جددت جبهة البوليساريو، أمس الاثنين، تأكيدها على تمسّكها بمبدأ حقّ الشعب الصحراوي في تقرير المصير، ورفضها لأي مقاربة تفاوضية “تضع إطاراً مسبقاً أو تستبق نتائجها أو تُقيِّد ممارسة الشعب الصحراوي لحقه”.

جاء ذلك في بيان صدر تزامناً مع استمرار مشاورات مجلس الأمن الدولي حول مشروع القرار الأمريكي المتعلق ببعثة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء (المينورسو).



وقالت البوليساريو في بيانها إنها تتابع عن كثب المشاورات الجارية بشأن مشروع القرار الذي عمّمته البعثة الدائمة للولايات المتحدة الأمريكية في 22 أكتوبر على أعضاء مجلس الأمن بصفتها “حاملة القلم” في هذا الملف، مشيرة إلى أنها كانت قد بعثت برسالة إلى رئيس مجلس الأمن بتاريخ 23 أكتوبر توضح فيها موقفها من المشروع.

وأكدت الجبهة أنها لن تشارك في أي عملية سياسية أو مفاوضات تستند إلى مقترحات، بغضّ النظر عن مصدرها، "تهدف إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال العسكري المغربي غير الشرعي للصحراء الغربية وحرمان الشعب الصحراوي من حقه غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير المصير والسيادة على وطنه".

وشدّدت البوليساريو على أن السلام العادل والدائم في المنطقة "لا يمكن أن يتحقّق من خلال مكافأة سياسة التوسّع والاستيلاء على الأراضي بالقوة، بل عبر الدفاع عن المبادئ الأساسية للقانون الدولي"، داعية أعضاء مجلس الأمن إلى استخدام نفوذهم بشكل بناء لتهيئة الظروف للطرفين (البوليساريو والمغرب) للانخراط في "مفاوضات جادة وذات مصداقية ومحددة زمناً، دون شروط مسبقة وبحسن نية، تحت رعاية الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين ويكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره" وفق مبادئ ومقاصد الميثاق والقرارات ذات الصلة.

وأشارت الجبهة إلى أنها كانت قد قدّمت يوم 20 أكتوبر الجاري مقترحاً موسّعاً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في خطوة وصفتها بأنها “بادرة حسن نية” واستجابة لقرارات مجلس الأمن، مؤكّدة استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع الطرف الآخر ما دامت هناك “إرادة سياسية حقيقية للانخراط بنفس الروح والابتعاد عن الحلول القائمة على الوضع الراهن والمفروضة من جانب واحد، والتي لن تؤدي إلا إلى مزيد من التوتر وتعريض السلام والأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها للخطر”.

المبادرة الأمريكية لتسوية الخلاف المغربي ـ الجزائري

في سياق التوتر القائم بين المغرب والجزائر بشأن ملف الصحراء، برزت مبادرة أمريكية نشطة ترمي إلى تقريب وجهات النظر بين البلدين، ومحاولة لربط تسوية الملف بمنظومة أوسع تشمل العلاقة بين الرباط والجزائر. فقد أعلن المبعوث الأمريكي الخاص أن بلاده تعمل على إبرام "اتفاق سلام" بين المغرب والجزائر خلال أشهر قادمة، رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ 2021.

وترى واشنطن أن تصفية هذا الجانب من الخلاف ـ أو على الأقل تخفيفه ـ من شأنه أن يمهّد الطريق لتسوية ملف الصحراء الغربية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها داخل المنطقة، وتقليل حدة التنافس الجزائري-المغربي وانعكاساته الأمنية والاقتصادية في شمال إفريقيا.

كما يُنظر إلى أن التقدّم الأمريكي يأتي في سياق إعادة ترتيب المصالح الأميركية في المنطقة، بما في ذلك دعم الاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمغرب، وتشجيع الربط بين الملف الاقتصادي (المغرب كمحور استثماري) والملف السياسي.

