لجريدة عمان:
2025-12-09@12:53:58 GMT

الترياق

تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT

«الترياق: ما يستعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين» كما في لسان العرب. والسموم التي يواجهها الإنسان وتصيبه عديدة متنوعة، فمنها الجسدي ومنها الروحي ومنها النفسي. ولحسن حظنا اليوم ونحن نعيش في عصر الثورة الصناعية الخامسة، أننا نقف على قمة جبل ضخم من المعرفة المتنوعة في شتى مجالات الحياة اليومية العملية لما نحتاج إليه في المعيشة الأرضية، والروحية السماوية التي تشبع ذلك النقص والتوق إلى الكمال.

لكل خريطة مفتاح، وخرائط اليوم متاحة للجميع وقد انتشر التعليم وقضى على شطر كبير من الأمية وجهل القراءة؛ وأعني بهذه الخرائط الكتب.

«كيف استطاع خمسون كتابا عظيما إنقاذ حياتي»، عنوان فرعي جذاب لكتاب وجدته قبل 8 سنوات فتحفزت لقراءته حينها. أمسكت الكتاب، وبدأت بتقليبه وقراءة ما كتب في ظهره، «كم هي الكتب التي طالما أردت قراءتها؟ شعرت أنك يجب أن تقرأها؟ تظاهرت بأنك قرأتها؟. كان آندي ميلر يملك وظيفته التي أعجبته وعائلته التي أحبها. ولكن شيئا ما كان مفقودا: الكتب. لذلك قرر بداية سنة كاملة من القراءة، غيرت حياته تماما». زادتني هذه الكلمات حماسا ورغبة، فحتى الذي يواظب على القراءة باستمرار، يراوده ذلك السؤال «لماذا؟؟» لماذا أقرأ؟، ماذا أريد من هذه القراءة؟ هل من الأولى أن أقرأ أم أن أخصص جُلَّ وقتي لطلب الرزق وما يقربني منه؟.

أسئلة كثيرة، كثيرة جدا في الحقيقة. فمن يقرأ بدايةً ليعرف جواب سؤال يؤرقه، تتولد عنده أسئلة أخرى غير التي بدأ البحث عنها حين شرع في رحلته، فتنبثق جرّاء بحثه سؤالات أعمق لا تغدو للسؤالات الأولى قيمة أمامها، أعني أمام هذه السؤالات الجديدة.

يبدو الأمر مخيفا لوهلة، هل يعني فعل القراءة البحث الدائم في دوامة مفرغة؟ هل يجعلنا البحث الدؤوب أشبه بالمجانين؟. في الحقيقة تبرز هذه الأفكار الشعبية عن القراءة، فلطالما اعتبر الناس القراء أشبه بالمجانين، ولطالما كانت القراءة أشبه بالتهمة. فحين يعتنق القارئ مبدأ يخالف المجتمع، وفي حقيقته مبدأ صحيح لا يعارض خلقا مجتمعيا ولا دينيا؛ ينظر الناس إليه بعين الريبة والشك، فقط لأنهم لم يعتادوا عليه إنما يعدُّونه دخيلا. وتتردد عبارات مثل «جننت به الكتب» أي جعلته مخبولا لا يفقه شيئا في الحياة. أو «دوّر لك شغلة بدل هذي الكتب» أي ابحث عن عمل نافع -يقاس نفع العمل في هذا السياق بالمردود المادي- بدلا من إنفاق الوقت في القراءة.

في الشطر الآخر الموازي من الحياة في المجتمع نفسه؛ ينظر الناس إلى الناجحين في محيط المجتمع الكبير «الدولة» أو «الإقليم» نظرة إكبار وإجلال. فهذا غازي القصيبي القارئ النهم يتقلد المناصب العليا والوزارة تلو الوزارة والتي لا يمت إليها بصلة علمية ولا عملية من قبل. ثم ينظرون إلى الناجحين - ماليا - في العالم كالراحل ستيف جوبز أو منافسه اللدود بيل جيتس أو عملاق البورصة والأسهم وارين بافيت، ويعزون الشطر الأكبر من نجاحهم إلى عادة القراءة!.

قبل قرابة السنتين من اليوم، التقيت رجلا أراد أن تنفذ له الشركة التي أعمل بها بعض الأعمال، أخذتنا الأحاديث المشتركة في مجالات شتى منها القراءة. صادف أن هذا الرجل كان المدير التنفيذي لإحدى كبريات الشركات في سلطنة عمان، وأخبرني كيف أن القراءة غيرته وكيف أن مساره الأول في العمل كان مختلفا عن مساره الحالي، ثم اتخذ قراره بترك عمله آنذاك وبدأ في تجربة أخرى مختلفة تماما عن المسار السابق، وأخبرني بأن جدوله اليومي يبدأ في الرابعة فجرا ويقضيه في القراءة حتى السابعة صباحا - تتخللها صلاة الفجر -. الشاهد في القصة أن هذا الرجل مثال على ما تفعله القراءة بنا وما يملكه فعل القراءة من تغيير لمصائر الناس ومساراتهم، وكيف أنه يجدد تطوره ومعارفه التي تتمثل واقعا في تعامله مع الناس وإدارته لتلك الشركة بسبب فعل القراءة وأثرها المستمر عليه.

نعود إلى كتابنا الأول، وعنوانه الرئيس «سنة القراءة الخطرة» للمؤلف البريطاني آندي ميلر. مما يميز هذا الكتاب الروح العفوية التي يبثها المؤلف فيه، فهو لا يعطي القارئ خلاصة جامدة عما قرأ؛ بل يأخذه معه في رحلته السنوية الرائعة التي قرأ فيها خمسين كتابا ووضعها في قائمة سماها بـ«قائمة الإصلاح» ووضعها ضمن ملاحق الكتاب الثلاثة. الملحق الثاني منها «مائة كتاب كان لها تأثير كبير علي»، والملحق الثالث «كتب ما زلت أنوي قراتها».

ما أثارني أثناء قراءتي للكتاب في تلك الفترة، أنه اختار كثيرا من الكلاسيكيات الغربية؛ فهو حداثي يقرأ الكلاسيكيات ويتحدث عن دهشته وما وجده فيها. بل إن المرء لتجتاحه رغبة عارمة في قراءة واقتناء كثير مما أورده المؤلف من هذه الكتب التي قرأها وذكرها في كتابه آنف الذكر. وهي دعوة لأن نعود لقراءة تراثنا العظيم ونعيد اكتشافه. فمن يقرأ كتب أعمدة الأدب العربي القديم؛ أضمن له متعة وفائدة لا يجدها في بقية الكتب؛ بل إنها الأساس وما تبعها فإنما يحذو حذوها أو يحاول. ككتب الجاحظ والتوحيدي والمبرد وغيرهم ممن سنذكرهم في الحلقة الثانية من هذه المقالة. فهل سنبدأ «سنة القراءة الخطرة» الخاصة بنا اليوم وحالا؟ وهل سنتخذ القراءة ترياقا للروح والجسد في آن؟ فلنجرب ذلك!.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

"إثراء" يختتم مسابقة "أقرأ" في نسختها العاشرة

اختتم مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء"، مساء اليوم النسخة العاشرة من مسابقة "أقرأ"، تحت شعار: "أثر القراءة لا يزول"، بحضور رئيس شركة أرامكو السعودية وكبير إدارييّها التنفيذيين المهندس أمين الناصر، وعدد من المثقفين والكتاب والأدباء من السعودية والوطن العربي، وذلك بمقر "إثراء" بالظهران.

وتنافس في ختام المسابقة 6 قراء من العالم العربي من: السعودية، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، والذين قدّموا قراءاتهم المختارة وخاضوا مناظراتٍ فكرية، وأجابوا عن أسئلة اختبرت سعة اطّلاعهم ومرونتهم، في مشهد أعاد تعريف معنى أن يكون المرء قارئًا في عالمٍ متغير.

وتوّج المهندس الناصر المشاركة الليبية نسرين أبولويفة بلقب "قارئ العام"، وذلك بعد اختيار المحكمين في المسابقة، فيما تم تتويج هبة يايموت من المغرب بلقب قارئ العام لأفضل نص، وحظيت سارة بن عمّار من الجزائر بلقب قارئ العام بتصويت الجمهور، فيما نالت لقب القارئ الواعد من السعودية لانا الغامدي، وحازت سحر الجهني على لقب سفراء القراءة، كما فازت مدارس جيل الجزيرة الأهلية بلقب المدرسة القارئة، فيما فاز فريق الادعاء المكوّن من (التونسي أمين شعبان، المغربي يونس البقالي، الجزائرية سارة بن عمّار) بلقب "مناظر العام".

