جيوبوليتيكا القرن الحادي والعشرين: الجيوبولتيكا والسودان (٦-٦)
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
قام أستاذ جامعي شاب يبلغ من العمر 36 عامًا يسمى "بول رومر" في أكتوبر من عام 1990 بنشر نموذج رياضي للنمو الاقتصادي في ورقة بحثية بدا عنوانها بسيطاً جداً ومخادعاً: "التغيير التكنولوجي الداخلي" وفاز بنوبل في ٢٠١٨. خلص رومر في ورقته البحثية أن يعرف العوامل التي تقود الأمم نحو الثراء. يقول رومر إن الأفكار والاكتشافات التكنولوجية هي المحركات الدافعة للنمو الاقتصادي.
منذ انقلاب عبود، دخل السودان نفق الدائرة الشريرة ولم يخرج منه حتى الان. ورغم ان دول عديدة في العالم استطاعت النفاذ من عالم القطبين واستفادت منه للتقدم واستغلت القطب الواحد لتواصل تطورها والخروج من تصنيف الدول النامية (الهند وماليزيا وسنغافورة وفيتنام والبرازيل وغيرها)،
الا ان السودان لم يكن يقرأ كتاب الجيوبوليتيكا اصلاً، وليس في مخايل حكامه او مثقفيه. حتى نهاية القرن كان السودانيون اسرى الداخل سياسياً واجتماعياً واسري الدولارات النفطية خارجياً، مع انفتاح قليل على كليات الغرب ودول شرق اوربا. حتى معهد الدراسات الاسيوية الافريقية الذي من المفترض ان يعمل على جيوبوليتيك هذه المنطقة، كان منغلقاً على داخله وتناسى الغرض الاساسي.
يعجب المرء من قلة اشتغالنا بالجيوبوليتك على كافة المستويات وارجعها في الغالب لنشوء بنية عقلية النخبة من مفاهيم رسختها مجلة "السودان في مدونات ورسائل" وهي مغرقة في المحلية لاحتياجات المستعمر. الغريب ان السودان ومنذ السبعينات شغل اهتماماً دولياً وتدخلات وتدويل لقضاياه. وكانت هذه اول مرة ان الخارج في باب وطنك وانت غير مهتم به.
منذ منتصف التسعينات بدأ السودانيين الانفتاح على عالم مابعد الخليج وليبيا واليمن، ببدء الهجرات الى اوربا والولايات المتحدة واستراليا وغيرها واندماجهم في هذه المجتمعات، خاصة اجيالهم الجديدة. بدأنا نلحظ اهتماماً طفيفاً بالجيوبوليتيكا اخذ يتطور عبر السنوات. وجاءت الحرب وبدأنا نلحظ الاهتمام في بعض اطراف الساحات العامة السياسية والاجتماعية. وسوف نجد في المستقبل القريب ان العالم الذي نعرفه لم يعد هناك وان علينا ان نطالع مراحل نشوء الجيوبوليتيكا الجديدة لنكون جزءاً منه او خارجه. فكيف تبدو صورة جيوبوليتيا المستقبل سودانياً.
بدأت ملامح هذه الجيوبوليتيكا في حرب جنرالات السودان وانخراط القوى القديمة المتلاشية من الكيزان سدنة المشروع الحضاري، الذي تدهور بالوطن لقلة اشتغالهم بتغيرات الجيوبوليتيكا من حولهم في الثلاث عقود التي سيطروا فيها وتضعضع مشروع الامبراطورية العربية الاسلامية التي اودت بحياة رائدها القذافي وحامل لوائها آل دقلو ومنظريها السودانيين. فتوقعات انتهاء عصر النفط والتغيير في طرق التجارة (طريق الحرير الصيني عبر اسيا والباكستان وجنوب اوربا) وقرب انتهاء دور الخليج المالي والتجاري، وعمل مراكز خليجية على احتلال السودان بثرواته وموقعة كمدخل لافريقيا جنوب الصحراء، بإلإضافة لموارده المرغوبة اقليميا ودولياً هو احد اسباب التكالب عليه. وكان في القلب منه منع استمرار ثورته التي امتدت لاكثر من اربع سنوات وتجفيف منابعها حتى لاتصبح عدوى ونموذجاً للاقليم.
