عربي21:
2025-08-13@23:43:21 GMT

قمة ترامب- بوتين: تروّض أوكرانيا وتُحبط أوروبا

تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT

فيما كانت بروكسل تحاول هضم الاتفاق التجاري المذل الذي أجبرت على توقيعه مع واشنطن، عاجلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضربة أشد قوة وتأثيرا، بإعلانه عبر منصته "تروث سوشيال" عن لقاء سيجمعه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في 15 آب/ أغسطس الجاري في "ألاسكا"، وعنوانه السعي إلى التوصل إلى تفاهمات من أجل صياغة اتفاق سلام ينهي الصراع في أوكرانيا.



خبر هذا اللقاء أحدث اضطرابا أوروبيا وأوكرانيا، وسط شعور عارم بالإقصاء والتهميش، وتسارعت وتيرة الاتصالات بين كييف وشركائها لتنسيق الموقف إزاء هذا التطور المفزع.

رمزية "ألاسكا"

اختيار مكان الاجتماع في ولاية "ألاسكا" القريبة جغرافيا من روسيا بالذات ليس تفصيلا عابرا. كانت هذه الولاية تقع ضمن أراضي وممتلكات الإمبراطورية الروسية التي باعتها إلى أمريكا عام 1867. يقول مستشار الكرملين يوري أوشاكوف إن "ألاسكا" و"القطب الشمالي" منطقتان تتقاطع فيهما مصالح البلدين الاقتصادية، وثمة إمكانيات لتحقيق مشاريع واسعة تعود بالمنفعة المتبادلة.

تحمل مواقف وتصريحات ترامب دلالات واضحة على هذا التوجه، حيث سبق أن أظهر تأييده لشروط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضم إقليمي "لوغانسك" و"دونيتسك" ومقاطعتي "زابورجيا" و"خيرسون" إلى "الاتحاد الروسي"، بالإضافة إلى رفضه انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"
بيد أن الأمور تذهب أبعد من ذلك، حيث تشير العديد من التقارير إلى أن اختيار "ألاسكا" الواقعة جغرافيا بين روسيا وأمريكا، يستبطن رمزية إبعاد القوى الأوروبية وأوكرانيا عن طاولة مفاوضات السلام لإنهاء الصراع في الثانية، في موازاة الدفع باتجاه توطيد وتوثيق عرى التحالف بين القوتين الروسية والأمريكية، وفق الاستراتيجية التي يتبناها ترامب وفريقه لمأسسة توازنات جديدة ضمن النظام العالمي.

وتحمل مواقف وتصريحات ترامب دلالات واضحة على هذا التوجه، حيث سبق أن أظهر تأييده لشروط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضم إقليمي "لوغانسك" و"دونيتسك" ومقاطعتي "زابورجيا" و"خيرسون" إلى "الاتحاد الروسي"، بالإضافة إلى رفضه انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، كما تطالب موسكو. وهو الذي يظهر الكثير من الازدراء بالحلف ويعتبره أداة سياسية- عسكرية منتهية الصلاحية. زد عليها تصريحات نائبه، جي دي فانس، الذي قال إن أمريكا تسعى للتوصل إلى تسوية للأزمة الأوكرانية، مع ملاحظة استخدامه مصطلح "الأزمة" بدل "الحرب"، من خلال الأخذ بالاعتبار خط الجبهة الحالي على الأرض. وأضاف أنّه "إذا أراد الأوروبيون شراء أسلحة من شركات أمريكية لنقلها إلى أوكرانيا فإن واشنطن لا تمانع، لكننا لن نمول هذا بأنفسنا".

وفي حين تطالب كييف بضمانات أمنية أوروبية وأمريكية من ضمنها نشر قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية لحفظ السلام، وهو ما ترفضه موسكو بحسم ضمن شروطها للسلام بأن لا تكون أوكرانيا ساحة للتمدد الجيوسياسي والعسكري الغربي قرب حدودها، فإن ترامب لا يظهر أدنى اهتمام بهذا المقترح، في ظل سياسته المعروفة بالحد من التورط الأمريكي في الصرعات، وخصوصا نشر قوات عسكرية.

زيلينسكي والتحول نحو الدبلوماسية

رغم كل المحاولات التي بذلها الرئيس الأوكراني بالتعاون مع شركائه الأوروبيين لاستثمار الفجوة التي ظهرت بين واشنطن وموسكو خلال الأسابيع الأخيرة ضمن مناورات الضغط الترامبية، من أجل تحسين موقفه التفاوضي، إلّا أنّه أظهر نوعا من البراغماتية المغلفة بالمرارة بعد الإعلان عن القمة بين الرئيسين الروسي والأمريكي.

