يواصل الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية في الضفة الغربية ويجهز ويعد المعلومات الاستخباراتية العابرة للحدود وتحديدا في الجبهة الشمالية وقطاع غزة في محاولة منه لتطويق الأحداث القادمة بالقوة متجاهلا أصل الحكاية، خاصة أن البدائل التي وضعت على الطاولة تعتبر من المحرمات في الأمن القومي الإسرائيلي.
المراهنة التي كان يحاول الاحتلال وحكومة نتنياهو العمل عليها باتت تتبخر وتتلاشى يوما بعد يوم؛ والذي قام بهذا الجهد الكبير لضرب هذه المراهنة هو الشعب الفلسطيني باحتضانه المقاومة وتعزيز هذه الثقافة وهي الحاضنة الشعبية والتوجيه الوطني الشامل لحماية المقاومة، لأن المراهنة الإسرائيلية كانت أمنية وعسكرية فقط وليست سياسية، وهذا ما رسمته القمم الأمنية التي عقدت مؤخرا وكذلك تمسك جيدا ببنود الأمن المنبثقة عن اتفاقية أوسلو الموقعة بين حركة فتح التي تسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برعاية أمريكية عام ١٩٩٣.
وفي التفصيل وفي التعمق في المشهد الحالي نجد أن عددا من المفاصل والروابط كان الاحتلال الإسرائيلي قد اطمأن لها والهدوء فيها بات طبيعيا.
والمحاور المركزية التي يسعى الاحتلال لتثبيتها على النحو التالي:
ـ معادلة الأمن في الضفة الغربية التي كان الاحتلال أوكلها إلى خطة أعدها الجنرال الأمريكي دايتون ونجحت إلى حد كبير مؤقتا، وكانت سياسة ممنهجة جوهرها الهدوء مقابل الاقتصاد، وهذا في الأشهر الأخيرة قد فقده كليا وتم تجاوزه من خلال المقاومة وهبة الشعب الفلسطيني واحتضانها.
ـ هناك قرار إسرائيلي بضم الضفة الغربية وهذا يتضمن أن الاستيطان مشروع مركزي لدى أي حكومة سواء متطرفة أو معتدلة لأن استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي مبنية على ضم الضفة الغربية ويهودية الدولة والقدس الموحدة وعزل الأقليات، وهذا المحور الآن يتم العمل عليه وهذا يضمن إلغاء السيادة الفلسطينية وقيام كيان للفلسطينيين حتى ولو كان منزوع السلاح، وهذا من البدائل الممنوعة بل المحرمة سواء لدى الأنظمة العربية أو لدى الاحتلال، لأن ما جرى في جامعة الدول العربية وقمة الجامعة في بيروت بإطلاق مبادرة السلام العربية حينما كان الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات محاصرا؛ كان النص بإعطاء الفلسطينيين الدولة ومن ثم التطبيع مع العرب، وحاليا هذا المشهد لم ينقلب وحسب؛ وإنما حصل الاحتلال على التطبيع المجاني والتنسيق الأمني والضم والسيطرة وإلغاء أي بند سياسي في اتفاقية أوسلو.
بات الإسرائيلي يدرك جيدا أن الذي حاول مرارا وتكرارا تجنب الحديث فيه نظرا لهذا الدعم والإسناد من النظام العربي المباشر وغير المباشر لكسر الفلسطيني وتمزيق قضيته؛ ثمنه يجب أن يدفع وأن البدائل الممنوعة ستكون هي المفروضة واقعا نظرا لتغير المعادلةـ المحور الإقليمي الذي لم يكن في الحسبان لدي الاحتلال أن يكون هناك ما يعرف بوحدة الساحات والجبهات؛ وهذا ينسف نظرية أوسلو وينسف نظرية الضم وينسف أيضا نظرية التطبيع لأن الدول العربية كانت تحاول أن تملي على شعوبها ذلك إلا أنها وصلت إلى مرحلة أن كل الإقليم يسخن والتصعيد الإسرائيلي يعلو والشعب الفلسطيني يقاوم، والمراهنة على ترويض الفلسطينيين في الضفة فشلت والمراهنة على كسر غزة في الحصار فشلت والمراهنة على تقسيم العالم العربي ما بين مطبع وما بين شيعي وسنّي وغيرها أيضا فشلت.
