الجزيرة:
2025-08-11@13:09:25 GMT

هل العالم على موعد قريب مع حروب الماء؟

تاريخ النشر: 11th, August 2025 GMT

هل العالم على موعد قريب مع حروب الماء؟

في مقابلة شهيرة عام 1995 تنبأ الخبير الاقتصادي إسماعيل سراج الدين نائب رئيس البنك الدولي حينئذ بأن المياه ستكون محور حروب القرن الـ21 بديلا عن النفط الذي كان محور حروب القرن الـ20، على حد وصفه.

وبعد مرور 30 عاما على ذلك التصريح أصدرت مجموعة ميرسي كوربس تقريرا في مايو/أيار 2025 أشار إلى أن العاصمة الأفغانية كابل قد تكون أول مدينة كبرى تستنفد مخزونها من المياه الجوفية بحلول عام 2030، مما سيؤدي إلى رحيل جماعي عن المدينة التي تحتضن 6 ملايين إنسان، ولا شك ستقترن بذلك اضطرابات اقتصادية وسياسية هائلة.

وبين نبوءة سراج الدين وأزمة كابل شهد العالم خلال 30 عاما كوارث بيئية غير مسبوقة ودرجات حرارة وموجات جفاف قياسية، خاصة في السنوات القليلة الماضية.

كل ذلك يضعنا أمام سؤال مرعب: هل سنشهد في السنوات المقبلة حروبا تتناحر فيها دول العالم على مصادر المياه المتضائلة؟

مياه العالم تنفد

لعل من المجدي الاسترشاد بمصطلح مهم يُستخدم في تقييم مستويات استهلاك المياه وتجددها، وهو الاستنزاف المائي، لفهم أعمق لأزمة نضوب المياه حول العالم.

ويُقصد بالاستنزاف المائي -كما تعرّفه لجنة الأمم المتحدة للمياه- نسبة سحب المياه العذبة (المتولدة من مصادر طبيعية) إلى إجمالي الموارد المتجددة من المياه العذبة، وبصيغة أخرى هو مقياس يعبر عن مدى التراجع في حجم المياه العذبة مقارنة بوتيرة استهلاكها وتجددها.

وباعتماد هذا المؤشر تظهر أرقام مقلقة، فعلى الرغم من أن 119 دولة من أصل 180 شملتها البيانات حتى عام 2021 لا تعاني من استنزاف مائي حاد فإن منحنى الاستنزاف العالمي يتجه صعودا، بحسب تقرير للجنة الأممية نُشر في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

فقد بلغ معدل الاستنزاف المائي 18.6% في عام 2021، بزيادة قدرها 2.8% مقارنة بعام 2015، مما يعادل ارتفاعا في الاستهلاك العالمي يُقدّر بنحو 93 مليار متر مكعب خلال تلك الفترة.

دول الشرق الأوسط تحتل صدارة معدلات الاستنزاف المائي (غيتي)

وفي تقريره السنوي لعام 2023 أشار معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة إلى أن 1.4 مليار إنسان تأثروا بموجات الجفاف في الفترة من 2002-2021، وقتلت أكثر من 21 ألف إنسان، وكلفت اقتصادات العالم 170 مليار دولار في الفترة نفسها.

إعلان

وبحسب تقرير لليونسكو عن التنمية المائية العالمية لعام 2025، فإن ما يقارب 4 مليارات إنسان أو نصف سكان العالم يعانون من نقص حاد في المياه خلال جزء من العام على الأقل، كما أن مستويات الاستنزاف المائي ازدادت خلال الفترة من 2012-2021 في معظم أقاليم العالم.

وتحتل دول الشرق الأوسط صدارة معدلات الاستنزاف المائي، إذ تصاعدت مستويات الاستنزاف المائي بما نسبته 12% منذ عام 2015 حتى نهاية عام 2024، في ظل الأزمات الناجمة عن التغير المناخي، وفقا لتقرير لجنة الأمم المتحدة للمياه.

وبلغت نسبة الاستنزاف المائي في المنطقة 80% عام 2021، إذ يبلغ معدل مصادر المياه المتجددة في الإقليم 993 متر مكعب عام 2020 للفرد الواحد، مقارنة بمعدل سحب مياه يبلغ 568 متر مكعب للفرد الواحد، وتأتي الكويت على رأس هذه القائمة تليها الإمارات ثم السعودية، بحسب التقرير.

وزير البيئة الألماني كارستن شنايدر خلال جولته لتفقّد الجفاف الذي يعاني منه معظم أنحاء غرب ألمانيا في مايو/أيار 2025 (رويترز)شح المياه والنزاعات

من البديهي أن يكون النزاع بين البشر على الموارد المحدودة أمرا ملازما لمسيرتهم عبر العصور، وفي ظل تسارع التغير المناخي تتفاقم أزمة شح المياه، لتصبح أحد أبرز العوامل التي تؤجج الصراعات.

ففي منطقة السهل الأفريقي الأوسط -على سبيل المثال- تم توثيق أكثر من 450 حادثة عنف خلال السنوات الخمس الماضية اندلعت بين مزارعين ورعاة على مصادر المياه المتناقصة وأراضي الرعي، مما يبرز كيف يمكن لشح الموارد أن يحوّل التنافس إلى اقتتال.

وتزيد عوامل أخرى تعقيد المشهد، مثل الخلافات على توزيع المياه بين المجتمعات الواقعة عند منابع الأنهار وتلك التي تعيش قرب مصباتها، وبالشاكلة نفسها مسألة الأنهار والنزاع عليها، إذ يوجد اليوم 263 نهرا حول العالم تقطع حدود دولتين أو أكثر، وهو ما قد يؤدي مستقبلا مع ازدياد الشح والطلب على المياه إلى تفجير نزاعات.

ومن المظاهر الأخرى لتأثير شح المياه ظاهرة الهجرة المرتبطة بتدهور الأحوال المناخية والجغرافية، وعلى رأسها ندرة الموارد المائية، إذ يُقدّر تقرير اليونسكو للتنمية المائية العالمية لعام 2024 أن شح المياه ساهم في ارتفاع معدلات الهجرة العالمية بنسبة 10%.

ويفضي هذا النزوح المتزايد إلى ضغط إضافي على الموارد المائية للمجتمعات المستضيفة، وهو ما يؤدي بدوره إلى توترات ونزاعات، ومن الأمثلة على ذلك نزاع وقع بين عشائر البدو ومهاجرين عام 2021 في ولاية جنوب كردفان بالسودان على إثر تضرر مضخة مياه.

ولا يقف أثر شح المياه عند هذا الحد، بل قد يزعزع شرعية الحكومات نفسها من خلال إضعاف قدرتها على توفير الخدمات الأساسية، وعلى رأسها المياه.

وحين تفشل الدولة في أداء هذا الدور الحيوي تظهر فراغات سياسية وأمنية قد تستغلها جماعات مسلحة خارجة عن سلطة الدولة، فتتقدم لتقديم خدمات بديلة واستمالة المجتمعات المحلية المتعطشة، ولا سيما في المناطق النائية، ويمكن رصد نماذج من هذه الديناميكية في عدد من مناطق السهل الأفريقي.

هل سنشهد حروبا مائية قريبا؟

في هذا السؤال حاجة إلى تفصيل، فإن كان القصد هو: هل سنشهد حروبا سببها الأول هو تنازع دولتين أو أكثر على مصادر مائية؟ فالجواب سيكون على الأرجح بالنفي، على الرغم من وجود من تنبأ بحدوث ذلك.

إعلان

وما يعضد ذلك هو العامل التاريخي من وجهين:

أولهما: هو أن الحروب المائية أمر نادر الحدوث تاريخيا كما تبين ورقة محكّمة نُشرت هذا العام في البرتغال، وهو ما تذهب إليه أيضا الأمم المتحدة في تقرير اليونسكو للتنمية المائية العالمية. والثاني: هو أن التاريخ يُظهر أن الدول تقدم التعاون على الحرب في سياق توزيع المياه أو حل الخلافات المائية كما يبيّن تقرير لمركز ويلسون نُشر عام 2019، ومن ذلك وجود أكثر من 3600 معاهدة مائية تم توقيعها منذ عام 805 ميلادي، بالإضافة إلى إنشاء ما يقارب 120 منظمة لإدارة أحواض المياه المشتركة بين أكثر من دولة، وفقا لتقرير اليونسكو عام 2024.

لكن الإجابة عن هذا السؤال ليست بهذه البساطة، فلا يمكن أيضا بشكل إهمال التقاطع المتزايد بين المياه والحسابات العسكرية، وهو ما يمكن رصده في 3 مساحات رئيسية:

1. العسكرة المتزايدة للمياه

يُقصد بعسكرة المياه استخدام مصادر المياه أو استهدافها في الصراعات المختلفة، ومن أشكال ذلك الاستهداف المباشر للبنية التحتية المائية، وتلويث مصادر المياه، ومنع الوصول إلى المياه، وإحداث الفيضانات.

ومما يدفع إلى القلق هو تصاعد هذا النوع من الممارسات في السنوات الأخيرة تحديدا، فبحسب المعهد الباسيفي شهد العالم زيادة نسبتها 500% في حالات عسكرة المياه بين عامي 2000 و2023 مقارنة ببدايات القرن الـ20، مع زيادة نسبتها 50% في عام 2023 فقط.

ولعل أبرز الأمثلة الراهنة على ذلك هو قطع شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت" المياه عن غزة، وتدمير مستوطنين إسرائيليين أيضا النظم المائية في الضفة الغربية والاستيلاء عليها، بل إن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد طالبت إسرائيل بالتوقف عن استخدام المياه سلاح حرب.

وفي عام 2016 سُجل حادث آخر في العراق حين قام مسلحون مجهولون بتفجير أنبوب نفط، مما أدى إلى تلويث مياه نهر دجلة في مدينة بيجي، ثم إعادة تحويل مسار النفط ليصب في مجرى نهر دجلة، وهو ما أدى إلى تلوث مياه النهر وانقطاعها في 6 محافظات عراقية، منها بغداد.

ويُبرز ذلك الحادث كيف يمكن للمياه أن تتحول إلى سلاح في ساحات الصراع.

2. المياه كأولوية أمن قومية

يبرز أيضا اسم إسرائيل مثالا على الحروب المائية في هذا السياق، فقد اعتبر الاحتلال الإسرائيلي طويلا المياه مسألة وجودية، بل توقّع ديفيد بن غوريون أن إسرائيل ستخوض حربا مع العرب على الماء، وستكون هذه الحرب هي ما يحدد بقاءها.

ويُظهر التاريخ أن التطلعات الصهيونية للسيطرة على الموارد المائية في المنطقة ليست جديدة، إذ تعود أولى محاولات الحركة الصهيونية للسيطرة على مياه نهر الأردن والمياه العربية إلى عام 1867.

3. أزمات مائية على حافة الانفجار

يشهد العالم اليوم عددا متزايدا من الأزمات المائية التي تزداد تعقيدا بفعل النزاعات الجيوسياسية، وقد تتحول في بعض الحالات إلى صراعات مفتوحة.

في أميركا اللاتينية تُعد أزمة سد "إيتايبو" الكهرومائي -الذي يمتد على مسافة 5 أميال عبر نهر بارانا بين باراغواي والبرازيل- أحد أبرز الأمثلة على ذلك.

ورغم أن السد يُعد من أقوى مصادر الطاقة الكهرومائية في العالم فإنه ظل موضع خلاف سياسي ومالي مزمن بين البلدين تعود جذوره إلى "معاهدة إيتايبو" الموقّعة عام 1973.

وبموجب المعاهدة، تنازلت باراغواي عن فائض طاقتها الكهربائية لصالح البرازيل بأسعار زهيدة، وهو ما استمر لعقود.

وشهد عام 2023 انتهاء مدة عدد من الشروط الأساسية في المعاهدة، مع تسديد البلدين القسط الأخير من ديون بناء السد، مما أفسح المجال لجولة جديدة سرية من المفاوضات.

لكن هذا التفاوض تحوّل إلى فضيحة تجسس في أواخر مارس/آذار 2025 عندما كشفت وسائل إعلام برازيلية عن تلصص الاستخبارات البرازيلية على مسؤولين باراغوايانيين كانوا مشاركين في المفاوضات، وقد أثارت هذه القضية غضبا عميقا في باراغواي، حيث وصف وزير خارجيتها الحادث بأنه "انتهاك صارخ للقانون الدولي وتدخّل في الشؤون الداخلية".

إعلان

وفي هذا السياق، تفاقم عدد من العوامل هذه الأزمة، منها استنزاف نهر باران بفعل التغير المناخي، وهو ما يؤثر على التوربينات الـ20 لسد إيتايبو، وتزايد الطلب على الطاقة في باراغواي بسبب ارتفاع درجات الحرارة وصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل تعدين العملات المشفرة، وهو ما قد يرسم مسارا تصاعديا لهذه الأزمة بين البلدين.

ويمكن النظر في أزمات مائية قد تؤدي إلى نزاعات داخلية كما هو الحال في إيران وما تُعرف بشبكات "مافيا المياه"، والتي تضم مسؤولين رفيعين وشركات إنشاءات كبرى على صلة بالسلطة.

وتستفيد هذه الشبكات من مشاريع البنية التحتية الضخمة التي تفتقر إلى الرقابة البيئية، مما يؤدي إلى تدمير النظم البيئية ونقص حاد في المياه وتشريد الملايين.

ومن ذلك مثلا جفاف بحيرة زايندة رود التي كانت تُعرف بـ"النهر الواهب للحياة" في أصفهان، بسبب تحويل المياه بشكل روتيني إلى مشاريع زراعية وصناعية تحت غطاء سياسي.

كما أدى الاستغلال المفرط للمياه الجوفية إلى هبوط الأرض في 500 من أصل 609 سهول موجودة في إيران، مع تضرر عشرات الملايين.

وقد أدت ندرة المياه في إيران إلى اضطرابات واحتجاجات، خاصة في المناطق المتضررة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الأمم المتحدة مصادر المیاه شح المیاه أکثر من على ذلک عام 2021 وهو ما

إقرأ أيضاً:

العراق، هايتي، أفغانستان.. جون ريندون عراب حروب أميركا

يُطلق جون ريندون على نفسه لقب "فارس المعلومات"، لكن اللقب الأدق هو: "خبير التضليل الإعلامي"، وفقا للمجلة الفرنسية لونوفيل أوبسرفاتور التي أعادت اليوم نشر تقرير كتبته في فبراير/شباط 2003 ضمن سلسلة تقارير عنونتها بـ"تاريخ الإمبراطورية الأميركية".

ولإتقانه لدعايته السرية، تقول المجلة، ظل ريندون لأكثر من 20 عاما الرجل الذي يلجأ إليه البنتاغون كلما أراد شن حرب دعائية أو غيرها كما في نيكاراغوا، لإضعاف معنويات الساندينيين، وفي بنما، لزعزعة استقرار الجنرال نورييغا، وكذلك في البلقان، وهاييتي وأفغانستان… ولكن أرض اللعبة المفضلة لريندون كانت العراق.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أكسيوس: ترامب يريد الترويج لخلو رئاسته من الأخبار السيئةlist 2 of 2مقال في هآرتس: إسرائيل تخطط لاحتلال غزة لكنها لا تريد تحمّل مسؤولية قرارهاend of list

فمنذ عام 1990 إلى 2003، لم يتخلف جون ريندون عن المشاركة في أي محاولة انقلاب على الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين أو أي محاولة لزعزعة استقرار حكمه.

وتذكر المجلة أن ريندون أنشأ محطات إذاعية موجهة إلى بغداد، ركزت برامجها على السخرية من  صدام، كما أنشأ منظمات عميلة مثل "التحالف من أجل العدالة في العراق"، وهو الذي أطلق، بناءً على طلب من وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، اسما على إحدى حركات المعارضة الرئيسية في المنفى، وهي الحركة الوطنية العراقية التي كان أحد قادتها موظفا سابقا في مجموعة ريندون.

وريندون هو الرئيس والمدير التنفيذي لهذه المجموعة التي تصف نفسها بأنها شركة اتصالات إستراتيجية عالمية لها حضور في أكثر من 120 دولة.

وكان ريندون هو رأس الحربة في الهجوم الإعلامي المكثف الذي شنه صقور فريق الرئيس الأميركي جورج دابليو بوش لإقناع النخب والجماهير الأميركية بضرورة شن حرب على العراق في عام 2003.

ابتداءً من سبتمبر/أيلول من تلك السنة، تقول المجلة، إن عدة منظمات كلفت بـ"تسويق" هذه الحرب لم تكن تحظى بشعبية كبيرة، وكان لكل منها مهمة، فعلى سبيل المثال، بادر البيت الأبيض بإنشاء "لجنة تحرير العراق"، وهدفها الرسمي هو "الترويج للإطاحة بصدام حسين".

جورج دبليو بوش يتحدث إلى جنود أميركيين في قاعدة بأفغانستان بينما تستمع زوجته لورا بوش (غيتي)

وقد خصص لهذه المنظمة منزل فخم في مبنى الكابيتول هيل بواشنطن، في موقع قريب جدا من الكونغرس، وفي مقرها الجديد، دأب قادة اللجنة على تنظيم حفلات عشاء للصحفيين مع مسؤولي البنتاغون، ووجبات إفطار مع مستشاري الرئيس، وجلسات إحاطة مع "متخصصين" في شؤون الشرق الأوسط، وجميعهم، بالطبع، يدعمون نفس الخط السياسي العدائي.

إعلان

وتقول لونوفيل أوبسرفاتور إن هذه الصيغة (لجنة مُخصصة لجذب اهتمام وسائل الإعلام) حققت نجاحا باهرا عدة مرات في الماضي، ففي عام 1990، نجحت حركة "مواطنون من أجل كويت حرة"، التي لم تدم طويلا، في إقناع أميركا المُترددة بشن حرب الخليج. وعلى سبيل المثال، نجحت هذه الحركة، بدعم من جورج بوش الأب، في إقناع الكونغرس والصحافة العالمية بأن الجنود العراقيين قتلوا أطفالا كويتيين بإخراجهم من حاضناتهم، وهو ما ثبت لاحقا أنه غير صحيح.

وتضيف المجلة أن جيمس وولسي، وهو مدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية في التسعينيات، جاب في عام 2002، العالم باحثا عن أدلة تربط العراق بهجمات مركز التجارة العالمي، لكن من دون جدوى. غير أن ذلك لم يمنعه من الدفاع، بكل ما أوتي من قوة، عن نظرية تواطؤ بغداد مع إرهابيي 11 سبتمبر/أيلول.

وكانت القنوات التلفزيونية تستضيف العديد من أعضاء هذه اللجنة المُشجِّعة للحرب، يوميا تقريبا ويُشاهَد هؤلاء الصقور ذوو المراتب العالية، ويُسمَعون، ويُقرأ عنهم في كل مكان، في الولايات المتحدة وحول العالم. وتُشارك شركة بينادور أسوشيتس، إحدى شركات العلاقات العامة الأميركية الرائدة، بنشاط كبير في الترويج الدولي.

وشملت المرحلة الثانية من خطة الاتصالات المؤيدة للحرب، إنشاء هيئة عامة مسؤولة عن نقل وتضخيم رسائل الرئيس بوش الحربية إلى الخارج، وهي "مكتب الاتصالات العالمية".

ويرأس تاكر إسكيو، وهو من مؤيدي بوش المخلصين، هذا الجهاز الدعائي ويتحدث عن مهمته قائلا: "أنسق أنشطة المتحدثين الرسميين الرئيسيين باسم الإدارة، بحيث تصل رسالة واحدة فقط يوميا".

