بيروت – في الوقت الذي يحاول فيه لبنان تفادي الانزلاق نحو مواجهة جديدة مع إسرائيل، أثارت تصريحات المبعوث الأميركي توم براك موجة من القلق حول خطورة الجمود السياسي القائم واحتمال تحول الهشاشة الأمنية إلى مواجهة عسكرية واسعة.

وفي منشور مطول على منصة "إكس"، حذّر براك من أن فشل لبنان في نزع سلاح حزب الله قد يدفع إسرائيل إلى تحرك عسكري أحادي، معتبرا أن العواقب ستكون "خطيرة للغاية"، وأضاف أن الجناح العسكري للحزب سيكون في مواجهة كبرى مع إسرائيل في "لحظة قوة إسرائيل وضعف الحزب المدعوم من إيران"، في حين سيواجه جناحه السياسي عزلة محتملة مع اقتراب انتخابات عام 2026.

وفي ما يتعلق بالانتخابات، حذر براك من أن أي تأجيل قد يشعل فتيل فوضى عارمة ويزيد من تفكك نظام سياسي هش أصلا، مؤكدا أن العديد من الفصائل اللبنانية ستعتبر هذا التأجيل محاولة لتمكين حزب الله من ترسيخ سيطرته وتجنب المحاسبة على دمار الحرب.

وشدد براك على أن التعاون ليس ضمانا للسلام لكنه الطريق الوحيد نحو تفادي الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة، في وقت يصل فيه السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى بيروت الشهر المقبل لدعم جهود البلاد في معالجة هذه القضايا المعقدة.

وفي الوقت نفسه شنت إسرائيل أمس الاثنين غارات على مناطق متفرقة من جنوب لبنان، في خطوة تثير مخاوف من تصعيد محتمل في مواجهة حزب الله، بالتزامن مع تصعيد التحذيرات الأميركية.

ضغط مزدوج

ويقول المحلل السياسي إبراهيم حيدر إن المبعوث الأميركي توم براك لم يبتعد كعادته في إثارة الجدل حول لبنان، فقد سبق له الدعوة إلى أن "يلحق بسوريا"، ثم شدد على ضرورة نزع سلاح حزب الله بالقوة، وتبدو تصريحاته الأخيرة امتدادا للتوجه نفسه، رغم وصفه لها بأنها "شخصية".

ويضيف حيدر، في حديثه للجزيرة نت، أن براك كشف عن "الخطة الأميركية" التي تتماشى مع رؤية ترامب للمنطقة، داعيا صراحة إلى نزع سلاح حزب الله تمهيدا للتفاوض المباشر مع إسرائيل على ترتيبات أمنية وحدودية، الأمر الذي يضغط على لبنان الرسمي الذي يرفض حتى الآن هذه الخطوة، متمسكا بصيغ تفاوض "غير مباشرة" أو "مختلطة".

إعلان

أما بالنسبة لحزب الله، فيشير حيدر إلى أنه يرفض أي تفاوض سواء كان مباشرا أو غير مباشر، قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، مشددا على أن الملف اللبناني مرتبط بالتوازنات الإقليمية، لا سيما مع سوريا وإسرائيل.

ويلفت حيدر إلى أن لبنان يواجه اليوم ضغوطا أميركية متواصلة في ظل تصعيد إسرائيلي مستمر، مما يترك الدولة في موقف حرج بين احتمالات مواجهة عسكرية وضغوط لإضعاف حزب الله، كما أن واشنطن لا تضع الانتخابات اللبنانية على سلم أولوياتها، بل يتركز اهتمامها على الملف الأمني والتفاوض مع إسرائيل.

ويحذر من أن استمرار الضغط الأميركي الإسرائيلي على لبنان قد يؤدي إلى انفجار الوضع، خصوصا بعد إخفاق إسرائيل في الالتزام باتفاق 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، في حين يصر حزب الله على عدم تسهيل مهمة الدولة في استعادة دورها وسيادتها، وبالتالي يرفض خطة تسليم السلاح.

