تمثل عملية "عصا موسى" التي تنفذها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) استمرارا لتكتيك معين للمقاومة حتى في ظل الدمار الشامل وتسطيح المدن والمناطق الذي تقوم به قوات الاحتلال.

وأعلنت المقاومة اليوم الأربعاء إطلاق عمليات "عصا موسى" ردا على "عربات جدعون 2″ التي أطلقتها إسرائيل لاحتلال مدينة غزة.

وأكد مصدر في المقاومة للجزيرة أن باكورة هذه العمليات بدأت خلال الأيام الماضية في جباليا وحي الزيتون بعد ساعات من إعلان إسرائيل عن عربات جدعون 2.

وفي هذا السياق، نشرت كتائب القسام مشاهد لاستهداف آليات إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة ضمن سلسلة عمليات عصا موسى.

وأظهرت المشاهد 3 من مقاتلي القسام وهم يخرجون من أحد البيوت المدمرة لاستهداف دبابة ميركافا وناقلة جند في شارع الغباري، حيث استهدف أحد المقاتلين الدبابة بقذيفة "الياسين 105″، بينما وضع مقاتل آخر عبوة العمل الفدائي على ناقلة الجند قبل أن ينسحب ويعود وتنفجر العبوة.

وفي هذا الإطار، أوضح الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا -خلال فقرة التحليل العسكري- أن تسمية عصا موسى تحمل بُعدا دينيا يحفز المقاتلين، وتُعتبر عملية تأطير لمرحلة انتهت من عمليات "جدعون 1" التي تسربت وثائق جيش الاحتلال حول فشلها لعدة أسباب جوهرية.

وبحسب الوثائق المسربة فإن عملية "جدعون 1" فشلت لأسباب إستراتيجية محورية، إذ تقاتل المقاومة بطريقة حرب المدن بشكل احترافي، بينما عقيدة الجيش الإسرائيلي لا تناسب هذا النوع من القتال.

وقد خلق هذا التباين في طبيعة المواجهة -بحسب الخبير العسكري- تحديا حقيقيا للقوات الإسرائيلية التي وصلت لأقصى درجات جهوزيتها من حيث الألوية والجنود.

وعلى الرغم من ذلك، أظهرت المقاومة قدرة استثنائية على التأقلم مع عامل الدمار، واستطاعت توظيفه لصالح تكتيكاتها القتالية.

إعلان

والدليل على ذلك استمرار المعارك القوية في جباليا رغم الدمار الهائل، بينما يتركز الجهد الرئيسي حاليا في حي الزيتون كمحور أساسي للعمليات.

تحديات تواجه جدعون 2

ومن جانب آخر، تواجه عملية جدعون 2 تحديات أكبر من سابقتها، إذ يدخلها جيش الاحتلال وسط اعتراضات من جنود الاحتياط، إضافة إلى نقص حاد في أفواج الهندسة تحديدا في آليات الجرافات يصل لحدود 60%.

ويضع هذا النقص في الموارد البشرية والتقنية قيودا إضافية على فعالية العمليات الإسرائيلية.

ومن وجهة نظر حنا فإن الفصل بين عمليات جدعون 1 وجدعون 2 ليس فصلا حقيقيا بالمعنى العسكري، بل مجرد تسمية إدارية.

فرغم إعلان انتهاء جدعون 1 والموافقة على بدء جدعون 2، استمرت العمليات دون توقف حقيقي، مع وجود لواءين أو 3 في مناطق حي الزيتون والصبرة وجباليا والشجاعية وحتى حي التفاح.

وعلى صعيد متصل، تعاني المؤسسة العسكرية الإسرائيلية -وفقا لحنا- من تناقض واضح بين القرارات السياسية والعسكرية، إذ يتم استدعاء الاحتياط من دون تلبية كاملة للخطة المطلوبة.

وتقوم الإستراتيجية المستقبلية على قتال جيش الاحتلال بالخدمة الفعلية في قطاع غزة، على أن يأتي الاحتياط لاستبدالهم في وقت لاحق، وهذا يخلق إشكاليات تنظيمية وتشغيلية.

وبناءً على ما تقدم، تمثل عملية جدعون 2 استمرارا للتكتيكات السابقة من دون إدخال إستراتيجيات جديدة حقيقية.

