النفوذ الفرنسي بأفريقيا.. من مركز تجاري إلى مستعمرات منهوبة
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
يرجع تاريخ الهيمنة الفرنسية على أفريقيا إلى بدايات القرن الـ17 وتحديدا سنة 1624، حيث زحفت فرنسا نحو مناطق من القارة السمراء لاستغلال سكانها المحليين عن طريق إنشاء أول المراكز التجارية الفرنسية في السنغال.
النشأة والبداياتبدأ الاستعمار في الكشف شيئا فشيئا عن مخططاته عام 1664، عقب تأسيسه شركة الهند الشرقية الفرنسية لتتوسّع مناطق نفوذ باريس وتتطوّر من 3.
وتمكنت الدولة العثمانية من إيقاف فرنسا وحماية العالم الإسلامي وعدد من الدول الآسيوية من التحول إلى مستعمرات فرنسية، ولكن عندما بدأت الدولة العثمانية تفقد قوتها، سارعت فرنسا سنة 1830 إلى احتلال الجزائر ثم التوسّع شمالا في أفريقيا.
سنة 1890 أبرمت فرنسا وبريطانيا معاهدة توسع بموجبها النفوذ الفرنسي في أفريقيا ليشمل منطقة حوض تشاد، وما سمي الأراضي الأفريقية-الفرنسية.
وخلال هذه التطورات، رسمت الدولة العثمانية بمذكرة مؤرخة في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1890 مناطق سيطرتها في شمال أفريقيا، وبذلك كانت المناطق الليبية النائية والسودان ومصر وتشاد وغرب إثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وشمال الكاميرون وشمال وشرق نيجيريا ووسط النيجر، ضمن المناطق التابعة للسيطرة العثمانية.
وفي مواجهة المواقف العدوانية لفرنسا، احتفظت الدولة العثمانية عام 1885 بحقوقها في ما يتعلق بشمال الكونغو وشرق النيجر، لكن رغم جملة التدابير التي اتخذتها، فإنها لم تتمكن من إيقاف أنشطة فرنسا الاستعمارية في القارة الأفريقية.
المستعمرات الفرنسية في أفريقيا مستعمرات شمال أفريقيا: الجزائرفي الخامس من يوليو/تموز عام 1830، سلم الداي حسين حاكم الجزائر مدينته للقوات الفرنسية ليبدأ الاحتلال الفرنسي للبلاد، والذي استمر على مدى 132 سنة وانتهى في الخامس من يوليو/تموز 1962، بعد مقاومة امتدت من عهد الأمير عبد القادر الجزائري إلى جبهة التحرير التي شنت حرب استقلال استمرت من سنة 1954 إلى سنة 1962.
تونسدخلت تونس تحت رداء المستعمر الفرنسي سنة 1881 بعد معاهدة الحماية التي بموجبها أصبحت السلطة الفعلية بيد باريس وأزاحت محمد الصادق باي وأصبح منصبه صوريا فقط وواجهة للقرارات المجحفة التي اتخذت ضد الشعب التونسي. واستقلت تونس عام 1956 بعد استعمار دام 75 سنة.
موريتانيابدأ الاستعمار الفرنسي لموريتانيا عام 1902، وقوبل بمقاومة قوية على الصعيدين الثقافي والعسكري، قبل أن تقرر فرنسا منح موريتانيا استقلالها في 28 نوفمبر/شباط 1960 بعد 58 سنة من الاستعمار.
المغربفي 30 مارس/آذار 1912 فرضت الحماية الفرنسية على المغرب بعد توقيع معاهدة الحماية الفرنسية من طرف السلطان عبد الحفيظ، وامتدت فترة الحماية حتى حصول المغرب على استقلاله سنة 1956 بعد استعمار دام 44 سنة.
مستعمرات وسط أفريقيا: ساحل العاجسنة 1843 أصبحت ساحل العاج تحت الحماية الفرنسية ثم صارت مستعمرة فرنسية سنة 1893، وأصبحت دولة مستقلة في السابع من أغسطس/آب 1960، بعد 117 سنة من الاستعمار الفرنسي.
البنيندولة أفريقية كانت تعرف قديما باسم داهومي، وهي إحدى الجمهوريات الصغرى غرب أفريقيا، واجهت حملة استعمارية في النصف الثاني من القرن الـ19 انتهى بوقوعها تحت الاحتلال الفرنسي سنة 1894 واستقلت سنة 1960 بعد احتلال دام 66 عاما.
