النجاة هي الخلاص من المكروه، والباحث في كتاب الله يجد هذه الكلمة ومشتقاتها في كثير من ثناياه وقصصه، فتجدها واردة في قصص الأنبياء وأقوامهم، كما تجدها في وصف المؤمنين الذين ينجيهم الله من النار ويدخلهم الجنة، وقد بين الله أسباب نجاة الناس، ودعا إلى الأخذ بهذه الأسباب والعمل عليها لكي ينجيهم الله في حياتهم الدنيا ويوم يقوم الحساب.
ومن الأقوام الذين منّ الله عليهم بالنجاة هم بنو إسرائيل، فقد أنجاهم الله في مواقف متعددة، وأعظم تلك المواقف وأكثرها بروزا هو نجاتهم من فرعون وآله الذي كانوا يسومون بني إسرائيل أشد العذاب وكانوا يعتدون على نسائهم ويقتلون أطفالهم، ويجعلونهم عبيدا لهم يقومون بالأعمال الشاقة، فقال تعالى في سورة البقرة: «وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ» وقال ربنا في سورة الأعراف: «وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ» فقد وصفه الله عز وجل بأنه بلاء عظيم كان واقعا بهم، وفي سورة الدخان وصفه ربنا تبارك وتعالى بأنه عذاب مهين، فقال تعالى: «وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ» فقد أنجاهم الله من هذا البلاء العظيم والمهين، ولكنهم رغم ذلك كذبوا نبيهم وعصوه.
وقد أنجى الله بني إسرائيل مرة أخرى وذلك عندما أنجاهم من الغرق في البحر فقال تعالى في سورة البقرة: « وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ» وقال في سورة الشعراء: «فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ» فهي نجاة في نجاة، فقد أراد فرعون أن يقتلهم وأحسوا بالخطر فهربوا منه، وعندما أيقنوا أن فرعون وجنوده سيدركونهم، فلق موسى البحر بعصاه، فأدخلهم في مهلكة ثانية وهي أن يدخلوا في طريق وسط البحر، ولكن الله جعل من الخطر الثاني منجاة لهم ومهلكة لأعدائهم.
وكان الله قد أنجى موسى عليه السلام قبل ذلك فقد أنجاه من الغم بعد أن قتل رجلا من آل فرعون، فقط لكمه لكمة أسقطته ميتا، وهذا فيه دلالة واضحة على القوة الجسدية التي كان يمتلكها موسى، ومن ذلك قوته في رفع الحجر الذي كان يغطي البئر عندما وجد امرأتين تحاولان سقي أغنامهما فسقى لهما، ولكنه بعد أن قتل هذا الرجل، الذي كان لا يريد فعلا قتله، قال هذا من عمل الشيطان، فأنجاه الله من الغم على قتل تلك النفس، كما أنجاه الله من تآمر قوم فرعون الذين أرادوا أن يقتلوه فقال تعالى في سورة طه: «إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى». وفي خبر أصحاب السبت فقد أنجى الله الذين ينهون عن المنكر وأخذ الذين عصوا الله بالعذاب، فقال تعالى في سورة الأعراف: «فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ».
ومن المعجزات الكبرى التي حفظت البشرية وكانت سبب نجاتها ونجاة أنواع كثيرة من الكائنات الحية، هو نجاة نوح والذين آمنوا معه من الطوفان العظيم، وذلك بعد أن ركبوا في السفينة، فقال الله تعالى في سورة الأنبياء: «وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ» فقد أنجاه الله من قومه بعد تكذيبهم له فقد قضى في دعوته لهم 950 عاما، فلم يؤمن معه إلا عدد قليل، وقد استخدم معهم كل أساليب الدعوة فدعاهم في السر والجهر، فقال في سورة نوح « ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا» وكذلك استخدم معهم أسلوب الترغيب، فقال لهم إن الذين آمنوا بالله واستغفروا ربهم سيرسل الله عليهم الخير من السماء ويمدهم بأموال وبنين، ويجعل لهم الجنات والأنهار فقال لهم: « فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا» وقد ضرب لهم في دعوته الحجج والبراهين العقلية لكنهم عصوه واستكبروا ولم يؤمنوا به، فقد وجد أنه لا فائدة من هؤلاء القوم بعد أن استنفد وسعه معهم، فدعا الله أن يهلكهم فقد غلب كفرهم دعوته، فاستنصر القوي العزيز فأرسل لهم الطوفان فأهلكهم، وقد نجاه الله والذين آمنوا معه فقال تعالى في سورة الأعراف: «فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ» وقال في سورة يونس: «فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ»، وتحدث الله عن نجاته في سورة الشعراء فقال: «فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ» وقال في سورة العنكبوت: «فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ».