وأعلن مدير مركز إثراء المكلّف مصعب السعران في كلمته: عن تبني مركز "إثراء" القراءة كقضية أساسية لخمسِ سنواتٍ قادمة، وإطلاقِ مؤشر القراءة العربي الذي يرصدُ حالةَ القراءةِ في الدول العربية، مشيرًا إلى أنه استُكملت بياناتُ المملكة العربية السعودية والخليج، فيما ستُطلق النسخة الكاملة العامَ المقبل، وذلك خدمةً للقرّاء والكتّاب والمؤسسات الثقافية.

ولفت إلى أنّ إطلاق عشرُ دوراتٍ من مسابقة (أَقرأ) ليست رقمًا بل مسيرةٌ من الإلهامِ والعملِ الجاد لرفعِ تنافسية الشباب وإرساء القراءة كعادةٍ ذاتَ أثرٍ مستدام.

وشهد الحفل حضور الروائي النرويجي "يون فوسه" الحائز على جائزة نوبل للآداب لعام 2023، الذي أكد في جلسة حوارية أن الكتابة في جوهرها ليست صنعة بل إنصات عميق لما يتشكّل في الداخل، مضيفًا بأن الأدب الذي يعبر الحدود يجب أن يحمل شيئًا جديدًا وفريدًا، وأن يظل دائمًا قادرًا على ملامسة الجميع, وقد بدأ حديثه امتدادًا لفلسفة أقرأ.

وتضمن المهرجان الذي استمرّ يومين سلسلة فعاليات تنوّعت بين منصات توقيعٍ ولقاءاتٍ مع كتابٍ ومفكرين إلى عروضٍ شعرية، وجلساتٍ حوارية، ونقاشاتٍ أعادت وصل الجمهور بالقراءة، وفعالية فنية بعوان: "على ضفاف وعدٍ قديم" عالم الراحل "غازي القصيبي"، والتي تضمنت مشاهد استثنائية ومعاصرة، في حين أتاحت ورشة "قراءة النص الأدبي" و"توأمك الأدبي" للزوار الفرصة لاكتشاف ميولهم القرائية، كما امتدت الفعاليات لتشمل "معرض أقرأ" و"الكتبية" و"ماراثون أقرأ" في تأكيد على أن القراءة فعل جماعي لا ينفصل عن الحياة اليومية.

وشكل الحفل الختامي للمسابقة الاحتفاء بجهود المشاركين وشركاء النجاح والجمهور الذي أسهم في صناعة هذا المشهد الثقافي المتجدد، حيث أسدل ستار النسخة العاشرة، لتنطلق التحضيرات للدورة المقبلة بروحٍ تتطلع إلى توسيع أثر المسابقة ومدّ جسورٍ أوسع بين القرّاء في العالم العربي.

مركز إثراءقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • "الإنسان أولًا".. دار الكتب تحتفي باليوم العالمي لحقوق الإنسان
  • ترشيد الكهرباء وأهمية القراءة ضمن فعاليات توعوية بثقافة الغربية
  • بعد واقعة سرقة مجوهرات بـ102 مليون دولار.. فضيحة جديدة تضرب متحف اللوفر بإتلاف مئات الكتب النادرة
  • الحكمة من النهي عن قراءة القرآن أثناء الركوع والسجود
  • تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف مئات الكتب بقسم الآثار المصرية
  • الجزء الثاني من احتفالية واحد من الناس اليوم لتكريم عمار الشريعي
  • مسابقة أقرأ تتوج الليبية نسرين أبولويفة بلقب قارئ العام للعالم العربي
  • في اليوم العالمي للعمل التطوعي… الزيود: “القلوب التي تعمل للناس لا تُقاس جهودها بالأرقام بل بالأثر”
  • هل النظر في المصحف يحفظ البصر؟
  • "إثراء" يختتم مسابقة "أقرأ" في نسختها العاشرة