عربي21:
2025-06-25@15:58:13 GMT

حركة فتح: غياب البرنامج وحضور القبيلة

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

تتميز الحركات والأحزاب السياسية بأنها تتصدّى للتقدم ببرامج ومشاريع وحلول وأفكار للرقيّ بمجتمعاتها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وتحرريًا وتنمويًا وعلميًا وتكنولوجيًا.. إلخ. تسعى هذه الكيانات السياسية إلى إقناع أوسع دائرة شعبية ممكنة والحصول على تأييدها ومؤازرتها من خلال الانتماء العضوي أو التأييد الشعبي وذلك لحمل أوسع دائرة ممكنة على التماثل مع برامجها ورؤاها.



كانت حركة فتح ذات يوم أكبر وأهم حركة سياسية فلسطينية، وكان لديها برنامج متكامل ومتفائل يقوم على عقيدة "تحرير فلسطين"، ولكن سرعان ما تعرّض هذا البرنامج إلى عدة خضّات ومواجهات حتى تم التخلّي عنه نظريًا وعمليًا، وأخذت "فتح" تعتنق فكرة أن السلام هو خيارها الاستراتيجي الوحيد، فيما يشبه بالمقلوب الشعار النقيض السابق: "الكفاح المسلح هو خيارها الوحيد"!

ثم اعتنقت حركة فتح مشروع إقامة دولة فلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967، وهذا المشروع كان قد وصل إلى نهاياته مع انهيار مفاوضات كامب ديفيد 2000، وهناك اليوم تعميم يأسٍ شامل، ونفضِ يدٍ من إمكانية تحقيقه.

وقبل وبعد انهيار هذا الخيار يتساءل المرء: ما هي المساهمة البرامجية والمقاربة السياسية – الاجتماعية – الاقتصادية التي اقترحتها "فتح" على مجتمعها وناسها؟ في الحقيقة أن مجمل التقارير والتحقيقات المحلية والدولية التي رصدت أداء مؤسسات السلطة منذ قيامها ولغاية اليوم (وهي السلطة التي أنشأتها حركة فتح على مقاسها ووفق محدّداتها)؛ والتي تناولت قضايا الحوكمة ونجاعة الأداء الإداري والمهني، تحدثت طيلة الوقت وبشكل منتظم عن "فساد مستشرٍ" وأن أي مراجعة لكفاءة المؤسسات الأساسية كتلك المتعلقة بالتعليم أو الصحة، أو حتى الأمن الذي هو مهنة فتح وملعبها الأول، ستكشف لنا عن منظومة مهترئة.

فحتى لو لم تتمكن حركة فتح من إنجاز قيام دولة، فإنها برهنت عن فشل ذريع في خلق "مؤسسة" – من أي نوع – ذات نجاعة وجَوْدة في الأداء. سنكتشف أننا على هذا الصعيد قد غَزَتْنَا جميع أمراض حالة الفساد المستشرية في الدول العربية التي قَدِمَ منها جنود منظمة التحرير المُتعَبين. كانت الخبرة الأساسية التي اقتبسوها من واقع الدول العربية التي جاءوا منها، هي مهارات السطو على مقدّرات المجتمع وسرقته وممارسة السلطة بطريقة "التسلّط"، وقد تلوّن ذلك الفساد كلّه؛ ليس فقط بذلك الميراث المتنوع والمتراكم من ألوان الفساد المستورد من العالم العربي، إنما أُضيف لهذه الخلطة من الفساد متعدد المشارب، الميزة الهجينة لفساد خاص "بفلسطينيي أوسلو"، وهو أنهم يمارسون هذا الفساد المركّب تحت سقف الاحتلال!!

الغريب والعجيب أنه مع كل هذا الفساد المتراكم، وهذا المآل من الفشل والإفلاس السياسي المُثقل بخيبات الأمل، فإنك تعثر في حركة فتح على نوع من "الحميّة" والعصبية لا تزال تعبيراتها ظاهرة وربما محيّرة! فبالرغم من انمحاء مبادئ الحركة الأساسية، واستنساخ أهدافها واستبدالها بأهداف أخرى، وأفول برامجها القديمة، وانطواء صفحة القيادات الكاريزماتية الآسرة فيها، فإنك تتساءل: ما الذي يجعلها باقية، بل ومنافِسة، ومُكاسِرة، ومغالِبَة. بل وترى أن من حقّها أن تحتكر قيادة شعبها، ما هو ذلك الشيء الجدير الذي يجعلها قائمة وكأن شيئًا من الأهوال لم يحدث؟!

