من الواضح للعيان بعد جملة تقارير دولية أن العالم يقف اليوم أمام مرحلة دقيقة من التحول الاقتصادي، حيث لم تعد السياسات التقليدية القائمة على الإنفاق والاقتراض كافية لضمان التعافي. ويبدو أن المَخرج الوحيد يتمثل في تحقيق توازن دقيق بين الانضباط المالي وتحفيز الإنتاج، وبين الواقعية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، حتى لا يتحول تباطؤ النمو في عامي 2025 و2026 إلى أزمة طويلة الأمد تطال أسس النظام المالي الدولي بأسره.



وتشير توقعات صندوق النقد الدولي في تقاريره الأخيرة إلى أن الاقتصاد العالمي مقبل على مرحلة تباطؤ خلال عامي 2025 و2026، مع تسجيل معدلات نمو متدنية مقارنة بالسنوات السابقة. فوفق تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر في نيسان/ أبريل 2025، يتوقع الصندوق أن يبلغ معدل النمو العالمي نحو 3 في المئة في عام 2025 و3.1 في المئة في عام 2026، وهي نسب تعكس حالة من الانكماش النسبي في النشاط الاقتصادي بعد سنوات من الاضطراب والتقلبات المتلاحقة.

وببساطة مطلقة ما يعنيه التباطؤ في النمو الاقتصادي يشي بأن العالم لا يتجه إلى الانكماش الكامل أو الكساد، بل إلى مرحلة من ضعف النشاط الإنتاجي والاستهلاكي والاستثماري، حيث تتراجع حركة التجارة العالمية وتقل وتيرة الاستثمار الخاص والعام على حد سواء. ويرتبط هذا التراجع بعدة عوامل، في مقدمتها استمرار السياسات النقدية المتشددة التي اعتمدتها البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، لمواجهة التضخم الذي بقي فوق المستويات المستهدفة. وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى إبطاء الاستثمار والإقراض وإضعاف حركة الأسواق المالية، إضافة إلى ما ساهمت التوترات الجيوسياسية به، لا سيما في أوكرانيا والشرق الأوسط، لجهة تعطيل سلاسل الإمداد وزيادة كلفة الطاقة والغذاء، مما انعكس على الأسعار العالمية وعمّق أزمة التضخم.

وإلى جانب ذلك، تراجعت معدلات الطلب في الصين التي كانت محركا رئيسيا للنمو العالمي، وهو ما أثر سلبا في التجارة الدولية وأسواق السلع. ومع هذه التطورات، تجاوز الدين العام العالمي 95 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وفق صندوق النقد الدولي! في حين بلغت الديون العامة والخاصة مجتمعة أكثر من 235 في المئة من الناتج العالمي! وهو مستوى غير مسبوق في التاريخ الحديث! فهل من يدرك أن هذه الأرقام قد تكون مدخلا للحروب العالمية القادمة؟!

وفي قراءة سريعة تبدو الدول النامية الأكثر تأثرا بهذه البيئة المعقدة، إذ تواجه عبئا مزدوجا يتمثل في ارتفاع كلفة التمويل الخارجي من جهة، وتراجع تدفقات رؤوس الأموال والاستثمارات من جهة أخرى. فكلما رفعت الدول المتقدمة أسعار الفائدة، انجذب رأس المال نحوها بحثا عن العوائد الأعلى والأمان المالي، مما يحرم الأسواق الناشئة من التمويل الضروري لمشاريعها التنموية.

وإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع الفائدة العالمية يزيد كلفة خدمة الدين العام في هذه الدول التي تعتمد على الاقتراض الخارجي، ما يضع موازناتها تحت ضغوط مالية حادة ويحد من قدرتها على الإنفاق الاجتماعي والاستثماري. وفي هذا الإطار، يبرز خطر أساسي يتمثل في أن استمرار معدلات الفائدة المرتفعة حتى عام 2026 قد يدفع بعض الاقتصادات النامية إلى حافة التعثر أو العجز عن السداد، خاصة تلك التي تشهد هشاشة مالية وتضخما مزمنا.

وهنا تزداد الحاجة إلى حلول دولية متوازنة تجمع بين الانضباط المالي والسياسات الداعمة للنمو. ومن بين المقترحات الواقعية إعادة جدولة الديون للدول الأكثر ضعفا، وتوسيع برامج التمويل الميسر التي يشرف عليها صندوق النقد والبنك الدولي، إلى جانب تحفيز الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة والبنى التحتية والتعليم، وهي قطاعات قادرة على خلق نمو مستدام دون زيادة المديونية.

أما على المستوى الوطني، فالمطلوب من الدول النامية تحسين إدارة مواردها العامة وضبط العجز المالي من دون خنق النشاط الاقتصادي. ويتعين تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتحسين كفاءة الجباية الضريبية، بما يسمح بزيادة الإيرادات من دون رفع الضرائب على الفئات المنتجة. كما أن تنويع الاقتصاد وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي يقللان من الاعتماد على الاستيراد ويخففان الضغط على العملات الوطنية في مواجهة الدولار.

