على طريق ريفي متعرّج في قلب جزيرة هاواي، كانت شاحنة كلاسيكية تمضي ببطء وسط الخضرة الكثيفة. وخلف المقود جلس الممثل العالمي جيسون موموا، وذراعه تتدلّى من النافذة، في وقت تعلو موسيقى "ميتاليكا" من مكبّرات الصوت.

ورفع موموا صوته محاولا نطق كلمة غريبة على لسانه قائلا، "بوو-آه-ليي".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2آنا كسباريان صوت أميركي حر يتحدى إسرائيل ويدافع عن غزةlist 2 of 2نتائج تحاليل المخدرات للمشاهير في تركيا تكشف مفاجآت بين البراءة والتورطend of list

ولكن الراكب الجالس إلى جواره، شخص في منتصف الثلاثينيات بملامح هاواي التقليدية، ابتسم وصحّح قائلا "بُوالي".

وتعني "محارب" أو "جيش" وهي واحدة من عشرات الكلمات التي كان على موموا أن يتقنها في رحلته الجديدة (ليست رحلة تصوير فحسب) بل رحلة استعادة هوية ولغة كادت تُنسى.

إذ يستعد النجم -الذي ينحدر من هاواي لمسلسل "زعيم الحرب" (Chief of War)- لأول عمل درامي كبير يُقدَّم بلغة وثقافة هاواي الأصلية.

صداقة بدأت بساحة احتجاج

الشخص الذي يجلس إلى جوار موموا هو كاهو وكاهي كانوها، ناشط لغوي وكاهن تقليدي من هاواي جمعتهما الصدفة قبل سنوات عندما وقفا معا في احتجاج ضد مشروع بناء تلسكوب ضخم على قمة جبل "مونا كيا" المقدّس في ثقافة السكان الأصليين. ومن تلك اللحظة، بدأت بينهما صداقة تحوّلت إلى تعاون إنساني وثقافي فريد.

وانتقل كانوها إلى لوس أنجلوس ليعيش عاما كاملا في منزل موموا، مدربا له على اللغة والنطق والعادات الأصلية. ومع حمل ملف ضخم مملوء بحوارات المسلسل، يرافق الممثل في كل لحظة أثناء القيادة، وفي صالة الرياضة، وحتى على مائدة الطعام.

ويقول كاهو وكاهي كانوها "هدفي كان أن أجعله يتحدث بطبيعية تامة، دون أن يُشتّت المشاهد عن المعنى أو المشهد".

لغة هاواي كادت تختفي

مثل معظم أبناء هاواي اليوم، لم ينشأ موموا متحدثا لغته الأم. فلغة السكان الأصليين تعرّضت عبر عقود طويلة لعملية "قمع ممنهجة" بدأت عام 1896، عندما فُرض التعليم بالإنجليزية بعد إسقاط مملكة هاواي على يد رجال أعمال أميركيين.

ويقول الباحث كاي يوكالاني داماس من جامعة هاواي-هيلو "كان الأطفال يُعاقبون لمجرد التحدث بلغتهم. وبعضهم أُجبر على نقل الصخور في الساحات، وآخرون كُتب عليهم أن ينسخوا عبارة لن أتكلم الهاواية مئات المرات على السبورة".

إعلان

وبحلول منتصف القرن العشرين، كان المتحدثون الأصليون بلغة الجزيرة شبه منقرضين. وفي الستينيات والسبعينيات، بدأت حركة إحياء لغوي أسفرت عن إنشاء مدارس "الغمر اللغوي" لتعليم الأطفال لغة هاواي كلغة أولى من جديد.

واليوم، تشير الإحصاءات إلى نحو 30 ألف متحدث بدرجات متفاوتة، وهو رقم صغير مقارنة بعدد سكان الجزيرة (1.4 مليون نسمة) لكنه يمثل نهضة ثقافية حقيقية بعد أكثر من قرن من الصمت.

