«سقوط موسيقي» أولى عروض مهرجان المسرح العربي بقصر ثقافة الأنفوشى بالأسكندرية
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
انطلقت مساء اليوم السبت، أولى العروض المشاركة بمهرجان المسرح العربي حيث تم عرض مسرحية «سقوط موسيقي» بمسرح قصر ثقافة الأنفوشي بالإسكندرية، ضمن العروض المتخصصة لطلبة وخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.
شهد العرض حضور كبير من الفنانين والطلاب والمهتمين بالمسرح، من جمهور الإسكندرية، وبتواجد لجنة تحكيم المهرجان:" الدكتور محمد العدل المنتج والسيناريست المصري، وحازم شبل مصمم الديكور والإضاءة، والملحن كريم عرفة، والدكتورة أميرة عبد الرحمن، والمخرج عادل حسان" ومدير المهرجان محمد عصمت.
وعبر «عبد اللطيف جريندو»، مخرج العرض المسرحي سقوط موسيقي عن سعادته بالمشاركة في مهرجان المسرح العربي، وأنه في بيته المعهد العالي للفنون المسرحية، لافتًا إلى أن المهرجان العربي يقدم أشياء عديدة لمساعدة الشباب في إظهار العروض والمواهب، إلى جانب أن دورة المهرجان هذا العام تحمل إسم الفنان الكبير ماجد الكدواني وهذا شرف كبير.
وأضاف إن العرض المسرحي «سقوط موسيقي»، يدور إطاره بين حقيقتين، الحقيقة الأولى التي تكون ظاهرة وواضحة أمام الناس، والحقيقة الثانية التي لا نستطيع رؤيتها لتواجدها بداخل الخبايا والنفوس.
وتابع أن المسرحية تجسد مدينة موسيقية جميلة تقوم على فكرة الحياة والطبقات بداخلها، فيوجد الطبقة العليا هم العازفين والراقصين من طبقة الحاكم، ثم الطبقة الثانية وهم من يصنعوا الآلات الموسيقية، والطبقة الآخيرة الدونية وهم من يقطعوا الاخشاب التي يُصنع منها الآلات الموسيقية.
وأوضح أننا نرى في العرض المسرحي المدينة بكل تفاصيلها وطبقاتها، وبداخل المدينة توجد قصتين: قصة الأم واولادها، وقصة الحاكم وكل منهما له زاويتين، من وجهة النظر العامة، ومن الداخل أو المنظور النفسي، مشيرًا إلى أنه طوال العرض نبحث عن الحقيقة التي تكون غير واضحة وذلك لأن لا توجد حقيقة واحدة للبشر وهي القضية التي يناقشها العرض.
وأشار إلى أن المشاركين في العرض المسرحي معظمهم من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، والجميع متميز ولديهم موهبة، متمنيًا أن ما قدمه يكون تم بصورة جيدة ومبهرة، وهو أهم شيئ أن يكون العرض ممتع للجمهور.
يذكر أن عبد اللطيف جريندو، خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، وباحث دراسات عليا، ويمارس التمثيل المسرحي منذ 8 سنوات، اما الإخراج يعد عرض سقوط موسيقي هو ثاني تجاربه في الاخراج المسرحي.
وانطلقت الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العربي مساء أمس بحفل الافتتاح بمكتبة الإسكندرية تحت رعاية الدكتورة غادة جبارة، رئيس أكاديمية الفنون، والدكتورة نبيلة حسن، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية في الإسكندرية والذي تستمر فعالياته حتى 18سبتمبر الجاري.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإسكندرية قصر ثقافة الأنفوشي مهرجان المسرح العربي المسرح العربی العرض المسرحی
إقرأ أيضاً:
تحية لفرقة الدن
في عام 1965 استضافت قرية جبلية صغيرة في بلغاريا تُدعى كوبريفشتيتسا حدثًا لم يتوقع أحدٌ أنه سيغيّر صورتها إلى الأبد. إذ احتشد في هذه القرية آلاف المغنين والراقصين والعازفين الشعبيين، ليقدّموا ما توارثته القرى البلغارية من أناشيد ورقصات وطقوس قديمة. كان ذلك العام بداية المهرجان الوطني للتراث البلغاري الذي سيدفع بهذه القرية الصغيرة إلى واجهة الثقافة الوطنية، ويحوّلها ــ عبر دوراته المنتظمة كل خمس سنوات ــ إلى أكبر ملتقى للتراث الشعبي في بلغاريا، ما حدا بمنظمة اليونسكو إلى إدراج كوبريفشتيتسا في قائمتها للتراث غير المادي، لتثبت تلك القرية الصغيرة الهادئة أن الهامش إذا ما امتلك الرؤية والإرادة والروح الوثابة، فإنه قادر على أن يعيد تشكيل المركز بامتياز.
من هذا المثال البلغاري المشرّف يمكننا أن نقارب الإنجاز الكبير الذي حققته قرية عُمانية من قرى ولاية سمائل اسمها «الدنّ» استطاعت عبر فرقة صغيرة ولدت من حلم بسيط حمله قبل نحو ثلاثين عاما ثمانية طلاب فقط، أن تحقق للمسرح العُماني اليوم حضورًا ثقافيا مميزًا، ليس في الدول العربية فقط، بل تعداه إلى مدن وعواصم أوروبية، لتقدم لنا هذه القرية الوادعة مثالًا يحتذى في كيف أنه يمكن لمبادرة أهلية تبدأ من فضاء ضيّق، أن تتسع، وتتعلم، وتراكم خبرتها عامًا بعد آخر، حتى تصبح مهرجانًا عربيًّا ودوليًّا يستقبل العروض والفرق والفنانين من أنحاء العالم.
حين ظهرت أولى عروض الفرقة «أرجوك يا أبي» الذي أخرجه محمد النبهاني عام 1995، لم يكن أحد يتوقع أن هذا العرض البسيط سيصبح حجر الأساس لمشروع مسرحي متراكم وطويل النفس. فمنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم خاضت فرقة الدن ما يشبه عملية بناء بطيئة، ولكن واثقة، تضاف فيها طابوقة فوق طابوقة. كل تجربة مسرحية، وإن بدت متواضعة، كانت خطوة نحو اكتساب مهارة جديدة؛ وكل ورشة، وكل عرض، وكل نقاش، كان يفتح بابًا نحو فهم أعمق للمسرح. ومع مرور السنوات، تكوّن في فرقة الدن جيل يجيد التمثيل والإخراج وكتابة النصوص وتصميم السيناغرافيا والتعامل مع الإضاءة والصوت، ودمج هذه العناصر كلها بروح الفريق الواحد، الذي يسير على نهج متزن، ورؤية واضحة.
آمن هؤلاء الفتية منذ التسعينيات بأن المسرح نشاط تربوي وجمالي في الآن ذاته. لذا؛ ركزت الفرقة على مسرح الطفل والناشئة، إدراكًا منها بأن الفن الحقيقي يبدأ بتربية الذائقة، وأن الجمهور يُصنَع ولا يُنتظَر، وقد شاهدتُ بنفسي في مهرجان المسرح العماني الماضي كيف أن قاعة عرض فرقة الدن لمسرحيتها «القافر» في مركز عمان الدولي للمعارض والمؤتمرات (من إخراج محمد خلفان) كانت ممتلئة عن آخرها بما يقارب ثلاثة آلاف متفرج.
ورغم أن الفرقة كانت تحقق نجاحا كبيرا في سمائل إلا إنها كانت تطمح منذ البداية أن تجعل هذه الولاية منطلقا لها لآفاق أكبر وأرحب. فبدأت مشاركاتها في المهرجانات العُمانية، ثم العربية، بل والدولية (كما هي الحال في مشاركتها بعرض «الجسر» لآمنة الربيع في جامعة مانشستر)، وفي كل هذه المشاركات كانت تحصد الجائزة تلو الأخرى في مختلف عناصر العرض المسرحي، إلى أن تُوِّجتْ جهودها عام 2022 بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب.
بيد أن النقلة الأكبر في مسيرة فرقة «الدن» جاءت حين قررت أن تتخطى دور «صانعة العروض» إلى دور «صانعة الفضاءات المسرحية». وهكذا وُلِد مهرجان الدن المسرحي الذي بدأ محليًّا، بجهود أهلية خالصة، لكنه حمل منذ بداياته بذرة مشروع أكبر: مهرجان يؤمن بمسرح الطفل، ويحتفي بمسرح الشارع، ويمنح الفرق الصغيرة فرصة للظهور. وما إن جاءت دورته العربية عام 2018 حتى أصبح المهرجان منصة يتنافس فيها أكثر من مائة عرض عربي، مع ورش متخصصة ولجان تحكيم من نجوم المسرح.
ولأن «الدن» لا تركن إلى نجاحاتها، وتسعى دائما إلى تجاوزها، فقد حولت المهرجان العربي بدءًا من عام 2023 إلى مهرجان دولي شعاره: «أهلاً بالعالم في سلطنة عمان»، متضمنا عروضًا من قارات مختلفة، وضيوفًا من بلدان متعددة، وورشًا متقدمة، وزيارات سياحية وثقافية لتعريف الفنانين بُعمان وحضارتها وتراثها. وأصبح المهرجان شكلًا من أشكال الدبلوماسية الثقافية، وصار اسم «الدن» مقترِنًا بصورة مشرقة عن البلد: بلد يرحب بالثقافات، ويحتفي بالفنون، ويمنح المسرح مكانًا يليق به.
وإذْ أوجّه اليوم هذه التحية لفرقة الدن، فإنما أوجهها إلى تجربة ثقافية شاملة: فرقة أهلية تتفتح على مدى ثلاثين عامًا لتصبح مدرسة مسرحية، ومهرجانًا دوليًّا، ومنصة لتكوين جيل جديد من الممثلين والمخرجين والتقنيين والمشتغلين عموما بالمسرح. فرقة أعادت لنا الأمل في المسرح العُماني، وفي قدرته على النهوض حين تتوفر له الإرادة والرؤية والعمل الجماعي، وهذا هو مربط الفرس، وبيت القصيد.
سليمان المعمري كاتب وروائي عُماني