بشكل لم يكن مفاجئا بالنسبة لي بالنظر لاتجاهها اليميني ـ الاستعماري الذي ازداد تطرفا، برزت مجلة "لوبوان" الفرنسية كواحدة من أكثر الأذرع الإعلامية دفاعا عن الكيان الصهيوني وتبريرا لحرب إبادته للشعب الفلسطيني في غزة، وحتى الضفة الغربية المحتلة مع إرهاب المستوطنين المدعوم بحيش الاحتلال، والذي يدينه حتى الموقف الرسمي الفرنسي.

يتصدر كتيبة كتبة التبرير للاحتلال الإسرائيلي، في المجلة الأسبوعية الكاتب الجزائري (الذي منحه ماكرون الجنسية الفرنسية في 2020) كمال داود، الذي حصل على جائزة "الغونكور" للعام 2024، وهي أكبر مجلة أدبية فرنسية عن روايته "حور العين" (Houris) (المتهم بسرقة قصتها) برعاية من اللوبي الصهيوني النافد الداعم لإسرائيل، كمكافأة له بسبب موقفه الخاذل للشعب الفلسطيني المحتل، والاعتذاري والتبريري لإسرائيل، منذ مقاله عن "عدم تضامنه مع فلسطين" في 2014، الذي قدم فيه أوراق اعتماده لهذا اللوبي، بعدما كان يكتب مقالات منددة بإجرام إسرائيل في الصحافة الجزائرية!

وقد أخذ "انقلابه على نفسه" بعدا آخرا بعد 7 أكتوبر 2023، وخاصة في مقالاته بعموده بمجلة "لوبوان"، ومن آخر مقالاته مثلا في هذا الإطار "ما قيمة حياة ضحية غير غزواي"!، ومقال بعنوان استفزازي "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء، مبرر لمعاداة اليهود"، فيه كثير من التجني على المفكر الثوري فرانز فانون، كمرجعية للتحرر الثوري، وباعتباره أحد رموز ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.

بهذا المقال ومقالات أخرى في "لوبوان"، وفي رواية "حوريات" يؤكد كمال داود مرة أخرى أنه "أداة أنديجانية" ـ (نسبة للمصطلح الفرنسي "أنديجان" عن الأهالي الجزائريين المسلمين خلال الاستعمار الفرنسي) ـ في تصفية حسابات اليمين العنصري الكولونيالي الفرنسي المتطرف مع الحرب التحريرية الجزائرية، التي لم يبتلع بعد هذا اليمين الفرنسي خسارة فرنسا فيها، ومازالت الجزائر هوسا مرضيا بالنسبة له!

وإذا عرف السبب هنا بطل العجب، فمالك مجلة "لوبوان" التي يكتب فيها كمال داود وترعاه، هو الملياردير الفرنسي فرانسوا بينو، الذي تطوع في 1956، وهو في العشرين من العمر، للقتال في الجزائر في صفوف جيش الاحتلال الفرنسي خلال الثورة التحريرية الجزائرية، التي فجرها الثوار الجزائريون في 1954. وقد خدم بينو لمدة 30 شهرًا في سلاح المدفعية في نواحي البليدة (وسط الجزائر)، وحصل على ميدالية عسكرية، مقابل ذلك. وقد اعترف بينو في 1991، أنه قتل جزائريا بمسدس من مسافة قريبة، على بعد 5 أو 6 أمتار.

بهذه الخلفية الاستعمارية التاريخية، وبسجل من تصفية الحسابات مع "الجزائر الحرة المستقلة"، الذي زاد وبشكل "مرضي" أكثر مؤخرا خاصة مع قضية الكاتب بوعلام صنصال، التي قدم النظام في الجزائر بسجنه هدية له ولهذا التيار الاستعماري اليميني الفرنسي الحاقد، خصصت مجلة "لوبوان" في عددها الأخير، الصادر اليوم، ملفا أبرزته على صدر صفحتها الأولى، بصورة استشراقية وبمقال افتتاحي لكمال داود (من غيره؟!)  وبعنوان استفزازي "القبائل.. شعب واقف: قصة حضارة وشتاتها في فرنسا..معادية للإسلاميين وإصلاحية، جزائر أخرى"!.