ماليوقعت مالي تحت حكم الاستعمار الفرنسي سنة 1893، وفي 31 مارس/آذار 1960 وافقت فرنسا على منحها استقلالها الكامل، وأصبحت دولة مستقلة في 20 يونيو/حزيران 1960، أي بعد 67 سنة من السيطرة الفرنسية.
بوركينا فاسوخضعت للاستعمار الفرنسي بعد توقيع معاهدة مع "مملكة الفولتا" سنة 1896، وضمت لمستعمرة السنغال العليا، ثم أصبحت سنة 1916 مستعمرة فرنسية منفردة سميت "فولتا العليا". ونالت استقلالها سنة 1960 بعد 64 سنة من الاستعمار.
غينيابدأت فترة الاستعمار في غينيا مع الاختراق العسكري الفرنسي للمنطقة منتصف القرن الـ19 سنة 1898، ثم انهارت الجمهورية الفرنسية الرابعة سنة 1958 بسبب عدم الاستقرار السياسي وفشلها في التعامل مع مستعمراتها، وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1958، أعلنت غينيا نفسها جمهورية مستقلّة.
الطوغورزحت تحت الاستعمار الفرنسي منذ سنة 1916 ونالت استقلالها سنة 1960 بعد 44 سنة من السيطرة الفرنسية.
السنغالسنة 1895 أصبحت السنغال رسميا مستعمرة فرنسية، ونالت استقلالها سنة 1960 بعد 65 سنة من الاستعمار والتقسيم الفرنسي.
النيجركانت النيجر ملكية استعمارية فرنسية من سنة 1900 وبانهيار الجمهورية الرابعة في فرنسا استقلت النيجر بالكامل في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 1960.
المستعمرات الفرنسية في أفريقيا الاستوائية: جمهورية أفريقيا الوسطىاستعمرت من قبل فرنسا وألمانيا وامتدت هذه الحقبة الاستعمارية من أواخر 1800 حتى سنة 1960 عندما أصبحت جمهورية أفريقيا الوسطى دولة مستقلة بعد 160 سنة من الاستعمار.
الكونغوتأسست المستعمرة الفرنسية في الكونغو سنة 1880، ثم حصلت البلاد على الحكم الذاتي في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1958 ونالت الاستقلال عن فرنسا في 15 أغسطس/آب 1960.
الغابوناحتلّت فرنسا الغابون سنة 1885، ثم استقلت البلاد في 17 أغسطس/آب 1960 بعد 75 سنة من الاستعمار.
تشادكانت تشاد جزءا من الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية منذ عام 1900 ونالت استقلالها عام 1960.
الكاميرونبدأت فترة الاستعمار الفرنسي للكاميرون بعد نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918، واستقلت في الأول من يناير/كانون الثاني 1960، أي بعد 42 سنة من السيطرة الفرنسية.
المستعمرات الفرنسية في جنوب قارة أفريقيا: جزر القمربدأ الحكم الاستعماري الفرنسي في جزر القمر سنة 1841، ثم نالت استقلالها سنة 1975 بعد 134 سنة من الاحتلال.
مدغشقراستعمرت فرنسا جزيرة مدغشقر سنة 1896 ولمدة 64 عاما حتى سنة 1960.