ومن الذين نجاهم الله عز وجل لوط عليه السلام وأهله إلا امرأته، وذلك بعد أن أرسله الله إلى القرية التي كانت تعمل الخبائث، فعصوه وكذبوه واستمروا في غيهم وضلالاتهم التي كانت تناقض الفطرة البشرية فأرسل الله عليهم العذاب فقال تعالى في سورة القمر: «إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ» وقال تعالى في سورة الأنبياء: «وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ»، وقال تعالى في سورة الأعراف: «فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ».
وأكد على ذلك في سورة النمل فقال تعالى: «فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ» وقال في سورة الأنبياء: « وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ» وقال ربنا جل وعلا في سورة الشعراء: «فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ».
وكذلك أنجى الله صالحا عليه السلام والذين آمنوا معه فقال تعالى في سورة هود: «فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ» وقال تعالى في سورة النمل: «وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ» وأكد الله هذه الآية في سورة فصلت: « وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ».
وقد مضت سنة الله في الأمم السابقة التي كانت تكذب رسولها ولا تؤمن به ومن ذلك إهلاك الله لقوم مدين الذين أرسل لهم نبي الله شعيب فقد أنجاه الله والذين آمنوا معه فقال تعالى في سورة هود: «وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ» وكذلك أهلك الله قوم عاد بعد أن كذبوا نبيهم هودا، فأنجاه الله هو والذين آمنوا معه فقال تعالى في سورة هود:«وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ».
وأنجى الله سيدنا يونس عليه السلام من الغم الذي أحاط به بعد أن التقمه الحوت، فأنجاه الله تعالى بعد أن دعا بذلك الدعاء العظيم فقال تعالى في سورة الأنبياء: «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ف أ ن ج ی ن اه علیه السلام التی کان الله من بعد أن
إقرأ أيضاً:
هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟.. 4 شروط اغتنمها في الأشهر الحرم
هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟، سؤال يكثر البحث عنه خاصة مع تحري العباد لمواسم الطاعات وما أكثرها في الأشهر الحرم، نوضح هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟، وكيف يكون ذلك؟.
هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟تقول دار الإفتاء المصرية إن التوبة من المعصية واجبة شرعًا باتفاق الفقهاء؛ لأنها من أهم قواعد الإسلام، حيث قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 238، ط. دار الكتب المصرية) عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]: [قوله تعالى ﴿وَتُوبُوا﴾: أمر، ولا خلاف بين الأمة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعين.. والمعنى: وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى، فلا تتركوا التوبة في كل حال] اهـ.
وتابعت أن التوبة من الذنوب واجبة، على المذنب أن يبادر بها؛ ليخرج من الدنيا سليمًا معافًى آملًا وراجيًا من الله عزَّ وجلَّ أن يتفضَّل عليه ويُدخله الجنة وينجيه من النار، وإذا تعلَّق الذنب بحقوق العباد فلا بد من التحلل من المظلمة؛ لأن الله تعالى قد يغفر ما كان من الذنوب متعلقًا بحقه، ولا يغفر ما كان متعلقًا بحقوق العباد، إلا إذا تحلَّل الظالم من المظلوم فسامحه.
وشددت على أنه مَن كان مِن المسلمين يفعل ذنبًا أو معصية فعليه بالتوبة من ذلك، وقد تفضل الله تعالى على عباده بقبول توبتهم والعفو عن سيئاتهم، فمتى تاب العاصي من معصيته واستغفر الله لذنبه قَبِل الله توبته وغفر له؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 110]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25]، وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف؛ فعن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه، أن رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» أخرجه ابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والطبراني في "الكبير".
شروط التوبةوشروط التوبة ثلاثة هي:
1- الندم على الذنب.
2- الإقلاع عن المعصية.
3- العزم على عدم العود إليها. ينظر [فتح الباري 12/ 267].
ويضاف إليها شرطاً رابعاً إن تعلق بحقوق العباد، وهو إرجاع الحق إلى صاحبه، فمن سرق أو غصب مالاً فعليه أن يرده أو يتحلل من أصحابه.
وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم التائبين ببشرى عظيمة، فقد أخرج ابن ماجه عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ).
وتكرار الوقوع في المعصية لا يمنع من التوبة منها، وأن التوبة هي العزم على عدم العود للمعصية وليس عدم الوقوع فيها، فإذا رجع المرء للوقوع في نفس الذنب لم تهدم توبته السابقة، لكن عليه بتجديد التوبة.
أخرج البخاري في [صحيحه] عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا- فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ- فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -أَوْ أَصَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ -أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ).
قال النووي رحمه الله: "لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته" [شرح النووي على مسلم 17/ 75].
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: "فلو فعل الإنسان مثل هذا في اليوم مراراً وتاب التوبة بشروطها فإن الله يغفر له" [شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد، ص138].
فعلى المسلم أن يحسن الظن بالله عز وجل، ويتيقن بأن الله يقبل عبادة العابدين، وتوبة التآئبين، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53، وقال جل جلاله: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ) رواه الترمذي.