قبل 15 إبريل/ نيسان الماضي، كان 157 تلميذاً يستعدون لإنهاء العام الدراسي بمدرسة الشهيد الوسيلة في منطقة أمبدة بالعاصمة السودانية الخرطوم، من بينهم 34 تلميذاً كان يفترض أن يجلسوا لامتحان الشهادة الابتدائية المؤهل للمرحلة المتوسطة في 22 مايو/ أيار. لكن اشتعال الحرب لم يؤدّ إلى إغلاق مدرستهم فحسب، بل حوَّل فناءها إلى مقبرة لجثث ضحايا الحرب من المدنيين.


يقول مدير مدرسة الشهيد الوسيلة، أسامة حسب الدائم، لـ”العربي الجديد”، إن “الحيّ الذي تقع فيه المدرسة كان مسرحاً للعمليات العسكرية بين طرفي الصراع، ما أوقع عدداً كبيراً من القتلى المدنيين. لم يكن هناك ممرات آمنة لإجلاء المواطنين أو هروبهم من المعارك، التي كانت تتوقف لفترة، ثم تعود أشد ضراوة، ما دفع السكان إلى دفن ثلاث نساء وثمانية رجال في فناء المدرسة”.
وبينما تحولت بعض مدارس الخرطوم إلى ثكنات عسكرية يستخدمها طرفا الحرب، أو قبور للضحايا من المدنيين، حوّل متطوعون مدارس أخرى إلى مراكز صحية يقدمون فيها الرعاية الطبية، في أعقاب توقف كثير من المستشفيات عن العمل، فيما صارت مدارس أخرى في العديد من الولايات المجاورة مراكز لإيواء النازحين من الحرب في العاصمة.
وتخلّف نحو 10 ملايين تلميذ في المراحل الدراسية المختلفة عن امتحانات نهاية العام الدراسي الماضي، ووجدوا أنفسهم بين رحى المعارك العسكرية الدامية في شوارع الخرطوم، وفي إقليمي كردفان، ودارفور، وقالت منظمة “أنقذوا الطفولة” الدولية إن نحو 500 طفل قتلوا خلال الفترة من 15 إبريل حتى نهاية يوليو/تموز الماضي.
ويؤكد المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر، أن ملايين التلاميذ فقدوا فرصة استكمال العام الدراسي، واضطروا إلى الاختباء مع عائلاتهم، أو الفرار من منازلهم، هرباً من الحرب الدائرة في الخرطوم والولايات الأخرى.
ويقول لـ”العربي الجديد”: “لا تملك لجنة المعلمين في الوقت الراهن القدرة على إجراء إحصائية دقيقة لعدد التلاميذ الذين فقدوا أرواحهم منذ بداية الحرب، لكن يمكن اعتماد عدد الأطفال الذين قدرت منظمة أنقذوا الطفولة مقتلهم، ومن المؤكد أن غالبيتهم تلاميذ في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية”.
تحولت بعض مدارس الخرطوم إلى ثكنات عسكرية يستخدمها طرفا الصراع
وأعلنت ولاية الخرطوم قبل عشرة أيام من اندلاع الحرب، شروع قسم التقويم التربوي بوزارة التربية والتعليم في الإجراءات النهائية لإدخال بيانات التلاميذ استعداداً لامتحانات المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، لكن ذلك لم يحصل بسبب الحرب.
وفي التاسع من أغسطس/ آب الماضي، أصدرت وزارة التربية والتعليم السودانية، قراراً بإلغاء امتحانات المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية لهذا العام في جميع الولايات المتأثرة بظروف الحرب. ونصّ القرار على نقل جميع تلاميذ الصف السادس إلى المرحلة المتوسطة مباشرة، وإلغاء جميع امتحانات النقل النهائي بمراحل التعليم الثلاث في الولايات المتأثرة بالحرب، على أن ينقل التلاميذ والطلاب نقلاً مباشراً إلى الصفوف الأعلى. فيما لا يعرف مصير نحو 650 ألف تلميذ كان يفترض أن يجلسوا لامتحان الشهادة الثانوية في 10 يونيو/حزيران الماضي، إذ إن الامتحان تقرر تأجيله إلى موعد غير محدد.
وأكد وزير التربية والتعليم الاتحادي، محمود سر الختم الحوري، لـ”العربي الجديد”، أن “امتحانات الشهادة الثانوية ستعقد فور توقف الحرب”. لكن الناطق باسم المعلمين السودانيين، سامي الباقر، يستبعد عقد امتحانات الشهادة الثانوية في وقت قريب، ويقول: “حتى إن العام الدراسي الجديد مرهون بتوقف الحرب، وهو أمر لا يعلم أحد موعده”.
ولا تتوافر إحصائية رسمية بالأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمؤسسات التعليمية في السودان، لكن الكثير من المدارس تعرضت للقصف بالطيران أو المدافع بعد أن حولها طرفا الصراع إلى ثكنات عسكرية، وبعضها تعرضت لعمليات سرقة في أثناء حالة الفوضى الناتجة من الحرب.