مجازر الاستعمار الفرنسي في أفريقيا "مجزرة الثامن من مايو/أيار 1945″، وفيها دمر الجيش الفرنسي 44 قرية جزائرية في 15 يوما، وكانت حصيلتها 45 ألف شهيد جزائري، في حين تذكر بعض الإحصاءات أن العدد وصل إلى 70 ألف شهيد، إضافة إلى اعتقال أكثر من 5 آلاف جزائري، واستمرت الاعتقالات بعد المجزرة بشهور، وأصدرت المحاكم الاستعمارية الفرنسية الآلاف من أحكام الإعدام في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه. التجارب النووية الفرنسية في مدينة رقان الجزائرية الآهلة بالسكان، وكان أول تفجير نووي فرنسي في المنطقة في 13 فبراير/شباط 1960م، عندما أطلقت فرنسا أولى قنابلها هناك، والتي حملت اسم "اليربوع الأزرق"، وهي قنبلة ملوّثة للغاية ضاهت قوتها 4 أضعاف قنبلة هيروشيما، ولا تزال الآثار السلبية لهذه التجارب مستمرة بين الأجيال المتعاقبة لسكان منطقة رقان الجزائرية. بين 19 أبريل/نيسان و18 يوليو/تموز 1994 كانت فرنسا أكبر الداعمين لحكومة الهوتو الرواندية الحاكمة ضد أقلية التوتسي، من خلال دعمها عسكريا بشحنات من الأسلحة بلغت قيمتها 6 ملايين دولار، كما قدمت البنوك الفرنسية تسهيلات واعتمادات لصفقات أسلحة أبرمتها رواندا مع كل من الصين ومصر وجنوب أفريقيا، رغم علمها بتداعيات قيام المذبحة. وأدت المساعدات العسكرية الفرنسية لزيادة القوات المسلحة الرواندية من نحو 5 آلاف عنصر إلى قرابة 50 ألفا، تكفلت باريس بتدريبهم وتسليحهم."مجزرة كبكب" بتشاد، إذ دعا القادة العسكريون الفرنسيون في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 ما يقارب 400 عالم وزعيم محلي مسلم من كافة ربوع تشاد لمناقشة حلول وسطية تتعلق بإدارة البلاد. ودون سابق إنذار تعرض المجتمعون لهجوم مجموعة من المسلحين، بالأسلحة النارية والسواطير، فقتلوا كل المدعوين، ثم وضعت الجثث في حفرة كبيرة بمنطقة أم كامل وعلى إثر تلك المجزرة، استولى الفرنسيون على تشاد بعد أن أزاحت القوات الفرنسية كل مقاومة عسكرية أو ثقافية. في الخامس من أغسطس/آب 1907 قامت القوات العسكرية الفرنسية بعملية ضد مدينة الدار البيضاء، فقصفت البوارج الحربية الفرنسية شوارع المدينة، مما أدى إلى استشهاد نحو 6 آلاف مغربي من أصل 30 ألف نسمة آنذاك، ودمّرت جميع أحياء المدينة، ما عدا الحي الأوروبي الذي بقي آمنا وسليما نظرا لأنه كان يضم السفارات والقنصليات الأوروبية بالمغرب. في ليلة 29 إلى 30 يناير/كانون الثاني 1952، وإثر اندلاع المقاومة الوطنية التونسية المسلّحة سنة 1952، ارتكب جيش الاحتلال الفرنسي مجزرة تازركة بولاية نابل التونسية بقيادة جون دوهوت كلوك، وذلك بإخراج رجال القرية من بيوتهم وتجميعهم في بطحاء تحت الحراسة المشددة ثم اقتحم الجنود الفرنسيون البيوت واغتصبوا النساء التونسيات ثم دهسوا الرضع بالسيارات العسكرية والمصفحات الفرنسية. ورغم استقلال تونس سنة 1956، فإن المجازر الفرنسية لم تتوقف، ففي فبراير/شباط 1958م ارتكبت فرنسا مجزرة "ساقية سيدي يوسف"، حيث كانت الحدود التونسية الجزائرية متنفسا للثورة الجزائرية التي أرهقت الفرنسيين، ومن أجل خنقها وضرب مصادر تمويلها، عمدت فرنسا في الثامن من فبراير/شباط 1958 إلى قصف منطقة سيدي يوسف التونسية، وأسفر الهجوم عن استشهاد نحو 68 بينهم 12 طفلا و9 نساء، إلى جانب 87 جريحا من التونسيين والجزائريين. مع حلول منتصف ليلة 29 مارس/آذار 1947، اندلعت انتفاضة شعبية في جزيرة مدغشقر، نتيجة الاضطهاد الفرنسي المستمر منذ نهاية القرن الـ19 هناك، وكان التعامل الفرنسي مع تلك الانتفاضة دمويا بشكل خيالي، إذ أعدم الفرنسيون مئات السكان، وعذبوا عشرات الآلاف وأضرمت النار في القرى واستهدف المتظاهرون بالذخيرة الحية، كما اغتالت القوات الفرنسية قيادات الانتفاضة، وألقي عدد منهم من الطائرات لإرهاب المطالبين بالاستقلال وتحطيمهم معنويا. الثروات الأفريقية المستغلّة
تعد أفريقيا المزوِّد الرئيسي لفرنسا بالطاقة واليورانيوم والمعادن، إذ تضخّ دول أفريقيّة مثل النيجر ومالي وتشاد 25% من احتياجات المفاعلات النووية التي تعتمدها فرنسا للتزود بالكهرباء.