في حين تقوم التكتيكات الحالية على التقدم الحذر والتدريجي، مع تسطيح الأرض وتدمير كافة البنى التحتية تحت شعار منع عودة المقاومة إلى المناطق التي يوجد فيها جيش الاحتلال.

وفي المقابل، ورغم حجم الدمار الهائل، أظهرت المقاومة عملية تأقلم سريعة وفعالة مع الظروف الجديدة.

ومكّنها هذا التأقلم السريع من مواصلة العمليات العسكرية بكفاءة، وتزامن ذلك مع إطلاق تسمية عصا موسى لعملياتها، وهذا يعكس قدرة على التكيف الإستراتيجي والتكتيكي في آن واحد.

وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت 63 ألفا و633 شهيدا، و160 ألفا و914 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، وآلاف المفقودين، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 367 فلسطينيا بينهم 131 طفلا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات جیش الاحتلال عصا موسى جدعون 2 جدعون 1

إقرأ أيضاً:

المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

 

تبدو المفارقة في المشهد العربي اليوم لافتة: فبعض الأنظمة تبدو أكثر تشددًا تجاه حركات المقاومة مما هي عليه القوى الكبرى نفسها. ولا يرتبط الأمر بخلاف سياسي محدود؛ بل بتراكم تاريخي وتعقيدات تتداخل فيها هواجس الأمن الداخلي، وتحولات الإقليم، ومحاولات إعادة بناء الأولويات بعيدًا عن القضية الفلسطينية.

حركات المقاومة- وفي مقدمتها حماس- تمثل نموذجًا حساسًا لدى عدد من الأنظمة. فهي قوى شعبية تمتلك خطابًا مؤثرًا، وحضورًا ميدانيًا متماسكًا، وقدرة على الاستمرار رغم الظروف القاسية.

هذا النموذج يُثير مخاوف متوارثة من انتقال "عدوى القوة الشعبية" إلى الداخل، كما حدث حين ألهبت ثورات الخمسينيات مشاعر الشعوب العربية، أو عندما فجّرت انتفاضة 1987 موجة تعاطف وضغط شعبي هزّت المنطقة بأكملها. لذلك تصبح هذه الحركات هدفًا مزدوجًا: تُحارَب من الاحتلال لأنه يراها خصمًا مباشرًا، وتتحفظ عليها بعض الأنظمة لأنها تمثل نمطًا لا ترغب في رؤيته يتكرر.

الأحداث الأخيرة كشفت هذه المعادلة بوضوح؛ فبعد طرح "خطة ترامب"، التي تكشف عن ثغرة قاتلة: غياب الضمانات الحقيقية لوقف الخروقات الإسرائيلية. هذه الخطة لم تُبنَ على أساس موازين قوى متكافئة أو حقوق ثابتة؛ بل اعتمدت في جوهرها على أجندة أمريكية- إسرائيلية تهدف إلى تصفية المقاومة ونزع سلاحها أولًا، دون إلزام الاحتلال بضوابط ردع فعالة لوقف الاستيطان أو الاغتيالات أو التعدي على المقدسات.

وبالتالي تجعل تركيزها كله على مطالبة المقاومة بالتنازل، دون وضع آليات عقابية لإلزام الطرف الإسرائيلي.

والأدهى، أن دور الوسطاء العرب والدوليين يظل في الغالب ضعيفًا وغير فعّال عند وقوع الخروقات الإسرائيلية الكبرى؛ فبدلًا من ممارسة ضغط حقيقي لفرض عقوبة على العدو، تقتصر ردود فعلهم غالبًا على بيانات حذرة أو متابعة للمشهد، ما يضعهم في موقع "المراقب" بدلًا من "الضامن الفعّال". هذا الضعف في آليات الضمان يرسخ الانطباع بأن أي تسوية تُطرح، هي بالأساس إطار قابل للتلاعب من قبل الاحتلال، يتيح له استخدام الوقت لصالحه للمزيد من القضم والتمدد.

التاريخ القريب يدل على أن أي تسوية لا تنطلق من الإرادة الفلسطينية تتحول إلى إطار قابل للتلاعب. حدث ذلك في كامب ديفيد، وفي أوسلو، ويتكرر اليوم مع خطة ترامب. فالاحتلال يملك القدرة على إعادة تفسير البنود واستخدام الوقت لصالحه، بينما تكتفي الأطراف العربية المعنية بمتابعة المشهد أكثر مما تُسهم في تشكيله.

ويبقى السؤال: هل يمكن لمثل هذه الخطط أن تنجح؟ التجربة تشير إلى أن نجاحها يتطلب قبولًا فلسطينيًا واسعًا، وهو ما لم يتحقق، خصوصًا أن الخطة بُنيت على منطق أحادي يجعل "الحل" أقرب إلى إعادة ترتيب الاحتلال بلغة سياسية ناعمة. وهكذا تبقى المقاومة- رغم اختلاف تقييم أدائها- الطرف الوحيد الذي يتحرك على قاعدة الفعل لا البيانات.

بحسب ما أتابعه من قراءات وتحليلات، فإن فرص نجاح أي خطة لا تُلزم الاحتلال بقواعد واضحة وتضمن الحد الأدنى من الحقوق، ستظل ضعيفة. فالخطة التي تستند على الضغط على المقاومة دون ردع الاحتلال، تشبه محاولة بناء بيتٍ على أرض رخوة؛ أول هبّة ريح تكشف هشاشته.

ولعل العدو يدرك- قبل غيره- أن كسر حماس ليس سهلًا؛ فالمقاومة التي صمدت تحت الحصار، وتحت النار، وتحت كل حملات التشويه، ليست مجرد تنظيم؛ إنها حالة وعي تشكّلت عبر عقود من الجراح والأمل. وهذا ما يجعل بعض الأنظمة أكثر حذرًا… وربما أكثر عداءً.

في الجوهر، الموقف المتشدد تجاه المقاومة لا يرتبط بقيم سياسية بقدر ما يرتبط برغبة عدد من الأنظمة في طيّ صفحة الصراع، أو على الأقل تحييده عن حساباتها الجديدة. لكن وجود مقاومة فاعلة يعيد تذكير الجميع بأن الملف لم يُغلق، وأن أي ترتيب لا يأخذ حقوق الفلسطينيين بجدية لن يعيش طويلًا.

لهذا تبدو المفارقة مفهومة: تُنتقد المقاومة لأنها ترفض التكيف مع المعادلات الجديدة، ولأن استمرارها يربك خطاب “الاستقرار بأي ثمن”. أما الاحتلال، فاعتاد أن يجد من يخفف عنه عبء الانتقاد، حتى وهو يمضي في خروقاته يومًا بعد يوم.

ولذلك، كلما اشتد الهجوم على حماس… ازددتُ يقينًا أن ما يؤلم خصومها ليس فعلها، بل ثباتها.

وما يزعجهم ليس قوتها، بل قدرتها على النجاة. وما يخيفهم ليس خطابها؛ بل الأمل الذي تبقيه حيًا في قلوب الناس.

هذه الصورة ليست تحليلًا سياسيًا بقدر ما هي قراءة واقعية لمشهد يتكرر عبر العقود: حين يتراجع الصوت الرسمي، تظل القوى الشعبية- مهما اختلفت التقديرات حولها- هي الكف التي تمنع سقوط القضية بالكامل.

في النهاية.. يظل الثابت أن من يحمل البندقية ومن يرفض الانحناء هو الأكثر استهدافًا. أما من يفاوض بلا أوراق قوة، أو يساير الرياح حيثما هبّت، فلن يكون موضع قلق لأي أحد.

مقالات مشابهة

  • رقم كبير.. النجف تكشف كمية الأمطار التي تم تصريفها من شوارع المحافظة
  • القناة 12 الإسرائيلية: المستوى الأمني يضغط باتجاه شن عملية تستهدف حزب الله
  • عاجل.. مصدر في الرئاسة يكشف المهمة التي جاء من أجلها الفريق السعودي الإماراتي العسكري إلى عدن.. إخراج قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة
  • "لجان المقاومة": ما يجري في غزة فصل جديد من حرب الإبادة وسط صمت دولي
  • خبير عسكري: روسيا تتقدم نحو القلعة الحصينة بدونيتسك عبر بوكروفسك
  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • خبير عسكري: اشتباكات تايلند وكمبوديا فرصة لـتنافس أسلحة قوى كبرى
  • "الأحرار" تدين تقرير العفو الدولية لتبنيه الرواية الإسرائيلية واتهامه المقاومة بارتكاب جرائم في 7 أكتوبر
  • المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب
  • أمن المقاومة يحذّر من منشورات دعائية ألقتها مسيّرات الاحتلال وسط النصيرات