عودة Fortnite إلى Google Play تُنهي سنوات الصراع القانوني مع عمالقة المتاجر
تاريخ النشر: 14th, December 2025 GMT
بعد سنوات طويلة من المعارك القضائية التي شغلت صناعة الألعاب والتكنولوجيا على حد سواء، أعلنت شركة Epic Games عن عودة لعبتها الشهيرة Fortnite إلى متجر Google Play على الهواتف الذكية في الولايات المتحدة، في خطوة تُعد علامة فارقة تُشير إلى اقتراب نهاية واحدة من أشهر قضايا مكافحة الاحتكار في عالم التطبيقات.
عودة Fortnite إلى أجهزة Android عبر المتجر الرسمي لجوجل تعني أن اللعبة باتت متاحة مجددًا على جميع المنصات الرئيسية تقريبًا، بعد غياب دام خمس سنوات عن متاجر الهواتف بسبب الخلافات القانونية حول سياسات الدفع والعمولات المفروضة على المطورين. وبالنسبة لملايين اللاعبين، تمثل هذه الخطوة عودة طبيعية للعبة لم تغب يومًا عن الذاكرة، لكنها غابت قسرًا عن منصات أساسية في سوق الهواتف الذكية.
تعود جذور الأزمة إلى عام 2020، عندما قررت Epic Games تحدي القواعد المفروضة من شركتي Apple وGoogle على أنظمة الدفع داخل التطبيقات. في ذلك الوقت، أقدمت Epic على إدخال نظام دفع خاص بها داخل Fortnite، ما أدى إلى إزالة اللعبة فورًا من متجري App Store وGoogle Play. وردًا على ذلك، رفعت Epic دعاوى قضائية ضد الشركتين، متهمة إياهما بممارسات احتكارية تُقيّد المنافسة وتُرهق المطورين برسوم مرتفعة.
ورغم أن المعركة القانونية بدت في بدايتها غير متكافئة، فإن Epic Games نجحت تدريجيًا في تحقيق مكاسب مهمة. ففي نوفمبر الماضي، توصلت الشركة إلى تسوية بارزة مع Google، تضمنت تعديلات جوهرية على الأمر القضائي الذي أصدره القاضي الأمريكي جيمس دوناتو. هذا الأمر أعاد رسم ملامح العلاقة بين Google والمطورين، خاصة فيما يتعلق بالرسوم المفروضة على عمليات الشراء داخل التطبيقات، وإتاحة أنظمة فوترة ودفع خارجية دون قيود صارمة.
وبموجب هذه التفاهمات الجديدة، أصبح الطريق ممهّدًا لعودة Fortnite إلى Google Play في الولايات المتحدة، لتكون هذه الخطوة بمثابة تتويج عملي لسنوات من النزاع القضائي. كما أنها ترسل رسالة واضحة إلى سوق التطبيقات مفادها أن قواعد اللعبة القديمة لم تعد مطلقة كما كانت في السابق.
القصة لم تتوقف عند Google فقط. ففي مواجهة موازية مع Apple، حققت Epic أيضًا انتصارًا قانونيًا مهمًا. ففي مايو الماضي، أصدرت القاضية الأمريكية إيفون غونزاليس روجرز حكمًا يُلزم Apple بالتوقف عن فرض عمولات على المشتريات التي تتم خارج متجر App Store. ورغم أن Apple أبدت في البداية بعض التردد في تنفيذ القرار، فإن Fortnite عادت أخيرًا إلى نظام iOS في الولايات المتحدة بعد بضعة أسابيع، منهية بذلك واحدة من أطول فترات الغياب القسري للعبة على هواتف آيفون.
عودة Fortnite إلى متاجر الهواتف لا تُعد مجرد خبر سار للاعبين، بل تمثل أيضًا تحولًا أوسع في صناعة التطبيقات. فالقضية التي بدأت بلعبة واحدة، فتحت الباب أمام نقاش عالمي حول عدالة سياسات المتاجر الرقمية، وحدود سيطرة الشركات الكبرى على منظومات الدفع والتوزيع. كما شجعت مطورين آخرين على المطالبة بمزيد من الحرية والشفافية في التعامل مع منصات النشر.
من الناحية العملية، تعني هذه العودة أن مستخدمي Android في الولايات المتحدة بات بإمكانهم تحميل Fortnite مباشرة من Google Play دون الحاجة إلى حلول بديلة أو تثبيت يدوي. أما Epic Games، فقد خرجت من هذه المعركة وقد عززت صورتها كشركة مستعدة لمواجهة عمالقة التكنولوجيا دفاعًا عن رؤيتها لسوق أكثر انفتاحًا.