وإضافة ليورانيوم النيجر، تسيطر فرنسا على مناجم الذهب في مالي وحقول النفط في السنغال عن طريق الشركات الفرنسية العملاقة، التي امتد نفوذها إلى دول غرب وجنوب أفريقيا، من أوغندا إلى كينيا، ومن أنغولا إلى موزمبيق ثم جنوب أفريقيا.
وفي الكونغو تضع فرنسا يدها على معدن الكولتان، الذي يعتبر أساسيا في تطوير الرقاقات الإلكترونية التي تعتمدها جميع التكنولوجيات.
وتجدر الإشارة إلى أن 80% من كل ما يتم استخراجه من الموارد والثروات المعدنية في أفريقيا يصدّر بإشراف فرنسي نحو القارات الأخرى.
كما أن أكثر من 80% من عمليات تعدين الذهب في العالم، تتم في القارة الأفريقية ويتم استخراج 70% من ألماس العالم في القارة الأفريقية، وأكثر من نصف المنغنيز والكروميت وخام الكوبالت من مناجم أفريقيا.
إضافة إلى استخراج ثلث الفوسفاط واليورانيوم المتداول في الأسواق العالمية من القارة السمراء.
عملة "الفرنك الأفريقي"في ستينيات القرن الماضي وأمام تصاعد حركات التحرر والمقاومة الشعبية في جل المستعمرات الفرنسية، قرر الزعيم الفرنسي شارل ديغول منح المستعمرات الفرنسية في أفريقيا الاستقلال، ولكنه رفض بالمقابل منحها الاستقلال التام عن طريق صياغة استعمار جديد يتمثل في ربط هذه المستعمرات اقتصاديا بفرنسا، عبر فرض مواصلة تعامل بلدان القارة السوداء بعملة "الفرنك" الأفريقي، الذي تتحكم باريس في طباعته وتحديد قيمة تداوله وقوته الشرائية.
ويتداول الفرنك الأفريقي في 12 دولة أفريقية كانت سابقا مستعمرات فرنسية، بالإضافة إلى غينيا بيساو (مستعمرة برتغالية سابقة) وغينيا الاستوائية (مستعمرة إسبانية سابقة)، وينقسم الفرنك المتداول إلى صنفين، فرنك وسط أفريقيا، وفرنك غرب أفريقيا.
ورغم أن قيمة الفرنك المتداول في وسط أفريقيا تعادل قيمة الفرنك المتداول في غرب أفريقيا، فإن فرنسا تمنع استعمال عملة دول الوسط في دول الغرب وكذلك العكس.
وتلتزم جميع البنوك المركزية لهذه الدول الأفريقية بالاحتفاظ بنسبة 85% على الأقل من احتياطياتها من العملة الصعبة في البنك المركزي الفرنسي، الخاضع لمؤسسات الرقابة المالية الفرنسية، وذلك وفقا لشروط الاتفاقية المؤسسة للجمعية المالية الأفريقية.
ولا تملك الدول الأفريقية المستعمرة سابقا حق الوصول إلى هذه الأموال، إذ لا تسمح لهم السلطات الفرنسية بالوصول إلى أكثر من 15% من الأموال المودعة سنويا، وفي حال احتياج المزيد تجبرهم على اقتراض أموال إضافية من الخزانة الفرنسية بنسب فوائض تصل إلى 20%، كما تحتفظ باريس بحق رفض إقراض هذه الدول.
وإجمالا، منذ سنة 1961 تحتفظ فرنسا بالاحتياطات الوطنية لـ14 دولة أفريقية وهي: البنين وبوركينا فاسو وغينيا بيساو وساحل العاج ومالي والنيجر والسنغال والطوغو والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون، وبذلك تحقق الخزانة الفرنسية ما يعادل 500 مليار دولار من الأرباح والعوائد السنوية من أفريقيا.
