في ظلِّ التكتُّلات الإقليميَّة المُتعدِّدة وتوسُّعها، وسَعيِ القوى الصَّاعدة في العالَم لِتجاوز الهيمنة الأميركيَّة كقوَّة عظمى وحيدة، والدَّفع باتِّجاه عالَم مُتعدِّد الأطراف، تبرز مقولات بأنَّ عصر العولمة قَدْ بلغ ذروته وآخذٌ في الانحدار. وهناك كثير من الأدلَّة التي تُعزِّز ذلك الرأي، لعلَّ أبرزها كان في فترة أزمة وباء كورونا التي ضربت العالَم كُلَّه وخلالها اختفت فكرة «عالَم واحد» و»قرية كونيَّة» و»اعتماد متبادل» وغيرها من شعارات العولمة.
في مقابل مقولة إنَّ العولمة وصلت إلى ذروتها، هناك مَن يرى أنَّ في التكتُّلات الإقليميَّة الجديدة ما يعني استمرار العولمة والتكامل بَيْنَ الدوَل وإن كان بشكلٍ مختلف. يرى هؤلاء أنَّ مبادرة الحزام والطريق، التي طرحتها الصين قَبل عشر سنوات وتضمُّ الآن ما يقرب من مئة وخمسين دَولةً، ويُتوقَّع أن تضيفَ نَحْوَ سبعة تريليونات دولار سنويًّا للاقتصاد العالَمي في أقلَّ من عقدٍ من الزمن، تُمثِّل تكاملًا بَيْنَ تلك الدوَل وتعزيزًا للاستثمارات في البنية التحتيَّة ونُموًّا للتجارة العالميَّة. حتَّى ما أُعلن عَنْه مؤخرًا من ممرٍّ اقتصادي يربط الهند بأوروبا عَبْرَ الشرق الأوسط، وإن كان الأميركيون يعدُّونه مواجهة للمبادرة الصينيَّة، إلَّا أنَّه في النهاية مشروع لتعزيز التعاون والتكامل بَيْنَ الدوَل المشاركة فيه. حتَّى ما يبدو من تفتُّت بتوسيع مجموعة (بريكس) لِتضمَّ ستَّ دوَل جديدة وربَّما توسيع مجموعة العشرين في المستقبل، إضافة إلى تكتُّلات أخرى أغلبها في آسيا ودوَل المحيط الهادئ ليس سوى نتاج للعولمة بالأساس وربَّما تعزيزًا لها. من وجهة نظر هؤلاء المتفائلين بأنَّ العولمة لَمْ تصلْ إلى قمَّتها بعد، فتلك التطوُّرات تُعزِّز التكامل العالَمي والاعتماد المتبادل، وإن كان بَيْنَ تكتُّلات إقليميَّة أكثر مِنْه بَيْنَ دوَل. وأنَّ هذا المسار هو عمليَّة في إطار العولمة، وإن كان يسمح بصعود أقطاب أخرى في العالَم دُونَ اقتصار مركز الريادة على أميركا وما تَقُودُه من تحالف غربي.
تحمل وجهتا النظر بشأن ذروة العولمة أو استمرار صعودها قدرًا من المنطق، لكن ما يُمكِن استخلاصه من التطوُّرات حَوْلَ العالَم في السنوات القليلة القديمة أنَّ الولايات المُتَّحدة والغرب، كدافع أساسي نَحْوَ العولمة منذ الربع الأخير من القرن الماضي، أدركوا أنَّ الصين وقوى صاعدة أخرى استفادت من العولمة أكثر من تعزيز الدَّوْر الريادي للقوى التقليديَّة، وفي مقدِّمتها أميركا. وليست الاستراتيجيَّة الأميركيَّة بالتصدِّي لصعود الصين وروسيا وغيرهما سوى ردِّ فعلٍ واضحٍ نتيجة ذلك الإدراك بدأ حتَّى من قِبل الإدارة الأميركيَّة الحاليَّة. وعلى ذات الخُطى تسير قوى تقليديَّة في أوروبا واليابان وغيرها، ولا يُمكِن تفسير الإجراءات الحمائيَّة والنزعات المغالية في الوطنيَّة سوى أنَّها نيل من العولمة وتراجع عَنْها. وعلى الأرجح ستتصاعد تلك النعرات الانعزاليَّة في ظلِّ التباطؤ الاقتصادي الحالي المرشح للاستمرار مع تجذُّر الخلل الهيكلي في الاقتصاد العالَمي كُلِّه وتشوُّه النموذج التقليدي للدَّوْرة الاقتصاديَّة. في الوقت نَفْسِه، فالمشروعات الإقليميَّة من مبادرة الحزام والطريق إلى الممرِّ الاقتصادي الجديد ستضيف للنشاط التجاري والاستثماري بَيْنَ تلك الدوَل التي تُشكِّل أكثر من نصف دوَل العالَم. وكذلك تعزيز وصول تلك التكتُّلات إلى الأسواق التقليديَّة في الغرب وغيره. وبالتَّالي سيحافظ ذلك التوجُّه على منحنى العولمة ربَّما في خطٍّ مستقيم لفترة طويلة. أي أنَّ العولمة قَدْ تكُونُ بلغت ذروتها بالفعل، لكنَّها ليس في طريق التراجع والانحدار قريبًا.
