منذ بداياتها، سعت السينما إلى تصوير ما لا يُرى بالعين المجردة من أحلام وأفكار ومشاعر وذكريات في محاولة لجعل اللامحسوس مرئيا. ومع تطور تقنيات التصوير والسرد البصري، لم تعد الأفلام تكتفي بسرد أحداث خارجية، بل انتقل التركيز إلى استكشاف ما يدور داخل العقل البشري. وهكذا باتت الكاميرا تتوغل في أعماق النفس، فنشاهد أفلاما تدور بالكامل داخل عقول أبطالها، يعيش فيها المتفرج اضطراباتهم وانفعالاتهم وتحولاتهم، لتغدو السينما في النهاية مرآة تعكس تعقيدات الفكر الإنساني ومكنوناته.

كيف ترى السينما ما لا يرى؟

من هنا بدأ المخرجون رحلة تصوير ما لا يُرى -العالم الداخلي المليء بالأفكار والمشاعر والذكريات- فظهرت أعمال أعادت تعريف مفهوم السينما في نظر الجمهور، مثل فيلم "إشراقة أبدية لعقل نظيف" (Eternal Sunshine of the Spotless Mind, 2004)، من تأليف تشارلي كوفمان المعروف بأسلوبه الفلسفي العبثي، وإخراج ميشيل جوندري، وبطولة جيم كاري وكيت وينسلت.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"فرانكنشتاين" الجديد.. هكذا أعاد ديل تورو الحياة إلى أسطورة ماري شيلي المرعبةlist 2 of 2تركيا.. 3 أفلام تتناول المأساة الفلسطينية حاضرة بمهرجان أنطاليا السينمائيend of list

يتناول الفيلم قصة رجل يحاول نسيان حبيبته من خلال محو ذكرياته عنها، لتتسلل الكاميرا إلى متاهات عقله، حيث يعيش المشاهد تجربة انحلال الصور وتلاشي الذكريات. ورغم أن البطل اختار طوعًا حذف الماضي لتجاوز ألمه، إلا أن تلك الذكريات تمثل جزءا من هويته الشخصية، ما يخلق صراعا عميقا بين الرغبة في النسيان والخوف من فقدان الذات.

ومع تراجع الذكريات إلى الوراء أثناء محوها، تتقاطع مشاهد من الطفولة وأخرى لا علاقة لها بالحبيبة، فينعكس التشوش والضياع النفسي الذي يعيشه البطل على تجربة المشاهد نفسه. ترافق هذه المشاهد موسيقى حزينة متكررة تضيف عمقا شعوريا للحظة الفقد، بينما تتلاشى الصور وتبقى المشاعر كظل باهت خلف الذاكرة، ليحس المتفرج بالفراغ دون أن يراه.

الصدمة لا تُروى ولكن تعاش

في فيلم جوكر بجزأيه، تحول الاضطراب النفسي للبطل إلى إيقاعات بصرية وصوتية وحركية، في محاولة لغمس المشاهد في تجربة الجنون، لا رؤيتها فقط، ليجد المشاهد الكاميرا تلهث مع البطل في لحظات الغضب والإهانة، ويتحول كل مشهد إلى مرآة تعكس الألم الداخلي للبطل، الذي تحول بدوره إلى قوة غاضبة قضت على المدينة بالكامل.

إعلان

لم يعبّر آرثر فليك "الجوكر" عن ألمه بالكلمات فقط، بل استطاع تصوير تأثير الصدمات المتتالية على جسد الإنسان، في توتر العضلات، واضطراب التنفس، والظهر المقوّس والكتفين المتدليين، والخطوات المترددة، والرقصات المتشنجة التي تحولت إلى وسيلة تساعد البطل على استعادة السيطرة على العالم الذي سحقه، بالإضافة إلى قدرة المخرج تود فيليبس على تصوير المعاناة عن طريق المشاهد القريبة الخانقة، والإضاءات الباهتة التي تتراوح بين الأخضر والأصفر لتضع المشاهد في قلب الضيق والاختناق الذي يشعر به البطل.

إنسيبشن.. حين تاه المشاهد بين الواقع والأحلام

في فيلم "إنسيبشن" للمخرج كريستوفر نولان، تتحول الأحلام إلى وسيلة لتفكيك المشاعر البشرية المعقدة، إذ يغوص كل مشهد أعمق داخل العقل الباطن للبطل، كاشفا عن طبقاته المليئة بالذنب والفقد والحنين الذي يحاول الهروب منه. تظهر الإشارات البصرية بذكاء لتجسّد تلك الحالات النفسية؛ فالمدينة التي تلتف حول نفسها تمثل عقلا مهووسا بتكرار الذكريات، بينما يرمز مشهد المصعد الهابط طابقا بعد آخر إلى الانغماس التدريجي في طبقات الوعي، حيث يصبح الحنين إلى الزوجة والشعور بالذنب محورا لبناء عالم ينهار كما ينهار صاحبه من الداخل.