يقول محمد السر عبادي، وهو معلم من مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان، إن سبعة مدارس من جملة 12 مدرسة بالمدينة جرى نهبها، ويخبر “العربي الجديد”، أن “أخطر ما تعرض له القطاع التعليمي بالمنطقة كان حرق مكاتب التعليم، وسرقة الأجهزة التي تحتفظ فيها الإدارة بالسجلات والمعلومات الأكاديمية والإدارية والمالية للطلاب والمعلمين”.
وتعرضت المدارس في ولاية جنوب دارفور لدمار مشابه، إذ نُهب الأثاث المدرسي، وتعرضت المباني للحرق والإتلاف. يقول عبد الله إسحاق، وهو معلم بالمرحلة الابتدائية: “أُحرقت المطبعة الوحيدة التي تغطي حاجيات الامتحانات لعدد من ولايات دارفور، كذلك تعرض عدد من المدارس لأضرار فادحة سيكون لها تأثير بالغ في الإعداد للعام الدراسي الجديد”.
وفي نهاية إبريل الماضي، أجرى وزير التربية والتعليم بولاية جنوب دارفور، آدم عمر التوم، حصراً مبدئياً للخراب الذي لحق بالمؤسسات التعليمية بالولاية، وكشف أن الخسائر شملت مركبات الوزارة، وخزانة الامتحانات، فضلاً عن إتلاف مركز المعلومات، وتدمير الأجهزة وماكينات التصوير، وكشف أن قسم الإحصاء الذي يحوي أجهزة تقنية “الفيديو كونفرانس” وشاشات كبيرة، وعدد 13 جهاز ربط جُلبَت بواسطة البنك الدولي ضمن مشروعات تقوية التعليم، أُحرِقَت، أو سُرقَت، كما أتلفت الحواسيب وملحقاتها.
وأوضح التوم أن جميع مقتنيات المكاتب من ثلاجات ومبردات مياه وشاشات تلفاز وماكينات تصوير سرقت، ومثلها جميع وسائل تعليم الكبار، كذلك أتلفت المستندات الخاصة بشؤون الخدمة والحسابات والامتحانات والتعليم قبل المدرسي والتعليم الفني والثانوي والابتدائي والمتوسط، ومستندات قسم التدريب والتخطيط، والإدارة المالية، والصحة المدرسية، ومحو الأمية، وتعليم الكبار.
ويقول آدم عمر: “أضرم مجهولون النار في مولد كهرباء ضخم كان في المخازن، و3 ماكينات كبيرة كانت توفر طباعة الكتاب المدرسي والامتحانات لكل إقليم دارفور، وحُطِّمَت ناسخة كبيرة بواسطة الحجارة”.
وكشف وزير التربية والتعليم بولاية شمال كردفان، عبد الواحد حمد النيل، عن تحويل 50 مدرسة بالولاية إلى مراكز إيواء للنازحين، وأوضح لـ”العربي الجديد”، أن “تحويل المدرسة إلى مراكز إيواء يؤثر كثيراً ببنيتها التحتية الضعيفة أصلاً، وهناك مدارس أصبحت دون مقاعد، ومرافقها الخدمية تعطلت بسبب كثرة الاستخدام، وجميع الوسائل التعليمية الموجودة في المدارس سُرقَت، ما يجعل التفكير في إطلاق العام الدراسي الجديد في وقته المحدد في الخامس من سبتمبر/ أيلول غير وارد”.
من جهته، يقول سامي الباقر لـ”العربي الجديد”، إن “الأضرار التي لحقت بالمؤسسات التعليمية تحتاج إلى وقت طويل لترميمها، ويدخل ما يقدر بـ 250 ألف معلم، و50 ألف عامل في وظائف مختلفة بقطاع التعليم السوداني الشهر الخامس من دون الحصول على رواتبهم، ما دفع الكثير منهم إلى العمل في مهن أخرى لتوفير قوت أطفاله، والبعض أجبرتهم الحرب على النزوح، أو اللجوء أسوة ببقية المواطنين، ما يضاعف المعاناة. أخشى أن كثيراً ممن كانوا يعملون في القطاع التعليمي لن يعودوا إلى المهنة مجدداً بعد كل ما حل بهم”.
وعرفت مؤسسات التعليم العام في السودان أزمات كبيرة قبل اندلاع الحرب، وكان تلاميذ في بعض مدارس العاصمة الخرطوم يفترشون الأرض في أثناء اليوم الدراسي، والأوضاع أكثر تردياً في بقية الولايات، ومن بين أبرز مشكلات القطاع التعليمي السوداني قلة المدارس، ونقص أعداد الصفوف، وعدم توافر الكتاب المدرسي، وندرة الوسائل التعليمية الحديثة.
وتأثرت المؤسسات التعليمية مباشرةً بالصراعات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، وخصوصاً بعد الثورة التي أزاحت نظام حكم الرئيس السابق عمر البشير في 2019، إذ توقفت عن العمل مرات متكررة، وتعرضت مدارس للسرقة، كذلك أدى عدم الاستقرار السياسي إلى ارتباك في تسيير العملية التعليمية، وفي صرف رواتب المعلمين، وتوفير الكتب والمستلزمات المدرسية.

العربي الجديد

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: التربیة والتعلیم لـ العربی الجدید العام الدراسی

إقرأ أيضاً:

استطلاع يحدد خارطة الأحزاب الإسرائيلية بعد اندلاع الحرب مع إيران

ألقت الحرب الإسرائيلية على إيران بآثار سريعة على خارطة الأحزاب السياسية في تل أبيب، ودفعت بالموقع السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزبه إلى الأمام، وفق استطلاع رأي أجراه مركز "لازار" للأبحاث.

وذكرت نتائج الاستطلاع الذي نشرته صحيفة "معاريف" العبرية أنه بعد حوالي أسبوع من اندلاع الحرب مع إيران، والإنجازات التي حققها الجيش الإسرائيلي، فقد سجل نتنياهو "إنجازا سياسيا رائعا"، موضحة أن "حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو قفز بما لا يقل عن 5 مقاعد ليصل إلى 27، وهو رقم قياسي منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023".

ولفتت "معاريف" إلى أن الاستطلاع تم إنجازه قبل القصف الصاروخي المكثف الذي أُطلق على إسرائيل يوم الخميس الماضي، ومن المحتمل أن يكون للهجمات المدمرة على الجبهة الداخلية تأثيرٌ ما على البيانات.

وتابعت: "على أي حال، بما في أن معظم مقاعد الليكود تأتي على حساب الصهيونية الدينية، التي لم تتجاوز عتبة الحسم، وحزب عظمة يهودية، الذي خسر مقعدين في ميزان القوى بين الكتل، فإن ائتلاف نتنياهو يتعزز بمقعد واحد فقط، ويرتفع إلى 51 مقعدا".



وأظهر الاستطلاع أن المعارضة الإسرائيلية حصلت على 59 معقدا، والأحزاب العربية على 10 مقاعد، مضيفا أنه "بحال خاض حزب جديد بقيادة نفتالي بينيت الانتخابات المقبلة، فإن الليكود سيتفوق على حزب نفتالي لأول مرة منذ أكتوبر 2024، بـ26 مقعدا مقارنة بـ24".

وأكد "معاريف" أنه "في مثل هذا السيناريو، يضيف صعود الليكود ثلاثة مقاعد إلى الائتلاف، ليصل إلى 49 مقعدا، مقارنة بـ61 مقعدا للمعارضة بقيادة بينيت، وهذا الرقم يسمح نظريا بتشكيل ائتلاف بديل دون الأحزاب العربية".

وتابعت: "حتى في حال انضمام حزب جديد من جنود الاحتياط، بقيادة يوعز هندل، يتصدر الليكود هذا الأسبوع بـ 24 مقعدًا"، مبينة أن "هذا التحسن الإجمالي يرفع من موقع ائتلاف نتنياهو في مثل هذا السيناريو عدد مقاعده إلى 46 مقعدا، مقارنة بـ64 مقعدا للأحزاب التي يقودها بينيت، بما في ذلك جنود الاحتياط".

وفي تفاصيل نتائج الاستطلاع، حصل حزب الليكود على 27 مقعدا، وحزب إسرائيل بيتنا على 19 مقعدا، والديمقراطيون على 14 مقعدا، ومعسكر الدولة على 13 مقعدا، ويوجد مستقبل على 13 مقعدا، وشاس على 10 مقاعد، ويهودت هتوراة على 8 مقاعد، وعظمة يهودية على 6 مقاعد، وراعم على 6 مقاعد، وحداش- تاعل على 4 مقاعد، والصهيونية الدينية (2.7%) وبلد (1.9%) ولا يتجاوزان العتبة في هذه الحالة.

وبحال ترشح حزب بقيادة بينيت في انتخابات الكنيست المقبلة والأحزاب الأخرى لم تتغير، فإن الليكود سيحصل على 26 مقعدا، وبينيت على 24 مقعدا، والديمقراطيون على 11 مقعدا، وإسرائيل بيتنا على 10 مقاعد، وشاس على 10 مقاعد، ويش عتيد على 9 مقاعد، ويهدوت هتوراة على 7 مقاعد، ومعسكر الدولة على 7 مقاعد، وراعم على 6 مقاعد، وعظمة يهودية على 6 مقاعد، وحداش-تاعل على 4 مقاعد، والصهيونية الدينية (3%) وبلد (2%) لن يتجاوزا أيضا العتبة الانتخابية.



وبحال ترشح في انتخابات الكنيست المقبلة حزبان جديدان، حزب بقيادة بينيت وحزب الاحتياط بقيادة يوعز هندل، مع بقاء الأحزاب الأخرى دون تغيير، فإن الليكود سيحصل على 24 مقعدا، وبينيت على 23 مقعدا، والديمقراطيون على 11 مقعدا، وشاس على 10 مقاعد، وإسرائيل بيتنا على 9 مقاعد، ويوجد مستقبل على 8 مقاعد، والاحتياط على 7 مقاعد، ويهودت هتوراة على 7 مقاعد، ومعسكر الدولة على 6 مقاعد، وعظمة يهودية على 5 مقاعد، وحداش-تاعل على 5 مقاعد، وراعام على 5 مقاعد، والصهيونية الدينية (2.8%) وبلد (1.9%) لن يتجاوزا أيضا العتبة الانتخابية.

وأكدت صحيفة "معاريف" أنه لا يزال من الصعب والمبكر جدا تحديد ما إذا كانت هذه بداية اتجاه جديد ومستمر، مقارنة بالفترة التي سبقت اندلاع الحرب مع إيران.

واستكملت بقولها: "يعتمد الكثير على نتائج إنجازات إسرائيل الهجومية والدفاعية، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستنضم إلى الحملة أم لا. على سبيل المثال، قد يُسرّع تدمير القدرة النووية الإيرانية من تعزيز قوة كتلة نتنياهو. من ناحية أخرى، إذا وقع، حادثٌ يسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا إثر إطلاق صواريخ من إيران، فقد ينعكس هذا الاتجاه".

ولفتت إلى أن "الاستطلاع جرى بين 18 و19 يونيو/ حزيران، بمشاركة 500 مُستطلع، يُمثلون عينةً تمثيليةً للسكان البالغين في دولة إسرائيل، ممن تبلغ أعمارهم 18 عامًا فأكثر، يهودًا وعربًا. وبلغ الحد الأقصى لخطأ العينة في الاستطلاع 4.4%".

مقالات مشابهة

  • الخرطوم.. مراجعة موقف المدارس تمهيدا للاستعداد للعام الدراسي الجديد
  • جامعة الإسكندرية تهنئ الرئيس بثورة 30 يونيو وتعتمد خريطة العام الجديد
  • السودان.. فرص نجاح الحكومة الجديدة في ظل التحديات الماثلة
  • السلطات بالخرطوم تواصل إزالة مخلفات الحرب والاجسام الخطرة
  • ما كمية الطاقة التي يستهلكها الذكاء الاصطناعي لتقديم إجابة واحدة؟
  • بدائل الثانوية العامة 2025.. شروط ومميزات الالتحاق بمدارس التكنولوجيا التطبيقية بمصر
  • بشريات جيدة بشأن ملف النفط بين الخرطوم وجوبا
  • استطلاع يحدد خارطة الأحزاب الإسرائيلية بعد اندلاع الحرب مع إيران
  • إيران: لا عودة للدبلوماسية مع استمرار القصف
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن تعطيل الدراسة وحظر الأنشطة التعليمية والتجمعات وأماكن العمل