أتابع ما يخرج عن جلسات الحوار الوطنى من أفكار، وأتطلع بشكل خاص إلى جهد الجلسات فى الصحة والتعليم، فالبداية نحو مستقبل يليق بنا لابد أن تكون من هنا على وجه التحديد؛ لأن التعليم الجيد يستثمر فى الإنسان، ولأن الاستثمار فيه لن تكون نتيجته مضمونة، إلا إذا توازى معه استثمار فى صحة الإنسان نفسه سواءً بسواء.
وإذا كانت لجنة الصحة فى الحوار قد اقترحت تعميم التأمين الصحى الشامل والإسراع به، فهذا أمر يسعد كل مواطن، ولا فرق فى الحقيقة بين أن يكون المواطن من المستفيدين من التأمين أو من غير المستفيدين؛ لأن الاستثمار فى صحة الإنسان هو استثمار فى سلامة الوطن نفسه، الذى يعيش فيه المستفيد من التأمين وغير المستفيد.
والمفترض أن التأمين الصحى الشامل بدأ فى عدد من المحافظات كمرحلة أولى، وأنه سينتقل إلى عدد آخر كمرحلة ثانية، وهذا التدرج فى التطبيق سوف يجعل كل مرحلة تأخذ من سابقتها وتضيف، وهذا أيضًا سوف يؤدى إلى بناء نوع من التراكم فى التجربة كلها.
ومن حُسن الحظ أن المشروع يحظى باهتمام رئاسى، وأن الرئيس يمنحه اهتمامًا خاصًا، وأن ذلك يشبه الاهتمام الرئاسى الذى حظى به مشروع « ١٠٠ مليون صحة « الذى استهدف القضاء على ڤيروس سى، وشهدت له منظمة الصحة العالمية من مقرها فى جنيڤ.
وفى وقت سابق كانت إحدى جلسات الحوار قد اقترحت إنشاء مجلس قومى أعلى للتعليم، وكان هذا الاقتراح قد صادف قبولًا وترحيبًا من كثيرين، وكان الترحيب به أمرًا طبيعيًا وفى مكانه؛ لأن مجلسًا كهذا حين يرى النور سيكون نقلة للتعليم من مربع إلى مربع، وبمعنى أدق سيكون خطوة أولى نحو هذه النقلة؛ لأنه سيجعل ملف التعليم بعيدًا عن التأثر بمجيء وزير ورحيل آخر، وسيجعل التخطيط للتعليم بمنأى عن أن يرتبط بهذا الوزير أو ذاك.
وكان الرئيس قد قال إنه سيعمل على الالتزام بما تقترحه مختلف جلسات الحوار، وسيعطى توجيهات بذلك إلى أجهزة الدولة المعنية، وهذا فى حد ذاته ضمانة مهمة جدًا، لأنه إذا كان من المهم أن تفكر الجلسات وتقترح، فالأهم أن تجد أفكارها جهةً تستقبل الأفكار والمقترحات وتنقلها إلى دنيا الناس، وقد تكفل الرئيس بذلك وأعلنه على الجميع.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: خط احمر الحوار الوطني التعليم الجيد نحو مستقبل
إقرأ أيضاً:
«صباح البلد» يستعرض مقال الكاتبة إلهام أبو الفتح : «قانون جديد للتعليم»
استعرضت الإعلامية نهاد سمير، في برنامج «صباح البلد» على قناة صدى البلد، مقالًا للكاتبة الصحفية إلهام أبو الفتح، مدير تحرير جريدة «الأخبار» ورئيس شبكة قنوات ومواقع «صدى البلد»، المنشور في صحيفة «الأخبار» تحت عنوان: «قانون جديد للتعليم».
يناقش مجلس النواب هذه الأيام مشروع قانون التعليم الجديد، وسط انتظار ملايين الأسر والمعلمين الذين يرون في القانون فرصة أخيرة لإصلاح منظومة عانينا منها كثيرًا، فهو يتعلّق بمستقبل أكثر من 25 مليون طالب وطالبة، يدرسون في أكثر من 60 ألف مدرسة، وربع مليون معلم يعانون من ضغط العمل وضعف الإمكانيات، ويلجأ معظمهم إلى الدروس الخصوصية كحل بديل عن وضع غير محتمل.
يطرح مشروع القانون الجديد نصوصًا تُبشّر بإصلاح حقيقي، أهمها إعادة النظر في المناهج لتكون قائمة على الفهم والمهارات لا الحفظ والتلقين، كما يحسّن وضع المعلم من خلال تحسين الرواتب وضمان التدريب المستمر. ويطرح القانون أيضًا دعم التعليم الفني وربطه بسوق العمل، والاعتراف بدور الأسرة كشريك فعلي في العملية التعليمية، بالإضافة إلى محاولة الحد من الدروس الخصوصية من خلال تطوير المدرسة وأساليب التدريس.
ومن أبرز ما يطرحه القانون هو فكرة تعدد مسارات التعليم بعد المرحلة الإعدادية، ما يُتيح أمام الطلاب فرصًا متنوعة، سواء في التعليم العام أو الفني أو التطبيقي، إلى جانب طرح نظام شبيه بـ"البكالوريا" كمسار موحد يضمن العدالة والمرونة، ويكسر فكرة "الفرز المبكر" التي طالما ظلمت طلابًا مميزين.
لكن هذه الخطوة تتطلب جاهزية كاملة في التوجيه التربوي، وبنية تحتية قوية، وتغييرًا في نظرة المجتمع للتعليم الفني بالتحديد، وهو أمر لا يتحقق بقوة القانون فقط، بل بالسياسات والتطبيق الفعلي على الأرض.
في المقابل، ما زالت هناك نصوص تحتاج إلى التوضيح، وتُثير مخاوف من تحميل المعلم مسؤوليات جديدة دون أدوات حقيقية.
والأهم: كيف سيتم التمويل؟ في ظل مدارس تحتاج إلى البنية التحتية الأساسية قبل أي تحوّل رقمي.
وهناك غموض في آليات تقييم الطلاب والمعلمين، ما قد يفتح الباب لاجتهادات فردية وقرارات غير منصفة، تعود بنا إلى الاستغلال من بعض ضعاف النفوس من المدرسين، وتكون نتائجها أكثر ضررًا من الدروس الخصوصية نفسها، التي تستنزف دخل الأسرة وتمثل عبئًا اقتصاديًا تعاني منه الأسر منذ عقود.
التفاوت بين التعليم العام والخاص لم يُعالجه القانون جذريًا رغم خطورته على مبدأ تكافؤ الفرص، كما أن ربط التعليم بالتكنولوجيا يبدو بعيدًا عن الواقع في مناطق لا تزال تعاني من انقطاع الكهرباء أو لا تصلها شبكات الإنترنت، وإن وصلت فهو بطيء أو متقطع.
القانون به الكثير من الإيجابيات التي نحتاج إليها، لكن نجاحه يتوقف على التنفيذ.
نريد قانونًا يشعر به الطالب في فصله، ويحمي المعلم في مدرسته، ويخفف العبء عن الأسرة.