ويُعد لبنان نموذجا بارزا لتأثير هذه الأزمات في الدول ذات المديونية المرتفعة. فوفق تقديرات صندوق النقد والبنك الدولي، تجاوز الدين العام اللبناني 160 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، فيما يعيش الاقتصاد حالة انكماش حاد وتراجع في الإيرادات العامة وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة. وقد أدى الانهيار المالي منذ عام 2019 إلى فقدان الثقة في النظام المصرفي، وتدهور سعر العملة المحلية، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين.

ومع استمرار ارتفاع الفائدة العالمية، فإن خدمة الدين الخارجي ستصبح عبئا إضافيا على المالية العامة في لبنان، مما يجعل أي تأخير في الإصلاحات الاقتصادية والمصرفية خطرا على الاستقرار النقدي والاجتماعي في السنوات المقبلة.

وعليه، فإن استمرار الأوضاع الحالية من دون إصلاحات جذرية في الدول النامية، وفي لبنان على وجه الخصوص، قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في النمو وإلى تفاقم الفوارق الاجتماعية وازدياد هشاشة الاقتصادات المحلية، فهل من يتعظ قبل فوات الأوان؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الاقتصادي لبنان الأزمات اقتصاد لبنان أزمات قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صندوق النقد فی المئة فی عام

إقرأ أيضاً:

سكاف: هناك شيء ما يُحضر من خلال كثافة المسيّرات التي تجول في سماء لبنان

حذّر النائب غسان سكاف عبر "أكس" من ان الوضع في لبنان غير مريح، "فهناك شيء ما يُحضر من خلال كثافة المسيّرات التي تجول في سماء لبنان، ما يدل على ان إسرائيل قد تُقدم على حرب جديدة".