ورغم أن بعض تفاصيل النزاعات القانونية لا تزال محل نقاش أو استئناف، فإن عودة Fortnite إلى Google Play وiOS تُشير بوضوح إلى أن المرحلة الأكثر توترًا في هذا الصراع قد انتهت. ومعها، تبدأ مرحلة جديدة قد تُعيد تشكيل علاقة المطورين بمتاجر التطبيقات، وتفرض واقعًا أكثر مرونة وتوازنًا في عالم الألعاب والتكنولوجيا.
في النهاية، لا يمكن فصل عودة Fortnite عن سياقها القانوني الواسع. فهي ليست مجرد لعبة تعود إلى متجر، بل قصة صراع طويل بين الابتكار والاحتكار، انتهت – على الأقل في هذه الجولة – بانتصار جزئي للمطورين، وبنفس جديد لصناعة الألعاب على الهواتف الذكية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة Google Play
إقرأ أيضاً:
سقوط هجليج
لم يكن سقوط مدينة هجليج النفطية على يد قوات الدعم السريع حدثًا عابرًا يمكن طيه في دفاتر الصراع السوداني المتشابك؛ بل كان لحظة مفصلية تحمل في طياتها انهيارات نفسية وسياسية واقتصادية عميقة. فهجليج ليست مجرد مدينة حدودية، بل إحدى أخطر النقاط الاستراتيجية في السودان، موقعًا وثروةً ورمزًا. حيث تُعد هجليج الواقعة غرب ولاية كردفان السودانية واحدة من أهم مناطق الإنتاج في البلاد، إذ تضم ٧٥ حقلًا نفطيًا. كما تحتوي على المحطة الرئيسية لمعالجة نفط جنوب السودان ومحطة الضخ الأساسية. ولذلك، فإن سقوطها جاء كصدمة أعادت تشكيل المشهد الداخلي بكامله، وكشفت حجم التصدعات التي باتت تهدد ما تبقى من بنية الدولة.
أول التداعيات كان نفسيًا وشعوريًا. فقد رأى السودانيون في مشهد سقوط مدينة نفطية بهذا الوزن إعلانًا مؤلمًا عن هشاشة الدولة، وفقدانها السيطرة على واحد من أهم مواردها الاقتصادية والنفطية. أصبح السؤال الذي يتردد في وجدان الناس: إذا سقطت هجليج، فماذا تبقى قابلًا للصمود؟ هذا الشعور بالفقد عزز الإحساس العام بالقلق، ورسّخ الاعتقاد أن الصراع لم يعد مجرد تنازع على السلطة، بل انتقل إلى تهديد مباشر لبنية الدولة ومواردها الحيوية.
اقتصاديًا، كان السقوط كارثيًا. فهجليج تمثل واحدًا من أكبر مصادر إنتاج النفط في السودان، وعليه فإن تراجع السيطرة عليها يهدد الإيرادات العامة، ويعمّق الانهيار الاقتصادي الذي ضرب البلاد منذ سنوات. لم يعد النفط مجرد مورد، بل طوق نجاة كانت الدولة تتشبث به وسط عواصف الصراعات والتضخم والانهيار المالي. ومع فقدانه، دخلت البلاد في مرحلة جديدة من الارتباك الاقتصادي، حيث تزداد الحاجة إلى موارد غير متاحة، ويتفاقم الضغط الشعبي على حكومة منهكة أصلًا.
أما سياسيًا، فقد أحدث السقوط هزة عميقة. فتمكن الدعم السريع من السيطرة على مدينة بهذا الثقل أظهر الحجم الحقيقي للقوة التي باتت تمتلكها هذه الجماعة المسلحة، وعمّق الانقسام بين مكوّنات السلطة الشرعية والقوى العسكرية المتصارعة. كما أعاد تشكيل التحالفات الداخلية والإقليمية، إذ تحركت القوى الدولية والإقليمية لتعيد تقييم مواقفها في ضوء التحولات العسكرية على الأرض. سقوط هجليج لم يكن انتصارًا تكتيكيًا لطرف، بل تحولًا استراتيجيًا يعيد رسم موازين القوى داخل السودان.
إن أخطر ما كشفه الحدث هو أن الصراع في السودان لم يعد يدور حول العاصمة أو المدن الكبرى فقط، بل بات يستهدف شرايين الدولة الاقتصادية. سقوط هجليج كان تحذيرًا بأن الحرب لم تعد تهدد المواطنين وحدهم، بل تهدد البنية التي يقوم عليها الوطن ذاته. هو سقوط لمورد، ولسيادة، ولمعنى السيطرة، قبل أن يكون سقوطًا جغرافيًا.
وفي النهاية، يمكن القول إن تداعيات سقوط هجليج ستظل طويلة الأمد، لأنها لم تضعف الدولة فحسب، بل أعادت تعريف حدود قوتها وحدود ضعفها.