ويضيف حيدر أن تصريحات براك اليوم حول الجيش اللبناني تعكس رؤية واشنطن بأن المؤسسة العسكرية لم تنجز مهامها المطلوبة في الجنوب، مما يتقاطع مع مطالب إسرائيل بإقامة "منطقة عازلة كاملة" في جنوب الليطاني، في ظل دعم أميركي قد يزيد من حدة التوتر في لبنان.

أعمدة الدخان تتصاعد من قرية الجرمق بقضاء جزين، التي استهدفتها الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (الأوروبية)تهديد مباشر

من جانبه، يقول المحلل السياسي علي مطر إن تصريحات براك خطيرة للغاية، إذ تتضمن تهديدا مباشرا للدولة اللبنانية باستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية وليس لحزب الله فقط، هذا التهديد يضع لبنان عمليا في مواجهة حرب محتملة في أي وقت.

ويشير مطر، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن هذه التصريحات قد تُقرأ كجزء من محاولات الضغط على لبنان لتسريع ملف حصر السلاح، ودفع الدولة اللبنانية نحو خطوات أكثر حسما في هذا المجال.

ويضيف "مع ذلك، أكدت الدولة اللبنانية أنها قامت بكل ما يلزم، إذ تم التوافق على الخطة في 5 آب، وعلى مبادئ براك في 7 آب، كما قدم الجيش اللبناني تقريره الأول مؤخرا بشأن حصر السلاح، موضحا أن نحو 80% من هذا السلاح قد تم التعامل معه جنوب الليطاني، مع تعاون قائم بين الجيش والمقاومة".

ويستدرك مطر بأن هناك تعقيدات ميدانية وسياسية لا تزال تحول دون تحقيق الحصر الكامل، مما يتطلب حوارا مشتركا لوضع إستراتيجية دفاعية واضحة، ويشير إلى أن لبنان لم يُخل بالتزاماته، الأمر الذي يجعل التهديد الأميركي الإسرائيلي غير مبرر.

ويطرح مطر سؤالا جوهريا "لماذا يتم التعامل مع لبنان بهذا المنطق بينما لا تُلزم إسرائيل بأي التزامات؟"، لافتا إلى أن براك تحدث عن حماية أمن الحدود الإسرائيلية دون أي إشارة لأمن لبنان أو استقراره أو لمعاناة مجتمعه، ليضيف "أين الضمانات لانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المحتلة؟ وأين الضمانات لإعادة الإعمار أو وقف الانتهاكات اليومية؟".

ويشير إلى حساسية المرحلة، ويؤكد أن على الدولة اللبنانية طلب توضيحات رسمية حول تصريحات براك لما لها من أثر مباشر على الاستقرار الداخلي، خاصة مع اقتراب الانتخابات النيابية واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية واستهداف المدنيين، كما حصل مؤخرا في منطقة مصيلح ومناطق أخرى.

وزير الدفاع اللبناني: سننفذ خطة نزع سلاح حزب الله.. وقماطي يرد: لا أحد يستطيع نزع سلاحنا pic.twitter.com/4qJRhDTnPd

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) August 8, 2025

واقع جديد

في المقابل، يرى المحلل السياسي والأستاذ الجامعي علي مراد أن لبنان لا يزال يدفع ثمن الخسارة العسكرية التي مُني بها حزب الله خلال الشهرين الأخيرين من عام 2024، والتي انتهت بوقف إطلاق النار.

إعلان

ويعتبر مراد أن مسألة سلاح حزب الله باتت اليوم خارج السياق، مشيرا إلى أن هذا السلاح "انتهى بالمعنى التاريخي والإستراتيجي"، خصوصا بعد سقوط النظام السوري السابق، وتوقيع اتفاق غزة، وحدود قدرة إيران على حماية نفسها أو حلفائها.

ويضيف مراد "ما بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023) ليس كما قبله، إذ إن موازين القوى مع العدو الإسرائيلي تغيرت بصورة غير قابلة للعودة إلى الوراء، وكذلك الأمر بالنسبة لقدرة حزب الله على التكيف مع الواقع الجديد".

