جريمة تدمير سلاح الردع والدفاع الجوي اليمني .. خيانة عظمى موثقة بإشراف أمريكي
تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT
في واحدة من أخطر حلقات التآمر على الجمهورية اليمنية، يكشف هذا التقرير تفاصيل جريمة مروّعة ارتكبها النظام السابق برئاسة ’’عفاش’’، تمثلت في تدمير وتفكيك سلاح الردع والدفاع الجوي اليمني، وذلك بإشراف مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، وبتنفيذ داخلي شارك فيه أفراد من أسرة صالح نفسه، إلى جانب ضباط أمريكيين وضابطات أمريكيات، في سابقة تاريخية تؤكد حجم التبعية والانصياع للإملاءات الخارجية التي عاشها اليمن خلال تلك المرحلة.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
هذا التقرير يرصد بداية المشروع الأمريكي في اليمن، الذي اتخذ من ’’مكافحة الإرهاب’’ ذريعة ليتحول إلى مشروع استراتيجي هدفه شلّ قدرات اليمن العسكرية، وضمان عدم امتلاكه لأي سلاح ردع قد يهدد الهيمنة الأمريكية أو يعيق أي تدخل عسكري لاحق في أراضيه أو مياهه الإقليمية، كما يوثق الكيفية التي تم بها جمع وتدمير الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي من المعسكرات والألوية وحتى من السوق السوداء، بغطاء رسمي وخيانة واضحة من رأس السلطة حينها.
ويتوقف التقرير عند الدور المحوري الذي لعبته ثورة 21 سبتمبر ثورة الحرية والاستقلال ، في كسر هذا المسار التدميري، من خلال إعادة الاعتبار للقرار السيادي، والانطلاق نحو إعادة بناء منظومات الدفاع والردع اليمنية بقدرات محلية، رغم ظروف العدوان والحصار، وقد مكّن هذا التوجه اليمن اليوم من فرض معادلات ردع إقليمية ودولية جديدة، أجبرت الأساطيل الغربية على الانسحاب من مياه البحر الأحمر، بعد أن تلقت ضربات نوعية، في مشهد تاريخي قلب الموازين وأكد فشل المشروع الصهيوأمريكي في إخضاع اليمن وشعبه.
التدخل الأمريكي .. البداية الناعمة لمخطط التدمير الشاملتحت شعار مكافحة الإرهاب، دشّنت الولايات المتحدة في مطلع الألفية الثالثة تدخلًا مباشرًا في الشأن العسكري اليمني. لم يكن الهدف محاربة الجماعات المتطرفة حسب زعمها، بل التدخل في العقيدة العسكرية اليمنية وتجريدها من سلاحها السيادي، وخاصة الدفاع الجوي ومنظومات الردع.
وقد عمل المبعوثون الأمريكيون بشكل مباشر مع قيادات عليا في نظام عفاش، لترتيب جمع منظومات الدفاع الجوي المحمولة مثل صواريخ “سام” وأنظمة الرادارات المتوسطة والبعيدة المدى، من مختلف الألوية والمعسكرات، وحتى من السوق السوداء، حيث شُنّت حملات شراء واستبدال مشبوهة بتمويل خارجي وغطاء رسمي.
عفاش يوثّق خيانته .. تنفيذ الجريمة بأمر مباشر من القصر الجمهوريتكشف الوثائق العسكرية والتقارير الاستخبارية أن علي عبدالله صالح ’’عفاش’’ لم يكن مجرد متواطئ بالصمت، بل أصدر توجيهات مباشرة لأحد أقربائه من أسرته ليترأس اللجنة العسكرية المصاحبة للمبعوث الأمريكي لتنفيذ عملية جمع وتفكيك الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي.
المثير للصدمة أن هذه العمليات تم تنفيذها في أكثر من موقع عسكري، بحضور ضباط أمريكيين وضابطات أمريكيات، وبإشراف فني مباشر من البعثة العسكرية الأمريكية، كانت الطائرات العسكرية الأمريكية تحط في المطارات اليمنية دون حسيب أو رقيب، لنقل تلك المعدات الحيوية إلى خارج اليمن، وتفجر كل الصواريخ الدفاعية المتطورة التي كانت اليمن تملكها أنذاك، في وقت كانت فيه البلاد تتعرض لتهديدات أمنية متصاعدة.
وبذلك، وثّق ’’عفاش’’ خيانته علنًا، وشارك فعليًا في تجريد الجمهورية اليمنية من قدرة الدفاع عن سيادتها وأجوائها وحدودها.
الهدف الحقيقي تسليم اليمن للهيمنة الأمريكية ونهب ثرواتهكل المؤشرات تؤكد أن هذه الجريمة لم تكن منعزلة عن مشروع أكبر هدفه تفكيك الجمهورية اليمنية وتحويلها إلى كيان هش خاضع للهيمنة الأمريكية والصهيونية، بما يسهل الاستيلاء على ثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي في باب المندب والبحر الأحمر.
