خمس حقائق عن الشرق الأوسط الجديد
تاريخ النشر: 12th, October 2025 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
غلبت على ديناميات المنطقة ملامح تُهيّئ لاتفاق حول غزة، لكن تحقيق الهدوء الدائم يظل مرهونًا بتبني حل الدولتين. يُوصَف دونالد ترامب عادة بأنه «زعيم صفقات»، وقد أثبت هذا الوصف دقته هذا الأسبوع حين قاد إلى نجاح ملموس؛ فالهدنة التي توصل إليها بين إسرائيل وحركة حماس كانت صفقة بكل معنى الكلمة، وصفقة معقدة أيضًا.
أولًا: إسرائيل باتت في موقع قوة لا مثيل له.
المحلل الجمهوري دان سِنور -وهو كاتب معروف- أشار في برنامجي على قناة «سي إن إن» الأسبوع الماضي إلى أن الخطة التي انبثق عنها الاتفاق كانت في الأصل خطة إسرائيلية، أو على الأقل خطة أمريكية يمكن لإسرائيل التعايش معها؛ فإسرائيل هي القوة المسيطرة ميدانيًّا، وقد ازدادت قوة خلال العامين الماضيين بعد أن هزمت خصومها في الخارج واحدًا تلو الآخر. لن يحدث أي شيء دون موافقتها. ومن الناحية العملية؛ من يريد وقف نيرانها عليه أن يقدم خطة تستطيع القبول بها. إن صعود إسرائيل كان لافتًا إلى حدّ أن كلًا من قطر والسعودية بدأتا تتعاملان بحذر مع هذه القوة المتزايدة؛ فالدوحة طلبت ضمانات أمنية من واشنطن فيما وقّعت الرياض اتفاقية دفاع متبادل مع باكستان الدولة التي تمتلك السلاح النووي.
ثانيًا: يمكن انتزاع تنازلات من إسرائيل، لكن الأمر يتطلب رأسمال سياسيًّا، ومهارة عالية.
استخدم ترامب كليهما بذكاء لإقناع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بقبول الصفقة. يتمتع ترامب برصيد سياسي هائل لدى الإسرائيليين، وقد استخدمه للضغط على نتنياهو في اللحظة المناسبة بعد أن أثار الهجوم الإسرائيلي على عناصر من حماس في الدوحة ردود فعل غاضبة في المنطقة. كما استغل قبول حماس الجزئي للخطة، واعتبره قبولًا كاملًا في حين بدأت إسرائيل تتراجع، فدفع نحو إتمام الاتفاق حتى النهاية.
ثالثًا: المفاوضات عكست ملامح الشرق الأوسط الجديد.
يكفي أن نلقي نظرة على من جلس حول طاولة التفاوض: المصريين، والأتراك، والإسرائيليين، والقطريين، والأمريكيين إضافة إلى ممثلي حماس. كان دور مصر مهمًّا فقط في هذا السياق الخاص؛ بسبب حدودها مع غزة ومعبر رفح الذي يمثل الممر الحيوي لإدخال المساعدات. ومشاركتها تُعيد إلى الأذهان ملامح الشرق الأوسط القديم الذي كانت تتزعمه دول كبيرة ذات كثافة سكانية وثقافة عريقة.
أما الشرق الأوسط الجديد فهو اليوم تحت نفوذ إسرائيل ودول الخليج.
ويتجلى ذلك بوضوح في صعود قطر الدولة الصغيرة الغنية بالغاز، لكنها بفضل قيادتها الذكية استطاعت أن تكون طرفًا محوريًّا في أي وساطة؛ لأنها تبقي قنواتها مفتوحة مع جميع الأطراف لا سيما إيران وحماس. وفي حين كان الشرق الأوسط القديم تقوده دول كبرى رفعت شعارات القومية العربية، وشجعت الكفاح الفلسطيني المسلح؛ فإن دول الخليج تسعى اليوم إلى التحديث والتقدم التقني، وتضع السلام والاستقرار في مقدمة أولوياتها.
أما تركيا فسياساتها غير مستقرة؛ فهي دولة قوية متقلبة السياسات تميل أحيانًا إلى مغازلة التيارات الإسلامية.
رابعًا: تراجع التهديد الإيراني بدرجة ملحوظة.
منذ الثورة الإسلامية عام 1979 كانت الدول العربية تخشى إيران التوسعية ذات النزعة الأيديولوجية، لكن خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية غَرِقت إيران في أزمات اقتصادية وسياسية متكررة من حركة «الخُضر» إلى احتجاجات النساء الواسعة إلى الانقسامات داخل النخبة الحاكمة. وقد واجهت سلسلة من الضربات الإسرائيلية الموجعة التي طالت علماءها النوويين وقادتها العسكريين ومنشآتها الحساسة بلغت ذروتها في هجمات يونيو الأخيرة التي وُصفت بأنها كانت أقرب إلى غزو شامل منها إلى عملية محدودة.
خامسًا: رغم العنف والتطرف والكراهية لا توجد رؤية طويلة الأمد للمنطقة سوى العودة إلى حل الدولتين.
الدبلوماسي الأمريكي المخضرم مارتن إنديك المعروف بدعمه القوي لإسرائيل وبإيمانه في الوقت نفسه بضرورة قيام دولة فلسطينية كتب قبل وفاته العام الماضي مقالة في مجلة فورين أفيرز بعنوان «العودة الغريبة لحل الدولتين».
أوضح فيها أن التخلي عن هذا الهدف طوال العقود الماضية أثبت أنه لا بديل عنه؛ فكل الخيارات الأخرى من استمرار الاحتلال، أو الاكتفاء بدولة واحدة، أو الترحيل، لا يمكن تطبيقها واقعيًّا؛ لذلك سيعود الجميع إليه عاجلًا أم آجلًا، ولو على مضض.
غير أن تحقيق ذلك لن يتم إلا إذا تبناه ترامب نفسه، ووضع ثقله السياسي وراءه. خطته الحالية تذكره إشارة عابرة، لكنه في أثناء إعلان الهدنة عبّر عن أمله في تحقيق «سلام دائم».
ذلك الهدف يتطلب أكثر من صفقة يحتاج إلى رؤية بعيدة المدى. وثمرة هذه الرؤية -أي السلام الحقيقي الدائم- ستكون صدى خالدًا في التاريخ، وجائزة أعظم من كل الجوائز التي تمنحها لجنة نوبل في أكتوبر من كل عام.
فريد زكريا كاتب عمود في الشؤون الدولية بصحيفة واشنطن بوست، ومقدم برنامج (جي. بي. إس) على شبكة -سي إن إن- .
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
الكويت… دبلوماسية الحكمة في زمن الأزمات
#سواليف
#الكويت… #دبلوماسية #الحكمة في #زمن_الأزمات
دراسة دولية توثق الدور القيادي للكويت في الوساطة الإقليمية
في وقت تتسارع فيه الأزمات وتتعقد فيه الصراعات في الشرق الأوسط، تبرز دولة الكويت كنموذج مختلف في إدارة السياسة الخارجية، قائم على الحكمة، والاعتدال، وتغليب لغة الحوار على منطق الصدام. هذا ما أكدته دراسة علمية حديثة نشرتها مجلة Contemporary Review of the Middle East الدولية المحكمة، الصادرة عن دار النشر العالمية SAGE، والتي وثقت الدور المحوري للكويت كوسيط إقليمي فاعل رغم كونها دولة محدودة من حيث الحجم والقوة العسكرية.
مقالات ذات صلةوتُعد مجلة Contemporary Review of the Middle East من أبرز المجلات الأكاديمية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، وتحظى بسمعة علمية رفيعة، حيث لا تنشر إلا أبحاثًا تخضع لتحكيم دقيق، ما يضفي على هذه الدراسة وزنًا علميًا وسياسيًا خاصًا، ويعكس تقدير الأوساط البحثية الدولية للتجربة الكويتية.
الدراسة، التي جاءت بعنوان:
«الكويت كوسيط إقليمي: دبلوماسية الدولة الصغيرة والقوة الناعمة في صراعات الشرق الأوسط»،
أعدّها كل من الاستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة ،استاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك والطالب بندر ماجد العتيبي، وقدمت تحليلًا معمقًا للسياسة الخارجية الكويتية، مبيّنة كيف استطاعت الكويت أن تحجز لنفسها مكانة مؤثرة في ملفات إقليمية بالغة التعقيد.
وركزت الدراسة على أزمة الخليج عام 2017 بوصفها اختبارًا حقيقيًا للدبلوماسية الكويتية، حيث أشارت إلى أن القيادة الكويتية لعبت دورًا محوريًا في الحفاظ على الحد الأدنى من التماسك داخل مجلس التعاون الخليجي، ومنعت الانزلاق نحو قطيعة دائمة بين الأشقاء. واعتمدت الكويت، وفق الدراسة، على سياسة النفس الطويل، والوساطة الهادئة، والابتعاد عن التصعيد الإعلامي، ما أسهم لاحقًا في تهيئة الأرضية لمصالحة خليجية أعادت التوازن إلى البيت الخليجي.
كما تناولت الدراسة الدور الكويتي في الملف اللبناني، حيث سعت الكويت إلى احتواء التوترات بين لبنان ودول الخليج، مستندة إلى رصيدها الإنساني، ونهجها القائم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وأشارت إلى أن الكويت استطاعت، عبر أدوات القوة الناعمة والمساعدات الإنسانية والدعم التنموي، أن تحافظ على صورتها كدولة حريصة على استقرار المنطقة لا على تصفية الحسابات السياسية.
وأشادت الدراسة بشكل واضح بـ القيادة الكويتية، التي أرست هذا النهج الدبلوماسي المتزن، وعلى رأسها إرث سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، والذي يُنظر إليه دوليًا باعتباره «قائد العمل الإنساني» وصاحب مدرسة فريدة في الدبلوماسية الهادئة. وأكدت الدراسة أن هذا النهج لم يكن ظرفيًا، بل تحوّل إلى سياسة دولة ومؤسسة راسخة، تواصل الكويت الالتزام بها في تعاملها مع مختلف الأزمات الإقليمية.
ورغم إشادتها بالدور الكويتي، لم تغفل الدراسة التحديات التي تواجه أي جهد وساطي في الشرق الأوسط، مثل تعقّد الصراعات، وتدخل القوى الإقليمية والدولية، والانقسامات الطائفية والسياسية. إلا أنها خلصت إلى أن الكويت نجحت في ترسيخ نفسها بوصفها وسيطًا موثوقًا ومحترمًا، وهو إنجاز استراتيجي في بيئة إقليمية شديدة الاستقطاب.
وسلطت الدراسة الضوء على الإسهام الأكاديمي للدكتور محمد تركي بني سلامة، أحد أبرز الباحثين العرب في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والذي قدّم من خلال هذا العمل قراءة علمية متوازنة تجمع بين التحليل النظري والواقع السياسي، بما يعزز حضور البحث العلمي العربي في المجلات الدولية المرموقة.
وتخلص الدراسة إلى أن التجربة الكويتية تمثل درسًا مهمًا في دبلوماسية الحكمة، وتؤكد أن النفوذ الحقيقي لا يُقاس بالقوة العسكرية فقط، بل بالقدرة على بناء الثقة، وإدارة الخلافات، وتقديم نموذج أخلاقي في السياسة الدولية، وهو ما جعل الكويت تحظى باحترام واسع إقليميًا ودوليًا .
للاطلاع على نص الدراسة
اضغط على الرابط ادناه
https://www.researchgate.net/publication/398492130_Kuwait_as_a_Regional_Mediator_Small-_state_Diplomacy_and_Soft_Power_in_Middle_Eastern_Conflicts