البحوث الإسلامية: الأزهر يمد جسور التواصل لتعميق فهم الشباب بهويتهم الإيمانية
تاريخ النشر: 13th, October 2025 GMT
واصلت اللجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية فعاليات «أسبوع الدعوة الإسلامية الثاني عشر»، تحت عنوان: «لماذا الإيمان أولًا؟»، وذلك برعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حيث عقد ثاني أيامه بكلية التربية جامعة بنها، بندوة تحت عنوان: «الإيمان والهوية: من أنا؟ ولماذا أنا هنا؟»، بمشاركة نخبة من علماء الأزهر، وبحضور عدد من قيادات وأعضاء هيئة التدريس بالكلية، وقد استهدفت الندوة ترسيخ الوعي بالقيم الوجودية والدينية لدى الشباب، من خلال مقارنة عميقة بين التفسيرات المادية والإيمانية للوجود، وكيفية صياغة الهوية الإيمانية القادرة على الصمود أمام التحديات العالمية المعاصرة.
في بداية الندوة أعرب الأستاذ الدكتور أحمد حسن عاشور ، وكيل كلية التربية لشئون الطلاب، عن تقديره للدور المحوري للأزهر الشريف في التواصل مع الشباب، ومناقشة أفكارهم، مما يعزز فهمهم للمسائل الدينية والأفكار المتعلقة بالعقيدة، وحث أبناءه من طلاب الكلية على ضرورة استثمار هذا اللقاء في طرح كل الأفكار التي تدور بعقولهم، من أجل فهمها على الوجه الصحيح الذي جاء به الدين الإسلامي الحنيف.
وشارك في الندوة الدكتور أحمد همام، مدير عام الإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، حيث أكد أن الدين الإسلامي هو منهج متكامل يرسخ العلاقة الروحية بين الإنسان وخالقه، ويتمثل ذلك في التزام الفرد بمسؤولياته وتكليفاته الشرعية، قال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، ثم أعقبها بآية التخفيف والتيسير ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، دلالة على المنهج الرباني القائم على الرحمة، موضحا أن الإيمان هو الرد المنطقي الوحيد على الأسئلة الوجودية الكبرى المتعلقة بالغاية من الخلق، وهو ما يتناقض جذريًا مع التفسير المادي الذي يرى الوجود وليد الصدفة والعشوائية، كما أشار إلى أن هذا الارتباط الوثيق بالخالق يمنح المؤمن أساسًا عميقًا للسكينة والاستقرار النفسي، مما يشكل صمام أمان داخليًا.
وشدد همام على أن الإيمان ليس مجرد عبادات، بل هو نظام قيم يمنح الشاب هويته وقواعده الراسخة والمتوازنة، ويعد هذا تحصينًا ضروريًا لمواجهة ضغوط وتحديات العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تسعى لطمس الهويات، ونشر الاستهلاك المفرط، وتغريب الأجيال، لهذا تميز الإسلام بمفهوم الوسطية، بوصفه المنهج الذي يوازن بين الروح والمادة، ويرفض التطرف المادي والفكري على حد سواء.
كما أوضح أن عبادة الله تعالى حق مفروض ومطلق له سبحانه، وتتجلى دلالات هذه العبادة في الالتزام بأوامره والانتهاء عن نواهيه، وأكد أن هذا الالتزام ليس قيدًا، بل هو المصدر الحقيقي للسعادة والطمأنينة؛ فعندما يحسن العبد عبادة ربه، يتحقق لديه التوازن النفسي والروحي الذي يجعله محصنًا ضد الفراغ الروحي واليأس، وهو ما يمثل أكبر تحد في العصر المادي الذي يسعى لإفراغ حياة الفرد من معناها العميق، لذلك، فإن الإيمان هو البوصلة التي توجه السلوك وتضبط الانفعالات، وتؤسس لرؤية واضحة للكون والحياة، مما يحول دون الانسياق وراء قيم الاستهلاك الزائلة.