من دون دفاع جوي، أصبحت الأجواء اليمنية ساحة مفتوحة للطائرات الأمريكية والإسرائيلية، ومجالًا لتدخلات أجنبية متكررة، وصولًا إلى العدوان المباشر في مارس 2015، الذي اعتمد على حالة الفراغ العسكري التي مهّد لها نظام عفاش.
انكشاف الحقيقة .. صدمة وطنية موثّقة بالصوت والصورةلم تمرّ هذه الجريمة بصمت طويل، فمع انكشاف الوثائق والتسجيلات المصورة، التي توثق بالصوت والصورة وجود ضباط أمريكيين إلى جانب ضباط يمنيين أثناء تدمير أو تفكيك منظومات الردع، جاءت الصدمة كبيرة، هذه المواد خرجت للرأي العام، وشكّلت صدمة لكل اليمنيين، بمن فيهم قواعد المؤتمر الشعبي العام من الشرفاء الذين لا تربطهم أي صلة بالتيار العفاشي.
كثير من هؤلاء الوطنيين اعتبروا أن ما جرى هو خيانة عظمى للأرض والشعب والتاريخ، وأن الحزب الذي انتموا إليه لم يعد يمثل تطلعاتهم الوطنية، بل تحول في تلك الحقبة إلى أداة طيعة في يد المحتل الأمريكي، لتفكيك مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية.
وقد دفعت هذه الصدمة الكثير من أبناء المؤتمر إلى مراجعة مواقفهم والانضمام إلى صفوف القوى الوطنية والثورية المدافعة عن السيادة، مؤكدين أن لا مكان للولاء العائلي أو الشخصي حين يكون الوطن هو المستهدف.
ثورة 21 سبتمبر .. استعادة القرار السيادي وبناء الردع من جديدكان اندلاع ثورة 21 سبتمبر 2014 نقطة التحوّل المفصلية التي قلبت المعادلة، كانت ثورة كرامة وسيادة، حملت مشروعًا وطنيًا متكاملًا، هدفه الأول، تحرير القرار اليمني من الوصاية الخارجية، وبناء منظومة عسكرية وطنية مستقلة.
بدأت عمليات إعادة تأهيل وتصنيع الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وتطوير أنظمة الدفاع الجوي، رغم الحصار المفروض من العدوان، وأثبت اليمن قدرته على تحقيق الاكتفاء الذاتي العسكري جزئيًا، وبناء منظومة ردع فاعلة.
هزيمة الأساطيل الأمريكية وانتصار الإرادة اليمنيةاليوم، تقف الجمهورية اليمنية في طليعة الدول التي كسرت هيبة الأساطيل الغربية، وأجبرت حاملات الطائرات الأمريكية على الانسحاب من المياه الإقليمية، بعد تلقيها ضربات مباشرة في البحر الأحمر وباب المندب، بعمليات نوعية نفذتها القوات المسلحة اليمنية، التي أصبحت اليوم رقمًا صعبًا في معادلة الردع الإقليمي.
هذا الانتصار لم يكن ممكنًا لولا الوعي الشعبي وقيادة ثورية مؤمنة بقضية الوطن، وإرادة لا تلين في وجه أكبر آلة حرب عرفها العصر الحديث.
خاتمة
ما بين خيانة موثقة بالصوت والصورة، ومشروع وطني استعاد الروح والسيادة، يقف اليمن اليوم شاهدًا على واحدة من أعظم تحولات التاريخ المعاصر، جريمة تدمير سلاح الردع تحوّلت من محاولة خنق، إلى شرارة ولادة لقوة عسكرية ردعية فرضت كلمتها، وأكدت أن اليمن لن يكون ساحة مستباحة بعد اليوم، بل بلدًا حرًّا مستقلًا يفرض احترامه ويدافع عن كرامته بيده، لا بسلاح مستورد أو وصاية أجنبية.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الجمهوریة الیمنیة الدفاع الجوی
إقرأ أيضاً:
اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
مثّلت الحرب الشاملة التي شُنّت على اليمن في مارس 2015، التدشين العملي والأخطر لمؤامرة دولية مركبة، حيكت خيوطها بعناية فائقة في الغرف المظلمة بين واشنطن وتل أبيب؛ فالموقع الجيوسياسي لليمن، الحاكم على رئة العالم في باب المندب، جعل منه هدفاً دائماً لأطماع قوى الاستكبار التي ترى في استقلال هذا البلد تهديداً وجودياً لمشاريعها في المنطقة، ولعل المتأمل في مسار الأحداث يدرك بيقين أن ما يجري هو عقاب جماعي لشعب قرر الخروج من عباءة الوصاية.
إن القراءة المتأنية للرؤية الأمريكية والإسرائيلية تجاه اليمن تكشف تحولاً جذرياً في التعامل مع هذا الملف، فمنذ نجاح الثورة الشعبية في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، أدرك العقل الاستراتيجي في البيت الأبيض والكيان الصهيوني أن اليمن قد غادر مربع التبعية التي كرسها “سفراء الدول العشر” لسنوات طويلة، وأن القرار اليمني لم يعد يصاغ في السفارات الأجنبية. لقد كانت تلك اللحظة بمثابة زلزال سياسي دفع بنيامين نتنياهو مبكراً للتحذير من أن سيطرة القوى الثورية الوطنية على باب المندب تشكل خطراً يفوق الخطر النووي، وهو ما يفسر الجنون الهستيري الذي طبع العدوان لاحقاً. وقد تجلت هذه الرؤية بوضوح صارخ في المرحلة الحالية، وتحديداً مع انخراط اليمن في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، حيث سقطت الأقنعة تماماً، وانتقلت أمريكا من إدارة الحرب عبر وكلائها الإقليميين إلى المواجهة المباشرة بالأساطيل وحاملات الطائرات، بعد أن أدركت أن أدواتها في المنطقة عجزت عن كبح جماح المارد اليمني الذي بات يهدد شريان الحياة للاقتصاد الصهيوني.
وعند النظر إلى الخارطة العملياتية للمؤامرة، نجد أن العدو اعتمد استراتيجية خبيثة تقوم على تقسيم الجغرافيا اليمنية وظيفياً، والتعامل مع كل جزء بأسلوب مختلف يحقق غاية واحدة هي “التدمير والإنهاك”. ففي المناطق والمحافظات الحرة التي رفضت الخضوع، لجأ التحالف الأمريكي إلى استراتيجية “الخنق والتجويع” كبديل عن الحسم العسكري المستحيل؛ فكان قرار نقل وظائف البنك المركزي في سبتمبر 2016 الضربة الاقتصادية الأخطر التي هدفت لضرب العملة الوطنية وتجفيف السيولة، مترافقة مع حصار مطبق على الموانئ والمطارات، في محاولة بائسة لكسر الإرادة الشعبية عبر لقمة العيش، ومؤخراً محاولة عزل البنوك اليمنية عن النظام المالي العالمي، وهي ورقة ضغط أخيرة تم إحراقها بفضل معادلات الردع الصارمة التي فرضتها صنعاء.
أما في الجانب الآخر من المشهد، وتحديداً في المحافظات الجنوبية والمناطق المحتلة، فتتجلى المؤامرة في أبشع صورها عبر استراتيجية “الفوضى والنهب”، حيث يعمل المحتل على هندسة واقع سياسي وعسكري ممزق يمنع قيام أي دولة قوية؛ فمن عسكرة الجزر الاستراتيجية وتحويل “سقطرى” إلى قاعدة استخباراتية متقدمة للموساد وأبو ظبي، وبناء المدارج العسكرية في جزيرة “ميون” للتحكم بمضيق باب المندب، إلى النهب الممنهج لثروات الشعب من النفط والغاز في شبوة وحضرموت، بينما يكتوي المواطن هناك بنار الغلاء وانعدام الخدمات. إنهم يريدون جنوباً مفككاً تتنازعه الميليشيات المتناحرة، ليبقى مسرحاً مفتوحاً للمطامع الاستعمارية دون أي سيادة وطنية.
وأمام هذا الطوفان من التآمر، لم يقف اليمن مكتوف الأيدي، بل اجترح معجزة الصمود وبناء القوة، مستنداً إلى استراتيجية “الحماية والمواجهة” التي رسمتها القيادة الثورية بحكمة واقتدار. لقد تحول اليمن في زمن قياسي من وضع الدفاع وتلقي الضربات إلى موقع الهجوم وصناعة المعادلات، عبر بناء ترسانة عسكرية رادعة من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والطائرات المسيرة التي وصلت إلى عمق عواصم العدوان، بل وتجاوزتها لتدك “أم الرشراش” وتفرض حصاراً بحرياً تاريخياً على الكيان الصهيوني، مسقطة بذلك هيبة الردع الأمريكية في البحر الأحمر. هذا المسار العسكري وازاه مسار اقتصادي يرفع شعار الاكتفاء الذاتي والتوجه نحو الزراعة لكسر سلاح التجويع، ومسار تحصين الجبهة الداخلية عبر ترسيخ الهوية الإيمانية التي كانت السد المنيع أمام الحرب الناعمة.
خلاصة المشهد، أن اليمن اليوم، وبعد سنوات من العدوان والحصار، لم يعد ذلك “الحديقة الخلفية” لأحد، بل أصبح رقماً صعباً ولاعباً إقليمياً ودولياً يغير موازين القوى، وأن المؤامرة التي أرادت دفن هذا البلد تحت ركام الحرب، هي نفسها التي أحيت فيه روح المجد، ليصبح اليمن اليوم في طليعة محور الجهاد والمقاومة، شاهداً على أن إرادة الشعوب الحرة أقوى من ترسانات الإمبراطوريات.