وتجدر الإشارة إلى أن الزعماء الأفارقة الذين عارضوا هذا النظام، إما تعرضوا للقتل أو تعرضوا لانقلابات عسكرية أطاحت بحكمهم، أو لإثارة احتجاجات شعبية مسلحة تدخل بلدانهم في دوامات من العنف والفوضى يتطلب التعافي من مخلفاتها عقودا طويلة.
تراجع النفوذ الفرنسي في القارة السمراءبدأ الدور الفرنسي في قارة أفريقيا في التراجع، خاصة مع تراجع اعتماد الفرنك الفرنسي في عديد من الدول الأفريقية، ويرجع ذلك لظهور منافسين أقوياء لفرنسا في دول الساحل وجنوب الصحراء مثل الصين وأميركا وروسيا، إضافة إلى ارتفاع كلفة التدخلات العسكرية والمحافظة على الوجود العسكري في القارة، في وقت تعاني فيه فرنسا أزمات ومشاكل اقتصادية أدت إلى تفاقم الاحتجاجات الشعبية التي غالبا ما تحولت إلى مواجهات عنيفة بين الأجهزة الأمنية والمتظاهرين.
وبدأت استفاقة الشعوب الأفريقية بالتوازي مع اتساع رقعة الأطماع تجاه ما تكتنزه أفريقيا من ثروات طبيعية مهمة بالنسبة إلى البلدان القوية التي أصبحت ترى القارة رئة العالم.
لكن استقلالية القرار في هذه الدول ما زالت ضعيفة، نظرا إلى ضعف اقتصاداتها وارتفاع مديونيتها، كما أنها تعاني من التدخلات الخارجية من خلال تمويل بعض الفئات أو الحساسيات السياسية التي تُدعَم لتنفيذ الأجندات الاستعمارية فيها.
من جهة أخرى فإن العديد من البلدان الأفريقية بدأت في التخلص من الهيمنة الفرنسية إما عن طريق الإطاحة بالرؤساء المحسوبين على فرنسا وإعلان العداء لها، وإما من خلال توقيع شراكات اقتصادية، صناعية وفلاحية مع دول مثل الصين وروسيا وأميركا وتركيا، الأمر الذي أدى إلى تراجع قدرة فرنسا على الفعل والتغيير السياسي في القارة السمراء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاستعمار الفرنسی الدولة العثمانیة القارة السمراء أفریقیا الوسطى الفرنسی فی فی أفریقیا فی القارة فرنسیة من أغسطس آب عن طریق
إقرأ أيضاً:
التحوّلات الميدانية ومعركة النفوذ في حضرموت والمهرة
أولها: تمدد "المجلس الانتقالي الجنوبي" بدفع إماراتي خارج السقوف المسموح بها، خصوصاً في المناطق المرتبطة بالمعابر الحدودية وخطوط الطاقة. ثانيها: تصاعد القلق السعودي من تغيّر موازين القوة بما قد يؤثر على أمن حدودها الجنوبية وممرات النفط والموانئ ذات النطاق الاستراتيجي. وثالثها: عدم تماسك البُنى العسكرية المحلية ممثلة بـ"المنطقة العسكرية الأولى" في الشرق وتعرضها للانهيار السريع عند أول ضغط جدي، كما ظهر في وادي حضرموت على وجه الخصوص.
في هذا الإطار، اختارت السعودية الانتقال من سياسة "التوجيه عن بعد" إلى سياسة الضغط المباشر عبر الدفع بما تسمى قوات "درع الوطن" إلى مسرح العمليات، ما أدى إلى تغيّر جذري في معادلات القوة، وتحويل المشهد في المناطق اليمنية المحتلة من مجرد تنافس بين وكلاء مرتزقة إلى هندسة أمنية وسياسية سعودية تعيد رسم ملامح السيطرة في الشرق.
بنية التحوّل الميداني وإعادة الانتشارحضرموت: انتقال المبادرة بين أدوات الاحتلال
شهدت حضرموت تحولاً ميدانياً سريعاً وملفتاً؛ فخلال الساعات الأولى من إعلان ما يسمى "الانتقالي" (المدعوم من الاحتلال الإماراتي) سيطرته على مناطق واسعة من وادي حضرموت، تعرّضت أرتاله في صحراء العبر–الوديعة لهجمات متتالية، كما أصيب عدد من قياداته في هجمات داخل مدينة سيئون. هذه التطورات كشفت ثلاث حقائق مهمة:
عجز "الانتقالي" عن العمل في بيئة مستقرة داخل حضرموت، خلافاً لمناطقه التقليدية في عدن ولحج والضالع أو حتى ساحل حضرموت المسيطر عليه منذ سنوات. فقدان الأمان في تحرك قواته بحضرموت، وهي خطوط يصعب تأمينها في مواجهة فواعل محلية (ذات المشكلة يعاني منها في أبين وشبوة ولم يستطع تأمين تحركاته رغم العمليات العسكرية التي يقوم بها). عدم امتلاكه حاضنة محلية في الوادي قادرة على توفير عمق اجتماعي يؤهل بقاءه.وفي ذروة هذا الارتباك، أعلنت ما تسمى قوات "درع الوطن" تسلّم مواقع اللواء 23 ميكا في العبر، و"تأمين" الخط الدولي الحيوي الرابط بين حضرموت والحدود السعودية. هذا التحرّك ليس مجرد "استلام مواقع"، بل تحويل مركز الثقل الميداني إلى القوة الموالية للرياض، وإزاحة "الانتقالي" من المواقع الأكثر حساسية المرتبطة بطرق التجارة والنفط والمنافذ الحدودية.
بهذا المعنى، جاءت تحركات الاحتلال السعودي لما يبدو استجابة استراتيجية لضبط الميدان لصالحها، ومنع "الانتقالي" من فرض أمر واقع من شأنه تهديد ترتيبات الأمن الحدودي والاقتصادي للمحتل السعودي، في حين أنه تبادل أدوار بين السعودي والإماراتي ليبقى المشهد اليمني المحتل ملتهبا.
المهرة: إحلال ناعم للقوة السعودية
في المهرة -وتأكيداً على استمرار فصول المسرحية- اتخذت السعودية نموذجاً مختلفاً يقوم على الإحلال الناعم دون مواجهات مفتوحة؛ فقد جرى تسليم معسكر نشطون، ومطار الغيضة الدولي، ومباني الاستخبارات، والسجن المركزي، والجوازات لما تسمى قوات "درع الوطن" (التي يدعمها الاحتلال السعودي) دون مقاومة تذكر، رغم أن ما يسمى"الانتقالي" (الذي يدعمه الاحتلال الإماراتي) كان قد رفع أعلامه في تلك المواقع حين سيطر عليها مؤخراً.
بهذا الإحلال، تصبح المهرة تحت احتلال سعودية كامل تقريباً، ما يضمن لمحمد بن سلمان السيطرة على الموانئ، المنافذ الحدودية، وامتدادها البحري إلى بحر العرب.
البُنى التنظيمية ودلالات التموضع"درع الوطن": الذراع السعودي لإعادة تصميم المشهد الأمني
تشكّلت قوات "درع الوطن" عام 2023م كـ"قوة احتياط مركزية" ذات مرجعية سعودية، بتركيبة يغلب عليها الطابع السلفي، وبتوزيع جغرافي يُظهر دقة هندسة الانتشار:
في المهرة: بقيادة "عبدالله بن سديف"، وتشرف على لواءين يقومان بتأمين المطار والموانئ والمقار الأمنية. في وادي حضرموت: لواءان أحلّا محل اللواء 23 ميكا في العبر ومحيطها. على الطرق الدولية: تنتشر الفرقة الثانية بقيادة "فهد بامؤمن"، وهي قوة تضم أبناء محافظات النفط والنفوذ (حضرموت–شبوة)هذا الانتشار يعني أن السعودية لا تسعى فقط لاحتواء "الانتقالي"، بل لإنشاء قوة موازية (سلفية بديلة عن الإخوان) لا ترتبط بالبنى السياسية التقليدية، وتستطيع تنفيذ الأجندة الأمنية السعودية.
" المجلس الانتقالي": تآكل النفوذ وانكشاف محدودية القوة
دخل "الانتقالي" حضرموت والمهرة بزخم إعلامي كبير، رافعاً شعار "عملية المستقبل الواعد"، إلا أن الوقائع الميدانية جاءت معاكسة تماماً، إذ سرعان ما واجه ثلاثة مؤشرات تراجع حادة:
نزع الرمزية الانفصالية عبر إزالة أعلام الانفصال من المواقع المستلمة. توجيهات صارمة من اللواء السعودي سعود القحطاني بعودة القوات إلى معسكراتها الأصلية. انهيار خطوط الإمداد نتيجة الهجمات المتكررة.النتيجة أنّ "الانتقالي" انتقل بسرعة من موقع "الفاعل المهاجم" إلى قوة مقيدة داخل معسكراتها، مهددة بخسارة ما تبقى من نفوذها إذا اصطدمت عسكرياً بقوات "درع الوطن".