من خلال هذه المرونة، سعى زيلينسكي إلى تعزيز الدفع نحو توسيع القمة لتصبح ثلاثية، دون أن يستطيع إخفاء شعوره بالإقصاء. هذا المقترح سبق أن أعرب المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف تأييده له، وأكد ممثلو روسيا في جولة مباحثات إسطنبول الأخيرة أنه يمكن أن ينعقد فقط في المرحلة الأخيرة من المفاوضات، بعد توافق الطرفين على شروط السلام.

غير أن الإشارة اللافتة التي تستحق التوقف عندها في مواقف زيلينسكي الأخيرة، هي مواصلته التأكيد على عدم التخلي عن الأراضي، وسعي بلاده إلى استردادها بالدبلوماسية وليس بالمواجهة العسكرية. تحمل هذه المواقف دلالات على تحول هائل يرتكز على قناعة عميقة داخل الإدارة الأوكرانية بالعجز عن تغيير الواقع الميداني، ولا سيما بعد فقدان الحليف الأمريكي الذي يواصل ابتعاده وتقنين المساعدات المالية والعسكرية، وغالبيتها مرتبطة بتنفذي تعهدات إدارة بايدن، فيما الباقي منها جرى تلزيمها إلى بروكسل.

لذلك تسعى كييف إلى التقاط الفرصة من أجل الحد من خسائرها، حيث تشير التقارير إلى أن زيلينسكي وويتكوف تفاهما في لقائهما الأخير على وساطة أمريكية لإقناع بوتين بحل وسيط يقضي بالاحتفاظ بجزء من الأراضي التي يطالب بها وليس كلها، مما يؤسس لأرضية صلبة تسرع التوصل إلى اتفاق سلام.

"يالطا" الجديدة

في المقابل، أجرت موسكو مناورة عسكرية ميدانية في أوكرانيا من خلال التقدم نحو مناطق خارج تلك التي تريد ضمها إلى سيادتها، وإنشاء رؤوس جسور فيها، من أجل توظيفها على طاولة المفاوضات. ويبدو أن واشنطن تؤيد هذه المناورة لزيادة الضغط على كييف، حيث غضت الطرف عنها وغابت عن مواقف المتحدثين باسمها.

الإشكالية الكبرى التي ما تزال تعرقل تطوير مسار جدي لإنهاء الصراع في أوكرانيا هي أوروبية الطابع، حيث تواصل بروكسل والقوى المؤثرة في صياغة قرار القارة العجوز الدفع باتجاه تعميق الصراع واستدامته، وعرقلة كل المساعي والجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية للتوصل إلى سلام، بسبب تخلي واشنطن عن حليفها الأوروبي
ومع ذلك، تشير بعض التقارير إلى إمكانية إبداء بوتين لمرونة يتخلى من خلالها عن "زابورجيا" و"خيرسون"، والاحتفاظ بـ"لوغانسك" و"دونيتسك"، مقابل إيقاف الدعم العسكري والاستخباراتي الغربي لأوكرانيا، وضمان عدم انضمامها إلى "الناتو" مستقبلا.

بيد أن الإشكالية الكبرى التي ما تزال تعرقل تطوير مسار جدي لإنهاء الصراع في أوكرانيا هي أوروبية الطابع، حيث تواصل بروكسل والقوى المؤثرة في صياغة قرار القارة العجوز الدفع باتجاه تعميق الصراع واستدامته، وعرقلة كل المساعي والجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية للتوصل إلى سلام، بسبب تخلي واشنطن عن حليفها الأوروبي وإبعادها عن طاولة المفاوضات. وهذا ما يمكن تبينه في المواقف الأوروبية التي صدرت ردا على قمة ترامب- بوتين، والإشارة إلى أن أي اتفاق يجب أن تكون أوكرانيا وأوروبا شريكتين في صياغته لأن الأمر يتعلق بأمنهما.

وتظهر تقارير وسائل الإعلام الأوروبية أن مفاعيل القمة تبث شعورا في أوساط النخب الأوروبية أنها إزاء "يالطا جديدة"، في إشارة إلى اللقاء التاريخي بين الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل عام 1945 في منتجع على البحر الأسود، من أجل إعادة ترسيم الخارطة الأوروبية وتقسيم مناطق النفوذ بينهم.

وبالتالي، ورغم كل التوقعات التي تشير إلى صعوبة خروج القمة الروسية- الأمريكية بتسوية للصراع في أوكرانيا، إلا أنها تشكل خرقا سياسيا جديا يفضي لإبرام سلام خلال وقت قصير، ويؤسس لشراكة جيوسياسية واستراتيجية تعيد تشكيل النظام العالمي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء ترامب بوتين روسيا امريكا روسيا بوتين اوكرانيا ترامب مدونات مدونات مدونات قضايا وآراء مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی أوکرانیا الصراع فی من خلال من أجل

إقرأ أيضاً:

عاجل. اجتماع افتراضي رفيع لبحث مفاوضات السلام في أوكرانيا يضم ترامب وقادة أوروبا وكييف

منذ الإعلان عن القمة الأميركية - الروسية، كثف القادة الأوروبيون اتصالاتهم لتوحيد المواقف دعماً لأوكرانيا. اعلان

يشارك الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائبه، إلى جانب قادة دول وحكومات ألمانيا وفنلندا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وبولندا وأوكرانيا، إضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، الأربعاء، في اجتماع افتراضي مخصص لملف أوكرانيا، قبل يومين من القمة المرتقبة بين الرئيسين الأميركي والروسي، وفق ما أعلنت برلين.

وقال المتحدث باسم المستشار الألماني فريدريش ميرتس، شتيفان كورنيليوس، إن المباحثات التي دعت إليها ألمانيا ستتناول "التحضير لمفاوضات سلام محتملة" وبحث "القضايا المرتبطة بالأراضي المتنازع عليها والضمانات الأمنية"، إضافة إلى "خطوات إضافية" يمكن اتخاذها لممارسة مزيد من الضغط على روسيا.

Related ويتكوف في موسكو خلال يومين وزيلينسكي يعلن التوصل إلى اتفاق لتبادل أسرى مع روسيامن الخطوط الأمامية.. زيلينسكي يتهم روسيا بتجنيد "مرتزقة أجانب" بينهم صينيونروسيا تطلق وابلًا من المسيّرات على عشر مناطق أوكرانية قبيل وصول ويتكوف إلى موسكو

وبحسب صحيفة "بيلد"، ستجري المحادثات على مرحلتين: الأولى عبر الفيديو بين القادة الأوروبيين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وأمين عام الناتو مارك روته، على أن يعقد اجتماع ثانٍ مع ترامب ونائبه جاي دي فانس لعرض نتائج المشاورات وصياغة موقف موحد قبل لقاء ألاسكا، الذي أشار ترامب إلى أنه قد يبحث اتفاقًا محتملاً يتضمن "تبادل أراض" بين أوكرانيا وروسيا لإنهاء الحرب المستمرة منذ أوائل عام 2022.

ورغم أن زيلينسكي لم يُدع رسميًا إلى قمة ألاسكا، أكد السفير الأميركي لدى الناتو ماثيو ويتاكر أن مشاركته لا تزال "ممكنة".

ومنذ الإعلان عن القمة الأميركية - الروسية، كثف القادة الأوروبيون اتصالاتهم لتوحيد المواقف دعماً لأوكرانيا، فيما شددت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس على أن "أي اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا يجب أن يشمل أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، باعتباره مسألة تمس أمن أوكرانيا وأوروبا بأكملها".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • ترامب يتوعد روسيا بعواقب وخيمة إذا لم يوافق بوتين على إنهاء حرب أوكرانيا
  • ترامب يشيد بقادة أوروبا قبل محادثات بشأن أوكرانيا
  • عاجل. زيلينسكي: حضور بوتين في ألاسكا يُعدّ انتصاراً للكرملين
  • 26 من قادة أوروبا يردون على ترامب: أوكرانيا لن تتخلى عن أراضيها
  • كيف سيبدو لقاء ألاسكا؟.. هذا ما سيحاول بوتين فرضه على أوكرانيا
  • دونالد ترامب: سأطلب من بوتين إنهاء الحرب في أوكرانيا
  • عاجل. اجتماع افتراضي رفيع لبحث مفاوضات السلام في أوكرانيا يضم ترامب وقادة أوروبا وكييف
  • سابقة تاريخية.. بوتين سيلتقي ترامب في الأسكا.. الولاية التي باعها الروس للأمريكان
  • لقاء بوتين وترامب.. مشاركة أوكرانيا "مطلب أوروبي"