صحيفة البلاد:
2025-10-25@19:44:47 GMT

متى نحتاج إلى إستئصال المبيض و الرحم معاً

تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT

متى نحتاج إلى إستئصال المبيض و الرحم معاً

لا خلاف على أن استئصال المبيض وحده أو بصحبة الرحم مطلوب عندما تتعلق المسألة بمرض خبيث لأحدهما، و لكن النقاش هنا يركز على استئصال المبيض عند الحاجة لإستئصال الرحم بسبب مرض حميد .

ذكرنا في مقال سابق أن استئصال الرحم بسبب وجود ألياف حميدة ، يشكّل نسبة كبيرة من هذه العمليات , يقدر عدد عمليات إستئصال الرحم في أمريكا سنوياً بأكثر من نصف مليون ، غالبيتها العظمى لأسباب مرضية غير خبيثة.

والسؤال هنا : إذا ما كان من الأفضل إستئصال المبايض مع الرحم ؟ كان هذا هو الإجراء الشائع حتى نهاية الألفية الثانية ، لأن هذا لا يزيد من مخاطر العملية جراحياً، بينما يحمى المرأة من سرطان المبيض ، وهو سرطان بالغ القسوة و عادة ما لا يتم اكتشافه إلا متأخراً ، و على أي الأحوال فإن المرأة ليست بحاجة إلى البويضات إذا لم تعد تملك الرحم ، أمّا بالنسبة لوظيفة المبيض في إنتاج هرمونات مهمة جداً لصحة المرأة ، فإن الفكرة آنذاك أن هذا الإنتاج يتوقف مع الوصول الى سن اليأس المعتاد في حوالي الخمسين من العمر، ولذا فإن الإحتفاظ بالمبيض بعد سن الخمسين بدا و كأنه غير مفيد، وأما إذا كان عمر المرأة أكثر من الأربعين ، فإن ما يحبذ إستئصال المبيض مع الرحم هو أنها ستصل للخمسين قريباً ، وأنها تستطيع إستخدام الهرمونات التعويضية .

معظم الأطباء كانوا مع تضمين المبيض في كل عملية إستئصال للرحم تُجري بشكل غير طارئ و لسبب حميد، من حوالى ربع قرن أُرسل إستفسار لأطباء النساء والولادة عن رأيهم الشخصى، وُجد أن الغالبية العظمى تميل الى إستئصال المبيض مع الرحم عند سن 44 عاماً ، و لذا فإن التوجيهات الإسترشادية للكلية الأمريكية لأطباء النساء، كانت تنصح بذلك ، بناء على رأي أصحاب الخبرة.

لكن الزمن جاء بأشياء أخرى، أظهرت الدراسات التى تُجري على فوائد الهرمونات التعويضية ، أن الأستروجين الذي يأتى للجسم من مصدر خارجى ، أقل فعالية بنسبة كبيرة من الأستروجين الذي يأتى من مصدر داخلى أي من المبيض، و ينطبق ذلك على كافة فوائد الهرمونات التعويضية، مثل منع الهبات الساخنة و ما يصاحبها من اضطرابات النوم و القلق و الإكتئاب، ومشكلات الرغبة الجنسية النفسية و العضوية مثل جفاف العضو التناسلى.

مع نهاية القرن الماضى كانت هناك اندفاعة شديدة تجاه استخدام الهرمونات التعويضية ، لأنها تحافظ على الأنوثة، وعندما كثر تعاطى نساء لها في أعمار متأخرة أى حوالى الستين ،ظهر أن استعمالها لا يخلو من محاذير، و تبين أن استخدامها يجب أن يكون لفترة قصيرة و مع احتياطات طبية، و لذا فإن حرمان الأنثى من مبيضها قبل الوصول إلى سن انقطاع الطمث دون سبب، أصبح مستهجناً. (يتبع)

SalehElshehry@

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

معجب العدواني: نحتاج إلى نصوص تتجاوز الهوية المحلية لتصوغ وعيا عربيا مشتركا

حوار ـ فيصل بن سعيد العلوي -

يعد الأستاذ الدكتور معجب العدواني أستاذ النقد والنظرية في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الملك سعود أحد الأسماء التي حافظت على حضورها في المشهد النقدي العربي عبر مسار طويل من البحث والكتابة والتدريس، ففي صوته هدوء أكاديمي واضح الرؤية، وفي فكره تنعكس تجربة قارئ عاشق للنص أكثر من كونه مراقبا له من الخارج... يحمل هما نقديا لا يكتفي بتطبيق المناهج أو تتبعها لكنه يسعى إلى مساءلتها وإعادة توظيفها بما يتناسب مع الواقع العربي ومع أسئلته المتحولة.