الجيوبوليتيكا القادمة تشمل ان يكون السودان على بعد كبير من تطور العلم والتطور. لكن يمكن اذا بدأنا منذ الان في انشاء مؤسسات الابحاث والتطوير في جميع المجالات مستفيدين من علمائنا في كافة ارجاء الارض، ودخول عالم التكنولوجيات كما فعلت الهند عبر رؤية واضحة التزمت بها.
نبدأ من حيث يقف العالم الان، وننشيء مركز السودان للتكنلوجيا من الفتات كما فعلت تايوان في انشاء شركة تايوان لاشباه الموصلات، وكما فعلت الهند في تحويل البلد لمركز القيادة في البرمجيات. وبدلا من غرق علمائنا وعقولنا، في الداخل والخارج في مراكز العلم، في امور السياسة والحكم والمنازعات في المبادرات والطنين ومباريات ال show، ليتفرغوا للوطن لتحويله في الربع القرن الحالي الى واحة للعلم والتقدم ونخرج من جيوبوليتيكا بعانخي والسلطنة الزرقاء لافاق جديدة.
حتى تتمكن بلادنا من الدخول في الجيوبوليتيكا الجديدة، علينا انجاز قضايا تنتمي للقرن السابق من اعادة بناء الدولة بكامل مؤسساتها، خاصة اعادة بناء جيش وطني محترف وحديث ملتزم بعقيدته الوطنية وخارج السياسة والمدن، والوصول لصيغة مناسبة من نظام الحكم المبني على سلطة الشعب، وحياة حزبية برنامجية مستقرة ونظام تعليمي تتم مراجعته لغرس السلوكيات الاخلاقية والوطنية والكفاءة وغيرها. اذا لم نستوعب هذا التغير في عوامل صياغة جيوبوليتيك بقية القرن الحالي عالمياً واقليمياً ومحلياً واستعدينا لها بشكل ملائم ونقرأ تاريخنا ونفهمه، ولا نكرر اخطائه، فسوف نجد انفسنا نكررها وندخل الزمن الجديد كما فعلنا من قبل.
السودان لديه دول جوار في الغرب والشرق والجنوب غنية الموارد وشعوب فقيرة مثله تماما. يمكن ان يقود السودان حركة تغيير افريقية شاملة بدلا من التخبط في الدائرة الشريرة ،التي خبرنا هباءها ودمرنا الوطن، وتحويلها لقوة ضاربة من المدنية والديمقراطية وايقاف مهاجع الفساد ومواجهتها وكسر شوكتها، والمنتشرة في مجمل بلادنا والبلاد المحيطة بنا، وتحويل موقعنا الجيوبوليتيكي من مركز للهجرة والوصول للارض والمياه واستغلال شهامة وكرم السكان الى دافع لبناء كافة الدول بالتعاون المثمر والخالي من الفساد وغسيل الاموال.
السودان بوضعه الجيوبوليتيكي يجاوره دول ضخمة الكثافة السكانية (مصر واثيوبيا) تتعاظم احتياجاتها الغذائية في ظل ضغوط كبيرة من مراكز السلطة والمال الدولية، في حين تتمتع بلادنا بوفرة الارض والمياه والبيئة الملائمة وقليل صناعات. علينا ان نبحث معاً عن اسس جديدة من الندية السياسية، عدم التدخلات والتحول الى لغة المصالح المشتركة، للتوصل لشراكات حقيقية تضبطها اتفاقيات ولخير الجميع وارضاء المصالح المشتركة. بدلاً من الحديث النظري يمكن ان تكون هذه مثالاً ونموذجاً عملياً في تطوير وحدة افريقيا تفتح الطريق لتكوين تجمع اقتصادي اجتماعي مثل الاسيان والوحدة الاوربية وغيرها.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
انهيار أحد أبواب المسجد العمري الكبير في مدينة غزة بفعل الأمطار
أفاد مراسل RT، مساء الجمعة، بأن أحد أبواب المسجد العمري الكبير في مدينة غزة انهار تحت وابل الأمطار.
