رسالة ثقة للأسواق| تراجع التضخم يقود المركزي لخفض الفائدة 2%.. وخبير: الاقتصاد يدخل مرحلة استقرار جديدة
تاريخ النشر: 30th, August 2025 GMT
في خطوة وُصفت بأنها تعكس قدراً كبيراً من الثقة في قدرة الاقتصاد المصري على مواصلة مسار التعافي، أعلن البنك المركزي المصري، عن خفض أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بنسبة 2%، بما يعادل 200 نقطة أساس.
القرار جاء استنادًا إلى مؤشرات اقتصادية مشجعة، أبرزها تراجع معدلات التضخم وزيادة ملحوظة في الاحتياطي النقدي الأجنبي، إلى جانب تسجيل تحويلات المصريين بالخارج مستويات قياسية خلال العام المالي الماضي.
القرار لم يأتِ بمعزل عن التطورات الاقتصادية الداخلية والخارجية، بل يمثل جزءًا من استراتيجية البنك المركزي لإعادة التوازن إلى السياسة النقدية وتحفيز بيئة الاستثمار، مع الحرص على السيطرة على التضخم.
تفاصيل القرارأعلنت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، عقب اجتماعها يوم الخميس 28 أغسطس 2025، أنها قررت خفض سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية إلى 22% و23% و22.5% على الترتيب. كما تقرر خفض سعر الائتمان والخصم إلى 22.5%.
هذه القرارات جاءت بعد مراجعة دقيقة لأحدث البيانات الاقتصادية، والتي أظهرت تراجعًا في معدلات التضخم وتزايدًا في تدفقات النقد الأجنبي، وهو ما وفر مساحة أكبر أمام صانعي السياسة النقدية لاتخاذ مثل هذه الخطوات.
تراجع معدلات التضخم.. مؤشر مطمئنأحد أبرز العوامل التي مهدت لخفض الفائدة هو الانخفاض الملحوظ في معدلات التضخم.
فقد سجل التضخم الأساسي المعد من جانب البنك المركزي 11.6% في يوليو 2025، مقارنة بـ 11.4% في يونيو.
أما معدل التغير الشهري في الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، فقد سجل سالب 0.3% في يوليو، مقابل سالب 0.2% في يونيو 2025 وسالب 0.5% في يوليو 2024.
وعلى صعيد التضخم العام للحضر الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فقد سجل 13.9% في يوليو 2025، انخفاضًا من 14.9% في يونيو، بينما سجل معدل التغير الشهري في الأسعار سالب 0.5%.
هذه الأرقام تشير بوضوح إلى تراجع الضغوط التضخمية، الأمر الذي شجع البنك المركزي على المضي في خطوة خفض الفائدة دون خشية من فقدان السيطرة على الأسعار.
تحويلات المصريين بالخارج.. دعم إضافي للاقتصادإلى جانب تراجع التضخم، جاءت تحويلات المصريين بالخارج لتمنح الاقتصاد دفعة قوية.
فقد بلغت التحويلات نحو 36.5 مليار دولار خلال السنة المالية 2024/2025، بزيادة قدرها 66.2% مقارنة بنحو 21.9 مليار دولار في 2023/2024.
كما شهد الربع الأخير من العام المالي (أبريل – يونيو 2025) تدفقات بلغت 10 مليارات دولار، بزيادة 34.2% على أساس سنوي.
وسجل شهر يونيو 2025 وحده أعلى مستوى شهري تاريخي للتحويلات عند 3.6 مليار دولار، بزيادة 40.7% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق.
هذه التدفقات الكبيرة عززت من الاحتياطيات الأجنبية، ورفعت قدرة الدولة على تمويل الواردات وسداد الالتزامات الخارجية، وهو ما انعكس إيجابًا على استقرار سعر الصرف.
قرار جريء يعكس ثقة في الاستقرار الاقتصاديفي تصريحات خاصة، قال الدكتور عبد الهادي مقبل، رئيس قسم الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة طنطا، إن خفض الفائدة بنسبة 2% يمثل نقطة تحول في السياسة النقدية، ويؤكد أن الاقتصاد المصري دخل مرحلة من الاستقرار تسمح باتخاذ مثل هذه القرارات الجريئة.
وأضاف مقبل أن هذه الخطوة ليست مجرد إجراء تقني بل رسالة واضحة تفيد بأن الضغوط التضخمية بدأت في الانحسار، وأن الحكومة والبنك المركزي يراهنان على استدامة هذا التحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي.
تحفيز الاستثمار وتخفيف أعباء التمويلمن أبرز الأهداف المتوقعة من خفض الفائدة، كما أوضح مقبل، هو تنشيط بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات، سواء المحلية أو الأجنبية. فالقرار من شأنه أن يقلل من تكلفة الاقتراض، مما يسهل على الشركات والمستثمرين توسيع أنشطتهم، وزيادة معدلات التشغيل، وهو ما يسهم بدوره في خلق فرص عمل جديدة وتحريك عجلة النمو الاقتصادي.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن القطاعات الصناعية والإنتاجية ستكون الأكثر استفادة من القرار، نظرًا لما يوفره من تخفيف في الأعباء التمويلية، ما يعزز القدرة التنافسية للمصانع ويدعم توسعها.
تأثير إيجابي على السوق العقارية والتمويل الاستهلاكيولم يغفل مقبل الإشارة إلى التأثير المحتمل على السوق العقارية والقطاعات المرتبطة بالاستهلاك، حيث من المرجح أن يشجع خفض الفائدة على زيادة الإقبال على التمويلات العقارية والاستهلاكية، مما يعزز الطلب في السوق الداخلي، ويخلق دورة اقتصادية أكثر نشاطًا.
توازن دقيق بين النمو والسيطرة على التضخمورغم التفاؤل، أكد الدكتور عبد الهادي أن التحدي الرئيسي يظل في الحفاظ على التوازن بين دعم النمو الاقتصادي من جهة، والحفاظ على استقرار الأسعار من جهة أخرى. مشيرًا إلى أن البنك المركزي اتخذ القرار في توقيت مدروس، بعد تحسن ملموس في مؤشرات النقد الأجنبي وعودة تدفقات الاستثمار.
مصر على طريق التعافي المستدامفي ختام حديثه، شدد مقبل على أن قرار خفض الفائدة يرسل رسالة طمأنة قوية للأسواق والمستثمرين بأن الاقتصاد المصري يتعافى بخطى ثابتة. كما يعكس أن السياسات النقدية والمالية المتبعة بدأت تؤتي ثمارها، مما يجعل مصر أكثر جاذبية للاستثمار في الفترة المقبلة، ويضعها على الطريق نحو نمو اقتصادي مستدام.
مصر على طريق التعافي المستدام
يمثل خفض الفائدة بنسبة 2% رسالة قوية للأسواق العالمية والمحلية بأن مصر تسير في مسار تعافٍ مستدام. فالسياسات النقدية والمالية بدأت تؤتي ثمارها، والتدفقات الاستثمارية وتحويلات العاملين بالخارج تعزز من قوة الاقتصاد.
ومع استمرار الإصلاحات وتبني خطوات أكثر جرأة لدعم بيئة الاستثمار، تبدو مصر في موقع أفضل لجذب رؤوس الأموال وتعزيز معدلات النمو، ما يضعها على طريق تحقيق تنمية اقتصادية أكثر استقرارًا ومرونة.
قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة 2% لم يكن مجرد تحرك في سوق المال، بل انعكاس لمرحلة جديدة من الثقة في الاقتصاد الوطني. الخطوة تحمل في طياتها رسائل طمأنة للمستثمرين والأسواق، وتفتح الباب أمام فرص أوسع للنمو، بشرط الحفاظ على التوازن بين دعم النشاط الاقتصادي والسيطرة على التضخم.
وبينما يصفه البعض بـ"الجريء"، يرى آخرون أنه كان ضروريًا ومُخططًا له بدقة، ليؤكد في النهاية أن مصر تمضي بخطى واثقة نحو استقرار اقتصادي مستدام يضعها في موقع أكثر قوة على الخريطة العالمية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: البنك المركزي التضخم الفائدة مصر دولار
إقرأ أيضاً:
البنك المركزي الروسي يحذر: الاقتصاد يواجه خطر الركود وسط ضغوط الحرب
حذر البنك المركزي الروسي في أحدث إصدار من تقرير الصادر هذا الشهر، من أن الاقتصاد الروسي قد يتعرض للركود نتيجة ضغوط الحرب المستمرة. وأشار البنك، المعروف بحذره الشديد، إلى أن النمو الذي شهدته البلاد خلال العامين الماضيين بفعل الإنفاق الدفاعي الكبير، قد تباطأ بشكل ملحوظ هذا العام مع ارتفاع معدلات التضخم والفائدة.
وخلال مشاركته في مؤتمر الاستثمار السنوي "Russia Calling"، توقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يتراوح نمو الاقتصاد بين 0.5% و1% خلال 2025، رغم أن النمو في الربع الثالث كان شبه معدوم، وتراجع في الربع الأول من العام إلى أقل من الصفر عند تعديل البيانات. ورغم محاولته تهدئة المخاوف، أقر بوتين بوجود مشاكل اقتصادية حقيقية.
ووصف بوتين عجز الميزانية المتوقع للثلاث سنوات المقبلة بأنه "معتدل"، مؤكدًا أن الميزانية صممت لتقليل المخاطر الخارجية وزيادة حصة الإيرادات غير النفطية والغازية، وأن المالية العامة مستقرة، مع تمويل الالتزامات الاجتماعية والدفاعية والتنموية بالكامل. وأضاف أن التجربة غير التقليدية للبنك المركزي ساعدت على خفض التضخم بشكل أسرع من المتوقع، متوقعًا وصوله إلى نحو 6% بحلول نهاية ديسمبر، وهو أدنى من توقعات الحكومة والبنك المركزي، واصفًا ذلك بـ"إنجاز كبير لعام 2025".
ومع ذلك، حذر البنك المركزي من أن وتيرة النمو المرتفعة التي شهدها الاقتصاد بسبب الإنفاق العسكري، قد تؤدي قريبًا إلى الركود في حال عدم إجراء إصلاحات هيكلية أو إعادة توجيه الموارد بعيدًا عن قطاع الدفاع. وأكد البنك أن النمو السريع في السنوات الماضية قائم على عوامل غير مستدامة، تشمل الإنفاق العسكري المرتفع، وقيود سوق العمل، واستغلال طاقة الإنتاج القصوى، مما قد يدفع الاقتصاد نحو "الاحتراق الزائد" بدلًا من التنمية طويلة الأجل.
وأشار البنك إلى أن النمو في 2023 اعتمد بشكل كبير على الطلب على السلع العسكرية والتحفيز المالي، محذرًا من أن هذا المعدل لا يمكن الحفاظ عليه إلى الأبد دون مخاطر اختلالات كبرى في الاقتصاد الكلي. كما لفت التقرير إلى أن الاقتصاد الروسي قريب من استنزاف الطاقة الإنتاجية المتاحة، مع تضاعف القيود بسبب نقص العمالة وارتفاع توقعات التضخم.
وأوضح التقرير أن تعبئة القدرة الإنتاجية المتبقية والقوى العاملة عبر الطلبات الحكومية والتجنيد العسكري يخفي نقاط ضعف جوهرية، مشيرًا إلى أن النمو الحالي قد يؤدي إلى الركود إذا لم تتحقق مكاسب إنتاجية أو استثمارات خاصة في القطاعات المدنية.
وبين التقرير أن الأجور ارتفعت، لكن الإنتاجية لا تزال محدودة، ما يرفع مخاطر التضخم، مع توقف النمو الإنتاجي أو تباطؤه خلال العامين الأخيرين، خاصة مع تفاقم قيود القدرة الإنتاجية ونقص اليد العاملة. وأكد البنك أن النمو القائم على العمالة والتمويل الحكومي وليس على الابتكار والاستثمار الرأسمالي يعرض الاقتصاد للركود على المدى المتوسط.
وتوقع البنك أن تستمر الضغوط التضخمية على الرغم من التقدم الحالي، داعيًا إلى الحفاظ على سياسة نقدية صارمة. وأشار إلى أن رفع ضريبة القيمة المضافة بنسبة 2% اعتبارًا من يناير سيزيد من الضغوط التضخمية، ما قد يضطر البنك إلى رفع الفائدة مجددًا من 16.5%.
كما حذر التقرير من "إزاحة الموارد" بسبب الإنفاق الدفاعي الكبير والدعم الحكومي للقطاعات المحددة، مؤكّدًا أن الاستثمار في القطاعات الإنتاجية وتحديث البنية التحتية المدنية ضروري لتجنب الوقوع في فخ الركود. وأشار البنك إلى أن الاقتصاد تحول نحو الإنتاج العسكري غير المنتج، وأن الاستثمار الخاص في القطاعات المدنية لا يزال محدودًا.