يقول خبراء إن حديث رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان عن عدم امتلاكه القوات الكافية لإنهاء الصراع في غرب دارفور، وتحذيره من تمدد الصراع لدول مجاورة، يعكسان رغبته في الحصول على دعم سياسي وعسكري من قوى دولية وإقليمية.

فقد أكد البرهان -خلال مقابلة مع الجزيرة- عدم امتلاك الجيش قوات كافية لإنهاء الصراع غربي دارفور، محذرا من انتقال الصراع إلى دول مجاورة -لم يسمها- لكنه قال إن مجموعات متمردة تنطلق منها.

ووفقا لخبراء، فإن الصراع الدائر في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، لا يبدو أنه سينتهي في المدى القريب، وربما يتمدد جغرافيا أيضا؛ بسبب السيولة الأمنية والسياسية التي تعيشهما البلاد.

حديث قائد الجيش السوداني الذي جاء خلال وجوده في الولايات المتحدة لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، يعكس رغبته في الحصول على دعم سياسي وعسكري لمشروعه السياسي، كما قال الباحث والمحلل السياسي محمد تورشين.

وخلال مشاركته في حلقة ما وراء الخبر (2023/9/23)، قال تورشين إن هذا المشروع السياسي الطموح للبرهان، تجلى في جولته الخارجية التي شملت دولا تم اختيارها بعناية لأنها تتماشى مع ما يحدث في السودان حاليا.

إلى جانب ذلك، فإن لقاء البرهان الرئيسَ الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في نيويورك -برأي توشين- هو محاولة لكسب دعم واشنطن وعدد من دول العالم والإقليم من خلال إبداء التأييد لكييف، خصوصا بعدما امتنعت موسكو عن تقديم حلول للمشكلات الفنية التي واجهتها طائرات الجيش السوداني خلال معاركها ضد قوات الدعم السريع.

ورغم عمق العلاقات السودانية الروسية فإن توشين يعتقد أن البرهان بدأ إعادة النظر في هذه العلاقة بسبب الموقف الروسي من الحرب وأيضا بسبب الدعم الذي تقدمه قوات فاغنر لخصمه محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي يقود قوات الدعم السريع.

كما أن الطائرات المسيرة الأوكرانية التي ثبت مؤخرا قيامها بعمليات ضد الدعم السريع، تؤكد مساعي البرهان في هذا الصدد، وفق توشين، الذي أكد الحصول على هذه التكنولوجيا الأوكرانية التي يسهل التدرب عليها من جهة، والحصول على دعم لمشروع البرهان السياسي الطموح الذي يتجلى في خطاباته.

ووفقا لتوشين، فإن حصول البرهان على المسيرات الأوكرانية من جهة، وعلى التأييد الدولي لقيادة الفترة الانتقالية التي تحدث عنها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، سيوفران له فرصة إعادة تقديم نفسه من جديد والتخلص من تبعات انقلابه على المدنيين في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

في المقابل، يعتقد الباحث في الشؤون الأفريقية إبراهيم إدريس أن حديث البرهان يؤكد حالة السيولة السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد، وغيرها من دول الجوار التي مرت بظروف مماثلة مثل ليبيا وتشاد، مؤكدا أن السودان ليس جزيرة معزولة، وأن له أهمية جيوسياسية كبيرة.

وتتمثل هذه الأهمية -من وجهة نظر إدريس- في عمق العلاقات السودانية الخليجية من جهة، ومن وقوعه على البحر الأحمر الذي أصبح ساحة للتنافس الدولي، وبالتالي فإن على الجميع وقف الحرب ودعم التنمية في هذا البلد المهم.

وانطلاقا من هذه الأهمية، فإن البرهان يريد دفع المجتمع الدولي للتدخل من أجل إنهاء الصراع حرصا على مصالحه، وهي محاولات ربما بدأت تؤتي ثمارها، حيث أرسلت الأمم المتحدة مبعوثا للعمل على حل الأزمة، فضلا عن العمل الكبير الذي تقوم به الولايات المتحدة.

لكن المشكلة -كما يقول المتحدث- هي أن المجتمع الدولي ستكون له مخالب في السودان الذي عول كثيرا على الخارج وبدأ يدفع ثمن هذا التعويل حاليا.

مع ذلك، يعتقد إدريس أن رسالة السودان قد وصلت إلى الأطراف، بدليل أن وزير الخارجية المصري سامح شكري يقود تحركا في نيويورك من أجل إيجاد حل فعلي للإخفاق العسكري الذي يعانيه الجيش السوداني.

هذا الإخفاق العسكري للجيش السوداني في حسم المعركة، حمل في طياته نجاحا -برأي إدريس- لأنه دفع دول الجوار وخصوصا مصر وإريتريا للبحث عن حل جاد للأزمة، لأن هذه الدول تحديدا يمكنها لعب دور فاعل أكثر من غيرها.

كما أن القوى السياسية السودانية هي الأخرى بدأت العمل على إيجاد حل بعدما أدركت أن الجيش لن يحسم المعركة ضد الدعم السريع، وفق إدريس.

وعلى العكس، فإن توشين لا يتوقع حلا سياسيا قريبا بسبب تمسك القوى السياسية السودانية بأسلوبها القديم ولا تمتلك موقفا موحدا ولا رؤية قومية واحدة يمكنها من خلالها الضغط على طرفي القتال من أجل وقف الحرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

المرأة التي أيقظت العالم بطريقتها

"حينما ينام العالم"، هو عنوان لكتاب صدر قبل أسابيع، للمقررة الخاصة للأمم المتحدة حول الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، وصدرت ترجمته إلى الفرنسية، بالتزامن مع صدوره بالإيطالية، وهو تشخيص لما أسمته الكاتبة بـ"إغفاءة العالم"، أو نوعٍ من اللامبالاة، والإخلال في التعاطف مع الفلسطينيين.

غزة ليست شأن الفلسطينيين وحدهم ولكنها امتحان للضمير الإنساني، واختبار للقانون الدولي، وللمؤسسات الدولية، وضرورة وضع حد لهيمنة الأحكام المسبقة، والمَعْبر لمستقبل البشرية، يعيد الأمل بعد اليأس.

العالم تكلس، وينبغي -وفق ألبانيزي- أن يستلهم من الفلسطينيين الدروس: الكرامة رغم المعاناة، والجمال رغم الخراب، والحقيقة رغم التسييج والحصار.

في مستهل الكتاب، تستشهد ألبانيزي بامرأة، كنسية أميركية، أليسا وايز، إذ تقول إن التضامن هو الشكل السياسي للمحبة. تعرف ألبانيزي قضايا الشرق الأوسط، وقضايا الفلسطينيين؛ لأنها كانت مقررة للأمم المتحدة عن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 2022، واشتغلت قبلها مع وكالة الأونروا، وعرفت ما يتعرض له الفلسطينيون في الضفة من سلب ممتلكاتهم، وحرمانهم وإخضاعهم.

اصطدمت في مسرى مهامها، بسلاح الأحكام المسبقة، والتمثلات، والقراءات المغرضة، وبناء الآخر، ولذلك وظفت في كتابها إدوارد سعيد عن الاستشراق حول بناء الآخر والتمثلات، والسرديات الموجهة، واستنجدت بالمفكر الإيطالي الكبير "أنطونيو غرامشي"، وكيف أن الثقافة تدعم السلطة.

ولذلك استشعرت الحاجة إلى إعادة النظر في السرديات، من أجل أن تكون الشاهد الحق، حسب تعبير لإدوارد سعيد. وكما تقول، مما أترجمه عن النص الفرنسي: " فالحياد لا يعني اللامبالاة، و(النزاهة) تفترض التنقيب بصرامة، ومواجهة الأحداث بالقانون، وقول الحقيقة للسلطة، ولو أزعجت، وفي فلسطين يتعين كشف عدم التوازن بين المحتل، ومن هو ضحية الاحتلال، بين المستعمِر والمستعمَر، وكيف أن عقودا من سلب الحقوق أضحت أمرا طبيعيا من قِبل منتظم دولي عاجز".

إعلان

الرهان أمس كما اليوم، ليس بروفة غائمة وغامضة حول إحلال السلام، بل في احترام القانون الدولي بإنهاء الاحتلال، والمستوطنات، وإيقاف الضم.

ترى ألبانيزي أن السلم ممكن، ولكن وفق شروط، من شأنها أن تجعل المنتظم الدولي يكتشف معنى التضامن، في إطار أسرة واحدة.

اختارت الكاتبة أن تتحدث، بعد هذه المقدمة، من خلال فصول عشرة، عبر أشخاص، التقتهم في مسرى حياتها، ويرتبطون بمأساة الفلسطينيين، وكل فصل يحيل إلى جانب منها.

أول فصل هو عن "مَلك معطر" الفتاة التي التقتها في القسم الثانوي 2010 وأحدث اهتمامها رسوما تعبق بحب الحياة أو شوق الحياة، لكن شوق الحياة لا ينفصل عن الحدث المؤسس الذي يسكن وجدان الفلسطيني ألا وهو النكبة، ولذلك أفردت في الكتاب مقطعا أوليا عن النكبة، قبل أن تقف عند مَلك، من تحمل مأساة الفلسطينيين، وتُعبر عنها برسوماتها، ومنها اختارت رسما لغلاف كتابها.

تختار ثلاثة أصوات فلسطينية من الداخل، منها الطفلة هند ذات الست سنوات، من وُجدت قتيلة في سيارة، عليها آثار 300 قذيفة أثناء الحرب على غزة، وقرب السيارة، سيارة إسعاف، مع مسعفين قتيلين، ومن خلال هند تستحضر وضع طفولة الفلسطينيين، وتذكر ما قالته لها وديعة الفتاة ذات الـ 14 سنة: "الخوف من الموت لا يمنعك من الموت، يمنعك من الحياة".

أبو حسن دليل مدينة القدس، التقته ألبانيزي، هي وزوجها ماكس، منذ أن حلت بالقدس سنة 2010، حيث يأخذهما إلى أوجه الحياة، وأوجه المعاناة، في مخيم بلاطة، وجنين، والمستوطنات، وأزقة القدس، ولكن أكثر ما علمته من الدليل أبو حسن هو الاعتقال، والمعاناة اليومية، والثقل البيروقراطي.

جورج، مهندس فلسطيني من القدس، قدِم من الولايات المتحدة سنة 2000 لكي يسهم في بناء الدولة الفلسطينية، ولكنه لا يستطيع أن يشتغل مع المنظمات غير الحكومية الغربية التي تشترط عليه عدم إثارة الاحتلال، والأبارتيد، ولا يمكنه العمل مع الإسرائيليين، مَن يُبدون مركب استعلاء حيال الفلسطينيين.

"الحياة في القدس، بالنسبة للفلسطينيين، تقول ألبانيزي، هي التعرض للدونية البنيوية التي تفرضها إسرائيل". تتحدد الهوية، في القدس، ليس بين فلسطيني وإسرائيلي، ولكن بين عربي ويهودي.

وتلحظ ألبانيزي الاستحواذ الثقافي، أو تبني الطبخ الفلسطيني، والمزج مع موروثات أوروبا الوسطى، وهو أمر مقبول، وطبيعي، لولا أنه يقترن بالأبارتيد. كيف تأخذ نتاج من ترفضه أصلا، أو تزري به؟

من الضفة الأخرى، أو الشهود الحق، تختار ألبانيزي ألون كونفيو، وهو إسرائيلي إيطالي يُدرّس في الولايات المتحدة، من يختص في تاريخ الإبادات عبر التاريخ. تقف عند إنغريد من تنتصب ضد الأبارتيد، وتعيش في بيت جالا، مع زوجها محمد جاردات.

تستشهد بغسان أبو ستة، وهو طبيب جراح، وُلد بالكويت من أسرة فلسطينية، وزاول الطب في غزة، إلى أن اضطر للمغادرة في 2023، إذ يرى أن الإبادة هي الجانب الظاهر من الجبل الثلجي، وأن هناك ما لا يظهر، من تواطؤ إعلام دولي.

هناك من الشهود الحق إيال ويزمان، وهو مهندس معماري إسرائيلي بريطاني، من يقف على أسلوب القضاء على الآخر، من خلال إخراجه من بيته. غابور ماتي، وهو طبيب نفسي، كندي من أصول هنغارية، يلح على ضرورة حفظ الذاكرة. يرى أن ديانته اليهودية تم توظيفها، باسم أيديولوجية تمييزية. يتولد عن واقع الاحتلال كدمة، ولتجاوزها يلزم الوعي، والتعاطف، ويبقى المهم هو حفظ الذاكرة.

إعلان

والفصل الأخير، عن ماكس، شريك حياة ألبانيزي من عاش معها المغامرة، في القدس، والضفة وغزة، حمل معها عبء أسرة، وشاطرها توجهها.

تُنهي ألبانيزي سردها بأشعار من الشاعر الفلسطيني، رفعت العرعير، من قُتل في غزة في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023.

وحين ينام العالم، تقول ألبانيزي: إنه مع اللامبالاة أو سيادة الأحكام المسبقة، يتوجب أن توقظه الشعوب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • علي فوزي يكتب.. السودان بين الصراع والبحث عن قائدٍ وطني
  • تحطم طائرة شحن عسكرية في السودان يفاقم الأزمة الإنسانية
  • الأمم المتحدة: يجب العمل على تسوية الصراع في أوكرانيا واحترام الاتفاقات
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات على أفراد وكيانات لدورهم في تأجيج الصراع بالسودان
  • روبيو وعبد العاطي يبحثان خطة إنهاء الصراع في غزة ووقف إطلاق النار في السودان
  • الخزانة الأمريكية تفرض عقوبات جديدة على أطراف متورطة بدعم قوات الدعم السريع في السودان
  • من هي المرأة التي أيقظت العالم بموقفها ؟
  • المرأة التي أيقظت العالم بطريقتها
  • مفوضية حقوق الإنسان لـ«الاتحاد»: تداعيات كارثية جراء استمرار الحرب في السودان
  • يديعوت: توني بلير خارج مجلس السلام الذي اقترحه ترامب لإدارة غزة