وفي صباح الثامن من ديسمبر 2024 قصفت القوات الإسرائيلية المسجد العمري، وهو ثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجد الأقصى في القدس، ومسجد أحمد باشا الجزار في عكا، ويعد أحد أقدم أماكن العبادة في العالم.
ويعتبر المسجد العمري الكبير أقدم مسجد في غزة، ويقع في قلب المدينة القديمة قرب سوق شعبية، وتبلغ مساحته الإجمالية نحو 1600 متر مربع، منها 410 أمتار مربعة للمصلى الداخلي، و1190 مترا مربعا لفنائه الواسع الذي كان يحتضن آلاف المصلين.
ويستند المسجد على 38 عمودا من الرخام المتين، تعكس هندسته الطراز القديم، ما جعله تحفة معمارية تتوارثها الأجيال.
أطلق عليه المسجد العمري تكريما لخليفة المسلمين عمر بن الخطاب صاحب الفتوحات، كما يطلق عليه أيضا اسم الكبير لأنه أكبر جامع في غزة.
يعود تاريخ موقع المسجد إلى ما قبل الميلاد، إذ كان معبدا قديما قبل أن يحوله البيزنطيون إلى كنيسة في القرن الخامس الميلادي.
وبعد الفتح الإسلامي في القرن السابع، أعاد المسلمون بناءه مسجدا، قبل أن يتعرض لانهيار مئذنته بفعل زلزال العام 1033 ميلادي.
وفي العام 1149 حول الصليبيون المسجد إلى كاتدرائية مكرسة ليوحنا المعمدان، لكن الأيوبيين استعادوه بعد معركة حطين عام 1187، وأعادوا بناءه.
ثم قام المماليك بترميمه في القرن الثالث عشر، قبل أن يتعرض للتدمير على يد المغول عام 1260، لكنه ما لبث أن استعيد على يد المسلمين وأعيد بناؤه.
وتعرض المسجد للتدمير مرة أخرى بسبب زلزال ضرب المنطقة في أواخر القرن الثالث عشر.
وفي القرن الخامس عشر، رممه العثمانيون بعد الزلازل، ثم تضرر مجددا بالقصف البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى.
وفي العام 1925 أعاد المجلس الإسلامي الأعلى ترميمه ليعود معلما مركزيا في حياة الغزيين حتى دمرته الغارات الإسرائيلية الأخيرة.
هذا، وارتفعت حصيلة الوفيات نتيجة البرد الشديد وانهيار المباني بسبب المنخفض الجوي والأمطار الغزيرة التي هطلت على قطاع غزة إلى 13 قتيلا بينهم أطفال.
وقالت مصادر إن نحو 13 منزلا انهارت على آخرها في حي الكرامة وحي الشيخ رضوان بمدينة غزة، ولا تزال طواقم الدفاع المدني تتعامل مع مئات النداءات والاستغاثات.
وذكرت أن أكثر من 27000 خيمة من خيام النازحين غمرتها المياه أو جرفتها السيول أو اقتلعتها الرياح الشديدة.
وأدى المنخفض الجوي إلى غرق مخيمات كاملة في منطقة المواصي بخان يونس، وتضرر مناطق واسعة في "البصة والبركة" بدير البلح، و"السوق المركزية" في النصيرات، فضلا عن منطقتي "اليرموك والميناء" في مدينة غزة.
وكانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" حذرت الخميس من أن الأمطار الغزيرة وبلل الخيام يفاقمان الظروف الصحية والمعيشية المتدهورة في القطاع المكتظ، مؤكدة أن برودة الطقس وسوء الصرف الصحي وانعدام النظافة ترفع مخاطر انتشار الأمراض، داعية إلى تسهيل دخول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل.