قرار حل «الدعم السريع».. جدل القانون و«الحرب النفسية»
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
أثار قرار رئيس مجلس السيادة الانقلابي السوداني عبد الفتاح البرهان بحل قوات الدعم السريع، بعد ست سنوات من منحها الشرعية القانونية، ردود فعل واسعة بين مؤيد ورافض.
الخرطوم: التغيير
وأصدر رئيس مجلس السيادة الانقلابي، قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، يوم الأربعاء السادس من سبتمبر الحالي، مرسومين دستوريين قضى الأول بحل قوات الدعم السريع، والثاني بإلغاء قانونها لسنة 2017م وتعديلاته لسنة 2019م.
وتزامن القرار مع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، شقيق قائدها محمد حمدان دقلو «حميدتي»، واتهامه بارتكاب جرائم حرب عرقية بولاية غرب دارفور “الجنينة”.
وجاءت هذه التطورات بعد اقتراب الحرب المندلعة بين الجيش والدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى منذ 15 ابريل الماضي، من إكمال شهرها الخامس، الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة بين الرفض والتأييد وتحليلات وتكهنات متباينة بشأن جدوى الخطوة ومدى قانونيتها أو فائدتها في مسار العمليات العسكرية، أو اعتبارها أحد مسارات الحرب النفسية بين الطرفين المتقاتلين.
ونتج عن المعارك بين الجانبين بالخرطوم ودارفور وكردفان مقتل أكثر من 6000 آلاف شخص ونزوح ولجوء أكثر من 5 ملايين داخل وخارج البلاد.
تكوين الدعم السريعولفهم سياقات قرار البرهان ومرجعية تكوين القوات، يجدر العلم بأن “الدعم السريع” المحلولة تقدر بأكثر من 100 ألف مقاتل تنتشر في ولايات السودان المختلفة.
وكانت بداية تكوينها كمليشيا في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، لتحارب بجانب الجيش السوداني ضد الحركات المسلحة بدارفور في 2013، ومنح البشير، حميدتي امتيازات، لم يعطها لغيرة وقبل سقوطه بأيام كان يردد في خطباته الجماهيرية “حميدتي حمايتي”.
وأعطى البشير قائد المليشيا امتيازات كبيرة خاصة في الاستثمار في مجال الذهب وتربية المواشي والعقارات، قبل أن ينقلب عليه ويقف إلى جانب ثورة ديسمبر 2018م التي وضعت البشير وأعوانه داخل السجن.
وتعد قوات الدعم السريع امتداداً لميليشيا الجنجويد التي كونها الشيخ موسى هلال لتقاتل بجانب نظام البشير لإخماد صراع دارفور الذي انطلقت شرارته في العام 2003.
وارتكبت مليشيا الجنجويد جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، بعد اتهامها بقتل أكثر من 300 ألفا في دارفور، في الفترة من 2003- 2008 واتهمت محكمة الجنايات الدولية قادة نظام الإنقاذ البائد بارتكاب تلك الجرائم، وأصدرت المحكمة مذكرة في حق البشير ومعاونيه.
عاصفة الحزموفي العام 2015م، كافأ البشير قوات الدعم السريع بإرسالها إلى المشاركة في “عاصفة الحزم” مع الجيش السوداني الذي يقاتل بجانب القوات السعودية والإماراتية لاستعادة الشرعية في اليمن، الأمر الذي جعل حميدتي يخلق علاقات جيدة مع الإماراتيين والسعوديين، وهذا العلاقات جعلته يلعب دوراً كبيراً في السودان خاصة بعد الإطاحة بنظام الإخوان.
قانون الدعم السريعوأقر برلمان النظام البائد بالسودان في العام 2017م قانوناً يمنح الدعم السريع صفة قوة أمنية مستقلة، بعد أن كانت جزء من جهاز الأمن الوطني، وضغط البشير وأنصاره لتمرير هذا القرار من داخل البرلمان، وسط تصفيق أنصار النظام داخل البرلمان، ووصف قادة عسكريون حينها القرار بأنه كارثي ويعطي حميدتي نفوذاً ليتمدد ويخلق جيشاً موازياً للجيش السوداني.
ويرى مراقبون أن تمدد الدعم السريع زاد بعد سقوط نظام البشير في أبريل 2019م بواسطة ثورة شعبية، تقاسم على إثرها المدنيون والعسكر السلطة، وتم منحه منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم الذي يرأسه قائد الجيش، البرهان. وأكدوا أن قوات حميدتي لم تكن تتجاوز الخمسة وعشرين ألف مقاتل يومها، وحملوا البرهان مسؤولية تمدد الدعم السريع واضعاف الجيش السوداني.
لا شرعيةقائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم حمدان دقلو قلل من قرار البرهان- في أول ظهور له منذ فترة.
وقال دقلو في مقابله بثتها “اسكاي نيوز عربية”: “ليست لديه شرعية ليصدر قراراً بحل قوات الدعم السريع”.
فيما أكد عضو المجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع الباشا طبيق، أن “البرهان، لا يملك السلطة الشرعية لحل قواتهم، وأن “قراره مجرد حبر على ورق”، وقال إنه “لن يؤثر علينا سياسياً أو عسكرياً وسنواصل معاركنا ضد الجيش”.