الفن وسيلة لبعث لغة هاواي

بالنسبة لخبراء اللغة، يُعدّ "زعيم الحرب" أكثر من مجرد مسلسل فهو حدث لغوي وثقافي. ففي الحلقتين الأوليين، تُنطق معظم الحوارات باللغة الأصيلة، لتبدأ تدريجيا بالتحوّل إلى الإنجليزية مع تطور الأحداث ودخول الأوروبيين إلى الجزر.

ويقول الممثل موزيس غودز أحد المشاركين في العمل "هذه لحظة نقول فيها للعالم: نحن هنا. لغتنا حية، وشعبنا جميل".

ويضيف بأسى "أمي كانت تتحدث الهاواية، لكنها منعت من استخدامها في المدرسة. لم أتعلمها إلا لاحقا، وكأنني أستعيد جزءا من نفسي".

داخل "فقاعة هاواي"

يتحدث مدرب اللغة كاهو وكاهي كانوها، اليوم الهاواية كلغة أولى مع طفليه الصغيرين. لكنه يعترف أن العيش بها في وطنها ليس سهلا "فنحن نعيش داخل فقاعة صغيرة. ما إن نغادر المنزل حتى يغمرنا العالم بالإنجليزية".

غير أن المسلسل غيّر ذلك بالنسبة له ولأطفاله "فالآن يمكنهم مشاهدة عمل ترفيهي باللغة الهاواية. صحيح أنهم يغمضون أعينهم في المشاهد الدموية، لكنهم يسمعون لغتهم، وهذا بحد ذاته إنجاز".

التحدي اللغوي أمام الممثلين

الممثلة النيوزيلندية لوسيان بوشانان اعترفت بأنها شعرت بالخوف في البداية "فأنا لا أتحدث سوى الإنجليزية، رغم أصولي التونغية. كنت خائفة من أن يبدو أدائي خاليا من الروح. لذا كنت أتعلّم حوارات زملائي أيضا لأتفاعل معهم بصدق".

أما الممثل كليف كيرتس، وهو من شعب الماوري، فوجد في لغته الأم جسرا نحو فهم لغة هاواي "فاللغتان قريبتان، لكن للهاواية موسيقى خاصة بها، وإيقاعها أكثر نعومة وانسيابا".

أثر يتجاوز الشاشة

شارك الأستاذ بواكيا نوغيلماير، أحد أبرز علماء لغة هاواي، في ترجمة النصوص. واعترف بأنه كان متوجسا من النتيجة "فقد كنت قلقا، لأن معظم الممثلين ليسوا متحدثين أصليين. لكن أداءهم فاق توقعاتي. أظن أن آبل نفسها لم تدرك بعد أهمية ما صنعوه".

يعتبر نوغيلماير أن المسلسل أثبت أن الهاواية ليست لغة من الماضي، بل وسيلة حيّة للتعبير الفني الحديث.

من الحلم إلى الواقع

عندما طرح موموا فكرة المسلسل لأول مرة، لم يصدق كانوها أنه سيتحقق، فـ"قلت له: مستحيل أن تنتج شركة عالمية مسلسلا بلغة هاواية. لكنه آمن بالفكرة حتى النهاية".

الآن، وقد شاهد العالم الحلقات الأولى من "زعيم الحرب" يرى كانوها أن شيئا عميقا تغيّر في وعي الناس "فلأول مرة، نسمع لغتنا على منصة عالمية، ونرى عالمنا كما نحلم به. لم نعد مجرد تاريخ منسي. نحن حاضر يُرى ويُسمع".

ويختم بابتسامة هادئة "الآن، لا أستطيع تخيّل العالم من دون هذا المسلسل. لقد أعاد إلينا صوتنا".

يُشار إلى أن مسلسل الدراما التاريخية "زعيم الحرب" من إنتاج "آبل تي في" يعد شهادة على أن اللغة قادرة على النجاة من الصمت حين تجد من يؤمن بها… ومن يلفظها من جديد بشغف، كما فعل جيسون موموا عندما قالها لأول مرة على الطريق "بُوالي".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات زعیم الحرب

إقرأ أيضاً:

ألسن عين شمس تنظم ندوة عن تجارب النشر الدولي في مجال اللغات

نظم قطاع الدراسات العليا والبحوث بكلية الألسن جامعة عين شمس ندوة بعنوان "تجارب النشر الدولي في مجال اللغات". 

تدشين الموسم الثقافي للدراسات العليا لكلية الحقوق جامعة عين شمس

جاء ذلك تحت رعاية الدكتور محمد ضياء زين العابدين، رئيس الجامعة، والدكتورة أماني أسامة كامل، نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث، والدكتورة سلوى رشاد، عميد الكلية، وإشراف الدكتور أشرف عطية، وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث.

افتتح فعاليات الندوة الدكتور أشرف عطية، وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث، بكلمة افتتاحية شدد فيها على أهمية النشر الدولي كركيزة أساسية لتطوير البحث العلمي والارتقاء بمستوى الجامعة على الصعيدين الإقليمي والدولي. 

وأكد عطية أن النشر الدولي لا يقتصر على توثيق الإنجازات العلمية فحسب، بل يمثل أيضًا جسرًا للتواصل مع المجتمع الأكاديمي العالمي، ويتيح للباحثين فرصًا للتعلم من التجارب الدولية وتبادل الأفكار المبتكرة. 

وأشار إلى ضرورة اختيار المجلات المحكمة بعناية لضمان وصول البحث إلى الجمهور العلمي المناسب، مع الالتزام بأعلى معايير الجودة والأمانة العلمية.

جاءت الندوة بتنظيم مكتب النشر العلمي برئاسة الدكتورة ريهام عامر، وحاضر فيها كل من: الدكتورة سمر عبد السلام، أستاذ الأدب بقسم اللغة الإنجليزية، والدكتورة نهال ناجي، أستاذ اللغويات بقسم اللغة الإنجليزية، والدكتورة شيماء رضوان، أستاذ الترجمة بقسم اللغة الإسبانية، والدكتورة مونيكا مرقص، مدرس الترجمة بقسم اللغة الفرنسية.

وتناولت الندوة أهمية النشر الدولي ودوره في تطوير البحث العلمي ورفع التصنيف الأكاديمي للجامعة، كما استعرضت الفهارس والمجلات الدولية وآليات اختيار المجلة المناسبة لمجال البحث. وشارك المحاضرون تجاربهم الشخصية في النشر الدولي، موضحين خطوات التقدم لجائزة النشر الدولي التي تتيحها الجامعة للباحثين المتميزين.

وشهدت الندوة حضورًا واسعًا من أعضاء هيئة التدريس، والهيئة المعاونة، وباحثي الماجستير والدكتوراه، وطلاب الدراسات العليا.

مقالات مشابهة

  • زعيم حزب إسرائيلي: الحرب أثبتت أن تل أبيب لم تكن مستعدة للتحديات
  • الجنين يتعرف على اللغات الأجنبية داخل الرحم.. باحثون يوضحون
  • الثلاثاء.. القومي للترجمة يقيم إحتفالا بذكرى انتصارات أكتوبر
  • تفاصيل دور نجل محمد رياض بمسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» الجزء الثاني
  • إدارة ترامب تبحث ترتيب لقاء مع زعيم كوريا الشمالية
  • ألسن عين شمس تنظم ندوة عن تجارب النشر الدولي في مجال اللغات
  • وزارة الخارجية تعلن تمديد التقدم لمسابقة الملحقين الدبلوماسيين
  • عاجل | الخارجية تعلن مسابقة لاختيار ملحقين دبلوماسيين للتمثيل الأردني في الخارج
  • استشاري يكشف العلامات المبكرة لتأخر اللغة عند الأطفال من الشهور الأولى