ماريان جرجس تكتب: "بريكس بلس" وقبلة حياة لأفريقيا
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
تتغير أوراق اللعبة السياسية وملامح الاقتصاد العالمي وهي سمة تاريخ البشرية ، أن تصعد تحالفات وأن تسقط تكتلات، وكان تجمع البريكس في بادئ الأمر لا يضم سوى أربع دول وهي البرازيل وروسيا والصين والهند ثم انضمت جنوب إفريقيا فأصبح بهذا الاسم ، وأمام أزمة الدولار الجامحة أصبح ذلك التحالف الاقتصادي بارقة أمل أمام الاقتصاد العالمي لمواجهة أمواج الدولار العاتية فدول البريكس تمثل 25 % من التجارة العالمية .
وبانضمام 6 دول من ضمنها مصر إلى تجمع البريكس ليصبح " بريكس بلس" وهم الأكثر دول استقرارًا ولا يوجد بها نزاعات ، يزداد ثقل ذلك التحالف الاقتصادي مع كثير من الطموحات لتحجيم هيمنة الدولار وإصدار عملة موحدة لذلك التحالف .
ينظر الجميع إلى المكاسب الاقتصادية نتيجة انضمام مصر وغيرها إلى بريكس وهي مكاسب بالفعل ستزيد من حجم التبادل التجاري وتزيل العقبات أمامها و حجم الصفقات ، الخ.. وهي الفائدة المباشرة للاقتصاد المصري ولكن هناك فؤائد غير مباشرة من ذلك الانضمام ، ألا وهي دعم الاقتصاد المصري ودعم أفريقيا من خلال الاستفادة منه كبوابة للدخول إلى القارة الأفريقية وهو ما يكلل جهود مصر طيلة السنوات الماضية تجاه القارة الأم ، والتي سعت من خلالها تحقيق التنمية في تلك القارة بمساعٍ دولية وجهود حثيثة ولكن الفرق كبير بين أن تكون مصر بوابة إفريقيا الاقتصادية بدون البركس وأن تكون بوابتها وهي عضو دائم في تكتل هام مثل " بريكس بلس" والذي بات يمثل 46 % من سكان الأرض ، ولعل ذلك يكون فرصة وطموح لكثير من الأحلام الإفريقية التي أُسدل عليها الستار و طمسها التراب .
فكثير من المشاريع العملاقة داخل إفريقيا كانت لازالت قيد التحقيق لا التنفيذ وذلك بسبب هيمنة الغرب الذي جعلها في قائمة انتظار طويلة للتمويل اللازم لتحقيقها وكان هناك من أثار وتحدث عن تلك المشاريع العملاقة وهي مشاريع تخدم البشرية أجمع بل مشاريع ممتازة تستحق التمويل المالي والدعم الفني وقد يكون أكبر تلك المشاريع المعُطلة ؛ السور الأخضر الكبير أو العظيم والذي يمتد من السنغال إلى جيبوتي لوقف ظاهرة التصحر وهو مشروع يقوده الاتحاد الإفريقي وكان فكرة من الخمسينات كجبهة خضراء تحتوى الصحراء ويهدف إلى استعادة 100 مليون هكتار من الاراضى المتدهورة بحلول 2030 وهو واحد من المشاريع الهامة في درء أثار المنُاخ السلبية.
يأتي المشروع العملاق الثاني في إفريقيا وهو الاستفادة من مياه نهر الكونغو ورفع الفيتو الغربي عنها وطموح القارة في الاستفادة من تدفع ذلك النهر العظيم في بناء سدود كهرومائية لتوليد الكهرباء والاستفادة منه عوضا من هدر مياهه في المحيط الأطلسي.