غير أن هذه المبادرة الأمريكية تُظهِر أيضاً أن واشنطن لا تضعّ بالضرورة تنفيذ حق تقرير المصير بمعزل عن الأبعاد الإقليمية والعلاقات بين الدول المجاورة، وهو ما يثير قلقاً في صفوف البوليساريو والدول الداعمة لها حول احتمال أن يُستخدم حل الملف في إطار معادلات أوسع وليس بالضرورة على أساس تلك الحقوق التي تطالب بها الحركة.

موقف الأمم المتحدة ودعم خيار الحكم الذاتي المغربي

من جهة أخرى، تشير وثائق الأمم المتحدة إلى تحول تدريجي في خطاب بعض الأعضاء والهيئات الدولية تجاه ما يُعرَف بخيار الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب عام 2007 كإطار لتسوية ملف الصحراء الغربية. فمثلاً في جلسة اللجنة الأممية الخاصة بتصفية الاستعمار، ورد أن “خطة المغرب للحكم الذاتي (…) تقدّم طريقاً واقعياً ومتوازناً ومُكرَّماً” لبلورة حل للنزاع.

كما ترى الأمم المتحدة أن قضية الصحراء الغربية لا تزال تندرج في إطار "أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي" منذ 1963، مما يُبقي على التزامات للأمم المتحدة تجاه الشعوب المعنِيّة بمبدأ تقرير المصير.

لكن الكثير من التحليلات تقول إن دعم خيار الحكم الذاتي "ضمن سيادة المغرب" أصبح يحظى بقبول أكبر لدى بعض الدول الكبرى، وأن هذا الواقع يضع البوليساريو والجزائر أمام مفارقة: إما القبول بمسار تفاوضي جديد يرتكز على الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب، أو مواجهة تراجع تدرّجي في الدعم الدولي لخيار الاستقلال الكامل.

ويُلاحَظ أن هذه الديناميكية تُشكّل ضغطاً على أطراف النزاع: فالبوليساريو ترى أن أي حل لا يُلبّي حق الاستقلال يشكّل تنازلاً مرفوضاً، في حين المغرب يستخدم زخم الاعترافات الدولية لخيار الحكم الذاتي لدفع أجندته الخاصة وتسريع تسوية النزاع ضمن رؤيته.

تحذير من تداعيات التدخل الأمريكي

وفي تصريحات خاصة لـ"عربي21"، حذّر القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، علي بلحاج، من تداعيات ما وصفه بـ"التدخل الأمريكي المباشر" في الخلاف القائم بين الجزائر والمغرب حول ملف الصحراء الغربية، معتبراً أن القضية يجب أن تبقى في الإطار العربي والإسلامي بعيداً عن أجندات القوى الدولية.

وقال بلحاج إن "الخلاف بين الأنظمة العربية يجب أن يُحل عربياً وإسلامياً عبر الحوار الصادق والنية الحسنة، لا من خلال وساطات غربية أو ضغوط أجنبية تخدم مصالحها الخاصة".

وأضاف أن "شعوب المنطقة لا علاقة لها بهذا الخلاف السياسي الذي صُنع في أروقة الأنظمة"، محذراً من أن "استمرار التصعيد والتجاذب حول ملف الصحراء لن يدفع ثمنه إلا الشعوب المغاربية، التي تتطلع إلى الوحدة والتكامل لا إلى الانقسام والخصام".


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الصحراء المغربي الجزائري المغرب الجزائر الصحراء خلافات المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الصحراء الغربیة الأمم المتحدة تقریر المصیر الحکم الذاتی ملف الصحراء مجلس الأمن

إقرأ أيضاً:

واشنطن تمنح نتنياهو مساحة للمماطلة.. ملامح المرحلة المقبلة في خطة ترامب للمنطقة

التطورات الأخيرة في المنطقة، تشير إلى تزايد التعقيدات في مسار اتفاق غزة، وسط اتهامات متصاعدة للولايات المتحدة بأنها تسمح لإسرائيل بتجاوز الالتزامات المتفق عليها في شرم الشيخ. 