تابعت بارتياح ردود أفعال الجزائريين السريعة، وفي مقدمتهم أبناء منطقة القبائل (سواء المقيمين في الجزائر أو فرنسا) المنددين بالمسعى المفضوح للمجلة الفرنسية، التي تحاول اختراع شعب في الجزائر تمسيه خبثا "شعب القبائل"، وتأكيدهم على أن الشعب الجزائري بتنوعه شعب واحد، وأن "القبائل" جزء لا يتجزأ منه.أعترف أنه رغم أنني لم أعد أتفاجأ بما تقدمه هذه المجلة الفرنسية، وبالمنحدر، الذي أخذه الكاتب الجزائري، لكني صراحة  تفاجأت ببجاحة محاولة التسويق الاستعماري الفرنسي القديم والمفضوح، الذي يستعيد ما حاول الاستعمار الفرنسي القيام به خلال احتلاله للجزائر بتقسيم الشعب الجزائري بين عرب وقبائل (أحد المكونات أمازيغ الجزائر)، وبمحاولة الترويج لأسطورة خصوصية "القبائل"، بسياسة فرق تسد، التي لم تفلح حيث كانت منطقة القبائل، أحد أهم معاقل الثورة التحريرية الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، وأبنائها من أمثال حسين آيت أحمد، وعبان رمضان، كريم بلقاسم، وعميروش من قادة الثورة التحريرية الجزائرية.

تابعت بارتياح ردود أفعال الجزائريين السريعة، وفي مقدمتهم أبناء منطقة القبائل (سواء المقيمين في الجزائر أو فرنسا) المنددين بالمسعى المفضوح للمجلة الفرنسية، التي تحاول اختراع شعب في الجزائر تمسيه خبثا "شعب القبائل"، وتأكيدهم على أن الشعب الجزائري بتنوعه شعب واحد، وأن "القبائل" جزء لا يتجزأ منه.

كما لفت انتباهي تعرية "الجمبازيات النفاقية" المفضوحة لكمال داود، الذي ذكره كثيرون بكتاباته السابقة الناقدة لمنطقة القبائل، بينها خلال تهجمه وتماهيه في ذلك مع النظام الجزائري في معاداة الحراك الشعبي، بسبب احتضان منطقة القبائل للحراك الشعبي بنفس وحدوي وطني.

كثيرون أيضا ذكروا الكاتب الذي يدعي أنه حداثي ولا يتوقف عن التلويح بفزاعة الإسلاميين، بماضيه كإسلاموي سابق وبمفارقة تقديمه في فرنسا على أنه بطل الدفاع عن الحريات، رغم أنهع لم يرفع صوته للتنديد بقمع الحريات الحاصل منذ سنوات في الجزائر، وبينها في منطقة القبائل، بل وبرر ذلك بمهاجمة وشيطنة الحراك الشعبي السلمي في الجزائر، وكان يحاور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مجلة "لوبوان" نفسها في حوار ناعم جدا (أقرب إلى الدعاية) ولم يجرؤ على طرح سؤال حول هذا الموضوع!

كما ذكروا كمال داود بتقديمه بكثير من الدعاية في فرنسا، وكأنه هو المدافع الوحيد عن المرأة، رغم أنه متهم في الجزائر بالاعتداء بعصا على زوجته السابقة!