إن وجود مصر في بريكس بلس لا يحمل في ثناياه أحلاما مصرية فحسب بل أحلاما أفريقية اقتصادية وبثقل تواجدها يحقق أحلامها التنموية أيضًا .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: بریکس بلس
إقرأ أيضاً:
د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا
نعيب زماننا والعيب فينا.. جملة تبدو للوهلة الأولى شكوى عابرة، لكنها في الحقيقة مفتاح لفهم الكثير من الفوضى التي نعيشها. نحن نميل دائمًا لأن نُخرج أنفسنا من دائرة المسؤولية، فنلوم الزمن والناس والظروف، ونتجاهل أن كثيرًا مما نُعاتب عليه الأيام هو في الأصل صدى لقرارات صنعناها نحن، ولمواقف سكتنا عنها، ولوجوه عرفنا زيفها ولم نواجهها.
ومن أكثر ما نشكو منه اليوم هو النفاق… ذلك الوجه الذي يتلوّن كالماء، ينساب في كل اتجاه، ويبحث عن المنافع لا عن المبادئ. نراه في بعض المكاتب، في العلاقات، في المجاملات، وفي المواقف التي تتبدّل بسرعة البرق. نرى من يبتسم اليوم لمن كان بالأمس موضع سخرية، ومن يرفع راية الولاء لمن تولّى فقط لأن "المشهد تغيّر". ونسمع دائمًا ما يشبه المسرحية القديمة: "عاش الملك… مات الملك".
مواقف تتغير لا بدافع فهم جديد، ولا ضوء ظهر، بل بدافع المصلحة الخالصة، التي ما إن تتبدّل حتى يتبدّل معها وجه أصحابها.
والأغرب… أن كثيرًا ممن يمارسون هذا التلوّن هم أوّل من يهاجم النفاق في كلامهم! ينتقدونه في المجالس، ويشجبونه في أحاديثهم، وكأنهم غير معنيين به، وكأن العيب في الزمن نفسه لا فيهم.
لكن…ورغم هذا كله، ورغم ضجيج الوجوه المتعددة، فإن الخير لم يغِب. الخير ما زال موجودًا، يلمع في النفوس التي لم يفسدها التقلّب، وفي القلوب التي ترفض الكذب مهما كان مغريًا، وفي الذين لا يغيرون مبادئهم بتغيّر الناس. الخير ما زال في أمة محمد ﷺ، باقٍ كما وعد الله ورسوله، حتى وإن خفتَ صوته أمام ضوضاء المصالح.
هناك من يختار الثبات، حتى لو سار وحده. هناك من يرفض أن يقف مع "الناس الخطأ" حتى لو كان صفهم أطول. هناك من يعرف أن الحق أحيانًا يحتاج إلى من يحمله، لا إلى من يُصفّق له.
ونحن حين نلوم الزمن، ننسى أن الزمن لا فعل له… الزمن لا يتآمر، ولا يخطط، ولا يتلوّن. الناس هي التي تتغير، والقلوب هي التي تنقلب، والمواقف هي التي تضعف أو تقوى.
وما الزمن إلا مرآة… تعيد لنا ما وضعناه أمامها.
ولو امتلك كل واحد منا شجاعة الاعتراف، لبدأ التغيير من أقرب نقطة: من الداخل. من تلك المساحة التي لا يراها أحد إلا الله والضمير.
حينها نكتشف أن كثيرًا مما نشتكي منه اليوم ليس خطأ الدنيا، بل خطأ التهاون، وخطأ الصمت، وخطأ المجاملة في مواقف كان يجب أن نقول فيها "لا". ونكتشف أيضًا… أن الخير أقوى مما نظن، لكنه فقط أقل صخبًا.
ولأن الصدق لا يعلو صوته، لكنه لا يسقط… يبقى أثره، ويبقى معه وعدٌ جميل بأن الحق لا يضيع ما دام له أهل يحملونه.
وفي النهاية، لا توجد كلمات تختم هذه الحقيقة أجمل من أبيات الإمام الشافعي التي صاغ بها خلاصة الحكمة كلها:
نعيبُ زمانَنا والعيبُ فينا
وما لزمانِنا عيبٌ سِوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغيرِ ذنبٍ
ولو نطقَ الزمانُ لنا هجانا