المقاومة وحدت الجبهات والإسرائيلي يحاول فصلها، الإسرائيلي وحد القدس وعزز يهودية الدولة والمقاومة تفصل هذه الفكرة من خلال استمرار الإعداد والتجهيز وتكثيف تكتيك الاستنزاف والتوقيت والقرار بمطاردة المستوطنين، وقوة الفكرة والإعلام الموجه والعمل المقاوم الميداني والرباط في المسجد الأقصى المبارك وتحريك مخيمات اللجوء وتجهيزها لدور عابر للحدود ضمن الحق المشروع المنصوص عليه في القوانين الدولية بعودة المشرد إلى أرضه، ومقاومته مكفولة قانونياً في ذلك.
اليوم ومع هذه التطورات الكبيرة التي نسفت كل ما بناه الاحتلال من روابط إقليمية من تطبيع وبرنامج أمني وتخدير وإعلام ينسي كل من هو صاحب حق حقه، اليوم في معادلة المقاومة الجديدة الثمن الذي تجاهله الاحتلال لسنوات طويلة بفعل وجود البديل وهو التسوية والتنسيق الأمني والتطبيع المجاني كل هذا الذي قدم للإسرائيلي على طبق من فضة من العربان والأنظمة الديكتاتورية، تنسفه المقاومة اليوم، وبات الاحتلال ملزما بدفع الثمن سواء الميداني أو الأمني ولاحقا السياسي الذي شطبته إسرائيل واعتبرته من البدائل الممنوعة.
وبعد فشل العرب في ترويض الفلسطينيين وتخديرهم بين هدنة من أجل الصيد والغذاء والوقود، وبين قمة وبيان ومال وإعمار وتطوير وتقسيم، ووهم الدولة ووعود السراب وإلغاء للمصالحة وشطب للمقاومة، وتغطية كل هذا السلوك بإنسانية في غير محلها، وتوقيت خبيث يحول التحرير لتخدير ويستبدل وعد العرب بتحرير فلسطين بالتمرير، وبات الإسرائيلي يدرك جيدا أن الذي حاول مرارا وتكرارا تجنب الحديث فيه نظرا لهذا الدعم والإسناد من النظام العربي المباشر وغير المباشر لكسر الفلسطيني وتمزيق قضيته؛ ثمنه يجب أن يدفع وأن البدائل الممنوعة ستكون هي المفروضة واقعا نظرا لتغير المعادلة، اليوم وإن لم يكن اليوم فسيكون لاحقا ومجبرا وبتوقيت وجغرافيا وقرار الشعب ومقاومته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال الفلسطيني المقاومة احتلال فلسطين مقاومة رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضفة الغربیة
إقرأ أيضاً:
إمعان في تكريس الاحتلال.. تحدٍ صهيوني مستمر للعالم
خالد بن سالم الغساني
في خطوة سياسية وإيديولوجية خطيرة تؤكد استمرار سياسات الاحتلال التوسعية، صادق الكنيست الإسرائيلي، بأغلبية ساحقة، على قرار يدعو إلى فرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية وغور الأردن، معتبرًا هذه الأراضي الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من “الوطن التاريخي المزعوم للشعب اليهودي”.
ويهمنا في البداية أن نشير ونؤكد على أن هذا القرار باعتباره صادر عن سلطة احتلال غير شرعية، فإنه يفتقر إلى أي أساس قانوني بموجب القانون الدولي، ويُعد خرقًا صارخًا لقرارات الأمم المتحدة، لاسيما قراريها رقمي 242 و 2334، اللذين يؤكدان على عدم شرعية ضم الأراضي المحتلة بالقوة، كما أنه يتعارض مع اتفاقيات جنيف التي تحظر تغيير طابع الأراضي المحتلة أو نقل سكانها، ومن ناحية أخرى وبالرغم من خطورته، الا انه لا يمثل شيئاً جديداً في إطار النهج الإحتلالي الذي تمارسه سلطات الكيان المحتل التي لم تتوانى في اتخاذ إي قرار او فعل لتدعيم سلطاتها الإستيطانية على الأراضي العربية المحتلة، إلا أن دلالاته السياسية والاستراتيجية تكشف عن تصعيد متنامي وغير مسبوق في سياسات الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، بهدف تكريس الاحتلال وإجهاض أي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
يأتي هذا القرار في سياق إجماع متزايد داخل الائتلاف الحاكم اليميني المتطرف في إسرائيل، الذي يرفض بشكل قاطع حل الدولتين، ويعتبر إقامة دولة فلسطينية تهديدًا لما يسمى بـ“المستقبل الإسرائيلي”المبني إساساً على مستقبل شعبٍ شُّرد وطرد من أراضيه بالقوة، بعد أن مورست بحقه وأرضه أبشع أنواع القتل والتهجير والتدمير، من قبل كيانٍ محتل غاشمٍ وساديٍ وقح.