الاتجاهات العامة للمشهد الاستراتيجيالسعودية: تثبيت مركزية القرار الأمني الذي يضمن مصالحها
انتقلت السعودية من إدارة الأزمة إلى صناعة المشهد. فبعد تجاوز "الانتقالي" السقف المتاح، رأت الرياض أن بقاءه دون ضبط سيشكّل:
تهديداً لتوازنات القوة بين الرياض وأبو ظبي في اليمن. اختراقاً للمعادلة السياسية التي ترعاها المملكة في المحافظات اليمنية المحتلة.من هنا جاء التحرك السعودي الذي أوحت أنه "حازم"، إذ اعتمد استراتيجية مزدوجة:
ضغط سياسي (إنذار بالانسحاب وتسليم المواقع)، وتحرك ميداني (إحلال مرتزقة "درع الوطن" في المواقع الحساسة).
وبذلك أعادت السعودية تعريف دور "الانتقالي" شرق اليمن من "قوة مهيمنة" إلى "قوة ضمن الهامش".
انحسار الدور الإماراتي: بداية مرحلة جديدة
لا تزال أبوظبي في مرحلة الامتناع عن المواجهة المباشرة، لكن المؤشرات واضحة:
خسارة مواقع حيوية، تحييد قوات مرتزقة "الانتقالي"، بروز قوة مرتزقة موازية تابعة للرياض، وتراجع قدرة الإمارات على استخدام "الانتقالي" كأداة توسعية.ورغم الصمت الحالي، فإن الإمارات قد تستخدم أدواتها السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية لإعادة تقاسم المناطق المحتلة، لا سيما إذا شعرت أن السعودية تستأثر بمساحة كانت تعدّها ضمن نفوذها التقليدي. وينسجم هذا مع تصريح "عيدروس الزبيدي" (السبت) بما قال إنها "المحافظة على المنجزات والمكتسبات، وطرح الآمال بـ"دولة الجنوب الفيدرالية الحديثة" حسب الزبيدي.
الخلاصةتدخل حضرموت والمهرة مرحلة إعادة كتابة قواعد اللعبة، المشهد لم يعد مجرد نزاع على السيطرة، بل مشروع سعودي لإعادة هندسة الأمن والسلطة شرق اليمن بما يخدم مصالحها، يقوم على ثلاث مرتكزات:
"درع الوطن": القوة المركزية للمرتزقة (ذات مرجعية سلفية) التي تمسك بالمنافذ والمقار الأمنية والمطارات والحدود. "الانتقالي": قوة مرتزقة محدودة الحركة، تفقد قدرتها على إنتاج نفوذ مستقل. الإمارات: فاعل يشهد تراجعاً نسبياً، بانتظار ما إذا كانت ستعيد التموضع أو تكتفي بالتكيّف. ماذا عن الغد؟في المحصلة، يتشكّل شرقٌ يمني جديد لا تحدده موازين القوى المحلية بقدر ما يحدده قرار المحتل السعودي، الذي عاد ليبرز كلاعب أول في هذه الجغرافيا الاستراتيجية. ورغم أن الكفة تميل حالياً لصالح الرياض، فإن هذا التفوق غير مستقر، ولا يمكن اعتباره حسمًا نهائيًا للمشهد.
فمن غير المستبعد أن تلجأ الإمارات إلى هجمة مضادة لإعادة التوازن، بما قد يشعل مواجهات جديدة بين المرتزقة، خصوصاً حول المنشآت النفطية في حضرموت. وتبقى المنافسة السعودية–الإماراتية -التي ما تزال حتى اللحظة تحت قدر من الضبط المشترك كما ظهر في التوافق على تحييد "المنطقة العسكرية الأولى" و"الإخوان"- عرضةً لأن تنزلق في ظروف معيّنة إلى صدام مباشر بين الأدوات إذا خرجت عن السيطرة.