للتذكير (وفي ذلك أبلغ تعبير!) حصل كمال داود على الجنسية الفرنسية بقرار رئاسي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2020، رغم أنه لا يحقق شروط الإقامة الدائمة الطويلة في فرنسا. وقد ذهب داود إلى حدّ القول، في إشارة إلى الشاعر غيوم أبولينير الذي ولد في بولندا وتجنّس في ذروة الحرب العالمية الأولى، "أنا مصاب بمتلازمة أبولينير، أنا فرنسي أكثر من الفرنسيين"!.

*كاتب جزائري مقيم في لندن

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الجزائري فرنسا فرنسا الجزائر علاقات توتر رأي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاستعمار الفرنسی منطقة القبائل فی الجزائر کمال داود فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

هوائي غامض بقرية فرنسية.. هل يصعّد حرب الظل بين باريس وبكين؟

باريس- في بلدة بولون سور جيس الهادئة بمنطقة أوت غارون جنوب غربي فرنسا، أثار هوائي معدني يبلغ طوله نحو 7 أمتار ومثبت على شرفة منزل ريفي يطل على حديقة صغيرة، فضول السكان وشكوك السلطات.

ورغم أن شكله يوحي بأنه أداة بث أو استقبال تلفزيوني، فإن عدم حصوله على تصريح رسمي، ومكانه القريب من مواقع إستراتيجية زاد من الغموض، وأدخل القرية في دائرة الاشتباه الأمني.

الوكالة الوطنية للترددات في فرنسا (ANFR) اكتشفت وجود الهوائي في مكان غير مصرح به، مما استدعى تدخل الاستخبارات وفتح تحقيق واسع، وتبين أن المنزل تقيم فيه سيدة خمسينية تدعى "جونغ"، تحمل شهادة من معهد بكين للتكنولوجيا، وعملت سابقا في الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا الفضاء، وهي مؤسسة حكومية معنية بتطوير الصواريخ.

يقع المنزل بالقرب من محطة "أوساغيل" للكهرباء اللاسلكية قرب تولوز، والمزودة بـ11 هوائيا للأقمار الصناعية، مما عزز فرضية استخدامه للتنصت أو جمع بيانات مرتبطة بالأقمار الصناعية.

وتفيد تقارير إعلامية بأن هذه المحطة تتحكم في أقمار صناعية تستخدم من قبل شركات كبرى مثل تاليس وإيرباص والمركز الوطني الفرنسي لدراسات الفضاء.

الهوائي أثار فضول وشكوك السلطات في بلدة بولون سور جيس بمنطقة أوت غارون جنوب غرب فرنسا (شترستوك)عمليات محدودة المدى

وأوضح الجاسوس الفرنسي السابق أوليفييه ماس أن مثل هذه القضايا غالبا ما تتعلق بعملاء صينيين لا يحملون الجنسية الفرنسية، فيتم طردهم بدلا من محاكمتهم، كونهم مجرد وسطاء أو أدوات لعمليات محدودة المدى.

وأكد ماس للجزيرة نت أن نشر مثل هذه القضايا في الإعلام يهدف إلى توعية الرأي العام بأساليب التجسس الأجنبية، لافتا إلى أن الاستخبارات الصينية تركز على سرقة الأسرار التجارية والتكنولوجية لتسريع تقدمها، مستخدمة أساليب متنوعة مثل الاختراقات الإلكترونية، أو تجنيد عملاء نفوذ، أو حتى الإغراء الاجتماعي.

إعلان

ورغم ترجيح ارتباط السيدة بعملية استخباراتية مصدرها بكين، لم تثبت التحقيقات نقل أي معلومات حساسة. وانتهت القضية بإزالة الهوائي ومغادرة المتهمة، تاركة أسئلة بلا إجابات عن حدود صراع الظل بين أجهزة الاستخبارات فوق الأراضي الفرنسية.

الأمن الفرنسي يؤكد اتخاذه تدابير لإغلاق مراكز صينية غير رسمية أو تعطيل نشاطها (رويترز)توتر متصاعد

هذه الحادثة تأتي في سياق توتر متصاعد بين باريس وبكين بشأن أنشطة التجسس، إذ سبق أن طردت فرنسا مسؤول جهاز المخابرات الصينية في سفارة باريس ونائبه، وكشفت عن عمليات تجسس فضائي وشبكات تستخدم عروض عمل وهمية لاستدراج أهدافها.

