سام برس:
2025-07-02@05:45:41 GMT

آهات درنة

تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT

آهات درنة

بقلم/ عبد الرحمن شلقم
هكذا أرادت قبضة الطبيعة، أن تهوي على رأس ليبيا، وتهزّ قلبها وتصبّ في عيونها دموعاً، وفي فمها عويلاً يجوب رحاب أنحاء الوطن، يندفع من أفواه وحَّدها نشيد الحزن الوطني الليبي. «دانيال» الرهيب ينفخ فحيح طوفانه فوق البحر الأبيض المتوسط، ومع سبق الإصرار، يقفز إلى جوهرة العقل والإبداع والجمال والتاريخ والثقافة الليبية، مدينة درنة قرطبة البحر الأبيض المتوسط.



مدينة كانت عبر التاريخ، الوعاء الحي للكيان الليبي. هفا إليها الناس من كل أنحاء الوطن. على أرضها جاهدوا الاستعمار الإيطالي، وفي جوامعها التي بناها الصحابة حفظوا القرآن، ودرسوا الفقه والشعر واللغة العربية، فكانت حديقة الحياة والإبداع والفكر والعلم والسياسة. الشعر والفن، بكل أغصانه امتد من شجرتها الباسقة، واستظل به آلاف الليبيين.

«دانيال» الرهيب كأنه طوفان يسكنه وحش مفترس يتخير طرائده. الكائنات التي تنتح عبق الإبداع والجمال وتجعل من المكان والناس جوقة فرح خلَّاق، فهل هناك غير هذه اللؤلؤة الفريدة تندفع إليها مخالب الوحش الهوائي القاتل؟ في ظلام ليل اندفع الماء الكاسر إلى مدينة درنة. غزا البيوت ودفع البشر والحجر إلى بحر الموت. عائلات بمن فيها من النساء والرجال والأطفال، ابتلعهم البحر وغطاهم طين ثقيل، وضرب الموت ضربته الرهيبة.

طين الحزن الثقيل ساح فوق كل ليبيا، فمن لا يحزن على درنة التي فيها من كل أنحائها نفوس وأنفاس، ولها أيادٍ وأرواح في معارك الجهاد، ومنها رجال قادوا مرحلة بناء دولة ليبيا المستقلة، فعلى من سيحزن!.

عندما تشكلت لجنة الستين التي صاغت دستور الدولة الليبية المستقلة، واختار الأمير إدريس السنوسي أعضاء اللجنة العشرين عن إقليم برقة، كان بينهم ستة من مدينة درنة. بعد قيام الدولة الليبية سنة 1952، تولى سياسيون مناصب مهمة في الدولة، بينهم كوكبة من أبناء درنة، وزراء ووكلاء وزارات وسفراء، وفي مجال الاقتصاد حين كانت ليبيا من أفقر دول العالم، تولت نخبة درناوية إدارة الشؤون المالية والاقتصادية وساهمت في بناء رواسي الكيان الاقتصاد الوليد الجديد. يصدق الحديث نفسه في مجالات التعليم والأدب والثقافة وغيرها. النازلة الرهيبة التي حلت بمدينة درنة جوهرة ليبيا، أصابت الليبيين جميعاً في كيانهم وتكوينهم، فتدافعوا من كل صوب نحو شهيق ضميرهم وزفيره. طوت أخبار الموت كل البلاد، وطارت بها وسائل الإعلام إلى كل أصقاع الأرض، لكن للأخبار حرارة النار في قلوب العاشقين.

لم يعش الليبيون أنفاس هول رهيب، مثلما عاشوا وهم يرون ويسمعون صور الدمار العنيف المرعب الذي حلَّ بجوهرة الوطن ووردة حديقة الحياة. درنة.

زلزال المرج الذي ضرب المدينة سنة 1963، اهتزت له ليبيا من أقصاها إلى أقصاها. وتحرّكت نحوها الخطوات والقلوب، وعمَّ الحزن والألم في كل الوطن الليبي. آنذاك لم يكن للإعلام المرئي وجود، ولم تلد العولمة الإعلامية والفضائيات التلفزيونية بمراسليها المنتشرين في كل مدن العالم، وسائل التواصل الاجتماعي تصنع اليوم خيوطاً ساخنة بين البشر. الآن الليبيون يعيشون آهات درنة، تحيا معهم في بيوتهم، ويحملونها ألماً في قلوبهم. الشباب يتنادون من كل مكان ويتوجهون إلى درنة يحملون ما يملكون من مساعدات إلى ديار أيقونة الوطن درنة، تحذوها نبضات قلوبهم.

عاشت درنة مراحل من الألم منذ زمن الاستعمار والفاشية الإيطالية، ودفعت الدم والأرواح، وعانت الفقر والاعتقال، وفي سنوات قريبة مضت، شدّ إليها الإرهاب عنفه ودماره. أرادوا أن يجعلوا منها منصة للظلام، لكن زادها الفكري المتنور صمد بقوة، ولم ينجح الجهل المقدس أن يخترق، ما صنعه العقل المؤهل بالفكر والثقافة وما صح من الدين الإسلامي الحنيف.

آهات درنة اليوم حارة ومؤلمة وحزينة. عائلات بكاملها جرفها طوفان «دانيال». ردم بعضها تحت الطين، وبعضها قذفه في أعماق البحر الأبيض المتوسط. لكن رغم حجم المأساة، ستعود درنة وترفع هامتها التي تسكنها روح الحياة المبدعة، القادرة على مقارعة ومقاومة نوازل الزمن. درنة مدينة امتلكت سر الصبر المقاوم على مدى التاريخ.
تكسرت جميع العصي التي ضربتها، ونهضت تشعل أنوار إبداعها وفكرها وفنها وعلمها. المصاب جلل ومرعب، والحزن الذي يسري في أعطاف الوطن الليبي شرقه وغربه وجنوبه، سيصنع ناقوساً وطنياً يوقظ الغافلين، درنة في هذه الأيام التي فقد فيها الوطن الليبي آلاف الأحبة فوق ارضها، وفي مياه المتوسط، صارت هي الصوت الذي يسري حيَّاً في كل إنسان ليبي، بمن فيهم من طالته غشاوة «الأنا» الجهوية والعشائرية والمصلحة الشخصية العبثية.