وفي ذات الاتجاه، قالت الناشطة الحقوقية سامية الهاشمي لـ(التغيير)، إن المادة الثانية عشر من الوثيقة الدستورية حددت صلاحيات مجلس السيادة في إصدار القرارات في ثلاث فقرات على سبيل الحصر وليس من بينها سلطة إصدار المراسيم المؤقتة بسن القوانين أو إلغائها.
قرارات عبثيةويقول عضو الدائرة القانونية بقوى الحرية والتغيير معز حضرة، إن الشعب السوداني كان يتوقع بعد خروج البرهان من القيادة العامة لبورتسودان قرارات لوقف الحرب العبثية غير القرارات التي أصدرها مثل قرار وقف إطلاق النار، وإدخال مساعدات إنسانية للخرطوم. لأنه شاهد بنفسه كيف الخرطوم قد دمرت.
وأضاف حضرة لـ(التغيير): من ناحية قانونية البرهان لا يمتلك الحق في إلغاء قوات لديها قانون بغض النظر عن الجهة التي أصدرت القانون، وهو كرئيس لمجلس السيادة منذ انقلاب 25 أكتوبر كان يتخذ الكثير من القرارات التي لا تجد سنداً قانونياً أو شرعياً.
ووصف ما حدث بأنه يؤكد غياب دولة حكم القانون.
وأكد أن القرار لا يمكن أن يغير على واقع الميدان، وأضاف: “بل يمكن لهذا القرار أن يقلب واقعاً آخر، ربما يؤدي إلى فصل السودان وبناء عاصمة أخرى”.
وتابع: “مثل هذه القرارات عبثية لا قيمة لها كنا نتمنى من البرهان أن يرتقي إلى مستوى الحدث لأنه قد هدم السودان والخرطوم ويتخذ قرارات توقف هذه الحرب العبثية كما ادعى منذ بدايات هذه الحرب”.
غير دستوريفيما رأى الباحث القانوني شاكر الطيب يونس، أن قرار البرهان بحل قوات الدعم السريع غير دستوري ويخالف الوثيقة الدستورية والعرف ولا يعتد به.
وقال: وفقاً للقانون والدستور “الوثيقة الدستورية” الحاكمة لا توجد سلطة تخول البرهان اتخاذ أي قرار سيادي.
وأضاف: “المبدأ القانوني لقرار حل قوات الدعم السريع الذي أصدره البرهان وردت فيه جملة من المغالطات القانونية والتي أفرغته من مضمونه.
وفصلها بالقول: أولاً: لا يستقيم مطلقا إصدار قرار من رئيس مجلس السيادة وفي غياب أعضاء المجلس، الوثيقة الدستورية تحدثت عن مجلس يتكون من 11 عضواً؛ 5 عسكريين و6 من المدنيين ثم لاحقاً أضيف 3 أعضاء من الحركات المسلحة بالتالي الجهة المنوط بها اتخاذ القرار هي “المجلس” وبأغلبية الأعضاء وليس رئيس المجلس.
ثانياً: لم يستند القرار إلى أي مادة من المواد الدستورية أو القانونية.
ثالثاً: وفقاً للتعديلات التي أجراها البرهان نفسه في قانون الدعم السريع بتبعيتها للقائد الأعلى للقوات المسلحة وليس القائد العام والقائد الأعلى للقوات المسلحة هو مجلس السيادة وليس رئيس المجلس.
رابعاً: لم يعد البرهان قائداً للجيش بعد هروبه من القيادة العامة بالتالي لا يعتد بأي قرار يتخذه.
خامساً: لا يجوز اتخاذ أي مرسوم دستوري في وجود دستور مجاز.
سادساً: قوات الدعم السريع لم تتمرد على السلطة إنما تصدت لمحاولة انقلابية من قيادات النظام المباد داخل الجيش.
سابعاً: المرسوم اعترف بأن قوات الدعم السريع أنشئت بقانون مجاز في العام 2017م الجهة التي تنشأ بقانون تحل بقانون لأن المجلس التشريعي واحد من السلطات الثلاث؛ التشريعية التنفيذية والقضائية، بالتالي حل قوات الدعم السريع لا يتم إلا بقرار من أعلى سلطة في الدولة وهو رئيس الجمهورية المنتخب وغير موجود حالياً، تظل القوات كما هي إلى أن تحل اوتدمج في ظل حكومة منتخبة.
الحرب النفسيةلكن الخبير العسكري المقدم (م) عمر أرباب، يعتبر أن هذه القرارات لا يمكن مناقشتها من ناحية قانونية ودستورية لأن النظام نفسه يفتقد للشرعية وهو نظام انقلابي غير معترف به وما زالت عضويته معلقة في الاتحاد الأفريقي.
وقال أرباب لـ(التغيير): إن مثل هذه القرارات ينظر إليها من الواقع على الأرض والقدرة على تنفيذها.
وأضاف: “مسألة حل الدعم السريع هو بمثابة قرار سياسي ويدخل في دائرة الحرب النفسية لإضعاف الخصم”.
وتابع: لكن تظل المواقف الميدانية هي الفيصل والحكم في مثل هذه الأمور، لأن العملية العسكرية أو الحرب تعتبر آخر مرحلة في العمليات السياسية، وبالتالي الذي يستطيع أن يفرض شروطه هو الذي يستطيع أن يحكم سيطرته بقوة السلاح”.
الوسومالجنجويد الجيش السوداني الدعم السريع برلمان النظام البائد عاصفة الحزم عبد الرحيم حمدان دقلو عبد الفتاح البرهان محمد حمدان دقلو (حميدتي) معز حضرة موسى هلالالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجنجويد الجيش السوداني الدعم السريع عاصفة الحزم عبد الرحيم حمدان دقلو عبد الفتاح البرهان محمد حمدان دقلو حميدتي موسى هلال بحل قوات الدعم السریع حل قوات الدعم السریع الوثیقة الدستوریة رئیس مجلس السیادة الجیش السودانی الحرب النفسیة حمدان دقلو فی العام
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع ترد على «هدنة الفاشر» وتتمسك بشروط لوقف إطلاق النار
قالت «قوات الدعم السريع» إنها لم تبلّغ رسمياً من أي جهة بطلب هدنة إنسانية في مدينة الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور) التي تسعى إليها جهات دولية متعددة، لإيصال الإغاثة إلى الآلاف من المدنيين المحاصرين هناك، والمهددين بمجاعة محدقة.
التغيير ــ وكالات
يأتي هذا الرد بعد يوم من موافقة رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على هدنة إنسانية في المدينة لمدة أسبوع، بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.
وقال المستشار القانوني لـ«قوات الدعم السريع»، محمد المختار النور، بحسب «الشرق الأوسط»، إن قواته لن تقبل بأي هدنة لوقف إطلاق النار، جزئية كانت أو غيرها، في الفاشر أو المناطق الأخرى. وأضاف أن «قوات الدعم السريع» لم تتلقَّ أي اتصال رسمي من الأمم المتحدة، أو الولايات المتحدة، كما يتردد، بشأن خطة الهدنة المعلنة. وأشار إلى أن مدينة الفاشر أصبحت خالية بعد أن غادرها آلاف المدنيين إلى مناطق «طويلة» و«كرمة» و«جبل مرة»، وأن الموجودين في الفاشر مقاتلون يتبعونللجيش السوداني والقوات المشتركة للحركات المسلحة المتحالفة معه
وقال المختار إن «قوات الدعم السريع» لن تقبل إلا بوقف إطلاق نار شامل، مرتبط بعملية سياسية لوقف الحرب ومعالجة الأزمة في السودان من جذورها.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد قال، الجمعة، إنه يجري اتصالات مع الأطراف المتحاربة في السودان بهدف الوصول إلى هدنة إنسانية تُمكّن من معالجة الوضع المأساوي في مدينة الفاشر. وأضاف: «تلقيت رداً إيجابياً من الجنرال البرهان، وآمل أن يدرك الجانبان مدى أهمية تجنب الكارثة التي نشهدها في الفاشر». وأكد غوتيريش ضرورة تأمين هدنة لتوزيع المساعدات، وأن يتم الاتفاق عليها مسبقاً بهدف «إعداد عملية توصيل ضخمة للمساعدات» في منطقة الفاشر.
وتؤوي الفاشر بحسب آخر إحصائية نحو نصف مليون مواطن، ونزح إليها عشرات الآلاف من الفارين منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، وظلوا يقيمون في معسكرات «أبو شوك، وزمزم، والسلام». وتعاني المدينة ومخيمات النازحين حولها من نقص كبير في الإمدادات الغذائية ومياه الشرب والرعاية الصحية، ما أدَّى إلى نزوح أعداد كبيرة من المواطنين إلى مناطق في شمال الإقليم. وأفادت وكالات الإغاثة العاملة في المنطقة بأن أكثر من 70 في المائة من سكان الفاشر بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مشيرةً إلى تسجيل حالات وفاة خلال الأشهر الثلاثة الماضية بسبب الجوع والعطش ونقص الرعاية الصحية.
بدورها قالت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر «جماعة محلية»، إن «قوات الدعم السريع» صعدت من هجماتها مستهدفة أحياء سكنية ومراكز إيواء المدنيين، في الوقت الذي أبدت فيه العديد من الجهات الدولية والمحلية ترحيبها بالهدنة المعلنة. وأضافت في بيان على موقع «فيسبوك»: «تعرضت أحياء مكتظة بالسكان تؤوي آلاف النازحين لقصف مدفعي مكثف عنيف، أسفر عن وقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة». وأشارت إلى أن «وتيرة القصف مستمرة منذ وقت باكر السبت، في تحدٍ سافر لدعوات وقف إطلاق النار، لتخفيف معاناة المدنيين، ما يؤكد أن (الدعم السريع)، لن تلتزم بأي اتفاقيات دولية في سبيل فرض واقع عسكري بالقوة».
الوسومالدعم السريع الفاشر المستشار القانوني للدعم السريع شروط هدنة إنسانية