في هذا الفيلم، بدا اللاوعي ملموسا وواقعيا بفضل معالجات نولان البصرية التي ألغت الحدود بين الحلم واليقظة، حتى اختلط الأمر على المشاهد نفسه. وقد استخدم المخرج المؤثرات البصرية والصوتية بطريقة جعلت التجربة شبه سريالية؛ مثل التصوير البطيء، والزوايا المشوّهة، والانتقالات التدريجية بين طبقات الحلم، مما جعل المتفرج يعيش داخل لاوعي الشخصيات.

أما المشهد الأيقوني في الردهة الدوّارة، فلم يكن مجرد عرضٍ بصري مدهش، بل استعارة بصرية لصراع الشخصيات مع الواقع ومحاولتها التمسك به في مواجهة الانهيار الداخلي. ويُبرز هذا المشهد تحديدا قدرة نولان على دمج التقنية بالرمز لاستكشاف طبيعة الإدراك والوعي الإنساني.

ولا يمكن إغفال الدور الحاسم لموسيقى هانز زيمر، التي جسّدت مشاعر البطل وأفكاره في لحن واحد متكرر يتسارع أو يتباطأ تبعا لشدة الإحساس، وكأن النغمة نفسها تعبر داخل عقل وقلب البطل قبل أن تصل إلى أذن المشاهد، لتصبح الموسيقى امتدادا للوعي واللاوعي في آن واحد

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

غضب مصري بعد لجوء البطل الأولمبي كيشو إلى أمريكا.. هكذا رد

علقت وزارة الشباب والرياضة المصرية على واقعة سفر لاعب المصارعة حائز الميدالية البرونزية في أولمبياد طوكيو 2021 محمد إبراهيم كيشو، إلى الولايات المتحدة وسعيه لطلب الجنسية، معلنة عن إجراءات عاجلة لإيقاف محاولات تجنيس الرياضيين المصريين، والتي قالت إنها "تتم من جهات خارجية عبر استقطاب غير مشروع لبعض اللاعبين".

وقالت الوزارة في بيان: "إن هذه الممارسات أثارت استياء واسعا داخل الأوساط الرياضية المصرية والإفريقية، لما تمثله من انتهاك صارخ للقيم الأولمبية، ومخالفة للقوانين المنظمة لانتقال الرياضيين بين الدول، فضلا عن كونها شكلا من أشكال الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر عبر استغلال الظروف الاجتماعية لبعض الأبطال الشباب".



ووفق البيان، وجّه وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي، بمتابعة الملف على أعلى مستوى بالتنسيق مع جميع المؤسسات الرياضية القارية والدولية والأولمبية، وأشار البيان إلى البدء في التنسيق مع اللجنة الأولمبية المصرية والاتحاد المصري للمصارعة والكونفدرالية الإفريقية للمصارعة والاتحاد الدولي للعبة، حيث تم اتخاذ عدة خطوات رسمية تضمنت مخاطبة رسمية من الكونفدرالية الإفريقية للمصارعة إلى الاتحاد الدولي للعبة والاتحادات الوطنية المعنية، لوقف أية محاولات تجنيس غير قانونية للاعبين المصريين.

كما تضمنت الإجراءات المصرية وفق البيان، "التأكيد على احترام سيادة الدولة المصرية وحقها في الحفاظ على أبنائها الرياضيين الذين يمثلون مصر في المحافل الدولية"، وكذلك "إدراج القضية على طاولة النقاش بالاتحاد الدولي للمصارعة لضمان اتخاذ إجراءات رادعة بحق أي جهة أو أفراد يثبت تورطهم في عمليات تغرير أو استقطاب خارج الأطر القانونية".

وأشادت الوزارة بالتحرك الإفريقي الموحد الذي يقوده رئيس الكونفدرالية الإفريقية ونائب رئيس الاتحاد الدولي فؤاد مسكوت، والذي أكد رفض القارة الإفريقية لأي ممارسات تمس نزاهة الرياضة أو كرامة اللاعبين، وأكدت وزارة الشباب والرياضة أن الدولة المصرية تتعامل بحزم مع أية محاولات للمساس بحقوق شبابها أو العبث بانتمائهم الوطني، وتضع حماية أبنائها في مقدمة أولوياتها.