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه التوقعات بشأن المرحلة المقبلة من خطة ترامب السياسية في المنطقة، تتكشف معالم جديدة حول مدى تأثير التساهل الأمريكي على سلوك الحكومة الإسرائيلية، وما قد يعنيه ذلك لمستقبل غزة والاستقرار الإقليمي. 

وفي هذا الصدد، قال الدكتور جهاد أبو لحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطينية، إن سمحت واشنطن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، مستغلا أزمة جثامين الرهائن كذريعة للتنصل من الالتزامات التي جرى التوافق عليها خلال اجتماعات شرم الشيخ. 

وأضاف أبو لحية لـ "صدى البلد": يبدو أن نتنياهو حصل على وقت إضافي يتيح له المماطلة وتحقيق مكاسب سياسية داخلية، بينما يستمر سكان غزة في مواجهة الإجراءات اليومية التي يفرضها الاحتلال وما تخلفه من معاناة متواصلة.

وأشار أبو لحية، إلى أن قطاع غزة يشهد خروقات إسرائيلية يومية تتناقض بشكل صارخ مع ما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ، سواء فيما يتعلق بوقف الانتهاكات أو الالتزام بالإجراءات الإنسانية المفروضة.

وتابع: “ورغم أن فتح معبر رفح يعد جزءا أساسيا من المرحلة الأولى للاتفاق، لا تزال إسرائيل تمتنع عن فتحه سواء لخروج الفلسطينيين أو لعودة العالقين في الخارج، في تحد مباشر لبنود التفاهمات”.

واختتم: "وتكشف المخاوف الفلسطينية التي كانت حاضرة منذ اللحظة الأولى لإنشاء  الخط داخل القطاع، خشية من تحوله من إجراء مؤقت إلى واقع دائم، وهو ما تعززه عمليات النسف اليومية التي ينفذها جيش الاحتلال داخل المنطقة الصفراء، في مؤشر واضح على رغبة إسرائيل بفرض سيطرة طويلة الأمد".

تركيا تعلن جاهزيتها لانتشار شرطي محتمل مع قوة دولية في غزةتركيا تعلن جاهزيتها لنشر 2000 جندي في غزة

واختتم: "وتؤكد التقديرات أن المرحلة المقبلة مرهونة بالكامل بمدى قدرة الولايات المتحدة على ممارسة ضغط فعلي على إسرائيل لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح والبدء في الانسحاب إلى "الخط الأحمر" كما نص الاتفاق، ويحذر مسؤولون من أن أي تهاون أمريكي في هذا الملف قد يؤدي إلى تقويض فرص التهدئة وإطالة أمد التوتر في قطاع غزة، مما يهدد بإشعال المزيد من الاضطرابات في المنطقة".

الخارجية: أهمية تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لعودة السلطة لقطاع غزةوزير الخارجية يؤكد أهمية سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة طباعة شارك غزة ترامب دونالد ترامب القضية الفلسطينية الرئيس الأمريكي

مقالات مشابهة

  • إجلاء عشرات آلاف السكان جراء فيضانات في الولايات المتحدة وكندا
  • واشنطن تلمّح إلى دور ميداني للجيش التركي في قطاع غزة
  • حقيقة الأهداف الأميركية في سوريا
  • الرئاسة الفلسطينية: التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية سيشعل المنطقة
  • الرئاسة الفلسطينية تدين إعلان إسرائيل بناء 764 وحدة استيطانية جديدة بالضفة الغربية
  • وزارة الصحة والأمم المتحدة يعلنان اعتماد سياسة وطنية جديدة
  • واشنطن تمنح نتنياهو مساحة للمماطلة.. ملامح المرحلة المقبلة في خطة ترامب للمنطقة
  • معرض فوتوغرافي يسلط الضوء على 70 عامًا من شراكة الأردن والأمم المتحدة
  • الاحتلال ينسف مباني بغزة والأمم المتحدة ترفض تصريحات زامير
  • اعتداءات المستوطنين تهدد الاقتصاد المحلي في الضفة الغربية