هجوم سيدني.. هل أفشل المنقذ المسلم خطة نتنياهو لتوظيف الدم سياسيا؟
تاريخ النشر: 14th, December 2025 GMT
أثار الهجوم الذي استهدف يهودا كانوا يحتفلون بعيد الحانوكا بمنطقة شاطئ بوندي الشهير قرب مدينة سيدني وأسفر عن سقوط قتلى، تفاعلات سياسية وإعلامية واسعة، تجاوزت إطار التعاطي الأمني مع الحادثة، لتفتح نقاشا حول دلالاتها وسياقات توظيفها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
فبينما ركزت السلطات الأسترالية على توصيف ما جرى كجريمة مدانة تستدعي التحقيق والمساءلة، سارعت إسرائيل إلى ربط الهجوم بسرديات أوسع، تتعلق بمعاداة السامية والاعتراف بدولة فلسطين، ما أطلق قراءات متباينة حول أهداف هذا الربط وحدوده.
وناقش برنامج ما وراء الخبر أبعاد الحادثة، حيث رأى الدكتور راتب جنيد، رئيس الاتحاد الفدرالي للمجالس الإسلامية في أستراليا، أن الهجوم يجب فصله عن أي توظيف سياسي، مؤكدا أن استهداف المدنيين مرفوض أيا كانت الدوافع.
وتقاطع هذا الموقف مع إدانات دينية ومجتمعية واسعة داخل أستراليا، شددت على حماية النسيج الاجتماعي، ورفض تحميل أي جماعة أو مواقف سياسية مسؤولية أفعال فردية، في ظل حساسية المشهد بعد الحرب المستمرة على غزة.
بيد أن المسار الذي اختارته الحكومة الإسرائيلية في التعاطي مع الحادثة اتجه نحو توسيع دلالاتها، وهو ما يقرؤه مراقبون في سياق سياسة إسرائيلية معتادة، تسعى لربط أي عنف يقع خارج حدودها بخطاب معاداة السامية عالميا.
استثمار سياسي
الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى رأى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استثمر الحادثة سياسيا، من خلال ربطها بالاحتجاجات المناهضة للحرب على غزة، ومحاولة تصوير هذه التحركات بوصفها تهديدا أمنيا لليهود في الغرب.
ويأتي هذا الربط، بحسب التحليل، في وقت شهدت فيه أستراليا مواقف رسمية غير منسجمة مع السياسات الإسرائيلية، من بينها الاعتراف بدولة فلسطين، والسماح بتظاهرات واسعة دعما لغزة، ما جعلها هدفا مباشرا للانتقادات الإسرائيلية.
إعلانغير أن تفاصيل الحادثة نفسها أربكت هذا الخطاب، بعدما كشفت التحقيقات أن الرجل الذي تصدى لأحد منفذي الهجوم وانتزع سلاحه كان مسلما، في مشهد لقي إشادة واسعة داخل المجتمع الأسترالي.
هذا التفصيل الإنساني، الذي عكس تعقيد الواقع وتناقضه مع السرديات الجاهزة، قلّص من قدرة إسرائيل على تقديم الحادثة كدليل على تصاعد العداء الديني، وأعاد تسليط الضوء على خطورة التعميم السياسي.
ورغم تراجع نتنياهو لاحقا عن توصيفه الأولي لهوية من حاول إحباط الهجوم، فإن الخطاب الإسرائيلي، كما يرى محللون، واصل تجاهل هذا البعد، مفضلا التركيز على ما يخدم هدف الضغط السياسي على الحكومات الغربية.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور مهند مصطفى إلى أن إسرائيل وسّعت مفهوم معاداة السامية إلى حد بات يشمل أي نقد لسياساتها أو اعتراض على حربها في غزة، ما أدى إلى تآكل تأثير هذا المصطلح في الرأي العام الغربي.
هذا التآكل، وفق متابعين، لم يأت من فراغ، بل نتيجة الاستخدام المكثف للمصطلح خلال العامين الماضيين، حتى فقد جزءا من قدرته على ردع الانتقادات أو إحداث الخوف السياسي الذي راهنت عليه تل أبيب طويلا.
التعاطي الأوروبي
على المستوى الأوروبي، تناول الأكاديمي المختص في قضايا العالم العربي والإسلامي الدكتور صلاح الدين القادري أبعاد التعاطي مع الحادثة، مميزا بين مواقف بعض الحكومات الغربية، والمزاج الشعبي المتنامي داخل مجتمعاتها.
ويرى القادري أن قطاعات واسعة من الرأي العام الأوروبي باتت أكثر وعيا بالفصل بين اليهودية كديانة، والصهيونية كمشروع سياسي، ما يجعل محاولات ربط التضامن مع الفلسطينيين بمعاداة السامية أقل قابلية للتسويق.
وتعزز هذا الوعي، بحسب التحليل، بفعل المشاهد القادمة من غزة، وحجم الخسائر البشرية، خصوصا بين المدنيين والأطفال، وهو ما أعاد تشكيل أولويات التعاطف الإنساني لدى شرائح واسعة من المجتمعات الغربية.
كما أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في كسر احتكار الرواية التقليدية، عبر نقل صور الحرب وتفاصيلها دون وسيط، ما أضعف قدرة الخطاب الرسمي الإسرائيلي على التحكم في اتجاهات الرأي العام.
في أستراليا تحديدا، تبدو فرص استجابة الحكومة للضغوط الإسرائيلية محدودة، في ظل التأكيد الرسمي على حماية حرية التعبير، ورفض الخلط بين الاحتجاج السلمي والعنف، وهو موقف ينسجم مع طبيعة المجتمع التعددي.
ويرى مراقبون أن أي تراجع أسترالي عن هذه المبادئ قد يفتح الباب أمام توترات داخلية، ويقوض الثقة المتبادلة بين مكونات المجتمع، وهو ما يجعل كلفة الاستجابة للابتزاز السياسي مرتفعة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ما الذي تخطط له العدل الإسرائيلية بشأن العفو الرئاسي عن نتنياهو؟
تتهيأ وزارة العدل في دولة الاحتلال الإسرائيلي لاتخاذ قرار بشأن الطلب الذي تقدم به رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، للعفو الرئاسي من المحاكمة التي قد تفضي إلى سجنه حال إدانته بتهم الفساد الموجهة إليه.
ونقلت "هآرتس" عن مصادر رفيعة في النظام القضائي الإسرائيلي قولها، إنه من غير المتوقع أن توصي إدارة العفو بوزارة العدل الرئيس إسحاق هرتسوغ بقبول طلب العفو المقدم من نتنياهو دون إجراء تعديلات.
وأضافت المصادر التي وصفتها الصحيفة بـ"العليا" أنه في حال إجراء تعديلات على الطلب، فقد يؤثر ذلك على القرار النهائي لإدارة العفو. مشيرة إلى أن قسم العفو في وزارة العدل الإسرائيلية طلب مؤخراً من مكتب المدعي العام للدولة رأياً قانونياً رسمياً بشأن طلب العفو كجزء من عملية التقييم.
ويبدو أن النيابة العامة، التي تتولى حاليًا محاكمة نتنياهو الجنائية ، ستعارض العفو عنه، وهو ما يُرجّح أن يؤثر على توصية دائرة العفو للرئيس هرتسوغ. ويُتهم رئيس الحكومة بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وهو ينفي ارتكاب أي مخالفة.
وقالت المصادر، إنه بإمكان هرتسوغ العفو عن نتنياهو حتى لو نصحت إدارة العفو بعدم القيام بذلك. إلا أن مثل هذه الخطوة قد تثير معارضة شعبية شديدة، وقد تُشكّل أساساً للمحكمة العليا الإسرائيلية لإلغاء قرار الرئيس.
وذكرت "هآرتس" أن هرتسوغ من المرجح أن يعقد اجتماعاً بين ممثلين عن دائرة العفو ونتنياهو ومحاميه لمناقشة طلب العفو الذي قُدِّم الشهر الماضي. ولا يُتوقع صدور قرار نهائي بشأن توصية دائرة العفو قبل أسابيع أو حتى أشهر.
ولا يتضمن الطلب، الذي يحمل رسالة من نتنياهو نفسه، أي اعتراف بالذنب أو إبداء ندم من جانبه. ويستند رئيس الوزراء إلى موقف مفاده أن الرئيس يملك صلاحية منحه العفو حتى دون إدانة في القضية، لأن المحاكمة لا تزال جارية. كما أن رسالة نتنياهو لا تشير إلى أي نية لديه للاعتزال من العمل السياسي.
قال هرتسوغ إنه سينظر في الطلب "بمسؤولية وجدية تامة". وأفاد مسؤولون في مقر إقامة الرئيس بأن الإجراءات ستستغرق عدة أسابيع. ويمكن أن يتخذ العفو الرئاسي بموجب القانون أشكالاً عديدة، منها تخفيف الغرامات، وعقوبات السجن، ومتطلبات الخدمة المجتمعية، ومحو السجل الجنائي للمتهم.
قبل البتّ في طلبات العفو، التي يأتي بعضها من أشخاص يقضون حالياً عقوبات سجن، يستشير الرئيس إدارة العفو في وزارة العدل. وتستشير الإدارة، قبل إصدار توصيتها، جميع المسؤولين المعنيين، بمن فيهم موظفو مصلحة السجون الإسرائيلية، والشرطة الإسرائيلية، ومكتب المدعي العام، وموظفو الرعاية الاجتماعية، فضلاً عن ضحايا الجرائم.
ويقوم محامو إدارة العفو بعد ذلك بإصدار تحليل مفصل يأخذ في الاعتبار الظروف الشخصية للشخص الذي يطلب العفو وتفاصيل القضية. ويُرفع هذا التحليل إلى الرئيس مصحوباً ببيان حول موقف وزير العدل من القضية.
ولفتت الصحيفة إلى أن طلب نتنياهو يأتي في وقت تواجه فيه الوزارة عددًا متزايدًا من طلبات العفو بسبب الوضع الأمني منذ هجوم حماس السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والحرب التي أعقبت ذلك.