في هذا الحوار يتحدث «العدواني» عن موقع النقد في زمن المنصات المفتوحة، وعن العلاقة المعقدة بين النظرية الغربية والنص العربي، كما يتوقف عند صورة المدينة في الرواية، وموقع الأدب في الهرم الثقافي، ودور الجامعة في تغذية المشهد الفكري، حديث يقترب من التجربة أكثر من التنظير ويكشف عن ناقد يرى في القراءة فعلا من أفعال الحياة وليس واجبا أكاديميا أو مهنة محدودة الأفق.

**********************************************************************************************

بداية نتحدث عن موضوع النقد... كيف تنظر إلى موقع النقد اليوم في المشهد الثقافي؟ هل ما زال يحتفظ بدوره في تشكيل الذائقة وتوجيه الخطاب، أم تراجع أمام سطوة الإعلام الجديد وصعود النقد الجماهيري؟

في تصوري أن النقد أصبح حاضرا بقوة في ضوء وسائل التواصل الاجتماعي وكثرة المنتديات، ورغم الشح الذي نلاحظه الآن في كتابة الملاحق الثقافية إلا أن هناك استمرارية واضحة لموجة نقدية نشطة يمارسها عدد من الباحثين المختصين في هذا المجال، وأنا أرى أن النقد لن ينقطع لأن كثيرا من الناس يعلنون تشاؤمهم من غياب النقد مع أنه حاضر وسيبقى مستمرا ما دامت المادة الإبداعية موجودة، لذلك لا أتفق مع الادعاءات التي تتحدث عن غياب النقد أو تأخره عن مواكبة العمل الإبداعي، فالنقد ما زال يقدم رسالته في هذه المنطقة بالتعريف بالعمل الإبداعي وتقديمه في مادة بحثية أكثر عمقا وتنظيما، وحتى مع صعود ما يسمى بالنقد الجماهيري كما أسميته فإن حركة النقد المتخصص لا تزال فاعلة، وأنا أعتقد أن النقد الجماهيري يظل حاضرا أيضا وله أهميته، لكنه يبقى ضمن حدود معينة يتجاوزها بعض الدارسين أو الباحثين، والنقد الجماهيري ضروري حتى لا نقتصر على مستوى واحد من الممارسة النقدية، لكن في الوقت نفسه أرى أن هناك حاجة إلى التوسع في النقد النخبوي إذا صح التعبير، لأنه المجال الذي يمكن من خلاله تعميق الرؤية النقدية ورفع مستوى الوعي الجمالي والمعرفي بالنصوص الإبداعية.

**********************************************************************************************

حول بعض كتاباتك عن إعادة كتابة المدينة العربية في الرواية الغربية.. إلى أي مدى ترى أن صورة المكان العربي ما زالت رهينة التمثيلات الاستشراقية حتى في السرد الحديث؟