مدينتنا المكلومة لها دَين في أعناقنا جميعاً. لها أياد بيضاء على كل أبناء الشعب الليبي؛ فقد كانت قوة للجهاد والعلم والقيادة السياسية التي ساهمت بقوة في بناء دولة الاستقلال.

كل ما في درنة حياة، والموت رغم هوله وثقله ومآسيه، سيعبر، وستعود حديقة الوطن الجميلة، تزف عطر إبداعها إلى فجاج ليبيا بجبالها وشواطئها وصحرائها. لتكن مدينة درنة وما حولها من المدن المكلومة، حلقة الأمل، مثلما هي اليوم حلقة الألم وآهة الحرقة. من الجهل والعقوق، أن يتكدس طمي النسيان على ما حلَّ بدرنة وما حولها من المدن، بعد أيام أو أشهر أو حتى سنوات.

لا بد من تعبئة الموارد المالية والبشرية، وحتى القدرات الطبية بكل تخصصاتها بما فيها النفسية، من أجل أن نستعيد المدينة الليبية التي كانت على مدى الزمن الرافعة الفكرية والثقافية والفنية للوطن كله. نعم، آهات درنة مؤلمة بلا حدود، لكنها في الوقت ذاته، هي ناقوس يقظة صاعق، وومضة ضوء في زمن غابت فيه أضواء عن ربوع بعض الضمائر. كل ضحية من أهل درنة، وما جاورها من المدن المكلومة، عين تنظر إلى كل ليبي، وتكتب بآخر أنفاسها قبل أن يدفنها الطين أو يبتلعها ماء البحر الأبيض المتوسط، تكتب على خريطة الوطن: أنا لم أكن مجرد فريسة للوحش «دانيال»، أو لهياج السدين... فهل تعقلون؟.

*وزير خارجية ليبيا ومندوب السابق لدى الأمم المتحدة الأسبق،

نقلاً عن الشرق الاوسط

المصدر: سام برس

كلمات دلالية: البحر الأبیض المتوسط مدینة درنة

إقرأ أيضاً:

فيديو..تحذير من نشاط غير طبيعي في عمق البحر المتوسط

أثار القبطان البحري “نور” حالة من الجدل والقلق بعد نشره رسالة تحذيرية عبر حسابه على منصة “تيك توك”، أكد فيها وجود نشاط غير معتاد في أعماق البحر المتوسط، وصفه بأنه “ينذر بحدوث كارثة بحرية محتملة في المستقبل القريب”.


حركة الأمواج 

وقال القبطان في مقطع الفيديو: “هناك شيء غير طبيعي يحدث في البحر، حركة الأمواج غير مفهومة، وتردداتها غريبة ومصدرها غير معروف، هذه التغيرات ليست طبيعية، بل وراءها تدخل بشري بنسبة 100%”.

وأشار القبطان إلى أن هذه الظواهر قد تكون مقدمة لحدث استثنائي مثل زلزال أو ثوران بركاني تحت سطح البحر، أو ربما تجارب بحرية سرية قد تكون السبب وراء هذه التحركات الغامضة. وأضاف: “توقعي أن هناك شيئًا كبيرًا يتم التحضير له تحت سطح البحر، إما يتم إخفاؤه أو اختباره”.


 كما لفت إلى رصد ترددات غير مألوفة في باطن البحر خلال ساعات الليل، وهو توقيت نادر لمثل هذه الأنشطة، مشددًا على أن الظروف الطبيعية الحالية لا تبرر هذا النوع من التحركات.

واختتم رسالته بتحذير صريح قائلاً: “ما هو قادم ليس بسيطًا. هناك عاصفة أو كارثة طبيعية أو حتى انفجار ضخم قد يقع قريبًا في البحر المتوسط”.

وحتى هذه اللحظة، لم تصدر أي جهة رسمية  تؤكد أو تنفي ما ورد في تصريحات القبطان نور، إلا أن حديثه أعاد تسليط الضوء على قضية التغيرات البيئية والمناخية المفاجئة التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة، خاصة في المناطق البحرية الحساسة.

طباعة شارك القبطان البحري تيك توك البحر المتوسط كارثة طبيعية زلزال

مقالات مشابهة

  • قبطان يرد على شائعات الموجات المدفونة تحت البحر
  • هل يشهد البحر المتوسط موجات تسونامي خلال الأيام المقبلة؟
  • رنين شومان.. هل له أي علاقة بكوارث قادمة في البحر المتوسط؟
  • وداعًا يا مريم.. قصة الفراشة التي اختطفها البحر في تونس
  • فيديو..تحذير من نشاط غير طبيعي في عمق البحر المتوسط
  • هل غرقت في الأعماق؟.. قصة الطفلة مريم التي اختفت وسط البحر في تونس
  • المؤسسة الوطنية للنفط تؤكد حقوق ليبيا السيادية على موارد شرق المتوسط
  • الوطنية للنفط تتمسك بحقوق ليبيا السيادية في استكشاف الموارد الهيدروكربونية شرق المتوسط
  • الوطنية للنفط تشدد على حقوق ليبيا السيادية في موارد شرق المتوسط وتؤكد التزامها ببرامج الاستكشاف
  • “قناة ليبيا الأحرار” من وسط تركيا تقف مع اليونان