إن ذلك يعكس محاولة أخرى واضحة لفرض أمر واقع على الأرض من خلال ترسيخ السيطرة على الضفة الغربية، مستندًا إلى مبررات إيديولوجية تربط بين أحداث عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، وادعاءات أمنية تُروج لضرورة اتخاذ خطوات "استراتيجية” لضمان هيمنة الاحتلال. وفي الواقع فإن هذه الخطوة ليست سوى إستمرار لسياسات الضم والتوسع الاستيطاني، التي تهدف إلى تهميش الفلسطينيين وتغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للأراضي المحتلة.
إنه تحدي سافر للشرعية الدولية، كما تعودت سلطات الكيان، لكنه يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية جادة للتصدي لهذه الانتهاكات التي تسعى إلى تقويض كل فرص يمكن ان تحقق السلام العادل والشامل. إنه يُفاقم التوترات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والعمليات العسكرية اليومية في الضفة الغربية، وسياسة التجويع التي تستهدف حياة الفلسطينيين وتقتل من تبقى منهم.
إن تصريحات مسؤولي الاحتلال التي تدعو إلى ضم الضفة الغربية وغزة مع تهجير الفلسطينيين الذين يرفضون الخضوع للسيادة الإسرائيلية تؤكد وتدلل على تكريس نظام فصل عنصري في الأراضي العربية المحتلة، وتنفيذ عمليات نزوح قسري واسعة النطاق.
من ناحية أخرى فان هذا القرار يُشكل دعمًا مباشرًا لسياسات التوسع الاستيطاني، التي تتسارع عبر إخلاء مجتمعات الرعاة الفلسطينيين قسرًا، وتوسيع البؤر الاستيطانية، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي. هذه الإجراءات تهدف إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية، وتفتيتها إلى جيوب معزولة، مما يجعل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة مستحيلة عمليًا. كما يُضعف السلطة الفلسطينية، التي تُعاني أصلًا من أزمة شرعية داخلية بسبب الانقسام السياسي ومحدودية سلطتها تحت الاحتلال، مما يُعزز من حالة الإحباط الشعبي ويُعمق التوترات الداخلية.
إن الشعب الفلسطيني الذي يواصل مقاومته الباسلة بكل الوسائل المشروعة، يجد نفسه مع هذا القرار أمام تحدٍ وجودي يتطلب منه شحذ قواه واعادة تنظيم صفوفه ورصها لتصعيد المقاومة الشعبية والمسلحة للدفاع عن أرضه وحقوقه الثابتة.
وإن استمرار سلطات الاحتلال في تحدي قرارات الشرعية الدولية التي أصبحت مجرد “أحبار على ورق” أمام تعنت الكيان الصهيوني، يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، يتطلب استجابة دولية حاسمة تتجاوز البيانات الشكلية إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل، بما في ذلك وقف الدعم العسكري والمالي، وتفعيل آليات المساءلة عبر المحكمة الجنائية الدولية. كما انه يدعوا الدول المحبة للسلام الى تعميق عزلة إسرائيل دوليًا، ودعم الحملات الشعبية وحركة المقاطعة وفرض العقوبات
إن قرار الكنيست إعلان صريح لتكريس الاحتلال وإنهاء أي أمل بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني؛ ذلك انه يُغلق أبواب التسوية السياسية بشكل نهائي، ويُؤكد أن الصراع مع الاحتلال، انما هو صراع وجودي تؤكده كل ممارسات سلطات الكيان المحتل، إنه يستهدف استئصال الشعب الفلسطيني من أرضه، وفي مواجهة هذا التحدي يواصل الشعب الفلسطيني تمسكه بخياراته المشروعة، عبر المقاومة بكل أشكالها، للدفاع عن حقه في الأرض والسيادة والعودة. وعلى العالم أن يتحمل مسؤولياته التاريخية، ولا يكتفي فقط بإدانة هذه السياسات، بل انه مطالب باتخاذ إجراءات عملية لردع الاحتلال ودعم نضال الشعب الفلسطيني، ففي ظل إمعان سلطات الاحتلال في تحدي العالم، يبقى العمل على تعزيز صمود الفلسطينيين ومقاومتهم الباسلة، هو الرد الأقوى على هذا العدوان، والضمانة الحقيقية لاستمرار القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعدالة والحرية في العالم.