في الحقيقة، ليس هناك من تفسير لذلك سوى طغيان "روح القبيلة"، وهذا ما نلمسه من تعبيرات قيادات فتح الحالية التي يُعلن كثير منها وبصراحة ووضوح بأن فتح "قبيلة سياسية". نلمس ذلك أيضًا في الألفاظ المستخدمة عندما يكون هناك تناديًا لفزعة بهدف حشد الفتحاويين داخليًا للرد على ما يعتقدونه تجاوز الآخرين على "حق فتح في حكم الشعب الفلسطيني". ومن ذلك استخدام مفردة "أيها الفتحاويون" وأشباهها التي تأتي بصيغة جمع المذكر السالم المرفوع، حتى لو كانت قواعد اللغة تقتضي كسره. وذلك من باب التفخيم والتعظيم والتهييج!

كما أنك عندما تُمعن النظر في كيفية تعامل فتح مع الخارجين منها أو الفاسدين فيها، فإنه يُدهشك سلوكها، الذي أعاد إلى صفوفها وبسلاسة، جموعا كثيرة من الذي خرجوا منها وانشقّوا عنها وقاتلوها في الانشقاق الكبير عام 1983 (وهذا – كما نعتقد – ما يمكن أن ينطبق ذات يوم على محمد دحلان وتيّاره، وأشباهه من حالات). أما الفاسدون، بل من هم أشد فسادًا على القدرة في قيادة هذه الحالة العليلة التي غدت تمثلها حركة فتح.

وفي التجربة أيضًا، التي تزكّيها مئات أو آلاف الشواهد، فإنه من وجهة نظر "قبيلة فتح"، يُعتبر أعضاؤها الذين غادروا صفوفها وانتموا إلى تنظيمات أخرى كحماس أو الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية مثلًا، هم نفوذ جديد ومكتسب لهم في تلك التنظيمات (فمهما شرّق أو غرّب الفتحاوي فمآله ومرجوعه في آخر المطاف إلى القبيلة الفتحاوية). لا، بل إن عمل بعض أعضاءها في صفوف أجهزة استخبارات إقليمية أو دولية أو حتى "إٍسرائيلية"، يُعتبر من وجهة النظر هذه، وكأنه أصبح لقبيلة فتح "رِجْل – موضع قدم" عند هذه الجهة أو تلك؟!

حدّثنا فيصل حوراني في الجزء الخامس من سيرته الذاتية المثيرة عن ملاحظاته النافذة، التي قصد بها – كما صرح – بشكل أساسي رجال حركة فتح (قيادات وأعضاء) عندما أطلق عبارته الشهيرة عن هذا النوع من الرجال: "رجُلُ الشّيْء ونقضيه"، فمثل هؤلاء الرجال – الذين أسهب حوراني في وصف سلوكهم – لا نجد عند أحدهم مانعًا أن يكتب تقريرًا لسلطات الاحتلال يُوشي فيه عن بعض المقاومين أول النهار، وتجده هو ذاته – في نهاية النهار – مع مجموعة أصدقاء يُطلق النار على دورية إسرائيلية!!

هذه المتناقضات – حسب تعبير حوراني – وهو الكاتب الصحفي المخضرم الباحث المدقق  عجز عن إيجاد مُفردة في قواميس اللغة العربية تصلح لوصفها!

يتساءل المرء بعد كل ذلك، ما الذي تريد حركة فتح إنجازه ولم تنجزه بعد؟ وإلى أي برنامج أو سياسات تدعو شعبها إليه أو إليها؟

منذ توقيع اتفاق أوسلو، وحركة فتح تُحدثنا عن "المشروع الوطني"، وقد أقام الأكاديميون والمفكرون ندوات، وورشات، ونقاشات، ومقاربات، وكتابات حول ذلك المشروع. سيتبيّن لنا في الممارسة وعند المنعطفات (التي كان آخرها ردّ فعلها الغريزي المتشنّج على موقف أهل مخيم جنين في ذيول وأعقاب المواجهة الأخيرة في المخيم يوم 3/7 الماضي) التعريف الجوهري الحقيقي الذي تعتمده وتتبناه حركة فتح، وهذا التعريف الفتحاوي للمشروع الوطني برأينا هو، "حق فتح الحصري"، واحتكارها لقيادة الشعب الفلسطيني، وهي لا تتحمل لا من قريب ولا من بعيد أن ينازعها أحد ذلك الحق!!

باعتقادنا، أن حركة فتح في هذا الشأن مثلها مثل جميع الأحزاب الوطنية والقومية التي حكمت العالم العربي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (من حزبيْ البعث في العراق وسوريا، إلى الناصريين في مصر، ثم حزب جبهة التحرير الجزائري.. إلى باقي الأحزاب المماثلة في ليبيا واليمن والسودان وتونس.. وغيرها).

وهذا يُحيلنا إلى معضلة معضلات السياسة في المنطقة العربية وتشوّهاتها، كما يُحيلنا إلى مراجعة مسألة إمكانية نجاح "الديمقراطية" في بلادنا، ثم النظر إلى عوامل إعاقة "التحول الديمقراطي".

نعتقد أنه يجدر العودة إلى نظريات ابن خلدون وملاحظاته العميقة حول الاجتماع العربي، ودور العصبية والبداوة والنزعة القبلية، ثم دور العقيدة ومفاعيلها؛ لنعود من حيث ما انتهى إليه ابن خلدون، ثم ما انتهى إليه التيه العظيم الذي عَبَرتْه شعوبنا – ولا تزال – في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية لغاية اليوم، ليتم تشييد بنيان يأخذ في الاعتبار تحولات العصر!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فتح فلسطينية الاحتلال احتلال فلسطين فتح حول العالم مقالات مقالات مقالات أفكار سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حرکة فتح

إقرأ أيضاً:

تاريخ الإنجاز!!