ويؤكد أن الأولوية الآن يجب أن تتركز على الحد من الخسائر واستثمار الهوامش المتاحة أمام الدبلوماسية اللبنانية، ومن دعم أصدقاء لبنان، ليضيف مستدركا "لكن ذلك لن يكون ممكنا طالما أن حزب الله لا يزال يرفض مبدأ تسليم السلاح".

ويشير إلى أن: طرح تسليم السلاح المشروط بانسحاب العدو ووقف الاعتداءات ووضع إستراتيجية دفاعية، أصبح غير واقعي بعد نتائج الحرب الأخيرة.

ويختتم "الدولة التي لا تتعامل بواقعية تخسر كل شيء، ولذلك يجب أن تكون الأولوية لتعويض الخسائر، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تعاون الجميع، الدولة وحزب الله، لضمان عودة أهالي الجنوب إلى قراهم بسرعة، وتأمين الشروط السياسية والأمنية والمالية اللازمة لإعادة إعمار الجنوب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات نزع سلاح حزب الله مع إسرائیل إلى أن

إقرأ أيضاً:

قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان

بيروت- قُتل شخص السبت 18 اكتوبر 2025، في غارة إسرائيلية على آلية تستخدم في البناء في جنوب لبنان، وفق ما أفادت وزارة الصحة، رغم سريان وقف معلن لإطلاق النار منذ نحو عام بين اسرائيل وحزب الله.

وقالت وزارة الصحة في بيان إن "الغارة التي شنها العدو الإسرائيلي على آلية في بلدة دير كيفا قضاء صور أدت إلى سقوط شهيد".

وكثيرا ما تستهدف الغارات الإسرائيلية أفرادا على دراجات نارية أو يستقلون سيارات أو حفارات.

ويقول جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه يستهدف في هذه الهجمات عناصر في حزب الله أو منشآت تابعة له.

من جانبها، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية بوقوع غارة بطائرة مسيرة "استهدفت بصاروخين حفارة على طريق كفردونين - ديركيفا".

والسبت الماضي، استهدفت عشر غارات، بحسب المصدر نفسه، ستة معارض للجرافات والحفارات على طريق بلدة المصيلح، ما أسفر عن تدمير 300 جرافة وآلية.

ويسري منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل إثر مواجهة دامية لمدة عام، تمّ التوصل إليه برعاية أميركية وفرنسية. وينصّ على تراجع حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني (على مسافة حوالى 30 كيلومترا من الحدود مع إسرائيل) وتفكيك بنيته العسكرية، وحصر حمل السلاح في لبنان بالأجهزة الرسمية.

وإضافة إلى الغارات المستمرة التي تشنها، أبقت إسرائيل قواتها في خمس تلال في جنوب لبنان، في حين نصّ الاتفاق على انسحابها الكامل من المناطق التي توغلت داخلها خلال الحرب.

وعلى وقع ضغوط أميركية، اتخذت الحكومة اللبنانية في آب/أغسطس قرارا بتجريد حزب الله من سلاحه.

ووضع الجيش اللبناني خطة من خمس مراحل لسحب السلاح، في خطوة سارع الحزب المدعوم من طهران الى رفضها، واصفا القرار بأنه "خطيئة".

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تدمر مواقع تابعة لحزب الله قرب الحدود اللبنانية
  • براك يحذّر لبنان من عواقب وخيمة: نزع السلاح أو الحرب
  • توم براك يحذر لبنان من احتمال مهاجمة إسرائيل إذا لم تنزع سلاح حزب الله
  • خبير استراتيجي: انتهاك إسرائيل للسيادة والأجواء اللبنانية يدفع حزب الله للتمسك بسلاحه
  • أمريكا تكشف عرضاً إلى لبنان.. براك يكشف الطريق نحو «سلام شامل» بالشرق الأوسط
  • بعد تحذيرات براك.. غارات إسرائيلية على مناطق عدة جنوبي لبنان
  • براك: أمن إسرائيل الشمالي لا يكتمل بدون معالجة الجبهة اللبنانية
  • معادلة أميركية واضحة:نزع سلاح حزب الله لا احتواؤه
  • قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان