صحيفة البلاد:
2025-10-20@02:09:30 GMT

دعوة إلى استعادة نعمة الملل في زمن الضجيج

تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT

دعوة إلى استعادة نعمة الملل في زمن الضجيج

في عالمٍ يركض بنا ركضاً محموماً، حيث تلاحقنا المواعيد وتتنافس على أسماعنا أصوات الأجهزة والشاشات، يبدو الملل لكثيرين عيباً ينبغي محوه، ونقيصة لا تُحتمل. لكن، كم منّا جرّب أن ينسحب من هذا الصخب، ولو لساعةٍ واحدة، ليعيد إلى ذهنه صفاءه، ويغسل روحه من غبار الأيام؟ كم من إنسان تجرأ على أن يمنح نفسه استراحة حقيقية، يتخلّى فيها عن كل ما يقيّده من إشعارات ورسائل وأعمال، فيتذوق طعم السكون العميق الذي طالما خشيناه؟ إننا، في واقع الأمر، أحوج ما نكون إلى تلك اللحظات التي يصفها الناس بالملل، لا لأنها فراغٌ عقيم، بل لأنها دواء خفيّ ينقّي العقل ويجدّد الروح.


وقد وجدتُ هذا المعنى جلياً في مقالٍ قرأته على موقع “فوربس”، يقرر فيه علماء الأعصاب أنّ الملل ليس عارضاً تافهاً، بل ضرورةٌ لصحة الدماغ وسلامته. فالدماغ الذي لا يتوقف عن العمل لحظةً، يحتاج إلى فسحات من السكون؛ كي يطرح فضلاته الكيميائية ويعيد ترتيب مساراته، تماماً كما تحتاج المدينة إلى عمال النظافة كل فجر لتستعيد عافيتها. النوم يحقق بعض هذا الترميم، غير أنّ الملل الواعي يمنح الذهن فرصةً أوسع لأن يسبح في فضاءٍ بلا قيود، فيلتقط ومضات الإبداع ويستحضر صفاء الرؤية.
ويؤكد هذا الطرح ما ذهب إليه أستاذ هارفارد آرثر سي. بروكس في مقاله الشهير بمجلة”هارفارد بزنس ريفيو”؛ إذ يرى أنّ الملل الذي نحسبه خصماً لحياتنا، إنما هو رفيقٌ ضروري لمعناها. فاللحظات التي نتوقف فيها عن الانشغال تفعّل في أدمغتنا ما يعرف بـ”شبكة الوضع الافتراضي”، وهي مساحةٌ عصبية توقظ فينا أسئلة الوجود الكبرى: ما الغاية؟ إلى أين نسير؟ وما مغزى هذا السباق اليومي؟ ونحن إذ نغرق في شاشات هواتفنا كلما شعرنا بأدنى فراغ، إنما نغلق الأبواب أمام هذه التساؤلات العميقة، فنحرم أرواحنا من زادها، ونترك القلق والاكتئاب يتسربان إلى حياتنا دون أن نشعر.
ولعلّ أعظم ما يقترحه بروكس أن نتدرّب على”تمارين الملل”: أن نذهب إلى الصالة الرياضية بلا هاتف، أن نأكل بلا شاشات، أن نقطع مسافة الطريق من دون موسيقى أو بودكاست، وأن نسمح لعقولنا أن تحلّق حرةً في سماء الصمت. قد نظنّ هذه الدقائق هدراً للوقت، لكنها في حقيقتها نبعٌ صافٍ يفيض بأفكار مبتكرة ولحظات إلهام، مثلما تحدّث كثير من المبدعين عن ومضاتٍ جاءت في حمام دافئ أو نزهةٍ متأنية أو حتى أثناء ترتيب أثاث المنزل. إنّها لحظات “الإشراق” التي تتفتح فيها أعمق الرؤى من رحم السكون.
وليس هذا دعوةً إلى كسلٍ أو بطالة، بل إلى ما يسميه الإيطاليون “حلاوة عدم فعل شيء”، وهو فنّ التوقف المقصود الذي يشبه سكتات الموسيقى بين النغمات. فكما لا يكتمل جمال اللحن بلا صمت، لا يكتمل اتزان الروح بلا فسحات من فراغ نتأمل فيها ذواتنا. ويمكننا إلى جانب قوائم الأعمال اليومية أن نصنع “قائمة كينونة” ندرج فيها لحظات للحضور الخالص، لحظات نعيشها لا لنعمل بل لنكون.
وما أبعد هذا المعنى عن ثقافتنا العربية والإسلامية؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:”نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”. إنّه الفراغ الإيجابي الذي يُعيد إلينا وعينا بنعمة الوقت، ويعلّمنا أن الفراغ بابٌ للتفكر لا ثغرة للكسل.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: بدر الشيباني

إقرأ أيضاً:

بشير التابعي: بيزيرا لم يملأ فراغ زيزو .. والمقارنة مازالت مبكرة

أكد بشير التابعي، نجم الزمالك السابق، أن الوقت لا يزال مبكرًا للحكم على مستوى البرازيلي خوان بيزيرا، لاعب الفريق الأول لكرة القدم بنادي الزمالك، مشيرًا إلى أن المقارنة بينه وبين أحمد سيد “زيزو” صانع ألعاب الأبيض السابق والأهلي الحالي غير منصفة في هذه المرحلة.

الأهلي يرفع شعار “الاحتياج الفني أولًا” في انتقالات الشتاء


وقال التابعي، خلال تصريحات ببرنامج نمبر وان مع الإعلامي محمد شبانة على قناة “CBC”: “بيزيرا لاعب يمتلك مهارات عالية وإمكانيات فنية قوية، لكنه لم يملأ فراغ زيزو حتى الآن، لأن الأخير كان له تأثير كبير داخل الفريق بأرقامه وشخصيته القيادية”.

وأضاف: “زيزو كان لاعبًا يصنع الفارق في كل مباراة، وكان يمتلك خبرة طويلة في التعامل مع الضغوط، أما بيزيرا فما زال في بداية تجربته داخل الدوري المصري، ولا يمكن مقارنته الآن بلاعب ترك بصمة واضحة لسنوات”.

وشدد التابعي على أن الحكم العادل على مستوى بيزيرا يجب أن يكون بعد مرور فترة كافية، حتى يتأقلم مع أسلوب اللعب في مصر ومع زملائه الجدد. وأوضح أن اللاعب البرازيلي يحتاج إلى وقت ودعم من الجهاز الفني والجماهير ليظهر شخصيته الحقيقية في الملعب.

واختتم التابعي حديثه مؤكدًا أن بيزيرا سيكون إضافة حقيقية إذا تم توظيفه بالشكل الصحيح داخل الملعب، مؤكدًا أن الحكم عليه من الآن ظلم كبير، وأن جماهير الزمالك يجب أن تصبر عليه حتى ينسجم تمامًا مع المجموعة.

مقالات مشابهة

  • بشير التابعي: بيزيرا لم يملأ فراغ زيزو في الزمالك
  • بشير التابعي: بيزيرا لم يملأ فراغ زيزو .. والمقارنة مازالت مبكرة
  • هشام جمال: حب الناس لينا نعمة كبيرة ومسؤولية في نفس الوقت
  • وائل جسار وعبير نعمة على موعد مع الجمهور بحفل غنائى بأوبرا دبى.. 10 نوفمبر
  • موعد حفل وائل جسار وعبير نعمة فى أوبرا دبي
  • على الهواء مباشرة.. لحظات رحيل زعيم المعارضة الأرجنتينية بأزمة قلبية
  • لحظات مؤلمة.. وفاة زعيم المعارضة الأرجنتينية خلال مناظرة على الهواء
  • الحياة ليست ضيقة. عمرو أديب يتحدث عن الملل مع متابعيه
  • جس نبض بريطاني لملء فراغ اليونيفيل