السودان.. معارك ونزوح بالأُبيض وقوى مدنية تدعو لإنهاء الحرب
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
تواصل القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدد من المناطق، وخاض الجانبان اليوم الثلاثاء معارك في مدينة الأُبيّض. وفيما دعت قوى مدنية لإنهاء الحرب، دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن وفيات الأطفال في البلاد.
وقال مراسل الجزيرة إن قوات الدعم السريع تقدمت ظهر اليوم من الناحية الغربية بالأبيض نحو حي الوحدة وحي العشر ومحطة سبعة، وتبعد هذه المناطق نحو 6 كيلومترات من مركز المدينة.
لكن قوة من الجيش السوداني تصدت لقوات الدعم السريع وأجبرتها على التراجع والانسحاب غربا لمناطق تمركزها السابقة، وفق المراسل.
وأشار مراسل الجزيرة إلى أن قوة أخرى من الجيش تقدمت نحو أحياء في شمال المدينة، مما أدى لانسحاب قوات الدعم السريع.
وأدت العمليات العسكرية لإصابة اثنين من المدنيين بجروح، كما تم إغلاق السوق الكبير بوسط المدينة مع توقف حركة المواصلات العامة وفرار عشرات الأسر من نواحي غربي المدينة.
أصوات مدنية
في السياق ذاته، دعت "الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية" للإسراع في تشكيل إطار مدني موسع لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة على أساس مبادئ وأهداف ثورة ديسمبر.
جاء ذلك في ختام اجتماعات عقدتها هذه الجبهة في أديس أبابا.
وأدانت القوى المشاركة في الاجتماعات الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع من قتل واحتلال للمنازل والمستشفيات ونهب الممتلكات والاعتقالات والخطف والاغتصاب والكثير من الجرائم البشعة، حسب بيان صادر عن هذه القوى.
كما أدانت كافة الانتهاكات من قتل وقصف جوي للمدنيين واعتقالات تعسفية تمت بواسطة الجيش السوداني، ودعت لإجراء تحقيق شفاف حولها ومحاسبة كل المتورطين فيها.
ومن بين المشاركين في هذه الاجتماعات: قوى الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي ولجان مقاومة وكيانات مهنية وفئوية.
واتفق المجتمعون على إنشاء آلية وطنية لجبر الضرر والتعويضات تشمل الجهات ذات الصلة، تعمل على حصر كافة الأضرار التي وقعت جراء الحرب، وأكدوا أن أي حل سياسي لإنهائها يجب ألا يُسقط مبدأ التعويض العادل والمنصف لكل من تضرر وتأذى من الحرب.
ومنذ أبريل/نيسان الماضي تشهد العاصمة الخرطوم ومدن أخرى معارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، مما أدى لمقتل الآلاف ونزوح أعداد كبيرة من الناس هربا من الموت.
الحصبة والملاريا
وفي الجانب الإنساني، قالت وكالتان تابعتان للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء إن أكثر من 1200 طفل لقوا حتفهم بسبب الاشتباه في إصابتهم بالحصبة وسوء التغذية في مخيمات لاجئين بالسودان، كما أن عدة آلاف آخرين من بينهم أطفال حديثو الولادة معرضون لخطر الموت قبل نهاية العام.
وأضافت الوكالتان أنه بعد مرور ما يزيد على 5 أشهر على الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يوشك قطاع الرعاية الصحية في البلاد على الانهيار التام بسبب الهجمات المباشرة من الطرفين المتحاربين بالإضافة إلى نقص الموظفين والأدوية.
وقال رئيس قطاع الصحة العامة في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ألين ماينا إنه منذ مايو/أيار الماضي توفي أكثر من 1200 طفل دون سن الخامسة في 9 مخيمات داخل السودان يقطنها لاجئون من إثيوبيا وجنوب السودان.
وأضاف أن هناك نحو 3100 حالة اشتباه في الإصابة بالحصبة و500 بالكوليرا تم الإبلاغ عنها من أنحاء البلاد في الفترة ذاتها، إضافة إلى بؤر تفش لحمى الضنك والملاريا.
وقال مسؤول في منظمة الصحة العالمية إن عدد الهجمات المؤكدة حتى الآن في السودان على قطاع الرعاية الصحية بلغ 56 هجوما منذ بدء الحرب وإن ما بين 70 و80% من المستشفيات في الولايات التي تشهد معارك وصراعا خرجت من الخدمة.
وعبرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) عن قلقها من موت "عدة آلاف من الأطفال حديثي الولادة" من بين 333 ألفا من المتوقع ولادتهم قبل نهاية العام.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الجیش السودانی الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
توثيق ذاتي لمفقودي جرائم الدعم السريع بمخيم زمزم
الفاشر- أين أنت يا هارون؟ سؤال يتردد، يوميا، في ذهن الشاب مبارك بشير النور، وهو يقف أمام خيمته في أحد مراكز الإيواء في مدينة الفاشر غربي السودان، بعد أن فقد شقيقه الأكبر في هجوم قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين، ليتحول ألمه الشخصي إلى دافع للعمل من أجل الآخرين.
لا يمكن لمبارك -كما يقول للجزيرة نت- وصف الألم الذي يشعر به بعد فقدان هارون، "ففي كل ليلة تتجدد ذكرياته في ذهني، وأتمنى لو أعرف مصيره". ويضيف "فقدان قريب تجربة مشتركة مع كثيرين هنا، نحن نساعد أسر الضحايا في البحث عن الحقيقة وإيصال أصواتهم إلى العالم، كل حالة مفقود أو قتيل تُمثِّل جزءا من قصتنا، التي يجب أن تُروى".
وانضم مبارك إلى مجموعة من الشبان الذين أسسوا منظمة باسم "هيئة ضحايا الإبادة الجماعية في زمزم"، لتوثيق وحصر عدد القتلى والمفقودين وحالات الاغتصاب، و يعملون لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا عبر المنابر الدولية، حسب توضيحه.
توثيق ودعميقول أحد مؤسسي الهيئة، أحمد حسين هاشم، للجزيرة نت: إنهم تمكنَّوا -حتى الآن- من توثيق نحو101 مفقود و400 قتيل، خلال الهجوم على المخيم، حيث يعملون عبر قاعدة بيانات رقمية "متطورة" بمساعدة متطوعين من داخل السودان وخارجه.
إعلانويضيف هاشم، أن عمل الهيئة لا يقتصر على التوثيق فحسب، بل يشمل تنظيم جلسات دعم نفسي للأسر المتضررة وتقديم المساعدة القانونية، والتواصل مع المنظمات الدولية، إضافة إلى بناء شبكة تضامن بين النازحين. ويردف "كل حالة نُوثّقها هي قصة إنسانية، ونحن ملتزمون بمساندة الأسر في البحث عن الحقيقة ومعرفة مصير أبنائهم".
ومنذ أن كثَّفت قوات الدعم السريع هجماتها على مخيم زمزم ومدينة الفاشر، قام بعض عناصرها باستعباد العديد من الأشخاص، حسب مراقبين.
تروي النازحة حواء جمعة، قصتها المأساوية للجزيرة نت، وتقول إن زوجها وثلاثة رجال آخرين اختطفوا خلال الهجوم الأخير على المخيم، وأُجبروا على العمل رعاة للماشية تحت تهديد السلاح.
وتضيف "أُخذوا إلى مناطق نائية قرب بلدة كبكابية، وكانوا يعملون ساعات دون طعام كاف، ولم يكن أمامهم خيار سوى الطاعة أو مواجهة الموت".
ولحسن الحظ -تتابع حواء- "تمكَّن زوجي من الهرب بعد اتخاذ قرار جريء، ويقيم الآن في منطقة حدودية داخل الأراضي التشادية مع عدد من اللاجئين".
وحسب المتحدث الرسمي باسم النازحين، محمد خميس دودة، فقد وصل عدد قتلى الهجوم على المخيم إلى نحو 1500 شخص، بينما بلغ عدد المفقودين نحو 400.
وأضاف خميس دودة للجزيرة نت "الهجوم كان عنيفا، وخلَّف دمارا واسعا في المجتمع، ويجب أن تُسمع أصوات الضحايا، وأن تكون الهيئة التي تشكلت أخيرا صوتهم في هذه اللحظات العصيبة، حيث يعاني المجتمع من وجود قتلى وجرحى ومفقودين وحالات اغتصاب".
ازدواجية العالم
من جهته، أشار عضو الهيئة، سليمان مختار، إلى وجود ازدواجية معايير واضحة في التعامل مع الحرب في السودان مقارنة بالنزاعات في دول أخرى.
وأوضح للجزيرة نت، أن الاهتمام الدولي بالأزمة السودانية يفتقر إلى "الجدية والعدالة"، حيث تُعطى أولوية لبعض الصراعات على حساب أخرى، ما زاد من تهميش القضية السودانية على الساحة الدولية.
إعلانوأضاف أن بعض الأزمات تتلقى تغطية إعلامية واسعة ودعمًا دوليًا سريعًا، بينما تُترك السودان لمواجهة "مآسيها"، حسب وصفه، وشدد على ضرورة الاهتمام بالهيئة ومناصرتها في كافة المحافل.
ومن جانبها، أكدت الناشطة الحقوقية، فاطمة عبد الله، أن هذه "الازدواجية" تمتد إلى مستوى المساعدات الإنسانية، مشيرة إلى أن السودان يعاني "نقصا حادا" في التمويل الدولي المخصص للإغاثة مقارنة بأزمات أخرى تحظى باهتمام أكبر.
وأردفت "هذا التفاوت يعني أن الأسر النازحة والمتضررة في السودان تُحرم من الدعم الأساسي، بينما تُخصص موارد ضخمة لأزمات أخرى، مما يعمق الفجوة في تحقيق العدالة".
خطوة نحو العدالةمن جانبه، يرى الخبير القانوني محمد إبراهيم نكروما، أن توثيق الانتهاكات المتعلقة بالاختفاء القسري للمفقودين في دارفور يُشكِّل خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة.
ويقول للجزيرة نت، إن هناك "حاجة ماسة" لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات محليا وإقليميا ودوليا للحد من تفشي هذه الظاهرة، ويضيف "بات ضروريا الكشف عن أماكن الاحتجاز ومعرفة مصير المفقودين، لأن معاناة أسرهم لا تقل وطأة عن آلام من فقدوا أحباءهم قتلا".
وأكمل نكروما "يجب تقديم هذه المعلومات إلى الجهات القانونية الدولية لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. كما أن التعاون بين المنظمات المحلية والدولية يعزز فرص تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا".
ويشير مراقبون إلى أنه وفي ظل غياب المجتمع الدولي، يلعب المجتمع المدني في السودان دورا حيويا في تعزيز حقوق الإنسان خاصة في دارفور، حيث تعمل منظمات محلية على الرصد والمتابعة وتقديم الدعم للضحايا والنازحين الفارِّين من مناطقهم جرَّاء الحرب.
وتقول الناشطة شذى محمد "نعمل على توفير المساعدات الأساسية، ولكننا بحاجة إلى دعم أكبر لنكون قادرين على تلبية احتياجات المجتمع".
إعلانوأضافت للجزيرة نت، أن تضافر الجهود بين المنظمات المحلية والدولية أمر ضروري لضمان استدامة هذه المبادرات، داعية العالم للتركيز على السودان الذي بات يُمثِّل "أكبر أزمة إنسانية في العالم".
إبادةوفي ظل هذا الوضع، يعمل الناشط في مجال حقوق الإنسان، مأمون صالح، على توثيق الجرائم التي ارتُكبت خلال اقتحام المخيم عبر جمع الأدلة، ويقول "نحن لا نحمل السلاح، لكننا نخوض حربا من أجل الحقيقة، يجب أن يعرف العالم حجم الفاجعة التي تعرض لها سكان مخيم زمزم".
ويضيف للجزيرة نت، "نتنقل بين الناجين، ونجمع شهاداتهم حيث نعتمد على الهاتف لجمع المعلومات من الناجين والشهود الذين فرّوا إلى مناطق أخرى".
ولفت إلى أنهم يكتشفون المزيد من القصص "المفجعة" يوميا، وأن أسرا بأكملها اختفت، وهناك ناجون يعانون من صدمة لا توصف، وأكد أن ما حدث في زمزم ليس مجرد اقتحام للدعم السريع، بل عملية "إبادة ممنهجة" ضد المدنيين، منتقدا الصمت الدولي الذي يفاقم معاناة الضحايا أكثر، وطالب الجميع بتحمل مسؤولياتهم.