تعاون في حدود السيادة.. قراءة في زيارة لاريجاني إلى لبنان
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
بيروت- في مشهد يحمل أبعادا سياسية لافتة، حطّ أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، اليوم الأربعاء، في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، حيث اصطف العشرات من مناصري حزب الله على جانبي الطريق المؤدي إلى المطار، مرددين هتافات التأييد، بينما ترجَّل لاريجاني لبرهة من موكبه لتحية الحشود، في لقطة تعكس الرمزية السياسية لهذه الزيارة.
وتأتي الزيارة في توقيت حساس، بعد أيام من تصريحات إيرانية رفضت أي مسعى لنزع سلاح حزب الله، في مواجهة مباشرة مع القرار الرسمي اللبناني الساعي إلى حصر السلاح بيد الدولة، ما يعكس عمق التوتر بين حسابات الإقليم وخيارات الداخل.
وفور وصوله، أكد لاريجاني التزام بلاده بالوقوف لجانب الشعب اللبناني "في جميع الظروف"، قائلا للصحفيين "إذا عانى الشعب اللبناني يوما، سنشعر نحن أيضا بهذا الألم، وسنقف معه في كل الأوقات".
احترام السيادةويشمل جدول أعمال لاريجاني سلسلة لقاءات رسمية رفيعة، بدأها بالرئيس جوزيف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، كما استقبل شخصيات لبنانية وفلسطينية في مقر السفارة الإيرانية.
وخلال لقائه لاريجاني، شدد الرئيس عون على رغبة لبنان في التعاون مع إيران ضمن حدود السيادة والاحترام المتبادل، معتبرا أن الصداقة الحقيقية يجب أن تشمل جميع اللبنانيين، لا أن تُختزل بطائفة أو مكوّن واحد، كما أكد أن بيروت لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى ولا تقبل أي تدخل خارجي بشؤونها.
لاحقا، اجتمع لاريجاني بنبيه بري، قبل أن يعقد مؤتمرا صحفيا نفى فيه أي تدخل إيراني في الشؤون اللبنانية، مؤكدا أن بلاده لا ترغب في المساس بعلاقاتها مع بيروت ومستعدة لتقديم المساعدة إذا طلبت الحكومة ذلك.
وأضاف "نحترم أي قرار تتخذه الدولة بالتنسيق مع القوى اللبنانية، ونؤمن أن الحوار الجاد هو السبيل لاتخاذ قرارات صائبة"، مشددا على أهمية "الحفاظ على المقاومة" ومشيدا بأداء اللبنانيين في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
إعلانوفي المساء، استقبل رئيس مجلس الوزراء نواف سلام لاريجاني في السرايا الحكومية، حيث أكد، في تصريحات عقب اللقاء، أن لبنان "لن يقبل أن يستخدم منبرا لتصفية الحسابات أو ساحة لتمرير رسائل إقليمية".
وأوضح أن قرارات الحكومة اللبنانية "ليست موضع نقاش في أي دولة أخرى"، مضيفا أن بلاده "لن تقبل بأي شكل التدخل بشؤونها الداخلية"، معربا عن تطلعه إلى "التزام الجانب الإيراني بهذا المبدأ".
ويرى محللون سياسيون تحدثوا للجزيرة نت أن الزيارة تحمل رسائل مزدوجة؛ داخليا، هي دعم مباشر لحزب الله وتأكيد على أن التموضع الإيراني ما زال ركنا في معادلة القوة اللبنانية. أما إقليميا، فهي إشارة واضحة للقوى الدولية والإقليمية بأن طهران متمسكة بنفوذها ولن تسمح بمحاولات تقليص قدرات حلفائها.
في المقابل، يعتبر آخرون أن هذه الزيارة قد تزيد الفجوة بين لبنان الرسمي وإيران، وتُعمِّق الانقسام الداخلي، لكنهم يستبعدون أن تحدث تغييرا جذريا في توازنات المشهد السياسي الراهن.
ويقول المحلل السياسي يوسف دياب للجزيرة نت إن دلالات زيارة لاريجاني إلى بيروت، تجلّت بلقائه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث بدا واضحا أن الموقف الإيراني لم يتبدل، تماما كما لم يتغير الموقف الأميركي. وأوضح أن الرسالة التي حملها لاريجاني هي ذاتها التي نقلها سابقا مستشار المرشد الأعلى عباس عراقجي، لكن بصيغة أكثر دبلوماسية.
وأضاف دياب أن تصريح لاريجاني بضرورة "وحدة لبنان وتشاور الحكومة مع جميع الأطراف بشأن سلاح المقاومة" يعني عمليا رهن قرارات الدولة بما يوافق عليه حزب الله، مرجحا أن يتضمن لقاؤه مع قيادات الحزب مزيدا من التحريض الإيراني على التمرد على قرارات الحكومة اللبنانية.
وأشار إلى أن الموقف الإيراني يعكس بوضوح توجهات القيادة في طهران، ويترجم بمزيد من التحريض وإثارة التوتر الداخلي، في مقابل موقف رسمي لبناني وصفه بـ"الواضح والحازم".
ورأى دياب أن الموقف الإيراني قد يدفع حزب الله للتصلب أكثر ببعض الملفات، لكنه لن يغيّر من الموقف الرسمي للدولة اللبنانية ولا من حتمية حصر السلاح بيدها، واعتبر أن الاختبار الحقيقي لهذا المبدأ سيكون في 31 أغسطس/آب الجاري، خلال جلسة الحكومة المقررة لمناقشة خطة قيادة الجيش لترجمة حصرية السلاح بيد الدولة.
وختم قائلا: إن هذه الزيارة مرشحة لزيادة الفجوة بين لبنان وإيران الرسمية وتعميق الانقسام الداخلي، غير أنها -برأيه- لن تُحدث تحولا جوهريا في المشهد القائم.
إيران وركائزهامن جانبه، قال الكاتب والباحث السياسي علي مطر للجزيرة نت إن زيارة لاريجاني إلى بيروت، تحمل أبعادا سياسية وأمنية لافتة، سواء في الشكل أو المضمون، خاصة أن طهران بعد الحرب التي شُنّت عليها بمشاركة إسرائيلية وأميركية، تعتبر العراق ولبنان ركيزتين أساسيتين في إستراتيجيتها الإقليمية.
وفي الشكل -يوضح مطر- تأتي الزيارة في سياق سلسلة تطورات، أبرزها قرار الحكومة اللبنانية حصر السلاح بيد الدولة، وما أثاره ذلك من جدل داخلي، بالإضافة إلى محاولات واشنطن تضييق الخناق على المقاومة.
إعلانوأشار إلى أن مشاهد الاستقبال الشعبي التي حظي بها لاريجاني من مؤيدي المقاومة، عكست حجم التأييد الشعبي لهذه الزيارة، مقابل تحفظ وانتقاد من أطراف سياسية أخرى.
أما في المضمون، فيؤكد مطر أن الرسالة الإيرانية واضحة: لبنان دولة محورية في رؤية طهران للمنطقة، وإيران تسعى لتكريس حضورها فيه حتى لا تنفرد أميركا بالتأثير على مساره. وهي تقول: إن إعادة صياغة المشهد الإقليمي لن تكون أميركية إسرائيلية فقط، بل إن طهران طرف فاعل في رسم موازين القوى.
ورغم أن تصريحات لاريجاني جاءت هادئة ودبلوماسية، وفقا لمطر، وتجنبت التدخل المباشر في الشؤون اللبنانية، فإنه شدد على أن حزب الله يمتلك رصيدا سياسيا وشعبيا يمكّنه من اتخاذ قراراته باستقلالية، مع التأكيد أن طهران لن تتوانى عن دعمه في مواجهة إسرائيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الحکومة اللبنانیة حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل حسمت زيارة لاريجاني لبيروت مصير سلاح حزب الله؟
تتباعد العلاقات بين إيران ولبنان أكثر في ظل جملة من التطورات الإقليمية المتلاحقة، وآخرها إقرار الحكومة اللبنانية الورقة الأميركية وتكليف الجيش بوضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة.
وفي هذا الإطار، جاءت زيارة أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت، الذي يحاول "مسك العصا من المنتصف" -وفق الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين- عبر مواصلة دعم حزب الله، لكن مع تجنب أي تورط مع الحكومة اللبنانية.
وحسب حديث الأمين لبرنامج "ما وراء الخبر"، فإن الوضع الجديد في لبنان لا يسمح لإيران بالتصرف كما كان عليه الحال سابقا، بعدما استثمرت عقودا في مشروع حزب الله، وتدرك الخسارة التي تعرضت لها بعد الحروب الأخيرة وسقوط نظام بشار الأسد.
في المقابل، عبّر لاريجاني في زيارته إلى لبنان عن موقف إيران وسياستها بالمرحلة الجديدة، من خلال دعم لبنان في رفض الوصاية الأميركية عليه، وكذلك وجه رسالة للداخل اللبناني مفادها بأن "الإقصاء لأطراف مهمة غير مقبول إيرانيا".
جاء ذلك في حديث أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة طهران حسن أحمديان لـ"ما وراء الخبر"، مؤكدا أن الحرب على حزب الله وإيران لم تفضِ إلى تغيير جوهري في واقع الصراع مع إسرائيل.
سلاح حزب اللهوبشأن مستقبل العلاقات الإيرانية اللبنانية، فإنها مرهونة -حسب الأمين- بسلوك حزب الله في كيفية تعامله مع تنفيذ قرار سحب السلاح وحصره بيد الدولة، معربا عن قناعته بأن أي رد فعلي سلبي سينعكس على تلك العلاقات، ويوفر فرصا لكثيرين بتصعيد أكثر في لبنان.
وبعيدا عن سلاح حزب الله، تفضل الدولة اللبنانية اعتماد وسائل أقل كلفة، في ظل غياب أي رادع لإسرائيل في لبنان باستثناء واشنطن، كما يقول الأمين.
وخلص إلى أن لبنان يدفع "ثمن خسارة حزب الله للحرب الأخيرة مع إسرائيل"، مما أوصل لبنان إلى وضعية صعبة، ولا يمكن مطالبته بأن يكون دولة "لم تتعرض لهزيمة وكارثة".
إعلانمن جهته، أكد أحمديان أن الحديث عن "نقل سلاح حزب الله إلى الجيش اللبناني" ليس صحيحا، بل يتعلق الأمر بتفكيك السلاح وإنهاء مفعوله، مما "يجعل المنطقة من جنوب لبنان إلى بيروت مستباحة".
ووفق الأكاديمي الإيراني، فإن سلاح حزب الله رأس مال "لا يمكن التفريط به" ولن تقف إيران إلى جانب مفهوم نزعه، كما أنها لن تلعب دورا في هذا الموضوع، معربا عن قناعته بأن "المقاومة في لبنان قوية وتستطيع إدارة الملف بنفسها".
وخلص أحمديان إلى أن إيران تريد "تدارك الوضع في لبنان وليس تعقيده"، وتدرك أيضا أن الوئام في الداخل اللبناني يقلص من حجم التدخل الخارجي، ولكن "ليس على حساب المقاومة"، مرجحا أن الإقصاء الذي يُمارس "لن يفضي إلى حلول لمشاكل لبنان الكثيرة".
وقال علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني -منذ أيام- إن إيران تعارض قرار الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله، معتبرا أن مصيره سيكون "الفشل"، في وقت أدانت فيه وزارة الخارجية اللبنانية التصريحات الإيرانية ووصفتها بأنها انتهاك للسيادة والوحدة الوطنية واستقرار البلاد.