وبمعنى آخر، هو المسؤول الرئيسي عن "الهجوم"، وهو من جمع ونشر ملفات البيت الأبيض المزورة عن العراق (بلغت تكلفة تلك العملية حسب صحيفة تايمز اللندنية: 225 مليون دولار)، وصرح قائلا: "لقد نشرنا صور الأقمار الصناعية للمواقع النووية قيد الإنشاء".

ومع ذلك، وبعد زيارات عديدة، لم يعثر مفتشو الأمم المتحدة على أي شيء مثير للريبة في هذه المواقع المحددة. هل نُقلت المواد المحظورة بعد نشر الصور؟ هذا ما طرح آنذاك، وعلى أي حال، فإن هذه الملفات لم تقنع الكثيرين، وفقا للمجلة.

لكن، ورغم كل الجهود التي بذلت لـ"ترويج" الحرب، لاحظ العاملون على ذلك أن الرأي العام لا يزال غير مقتنع بها، وهنا أصبحوا يفكرون في "إجبار" الرأي العام على ذلك عبر المزيد من الخطوات: "فماذا لو، على سبيل المثال، دفعنا أموالا لصحفيين من دولة حليفة مهمة، مثل فرنسا، لكتابة مقالات مؤيدة؟"، يتساءل أحدهم.

وتنقل المجلة عن صحيفة نيويورك تايمز أن البنتاغون دأب في تلك الفترة على إثارة مثل هذه الأفكار، إذ كشفت أنه حتى في فبراير/شباط 2002، كان هناك مكتب يتولى مهمة عمليات التضليل يطلق عليه: مكتب التأثير الإستراتيجي (OSI)، والذي كان له الحق في تنظيم انقلابات، حتى في الدول الصديقة، وكان جون ريندون أحد ركائزه الرئيسيين.

وبعد نشر ذلك المقال، بلغت الفضيحة مداها لدرجة أن وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد اضطر للإعلان عن إغلاق ذلك المكتب لكن أنشطة البنتاغون السرية، التي لطالما شابها التشهير، لم تتوقف.

إعلان

بل كان رامسفيلد نفسه هو من كشفها، في نوفمبر/تشرين الثاني 2002، أمام عدد من الصحفيين: "قلتُ (لمن يهمه الأمر): حسنا، تريدون القضاء على هذا الشيء. حسنا، يمكنكم دفن الاسم. لكنني سأواصل فعل ما يلزم. وقد فعلتُه".

وهنا تقول المجلة إن الناس يتذكرون الشهادة الغريبة لمن قيل إن لها علاقات مزعومة مع صدام حسين، وهي امرأة مجهولة قالت إن لها علاقات خاصة مع الرئيس العراقي وإنه تحدث عدة مرات مع بن لادن، وهي عملية تضليل من تدبير جون ريندون ولم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، وفقا لما ختمت به لونوفيل أوبسرفاتور مادتها.

مقالات مشابهة

  • الإعاقة الحركية لم تمنعه.. القبطان ولاء حافظ ينفذ أول غوصة لأطول مدة تحت الماء لدخول موسوعة جينس
  • أصالة تعلن عن موعد قريب للقاء جمهورها في بيروت برسالة مؤثرة
  • مساءلة وزير التجهيز والماء حول تلوث المياه الجوفية بالمناطق المجاورة لمدينة وجدة
  • مؤسسة المياه بدمشق: تأخير موعد ضخ المياه في عدة أحياء بسبب عطل كهربائي
  • موعد مباراة برشلونة ضد كومو في كأس خوان غامبر 2025 والقنوات الناقلة
  • العراق، هايتي، أفغانستان.. جون ريندون عراب حروب أميركا
  • موعد مباراة مصر واليابان في كأس العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا والقنوات الناقلة
  • موعد مباراة منتخب مصر مع اليابان في كأس العالم لناشىء اليد
  • كيف ننقي المياه في زمن الحروب والمجاعات؟