صباح محمد الحسن طيف أول: المرير حقاً في مايعانيه الوطن أن قلوب شعبه جفّت في مسافة الفراغ المتسامي فيما بينهم !! ويواصل رئيس مجلس الوزراء في عملية “تلوين الغلاف” لكتاب الوطن بالرغم من أن صفحاته بعضها ممزق وبعضها محروق وكثير منها مفقود ولكنه لايبالي لمابداخله ويكيفه فقط أن يكتب أسمه رئيسا للوزراء!! وصحيفة “التيار” بالأمس قالت إن رئيس مجلس الوزراء د.كامل ادريس أكد على ضرورة تعزيز الدور الرقابي في مؤسسات الدولة، خاصة ديوان المراجع العام، مشددًا على التزام الحكومة بالشفافية والنزاهة في إدارة المال العام، جاء ذلك خلال زيارة بمناسبة تفقده لمقر ديوان المراجع العام في مدينة بورتسودان وخلال اللقاء مع المراجع العام صلاح الدين محمد عثمان، أوضح أن الاجتماع تناول عددًا من القضايا المتعلقة بالمراجعة المالية وولاية الديوان، كما تم بحث سبل تعزيز الكفاءة الفنية والدقة والإستقلالية لحماية المال العام وأكد أن ديوان المراجع العام يعمل باستقلالية وحياد تام!! مستعرضًا إنجازات الديوان التي تمثلت في حصوله على المركز الأول في مؤشر الاستقلالية بين الأجهزة الرقابية على مستوى الدول العربية، والثاني على مستوى أفريقيا، والسابع عشر عالميًا ، وفقًا لتصنيف البنك الدولي). والغريب إن الإنجاز الذي إحتفى به المراجع العام وقدمه وكأنه تم في عهد السلطة الإنقلابية، هو تقرير للبنك الدولي الذي صدر في 2021 أي في عهد حكومة الثورة التي سخّرت آلياتها لمحاربة الفساد وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو، وحتى وقتذاك لم يسلم التصنيف وطالته إنتقادات لاذعة من خبراء ومختصين، من دول عربية عزت الي انه كان تقريرا ضعيفا يفتقر لأهم المقومات وان كثير من الدول العربية لم تشارك فيه، سيما أنه ذكر ضعف العلاقة بين محاربة الفساد والاستقلالية بمعني انه حتي الدول التي أحرزت درجات عالية من الاستقلالية، لم ينتج عن هذا تحسن كبير في مكافحة الفساد!! بالإضافة الي أن أهم نتائج التقييم ذكرت أن التقرير اظهر أن تعيينات المراجع العام علي مستوي البلدان التي خضعت للتقييم لم يتم بشفافية وإنما هو قرار سياسي للحزب الحاكم الواحد وللعلم إن في ذلك الوقت كان المراجع العام الطاهر عبد القيوم الذي تم تعيينه في عهد البائد وبقى في منصبه لسنوات عديدة ورفض قرار الإعفاء من قبل حكومة الثورة ، حتى تم نزع الديوان منه إجباري ، فهو كان حقا يجسد التعيين بالقرار السياسي مما يسبب ضرراً باستقلالية المراجع العام فتقرير البنك الدولي يأتي بناءً على وجود النصوص التي تعطي الديوان الإستقلالية لطالما أنها بصدر القانون، لكن تبقى القضية في مدى تطبيقها على أرض الواقع وهذا مالم يحدث!! و”زيرو فساد” تحرزها الدول بتطبيق النصوص وليس بوضعها على الورق وبالعودة الي حديث المراجع العام انه انجاز تم في “الاعوام الماضية” فهو حديث تضليلي مزيف لأن هذه الأعوام ربما تحسب لسنوات الإنقلاب وذكر المراجع كل شي إلا تاريخ الإنجاز ،و لم يستطع القول أنه تم في عهد حكومة الثورة ومعلوم أن السودان ومنذ العام “89” لم يكن يوما دولة مثالية في محاربة الفساد بل العكس كان يقننه و”يحلله” ، وكامل ادريس يجب أن يعلم انه ومنذ تاريخ التقرير في العام 2021 لم يصدر البنك الدولي أي تقرير آخر فالمراجع العام قدم تقريرا ليس في عهده وانجازا ليس من انجازاته !! والفساد في السلطة الانقلابية يبدأ من مكتب المراجع نفسه ، مرتباته ومخصصاته وبدلاته المليارية سياراته التي ببورتسودان و”المخزنة” بمدينة خشم القربة، وكذلك حصته المعلومة في المال العام ضمن الدائرة الإنقلابية الفاسدة فالمادة “٧/ ٢ /ج” من قانون ديوان المراجعة القومي أعطت الديوان الحق في طلب تعديل القوانين إذا كانت غير ملائمة أو فيها هدر للمال العام لكن استغلها المراجع العام السابق والحالي وأجازوا بها مخصصات للمراجع العام ونوابه ، بقرارات خارج القانون، فالمراجع “الذي لايراجع ” ، لن يكون نموذجا جيدا لمحاربة الفساد لأنه والغ فيه وبهذا يبقى حديث رئيس الوزراء عن أن أسباب الإجتماع بالمراجع أنه يأتي في إطار جهود الحكومة لتعزيز الشفافية والمساءلة، هو حديث إستهلاكي لطالما أن المراجع العام لم يتحدث عن انجازاته في مراجعة المال العام المنهوب ومناهضة الفساد في الدولة منذ توليه منصبه ،فالرجل تم تعيينه من البرهان مباشرة، و تكليفه جاء مخالفا لقانون الديوان وقانون معاشات الخدمة لأنه ليس له زمالة المحاسبين القانونيين ، ووصل سن المعاش في2011 ، ويعتبر تعيينه تعيين سياسي بسبب أنه كادر إسلامي حتى قرار تكليفه مراجعا عاما، لم يقرر في جلسة لمجلس السيادة إنما صدر بتوقيع البرهان لذلك فإن الزيارة يمكن أن يكون لها علاقة بكل شي إلا الشفافية. !! طيف أخير: بيان الخارجية ضد “صمود” بسبب زيارتها لدولة جنوب افريقيا “غيرة سياسية” واضحة تؤكد أن الدور الذي عجزت عنه الخارجية الدبلوماسية السودانية يصبح مزعجا إن قامت به جهة غيرها. نقلاً عن صحيفة الجريدة السودانية الوسومصباح محمد الحسن

مقالات مشابهة

  • لم يحضر أحد .. غياب تام للفنانين فى جنازة الفنان عماد محرم.. فيديو
  • تاريخ الإنجاز!!
  • بعد غياب سنوات.. سيد صادق باكياً: محمد رضا كان أبًا لي وسبب حبي للتمثيل |خاص
  • ملعب القرب بالمحاميد: غياب العلم الوطني يثير تساؤلات حول أهمية الرمز
  • غياب ميتروفيتش عن مواجهة باتشوكا
  • اغتيال رموز القبيلة.. الوجه القبيح لخطة الحوثي في إضعاف الجوف
  • محمد رمضان يعود للسبكي بعد غياب 7 سنوات بفيلم جديد
  • الرد الإيراني: السعودية تدين، وواشنطن تؤكد غياب الضحايا
  • بين التكتيك والاستراتيجية... أين تقف إسرائيل بعد الضربات التي تلقتها إيران؟
  • رسميا .. غياب أوسوريو لاعب كندا عن بقية مباريات كأس الكونكاكاف