وأضاف: "اتفاق غزة ترك حزب الله وحيداً سياسياً وعسكرياً وفي أي تفاوض مقبل، على حزب الله أن يوافق فوراً على الحل الغزاوي للجنوب وأن ينتقل من إسناد غزة إلى إسناد الحل في غزة، ختم غزة". مواضيع ذات صلة سكاف: لبنان يمرّ بمرحلة دقيقة Lebanon 24 سكاف: لبنان يمرّ بمرحلة دقيقة 11/10/2025 11:28:26 11/10/2025 11:28:26 Lebanon 24 Lebanon 24 القناة 12 عن مصادر إسرائيلية: المفاوضات ستجرى تحت نيران كثيفة وكل شيء يعتمد على التوصل لاتفاق Lebanon 24 القناة 12 عن مصادر إسرائيلية: المفاوضات ستجرى تحت نيران كثيفة وكل شيء يعتمد على التوصل لاتفاق 11/10/2025 11:28:26 11/10/2025 11:28:26 Lebanon 24 Lebanon 24 وسائل إعلام إسرائيلية: إطلاق صواريخ اعتراضية في سماء إيلات عقب تسلل طائرة مسيرة Lebanon 24 وسائل إعلام إسرائيلية: إطلاق صواريخ اعتراضية في سماء إيلات عقب تسلل طائرة مسيرة 11/10/2025 11:28:26 11/10/2025 11:28:26 Lebanon 24 Lebanon 24 طائرات إسرائيلية مسيّرة تحلّق في سماء منطقة الكسوة في ريف دمشق (سكاي نيوز) Lebanon 24 طائرات إسرائيلية مسيّرة تحلّق في سماء منطقة الكسوة في ريف دمشق (سكاي نيوز) 11/10/2025 11:28:26 11/10/2025 11:28:26 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً تطور العلاقات اللبنانية السورية.. نجاح ديبلوماسي سعودي Lebanon 24 تطور العلاقات اللبنانية السورية.. نجاح ديبلوماسي سعودي 11:00 | 2025-10-11 11/10/2025 11:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بقرادونيان: الاتفاق حول غزة يستوجب أعلى درجات الحذر الداخلي في لبنان Lebanon 24 بقرادونيان: الاتفاق حول غزة يستوجب أعلى درجات الحذر الداخلي في لبنان 10:41 | 2025-10-11 11/10/2025 10:41:10 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد زيارة الشيباني إلى بيروت.. دمشق تؤكد: توصلنا لاتفاق مع لبنان لتسليم السجناء Lebanon 24 بعد زيارة الشيباني إلى بيروت.. دمشق تؤكد: توصلنا لاتفاق مع لبنان لتسليم السجناء 10:33 | 2025-10-11 11/10/2025 10:33:46 Lebanon 24 Lebanon 24 القوات لبري: تعطيل التشريع على عاتقك والاكثرية تقرر Lebanon 24 القوات لبري: تعطيل التشريع على عاتقك والاكثرية تقرر 10:19 | 2025-10-11 11/10/2025 10:19:44 Lebanon 24 Lebanon 24 في عيتا الشعب.. القاء عبوات متفجرة على منزل غير مأهول Lebanon 24 في عيتا الشعب.. القاء عبوات متفجرة على منزل غير مأهول 10:15 | 2025-10-11 11/10/2025 10:15:40 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بالأسماء.. إليكم وثيقة بـ"تشكيلات جديدة" في قوى الأمن Lebanon 24 بالأسماء.. إليكم وثيقة بـ"تشكيلات جديدة" في قوى الأمن 20:50 | 2025-10-10 10/10/2025 08:50:32 Lebanon 24 Lebanon 24 صباح اليوم... الطفلة أريج فُقِدَت خلال وجودها مع عائلتها Lebanon 24 صباح اليوم... الطفلة أريج فُقِدَت خلال وجودها مع عائلتها 17:08 | 2025-10-10 10/10/2025 05:08:39 Lebanon 24 Lebanon 24 اجتماع سريّ عند نصرالله قبيل اغتياله.. تفاصيل يعلنها تقرير إسرائيلي Lebanon 24 اجتماع سريّ عند نصرالله قبيل اغتياله.. تفاصيل يعلنها تقرير إسرائيلي 22:30 | 2025-10-10 10/10/2025 10:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو... صخورٌ سقطت من شاحنة على سيارات! Lebanon 24 بالفيديو... صخورٌ سقطت من شاحنة على سيارات! 16:22 | 2025-10-10 10/10/2025 04:22:54 Lebanon 24 Lebanon 24 الجيش يسابق الوقت Lebanon 24 الجيش يسابق الوقت 16:00 | 2025-10-10 10/10/2025 04:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 11:00 | 2025-10-11 تطور العلاقات اللبنانية السورية.. نجاح ديبلوماسي سعودي 10:41 | 2025-10-11 بقرادونيان: الاتفاق حول غزة يستوجب أعلى درجات الحذر الداخلي في لبنان 10:33 | 2025-10-11 بعد زيارة الشيباني إلى بيروت.. دمشق تؤكد: توصلنا لاتفاق مع لبنان لتسليم السجناء 10:19 | 2025-10-11 القوات لبري: تعطيل التشريع على عاتقك والاكثرية تقرر 10:15 | 2025-10-11 في عيتا الشعب.. القاء عبوات متفجرة على منزل غير مأهول 10:15 | 2025-10-11 علامات استفهام في مجلس الوزراء؟ فيديو "الشتاء جايي"... فاستعدّوا للغرق بالنفايات لا بالأمطار! Lebanon 24 "الشتاء جايي"... فاستعدّوا للغرق بالنفايات لا بالأمطار! 20:30 | 2025-10-07 11/10/2025 11:28:26 Lebanon 24 Lebanon 24 "نجم جنتلمان".. إعلامية وابنة ممثلة سورية بطلة "فيديو كليب" راغب علامة (فيديو) Lebanon 24 "نجم جنتلمان".. إعلامية وابنة ممثلة سورية بطلة "فيديو كليب" راغب علامة (فيديو) 08:56 | 2025-10-03 11/10/2025 11:28:26 Lebanon 24 Lebanon 24 توقعات ليلى عبد اللطيف.. اغتيالات وانقطاع للانترنت وهذا ما سيحل بالذهب و"واتساب" (فيديو) Lebanon 24 توقعات ليلى عبد اللطيف.. اغتيالات وانقطاع للانترنت وهذا ما سيحل بالذهب و"واتساب" (فيديو) 22:00 | 2025-09-30 11/10/2025 11:28:26 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • النقد الدولي يحذر من تهديد للاستقرار المالي العالمي بسبب ديون الاقتصادات النامية
  • 130 متحدثاً يستعرضون تحولات الاقتصاد العالمي خلال «الشارقة للاستثمار 2025»
  • أرقام غير مسبوقة يسجلها الدين العالمي في العام 2025 (إنفوغراف)
  • هاشم: الرسالة التي أرادت إسرائيل إيصالها وصلت
  • عز الدين: المقاومة استطاعت أن تصمد وتبقى رغم التشكيك في شرعيتها
  • عز الدين: نطالب بموقف لبناني حازم ضد الاعتداءات
  • قماطي: نستنكر الافتراءات التي طالت النائب أسامة سعد
  • حكومة الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي ينظِّمان «مجالس المستقبل العالمية والأمن السيبراني 2025»
  • بنك الشرق اليمني يشارك في مؤتمر الحوار المصرفي العربي_الأمريكي 2025 لمواكبة التحول المالي العالمي
  • سكاف: هناك شيء ما يُحضر من خلال كثافة المسيّرات التي تجول في سماء لبنان