الأهمُّ هنا، أنَّه في هذه الفترة القادمة هناك فرصة لاستفادة الدوَل الصَّاعدة والنَّامية من الفرص التي يتيحها هذا التحوُّل، خصوصًا تلك التي حظِيَت بفرصة جيِّدة في المراحل الأولى لعولمة الاقتصاد، فلا تزال الفرصة أمامها للاستفادة من هذا التفتيت والتكامل في آنٍ واحد. وإذا كانت القوى الكبرى التقليديَّة قادت عمليَّة صعود العولمة، فإنَّ فترة التفتُّت الحاليَّة والمستقبليَّة على المدى القصير ليست موَحَّدة القيادة. فلا هي أميركيَّة تمامًا ولا صينيَّة بالقدر نَفْسِه ولا حتَّى هنديَّة فيما بعد.
وفي تعدُّد مراكز القيادة تلك، وتنافسها القوي أيضًا، ما يفيد الدوَل والكيانات التي عدَّت طرفًا في النظام العالَمي طوال الوقت. إنَّما يعتمد ذلك أيضًا على مدى قدرة تلك الدوَل لإمكاناتها الذاتيَّة للاستفادة من الفرص المتاحة وتعظيم مصالحها الوطنيَّة، سواء من خلال تلك الشراكات المعلنة أو طرح شراكات جديدة.
د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: وإن کان العال م الدو ل
إقرأ أيضاً:
مدير تعليم بورسعيد يتفقد مدرسة الشهيد محمد صبري عبد العال الأساسية
تابع طاهر الغرباوي مدير مديرية التربية والتعليم ببورسعيد، صباح اليوم، انتظام سير العملية التعليمية بمدرسة الشهيد محمد صبري عبد العال الأساسية التابعة لإدارة جنوب التعليمية.
جاء ذلك بحضور أحمد تاج الدين مدير عام إدارة جنوب التعليمية و رائد شاهين مدير المكتب الفني لمدير المديرية وذلك ضمن سلسلة من الزيارات الميدانية المتواصلة لمتابعة إنتظام سير العملية التعليمية بجميع مدارس المحافظة.
ورافق مدير المديرية خلال جولته بالمدرسة راشا حافظ مدير المدرسة والتى تضم ٨٤٥ طالب وطالبة بالمرحلة الابتدائية يضمهم ٢٠ فصلا دراسيا و ٤٠٠ طالبة بالمرحلة الإعدادية موزعين على ٨ فصول دراسية إلى جانب ٢٠٠ طالب وطالبة مقيدين بمرحلة رياض الأطفال فى ٤ قاعات متخصصة.
ودار حوار أبوى بين الغرباوي و طالبات المرحلة الإعدادية حول جدوى مشاركة الطالبات فى مجموعات الدعم والتقوية بالمدرسة والتى تهدف إلى تحسين مستواهم الدراسي وتقليل الضغوطات المادية عن كاهل ولى الأمر.
واختتم طاهر الغرباوي جولته بالمدرسة بتفقد حجرة التربية الفنية وقاعات رياض الأطفال مثنيا على جهود القائمين على الأنشطة التربوية والمشرفين على هذة المرحلة السنية المهمة.