ورغم أن حادثة بولون سور جيس بدت في ظاهرها محدودة، فإنها تعكس -بحسب خبراء أمنيين- نمطا أوسع من نشاطات الاستخبارات الصينية في أوروبا، التي تتدرج من محاولات اختراق مراكز الأبحاث الحساسة، إلى استهداف الصناعات الدفاعية والفضائية، وصولا إلى مراقبة المعارضين السياسيين في الخارج.

وتشير تقارير استخباراتية فرنسية إلى أن بكين تستثمر بكثافة في تطوير قدرات التجسس التكنولوجي، ليس فقط لتعويض الفجوات التقنية بينها وبين الغرب، بل أيضا لتعزيز حضورها في سباق الذكاء الاصطناعي والاتصالات الفضائية.

ويؤكد مسؤولون أمنيون أن جزءا كبيرا من هذه الأنشطة يجري عبر "واجهات مدنية" مثل الشركات، والمؤسسات التعليمية، والمراكز الثقافية، وحتى الأنشطة السياحية.

كما أن أسلوب "العمليات منخفضة الحدة" الذي يتجنب المواجهة المباشرة، يسمح بتقليل التكلفة السياسية إذا ما كشفت العملية، خاصة حين تسند المهام لأشخاص من الدرجة الثانية يمكن الاستغناء عنهم بسهولة.

ووفقا لمصادر مطلعة، فإن الهوائي الذي أزيل في بولون سور جيس قد يكون جزءا من شبكة أوسع، يصعب كشفها بالكامل بسبب اعتمادها على عناصر موزعة جغرافيا، تتصل ببعضها عبر قنوات مشفرة.

وفي الوقت الذي تعلن فيه باريس عن تعزيز التعاون بين أجهزتها الأمنية والاستخباراتية لمواجهة هذه التهديدات، يرى مراقبون أن "حرب الظل" بين فرنسا والصين مرشحة للتصاعد، خصوصا مع تزايد المنافسة على الأسواق والتكنولوجيا في مجالات حيوية كالاتصالات والأقمار الصناعية والطاقة المتجددة.

وتظل حادثة هوائي بولون سور جيس حلقة في سلسلة طويلة من الاشتباكات الخفية، حيث تختلط خطوط الاتصالات الفضائية بملفات الأمن القومي، وتبقى الأسئلة معلقة حول حجم ما يجري في الخفاء، وما إذا كانت هذه المواجهات غير المعلنة ستبقى عند حدود الصراع الاستخباراتي، أم ستتحول إلى مواجهة سياسية علنية بين باريس وبكين.

مقالات مشابهة

  • نقيب المحامين: أوهام إسرائيل الكبرى تعيد إحياء أطماع استعمارية بائدة
  • نقيب المحامين: أوهام "إسرائيل الكبرى" تعيد إحياء أطماع استعمارية بائدة
  • بعد وعد الرئيس الجزائري.. استئناف الرحلات الجوية بين بيروت والجزائر
  • في حملات مكبرة.. الداخلية تحبط ترويج مخدرات بـ 116 مليون جنيه
  • نتنياهو يرسم خرائط استعمارية جديدة.. والجامعة العربية تدق ناقوس الخطر
  • هل يصبح الجزائري عمورة الصفقة الأغلى في تاريخ بنفيكا؟
  • كاتبة فرنسية: التجويع سلاح حرب في السودان كما في غزة
  • وزير الشئون الدينية الجزائري: لا بديل عن المفتي البشري في زمن الذكاء الاصطناعي
  • هوائي غامض بقرية فرنسية.. هل يصعّد حرب الظل بين باريس وبكين؟