتي، يجدر التوقف عند العزف على وتر تخصيص مداخيل بيع الأرقام لصندوق دعم الطالب الفقير، وهو تصريح هلامي بلا إطار قانوني أو نظام تشريعي واضح، وكاردنيين فقد خبرنا تجربة مشابهة مع صندوق الأجيال الذي أُقر عام 2000 بفكرة تخصيص جزء من عوائد بيع المقدرات لصالح الأجيال القادمة، لكن أعراف التشريع سمحت باستثمار أموال الصندوق في كل شيء، حتى سداد ديون الدولة، وبحلول عام 2015 أُلغي الصندوق بقانون، ومعه أُلغيت كل التزامات الدولة تجاهه، لنورث الأجيال القادمة ليس وفراً مالياً، بل تضخماً في حجم الدين العام وثقله على كاهلها.
وسلامتكوا …
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف نادر خطاطبة المفتي الأسبق محمد الغول السواقين المتقاعدين بيع الأرقام
إقرأ أيضاً:
د. أمين حسن عمر يكتب: ديمقراطية أهل السودان
كان ينبغي لديمقراطية أهل السودان أن تشبه أهل السودان . وأن تلائم وتوائم عقيدتهم وثقافتهم وعرفهم بل وأمزجتهم . فهي تكون بذلك أكبر قابلية للإستمرار. ولكننا أغرمنا بنقل تجارب الآخرين بما لها وما عليها، وسواء انسجمت مع أفكارنا واعرافنا ومزاجنا العام أم اختلفت.
ولذلك لم تُكتب الاستدامة لتجاربنا السياسية والدستورية. وما لم نتوافق على نظام سياسي يراعى الخصوصية والعبقرية السودانية بل يحتاط للنقائص والعيوب السودانية في التفكير والمزاج العام فلن تمكث الديمقراطية بيننا الا زمنا قصيرا.
وديمقراطية أهل السودان ينبغي أن تكون لعموم أهل السودان لا للخاصة دون العامة . ولا للصفوة دون سائر الناس بل أنها لن تكون مستحقة لأسمها ووصفها ما لم تشابه العامة من الناس . وأن تستلهم حكمتهم وتجربتهم الحضارية الممتدة عبر القرون والأجيال.
وديمقراطية أهل السودان يتوجب ان تكون ديمقراطية شعبية Popular Democracy . وأعني بمفردة شعبية أن ترتقي القيادات من أسفل إلى أعلى . وأن تبتدر السياسات والاتجاهات من أسفل إلى أعلى. ولن يكون ذلك إلا بالتركيز على فكرة ديمقراطية القاعدة من خلال نظام للجان الشعبية، والشورى الشعبية التي تصف الأحوال وتؤمىء للمعالجات وتترك الصياغة الفنية للسياسات للفنيين والخبراء من بعد.
كذلك ينبغي أن تُؤسس الأحزاب على أساس الأحزاب الشعبية فلا يُسمح لحزب بالدخول إلى المعترك الإنتخابي ما لم يؤسس حضوراً شعبياً مقدراً . سواء على مستوى الولاية أو المستوى الأتحادي. ولا يعني ذلك منع الأحزاب وجماعات الرأي من الحضور في الساحة السياسية والتعبير عن رؤاها وأفكارها .
فلن تتجدد الحياة السياسية ما لم يسمح للأحزاب الجديدة والأفكار الجديدة بالنشؤ والتوسع . ولكن السماح بالممارسة السياسية شيء والسماح بادعاء تمثيل الشعب شيء آخر . ولذلك فإن أفضل أشكال الانتخابات هي الانتخاب بالقوائم النسبية بنسبة مائة بالمائة.
وتلك النسبة مشروطة على أن تكن نسبة الاستحقاق للتمثيل البرلماني عالية كالشأن المعمول به في تركيا حيث تبلغ النسبة 10% . ولذلك فأن من يوجد بالبرلمان يمثل كتلة شعبية حقيقية وليس مجرد لافتات متعددة وأصوات عالية مرتفعة وضجة مفتعلة ليس من ورائها طائل.
من كتاب جدل الحرية والديموقراطية والهوية
د. أمين حسن عمر
إنضم لقناة النيلين على واتساب