فكرة إعادة كتابة المدينة جاءت نتيجة قراءاتي المتعددة في الرواية الغربية المكتوبة باللغة الإنجليزية، فقد كنت آنذاك مشغولا بدرس ما بعد الاستعمار النقدي، ووجدت في هذا الاتجاه النظري قاعدة فكرية قوية استطعت أن أتحرك من خلالها في قراءة النصوص وتحليلها، وأظن أنني وجدت ضالتي في تلك النظرية التي تملكتني في تلك المرحلة، إذ منحتني أداة لفهم الكيفية التي تُصوَّر بها المدينة العربية في الكتابات الغربية، فحين اطلعت على عدد من الأعمال السردية لاحظت قاسما مشتركا بين كثير من الكتاب الغربيين في نظرتهم إلى المدن العربية الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية والقدس، وإلى جانبها المدن السعودية مثل مكة والمدينة والمنطقة الشرقية، وحتى دمشق، حيث تتكرر أنماط معينة من التمثيل تنطلق من خلفية ثقافية غربية ترى الشرق من خلال صورة ذهنية مسبقة لا تخلو من التباس أو استعلاء، وهذه المستويات من التمثيل لا يمكن أن تزول ما لم يتدخل الروائي العربي نفسه ليعيد اكتشاف مدينته بعينه وبخبرته الخاصة بعيدا عن تلك الخلفية المعرفية التي تهيمن على الرؤية الغربية، فالمشكلة تكمن في أن الرحالة الغربي أو الروائي حين يكتب عن الشرق لا يكتب بتجرد تام، بل يستدعي مخزونه الثقافي الموروث عن الشرق، ولو استطاع أن يتحرر من هذا الإرث ويكتب انطلاقا من التجربة المباشرة لاقترب أكثر من الواقع، وأعتقد أننا اليوم نقترب من حالة من التواصل الثقافي والمعرفي قد تسهم في تفكيك هذا المتخيل الغربي وإعادة بناء صورة المدينة العربية في وعي الكاتب الغربي نفسه.

**********************************************************************************************

في ضوء تحولات الخطاب النقدي... هل ما زالت النظرية الغربية قادرة على تفسير النص العربي، أم أننا بحاجة إلى تأسيس جهاز مفاهيمي نابع من التجربة الجمالية العربية؟

أرى أن النظرية الغربية ثرية جدا بما تملكه من مفاهيم نقدية تشكلت استجابة لحاجات المجتمعات الغربية تحديدا، ومع ذلك أعتقد أن وجودها في بيئتنا العربية ضروري وليس ترفا، لأن النقد العربي ما زال في كثير من جوانبه محكوما بأنماط من التكرار وضعف الطموح في الكتابة النقدية، لذلك فالمفاهيم التي تقدمها النظريات الغربية تظل مهمة ومفيدة، لكن علينا في الوقت نفسه أن نعيد صياغتها بما يجعلها أكثر ملاءمة لواقعنا الثقافي والاجتماعي، فلا يمكن استنساخها كما هي لأنها وليدة بيئة مختلفة، بل ينبغي أن تُستوعب وأن تُعاد ترجمتها ضمن إطار الحياة الفكرية العربية، بحيث تصبح جزءا من أدواتنا في فهم النصوص وتحليلها من دون أن تفقد خصوصيتها أو تُفرض على واقع لا يشبهها، وبهذا الشكل فقط يمكن أن تتحول النظرية الغربية من نموذج جاهز إلى طاقة فكرية قادرة على الإسهام في تطوير النقد العربي.

**********************************************************************************************

البعض يرى أن النقد العربي المعاصر انشغل بالمنهج على حساب النص هل تراه كذلك؟

في رأيي أن الإجابة على هذا السؤال ستكون بلا، لأن ما يقدم بوصفه مداخل للدرس المنهجي قد يكون مفيدا في ذاته خاصة للباحثين الذين لم يصلوا بعد إلى استيعاب تلك المناهج، ففهمهم للمفاهيم النظرية يثري محاولاتهم النقدية القادمة ويمنحهم أدوات أعمق في التعامل مع النصوص، وأعتقد أن تركيز الناقد على عرض بعض المفاهيم بطريقة لا تطغى على الجانب التطبيقي أمر مهم، لأنه يسهم في إثراء القراءة ويعمق المستوى التحليلي للنص، كما أن التوازن بين النظرية والتطبيق ضروري حتى لا يتحول النقد إلى خطاب مغلق على ذاته، فالمراجعة المستمرة للمفاهيم النظرية في ضوء النصوص الإبداعية تجعل النقد أكثر حيوية وتفاعلا مع النص، ومع ذلك أنا على يقين أنه لن يكون هناك تطابق تام بين المستويين النظري والتطبيقي، لأن طبيعة الإبداع المتحركة والمتغيرة دائما تجعل من الصعب إخضاعه تماما لأي منهج ثابت أو نمط جاهز في التحليل.

**********************************************************************************************

ولكن كيف نستعيد المتعة الجمالية داخل مقاربات نقدية أكاديمية قد تكون جافة أحيانا؟

في المستويات النقدية بصورة عامة لكل مكون في النص الأدبي أو في العمل الإبداعي نظرياته الخاصة التي تعنى به، والجماليات التي يُقصد بها عادة جماليات اللغة أو التكوين الفني للنص تمثل أحد هذه المستويات التي يختص بها الدرس الأدبي المباشر، فهي تسعى إلى استنتاج منطق الجمال الكامن في النص نفسه، وهذا بدوره خاضع لمدارس نقدية متعددة ومتخصصة، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إغفال حالة الانزياحات التي تحدث في النقد الأدبي كما تحدث في النص الإبداعي، حيث انتقل الاهتمام في مراحل معينة من النص إلى القارئ، أو إلى حضور السياق الثقافي والاجتماعي، أو حتى إلى دراسة المؤلف من منظور نفسي واجتماعي، وهذه التحولات جعلت المناهج النقدية تحاول أن تغطي الجانب الجمالي لكن بطرق مختلفة، فحتى المناهج السياقية التي تبدو بعيدة عن اللغة تطرح جوانب جمالية ولكنها تتعلق بالسياقات التي تحيط بالنص أكثر مما تتعلق بلغته أو تراكيبه، ولذلك نجد في بعض الكتب أن القضايا الكبرى مثل ما يتصل بمفهوم ما بعد الاستعمار، أو القضايا البيئية، أو النسوية، تفرض حضورها بوصفها عناصر جمالية من نوع آخر، لأنها تكشف عن حساسية النص تجاه واقعه الإنساني والاجتماعي، وهذا ما يجعل الحديث عن الجمال في النقد الحديث أوسع من حصره في شرعية اللغة أو في البنية الفنية وحدها.

**********************************************************************************************

باعتبارك استاذا في جامعة الملك سعود كيف تقيّم علاقة الأكاديمي بالواقع الثقافي وهل ما تزال الجامعة حاضنة للجدل النقدي أم أنها أصبحت فضاء منغلقا على ذاته؟

الجامعة في رأيي لم تكن في يوم من الأيام فضاء مفتوحا على إطلاقه بل هي بطبيعتها المؤسسية فضاءات مغلقة نسبيا تقدم إسهاماتها غير المباشرة عبر رسالتها الفعلية التي تتركز على الجانب البحثي والأكاديمي بما يحمله من إيقاع بطيء وجدية مكثفة ومراجعة عميقة، وفي المقابل يظهر الوسط النقدي الآخر أو ما أسميته قبل قليل بالنقد الجماهيري أكثر استيعابا للمستجدات وأوسع حضورا بفعل شيوع جمهوره وانتشاره ودوره في دفع العمل الأدبي إلى مساحات أرحب من التداول والتفاعل، ولهذا فإن الجامعة تظل رافدا تأسيسيا للفكر النقدي عبر تراكمه الهادئ والمنهجي بينما يتكفل المجال الجماهيري بإبراز صدى تلك الجهود وتسريع تفاعلها مع القراء والفاعلين الثقافيين.

**********************************************************************************************

ثمة حديث متزايد عن أزمة القراءة وأفول التأمل العميق.. كيف يمكن للنقد أن ينهض في مجتمع يتجه نحو السرعة والاستهلاك الرقمي؟

ستظل القراءة محورا لا يمكن الاستغناء عنه، ولكن ما يتغير هو الأدوات، فأداة الاتصال بالمؤلف قد تكون كتابا ورقيا كما كانت في السابق، وقد تكون اليوم منشورا على منصة مثل تويتر أو إكس أو فيسبوك أو أي موقع آخر في الإنترنت، وهنا يختلف شكل الاتصال لا جوهره، فالنص في هذه الحالة لا يصبح نصا رقميا بالمعنى الحقيقي لمجرد أنه نُشر عبر وسيلة رقمية، لأن الاختلاف يكمن في الأداة فقط، أما إذا تأثر النص فعليا بوجوده داخل تلك القناة وأصبح تفاعله مع القارئ جزءا من بنيته، أو كُتب بطريقة تضمن ارتباطه بالصورة أو الوسائط الأخرى، فحينها فقط يمكن وصفه بالنص الرقمي، لأن الكتابة الرقمية في هذا المفهوم ليست مجرد نقل النص إلى شاشة بل تحويله إلى تجربة تفاعلية تتشكل فيها القراءة بوصفها جزءا من عملية الإبداع نفسها، ولذلك فإن النقد في هذا السياق مطالب بإعادة النظر في أدواته ليستوعب هذه التحولات دون أن يتخلى عن جوهر العلاقة القديمة بين النص والقارئ.

**********************************************************************************************

يرى بعض المفكرين أن الأدب فقد سلطته الرمزية في العصر الراهن، فهل يمكن للنقد أن يستعيد تلك السلطة عبر بناء وعي جديد باللغة والمعنى؟

أظن أن الأدب فقد سلطته الرمزية منذ زمن بعيد، لكنه مع ذلك ما زال يحمل رسالته التي تبقى حاضرة ومؤثرة في وجدان الأمم والشعوب، ولا يمكن التخلي عنه بسهولة أو تجاوزه مهما تغيرت الوسائط والأزمنة، فالأدب اليوم ليس في قمة الهرم الثقافي كما كان من قبل، لكنه أيضا ليس في أدناه، بل يحتل موقعا متوسطا يتيح له أن يكون حاضرا في لحظات محددة ومؤثرة، وغالبا ما ينظر إليه بوصفه أداة يمكن توظيفها أو استثمارها في قضايا معينة، ولهذا لم يكن الأدب في رأيي في أي وقت من الأوقات تلك القوة المهيمنة كما يتخيل البعض، بل ظل يدور في فلك متغير من التأثير والحضور تبعا للظروف الثقافية والاجتماعية، وأعتقد أن حضوره في المرحلة الراهنة يمكن أن يصبح أكثر فعالية بدعم المؤسسات الأدبية والثقافية التي تمنحه فضاء أوسع للتفاعل والمشاركة وإعادة تعريف دوره داخل الوعي الجمعي، وقد يكون لتفاعل الإعلام والصحافة مع ما ينتج إبداعيا وتفاعل النقاد مع هذه الحركة أثر في دعم الأدب وتعزيز حضوره، لكني لست متفائلا كثيرا بإمكانية أن يسهم ذلك في تغيير وضعية الأدب تغييرا حقيقيا في المشهد الثقافي العام.

**********************************************************************************************

كيف ترى مفهوم الهوية الثقافية في النص الأدبي العربي اليوم؟ هل ما زال النص حاملا لخصوصيته الحضارية أم أصبح جزءا من أدب بلا جغرافيا؟

أتخيل أن لدينا عربيا نصوصا يمكن وصفها بأنها عابرة للأوطان، بمعنى أنها تشكل هويتها الخاصة ضمن هوية جمعية عربية أوسع، فنحن نتحدث عن نصوص دخلت في ذائقة القارئ العربي في مختلف البلدان، وأصبحت جزءا من الوعي الأدبي العام لدى المهتمين بالأدب، وهذا النوع من النصوص ما زال موجودا ويحافظ على حضوره، وفي الوقت نفسه هناك داخل كل وطن عربي نصوص أخرى تمثل حالة من التأسيس للهوية الوطنية الخاصة بكل بلد، وهو أمر طبيعي ومشروع لأن وجود هذه النصوص يسهم في ترسيخ الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء الثقافي، ومع ذلك أنا أركز أكثر على النصوص التي تتجاوز حدود الهويات المحلية لتصل إلى الهويات العربية العامة، لأن من سمات الأدب الناجح أن يكون قادرا على تجاوز حدوده الوطنية وحتى القومية، ليعبّر عن تجربة إنسانية أوسع تجمع ولا تفرق، وتستند إلى الهم الإنساني المشترك أكثر مما تستند إلى الخصوصيات الضيقة.

**********************************************************************************************

في مشروعك النقدي يظهر اهتمام واضح بالمدينة والفضاء والآخر.. هل ترى أن النقد العربي قادر على إنتاج نظرية عربية في المكان تعيد تعريف علاقة الإنسان العربي بالفضاء الذي يسكنه؟

أظن أن دور الناقد في هذا الجانب ليس في إيجاد البدائل أو بناء المشاريع الكبرى بقدر ما هو في الإشارة إلى مواضع الخلل أو المساحات التي تحتاج إلى إعادة نظر، فالناقد لا يصنع التغيير بقدر ما يضيء الطريق لمن يصنعونه، لأن الذين يقومون بالتغيير الحقيقي هم المبدعون والكتاب أنفسهم، فهم القادرون على تحويل الفكرة إلى نص وعلى جعل التحولات ممكنة من داخل التجربة الإبداعية ذاتها، أما الناقد فدوره يبدأ من لحظة الوعي بما يعتمل في النصوص من أسئلة وإشكالات، ومن ثم وضع هذه الأسئلة في سياقها النقدي والمعرفي الذي يمكن أن يفتح الممر أمام العابرين، أي أمام الأجيال الجديدة من المبدعين، فالناقد حين يلتقط قضية أو موضوعا ويشير إليه أو يضعه ضمن دائرة التساؤل فإنه يسهم في تحريك الفكرة وتوجيه الانتباه نحوها، وهذا بحد ذاته تأسيس غير مباشر لمشروع نقدي أوسع، لأن النقد الحقيقي لا يفرض طريقا محددا، بل يمنح وعي النصوص قدرة على رؤية ما وراءها وتجاوز السائد والمألوف في تمثيل المكان والإنسان معا.

**********************************************************************************************

وأخيرا.. ما الذي يدفع الناقد إلى الاستمرار في زمن يبدو فيه كل شيء سريع الزوال هل هو فعل مقاومة فكرية أم أنه أصبح ممارسة جمالية خالصة؟!

أتحدث عن نفسي فأقول إنني أمارس القراءة والنقد بدافع المحبة الخالصة لهذا الفعل، فقبل قليل وأنا أقرأ أحد الكتب وجدت نفسي أتساءل ما الذي يدفعني بعد كل هذه السنوات إلى أن أقضي وقتي في قراءة عمل جديد، واكتشفت أن الدافع الحقيقي هو الحب، لأنني أقرأ كل سطر بتمثل كامل يفوق ما يتخيله القارئ العادي، نقرأ بنوع من الخبرة الجمالية والذائقة المتراكمة عبر عشرات السنين، ولهذا أصبحت القراءة بالنسبة لي جزءا من حياتي ومن نشاطي اليومي، بل ومن أهدافي التي أعمل من أجلها، فنحن كقراء ونقاد نقرأ لنعرّف بالمنتج الإبداعي، ولنصل إلى المستويات العميقة في الأعمال، ولنكون جزءا من هذا الحراك الثقافي الذي يسعى إلى تقديم الجيل الجديد من الباحثين والنقاد إلى ساحة المعرفة والنقاش، فالقراءة بالنسبة لي ليست مجرد عادة أو مهنة بل هي فعل حب متجدد ومقاومة صامتة ضد الركود والنسيان.

مقالات مشابهة

  • معجب العدواني: نحتاج إلى نصوص تتجاوز الهوية المحلية لتصوغ وعيا عربيا مشتركا
  • هرمونات صناعية في طبقك.. كيف يعبث الطعام بجسد المرأة؟
  • 15 عادة يومية تسبب اضطراب الهرمونات عند النساء .. احذري من تجاهلها
  • استئصال ورم ضخم متشابك مع القلب والشريان الأورطي بالدمام
  • اضطراب الهرمونات عند النساء.. خلل صغير يغيّر كل شيء في الجسم
  • حارس توتنهام: نحتاج لجهد كبير لبلوغ دور16 بدوري أبطال أوروبا
  • بعد معاناة هدى المفتي ....كل ما تود معرفته عن استئصال المعدة
  • لأول مرة بالمنطقة ..«تخصصي جازان» ينجح في استئصال ورم سرطاني من عنق الرحم لثلاثينية
  • المستشار الألماني: نحتاج مناقشة كيفية استخدام الأصول الروسية المجمدة
  • اضطراب الهرمونات عند النساء وأسبابه وطرق علاجه