ودعت الوزارة بجميع الاتحادات الرياضية المحلية والدولية التعاون الكامل لمنع تكرار مثل هذه الوقائع التي تمثل خطرا أخلاقيا وإنسانيا على مستقبل الرياضة العالمية، كما أكدت "الحرص على رعاية الأبطال الرياضيين في مختلف اللعبات الرياضية وانفتاحها للتدخل الفوري لحل أية مشكلات أو عقبات والعمل على تذليل جميع المتطلبات على جميع المستويات الفنية والإدارية والمالية واللوجستية

وأثارت قضية اللاعب كيشو الجدل في الأوساط الرياضية المصرية خلال الأيام الأخيرة، بعدما كشف لوسائل إعلام مصرية أنه اضطر للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لعدم وجود أي اهتمام أو رعاية.

أول تعليق لـ كيشو
أكد  محمد إبراهيم كيشو، لاعب المصارعة وصاحب برونزية أوليمبياد طوكيو 2021، أن اللاعبين يُحمّلون دائمًا مسئولية الأخطاء الإدارية ومشكلات الاتحادات الرياضية، رغم أن من حق أي لاعب أن تتوفر له الظروف المناسبة لتطوير مستواه كما يحدث في مختلف دول العالم، معقبًا: "اللاعب الذي يرفع علم بلاده يجب أن يحظى بدعم متواصل بعد الإنجازات الكبرى، لا أن يُترك دون اهتمام أو خطة لتأهيله".

وقال محمد إبراهيم كيشو، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية كريمة عوض، ببرنامج "حديث القاهرة"، المٌذاع عبر قناة "القاهرة والناس"، إن ما يواجهه الأبطال الرياضيون في مصر هو التجاهل وعدم التقدير، لافتًا إلى أنه رغم تحقيقه إنجازات رياضية كبيرة على المستويين المحلي والدولي، من بينها بطولة العالم خمس مرات وبطولة إفريقيا ثلاث عشرة مرة، إلا أنه لا يشعر بوجود أي استمرارية أو خطة واضحة لتحسين الوضع الاجتماعي أو تطوير اللاعبين.



أبطال مصر تحملوا ظروفًا صعبة
وأوضح أنه بعد حصوله على الميدالية الأوليمبية، لم تتم تهيئته أو منحه حياة كريمة، لافتًا إلى أن راتبه يأتي فقط من الرعاة، بينما لا يتلقى أي دعم أو راتب شهري من الاتحاد، معقبًا: "أنا أتحمل كل المصاريف الخاصة بي، والرعاة هم من يتكفلون بكل شيء، من انتقالات وسفر". 

وأشار إلى أن أبطال مصر تحملوا ظروفًا صعبة وظلوا يعملون ويشاركون دون أي مقابل مادي، لافتًا إلى أنه طالب مرارًا بتحسين أوضاعه المعيشية، لكن الرد من الاتحاد ووزارة الرياضة كان دائمًا عبارة عن مسكنات أو مبررات تتعلق بعدم وجود ميزانية.

وحول ما أثير بشأن انتقاله للعب باسم دولة أخرى، قال إن إجراءات اللعب باسم الولايات المتحدة لم تنته بعد، وأنه غير مقيد حتى الآن على قائمة لاعبي أمريكا، مؤكدًا أن رفع علم غير علم مصر أمر صعب عليه نفسيًا ووطنيا، معقبًا: "أنا بقالي 12 سنة برفع علم مصر في الخارج، وصعب جدًا أرفع علم بلد تانية، بحب بلدي ووطني، وعمري ما كنت أتمنى أكون في الموقف ده". 

كيشو ليس الأول
انضم كيشو إلى قائمة من الأبطال المصريين الذين غادروا البلاد لتمثيل دول أخرى، مثل إبراهيم غانم (الونش) ومحمد عصام السيد وأحمد فؤاد بغدودة، في حين اضطر آخرون إلى الاعتزال بسبب الإصابات المزمنة.

وبحسب الميثاق الأولمبي، يُطلب من الرياضيين الراغبين في تمثيل دولة جديدة الانتظار 3 سنوات من آخر مشاركة لهم مع بلدهم الأصلي، إلا أنه يمكن تقليص هذه المدة بموافقة اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي للعبة.

مقالات مشابهة

  • خبيرة تكشف أسرار الأحلام والطاقة الخفية: رسائل من السماء ورموز للرزق
  • سونيا الحبال تكشف أنواع الأحلام وأسرار الطاقة الخفية.. فيديو
  • الـوداع…
  • نائب:حقوق الإنسان في العراق مفقودة
  • في ذكرى رحيل نعيمة الصغير.. «الكتعة» التي تركت بصمة في ذاكرة السينما المصرية
  • الدكتور عيسى الصرايرة… الطبيب الإنسان الذي يزرع الثقة قبل العلاج
  • "أسلحة".. الفيلم الذي فاجأ الجميع وأصبح المفضل لعام 2025
  • Black Phone 2 يتصدر شباك التذاكر في أمريكا| 24 مليون دولار في أول عطلة عرض
  • غضب مصري بعد لجوء البطل الأولمبي كيشو إلى أمريكا.. هكذا رد