واختتم مدير الإعلام الديني حديثه بالتأكيد على أن مهمة الأزهر الشريف هي مد جسور التواصل لتعميق هذا الفهم لدى الشباب، وإعادة ربطهم بأصل هويتهم الإيمانية لتجنب الوقوع في فخ الأفكار المتطرفة أو المنحرفة التي تستغل هذا الفراغ الروحي.
فيما تحدث الأستاذ الدكتور عماد العجيلي، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، عن هوية الأمة الإسلامية التي تميزها عن غيرها من الأمم، مبينا أننا نمر بمرحلة تتسارع فيها وتيرة تطور الأفكار والتغيير، وهو ما نتج عنه حربًا فكرية شرسة موجهة بشكل مباشر نحو عقول الشباب المسلم بهدف السيطرة عليها، مستغلة أسئلة خلق الإنسان ومصيره، حيث يحاول بعض الفلاسفة بث إجابات زائفة في عقول الشباب، تقوم على فرضيات باطلة مثل أن الكون جاء صدفة بلا غاية (كنظرية التطور)، في محاولة لقطع الصلة بين الخلق وخالقهم، لأن الإسلام يمثل الحصن الفكري المنيع، بما يقدمه من إجابات شافية ومقنعة لكل هذه التساؤلات الوجودية، ما يجعله الدرع الواقي لأفكار وعقول شباب الأمة.
وأضاف العجيلي، أن القرآن الكريم كشف مراحل خلق الإنسان بدقة متناهية، بدءًا من النطفة، ثم العلقة، فـالمضغة، وهو ما توصل إليه العلم الحديث لاحقًا، وهو ما يعد دليلاً قاطعًا على أن الحق سبحانه وتعالى زودنا بإجابات شافية تحصن عقولنا وتمنعها من الوقوع فريسة للأفكار العابثة التي تحاول التشكيك في عقيدتهم، مبينًا أن الحق -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان لعبادته، ووضع له منهجًا شاملاً يضمن تكريمًا حقيقيًا لإنسانيته؛ ومن ثم فإن كل تعاملاتنا اليومية هي جزء لا يتجزأ من هذه العبادة، لهذا نجد الشريعة الإسلامية وضعت منهجًا ينظم جميع جوانب حياتنا، وبالتالي، فإن محاولات خلخلة عاداتنا وقيمنا الدينية ليست سوى غزو فكري يستهدف إضعاف وتذويب هويتنا الإسلامية، مما يستوجب اليقظة والتمسك بهذا المنهج الإسلامي.
وفي الختام، شدد الدكتور العجيلي على ضرورة أن يتمسك الشباب بالفهم العميق للإيمان، كونه الضمانة الوحيدة لتكوين هوية قوية وواعية وقادرة على تحقيق هدف وجودنا في هذه الحياة، لأن الإيمان يوفر البوصلة الأخلاقية التي تمكنهم من التفريق بين الحق والباطل، وبين ما هو نافع وما هو ضار، في ظل التدفق الهائل للمعلومات والأفكار عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
من جانبه أكد الشيخ يوسف المنسي، عضو الأمانة العليا للدعوة، أن الدين الإسلامي يمثل الحصن الحقيقي لعقول الشباب، لكونه يمتلك الإجابات الشافية واليقينية للأسئلة الوجودية الكبرى التي تدور في أذهانهم، وهذه الإجابات لا تترك مجالاً للشك أو التذبذب، على عكس ما يمكن أن يحدث في بعض فروع العلوم التجريبية التي تتغير نظرياتها باستمرار وتعتمد على الفرضيات المؤقتة، لأن القرآن الكريم هو الدستور العقائدي الأعظم، فبما أن الأمر يتعلق بالإيمان بالخالق وما يدور في ذهن الشباب حوله، كان لابد أن يكون الخطاب كلام الله المباشر ليمنح اليقين المطلق، ويتميز الخطاب القرآني بأسلوب فريد يخاطب العقل والفطرة معًا؛ فهو يدعو إلى التفكير والتأمل التدريجي، مستخدماً دلائل محسوسة وملموسة من واقع الحياة، مشيراً إلى أن هذه الدعوة للتدبر في الكون المحسوس هي أكبر دليل على تكريم الإسلام للعقل ومواءمته مع المنهج العلمي القائم على الملاحظة.
يذكر أن فعاليات «أسبوع الدعوة الإسلامية الثاني عشر» الذي تنظمه اللجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية بالتعاون مع «جامعة بنها» بدأ أمس الأحد ١٢ أكتوبر ويستمر حتى يوم الخميس ١٦ أكتوبر، ويتضمن سلسلة من الندوات التي تهم الشباب مثل: «الإيمان والهوية»، و«تحديات الإيمان في العصر الرقمي»، و«الإيمان والحياة»، و«الإيمان وتحقيق الأهداف». ويأتي تنفيذ هذه الأسابيع في إطار حرص الأزهر الشريف على مد جسور التواصل مع شباب الجامعات، وترسيخ وعيهم بالقيم الدينية والوطنية، وتحصينهم من الأفكار المنحرفة والمتطرفة، بما يسهم في بناء جيلٍ واع ومستنير يحمل رسالة الوسطية والاعتدال.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البحوث الإسلامية الأزهر أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلام الإمام الأكبر البحوث الإسلامیة وهو ما
إقرأ أيضاً:
أمين البحوث الإسلامية: الأزهر يجسد التكامل بين العلم والدين في خدمة الإنسانية
أكد الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، أن الأزهر الشريف كان ولا يزال منارةً علمية تجمع بين علوم الدين وعلوم الكون في إطارٍ من التكامل لا التعارض، مشيرًا إلى أن هذا النهج الأزهري العريق أسهم عبر التاريخ في بناء حضارةٍ إنسانيةٍ قائمةٍ على الإيمان والعلم معًا.
جاء ذلك خلال مشاركته في فعاليات المؤتمر العربي التاسع للفلك والفضاء الذي ينظمه المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بحلوان، بحضور نخبة من العلماء والباحثين المصريين والعرب.
وأوضح "الهواري"، أن مشاركة الأزهر في هذه الفعاليات تأتي دعمًا لرؤية الدولة المصرية 2030 التي تُعلي من شأن المعرفة والابتكار، وتُرسّخ لثقافة البحث العلمي، مؤكدًا أن «العلم في منهج الأزهر ليس غاية دنيوية فحسب، بل وسيلة لإعمار الأرض وحماية الإنسان والبيئة».
ملتقى المرأة بالجامع الأزهر يناقش دور التغذية السليمة في بناء الصحة الجسدية والنفسية للطلاب
رئيس جامعة الأزهر يؤم طلاب المدينة الجامعية ويلقي درسا من كتاب رياض الصالحين
شيخ الأزهر للسفير السويدي: لا حرية في الإساءة للمقدسات الدينية
الأزهر للفتوى: الصلاة في المسجد الأقصى أجرها مضاعف
وأشار أمين مجمع البحوث الإسلامية إلى أن مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء الذي أنشئ برعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب يمثل امتدادًا طبيعيًا للريادة الأزهرية في ربط العلم بالإيمان، وترسيخ قيم البحث والنظر والتفكر التي دعا إليها القرآن الكريم.
وفي ختام كلمته، دعا أمين مجمع البحوث الإسلامية إلى التكامل بين العلماء في مختلف التخصصات، وإحياء التراث العلمي والفلكي العربي والإسلامي، وإلى تعزيز التعاون بين المؤسسات الدينية والعلمية في ضبط مسار التطور التكنولوجي والأخلاقي في مجتمعاتنا.