في الوقت الذي يواصل فيه الإسرائيليون والأمريكيون جهودهم لإنجاز اتفاق تطبيع مع السعودية، ظهرت القضية الفلسطينية كأحد عوائق إبرام هذا التطبيع، وفيما يحيي الإسرائيليون الذكرى السنوية الخمسين لحرب أكتوبر 1973، وما أسفرت عنه من اتفاق كامب ديفيد مع مصر، فقد بدا أن القضية الفلسطينية أيضاً برزت واحدة من قضايا التفاوض الثنائية.



وكشف الكاتب في صحيفة "مكور ريشون" العبرية، عادي شوارتس، أن "اتفاقية التطبيع الناشئة بين إسرائيل والسعودية تتعرض لانتقادات في دوائر معينة لأنها لا تتضمن تنازلات إسرائيلية بعيدة المدى للفلسطينيين، بزعم أنه لا فائدة من التوصل إلى اتفاق مع المملكة، كما يُقال، لن يعطي شيئاً لهم، ويجعلهم أكثر يأسا، مع أن أفضل فرصة للتوصل للسلام مع الفلسطينيين تكمن على وجه التحديد في تحسين العلاقات مع العالم العربي، وفي المقام الأول مع السعودية".

وأضاف شوارتس، خلال مقال له، ترجمته "عربي21" أن "السنوات الخمس والعشرين الماضية شهدت تقديم اقتراحات من رئيسي الوزراء، إيهود باراك، وإيهود أولمرت، شملت إقامة دولة فلسطينية، وتفكيك المستوطنات، وإنشاء عاصمة فلسطينية في شرقي القدس، وحتى السيطرة العربية على المسجد الأقصى، لكن الفلسطينيين ما زالوا لا يقبلون حق إسرائيل في الوجود كدولة قومية للشعب اليهودي، وليسوا مهتمين بإقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، بل في مكانها".

وأشار أنه "في هذه الحالة لا تستطيع إسرائيل أن تؤثر بشكل مباشر على العقلية الفلسطينية التي تنكر وجودها، ولا يمكنها تغيير الروح المعنوية في المجتمع الفلسطيني، الذي يرى في إنشاء إسرائيل كارثة فظيعة تسمى "النكبة"، ولا يزال يسعى لتصحيح هذا الظلم من خلال عودة اللاجئين وأحفادهم ضمن "حق العودة"".

وأضاف بأنه "في ما حظي به الفلسطينيون لمدة 75 عاماً من دعم مطلق من العالم العربي والإسلامي، وطالما وضع العالم العربي كل ثقله على مطالب الفلسطينيين، فلن يكون لديهم أي سبب لتغيير موقفهم وقبول حقيقة أن إسرائيل موجودة لتبقى، وهذا هو تفسير المقاومة الفلسطينية القوية لاتفاقات التطبيع حتى الآن".

وزعم أن "الدعم العربي الكامل الذي تلقاه الفلسطينيون منذ عقود على وشك الانتهاء، ولهذا السبب فإن إقامة العلاقات الإسرائيلية مع السعودية ليست مجرد خطوة ناجحة بحدّ ذاتها، تنطوي على إمكانات كبيرة لجميع الأطراف، بل خطوة من شأنها أن تمهد الطريق للتوصل إلى السلام مع الفلسطينيين، الذين قد يجدوا أنفسهم معزولين، وعندما قد يدركوا أن مطالبهم لا تحظى بأي دعم عربي، وقد يتعرضون لعزلة اقتصادية ودبلوماسية، وحينها سيضطرون لتغيير مواقفهم، ومحاولة إيجاد حلول عملية لنزاعهم مع إسرائيل". 


وأوضح أن "السعودية ليست دولة عربية عادية، بل هي الدولة الرائدة في الشرق الأوسط، نظراً لضعف مصر والعراق وسوريا، وهي قوة اقتصادية كبرى، ينوي ولي العهد محمد بن سلمان الاستمرار في تعزيزها، وبما أن أقدس مكانين للإسلام يقعان على أراضيها: مكة والمدينة، فإن المملكة تتمتع بثقل من حيث الخطاب الديني والأيديولوجي في العالم الإسلامي، مما سيجعل من التطبيع معها قد تكون لها عواقب بعيدة المدى في العالم العربي والإسلامي، ولن يكون بوسع الفلسطينيين أن يظلوا غير مبالين بهذا الأمر".

من جهته، تناول الكاتب يائير شيلاغ، في صحيفة "مكور ريشون" العبرية، حلّ القضية الفلسطينية من زاوية اتفاق كامب ديفيد مع مصر، قائلا إن "حرب 1973 لا تتوقف أبدا عن هزّ المجتمع الإسرائيلي، ورغم مرور هذه الأعوام الخمسين على انقضائها، فلا زلنا نهتزّ عند كل اكتشاف وثيقة جديدة، تعيد لأذهان الجمهور مرة أخرى العجز اليائس في معاقل القتال عندما يتوسل جنودنا للحصول على تعزيزات؛ عقب وقوعهم في كمائن قاتلة من قبل المصريين".

وأضاف في مقال له، ترجمته "عربي21" أنه "في كل الأحوال، بات واضحا أن الهدف لم يكن تدمير إسرائيل، بل الرغبة المصرية باستعادة الكرامة العربية التي ضاعت في الهزيمة المؤلمة في حرب 67، وإجبارها عقب إذلالها في الحرب، على التوصل لتحرك سياسي للأراضي الفلسطينية من أجل السلام، وهو ما رفضته قبل الحرب، وبعد أن رفضت إسرائيل عرض السادات عليها قبل الحرب بالسلام الكامل مقابل الانسحاب الكامل من سيناء، لكنها قبلته في النهاية بعد الحرب، بل شعرت بالسعادة به، لكن بعد أربع سنوات ومقتل 2600 إسرائيلي".


وأشار أنه "في محاولة لاستخلاص الدروس والعبر من اتفاق كامب ديفيد مع المصريين، على مستقبل صراعنا الدائر مع الفلسطينيين، فإن الاحتلال يبدو الطرف الأكثر قوة، ووفقاً للسابقة المصرية، فمهما كثرت الضحايا، فإن الفلسطينيين لن يتنازلوا عن القتال ضد إسرائيل حتى يستعيدوا شرفهم الضائع، بما في ذلك الاستمرار في سفك الدماء".

وأكد على أنه "ليس سرّاً أن الاحتلال يسعى من خلال تطبيعه مع السعودية إلى طيّ صفحة القضية الفلسطينية، وتهميشها، والاكتفاء بعلاقاته مع الدول العربية، كما أبرم اتفاق كامب ديفيد مع مصر قبل أربعة عقود، ولم يتم حلّ القضية الفلسطينية، بل القفز عنها، لاسيما في ضوء ما يتم تداوله من معلومات وتسريبات تتعلق بالمطالب الفلسطينية لتمرير هذا التطبيع مع السعودية، المتمثل بتنفيذ المبادرة العربية التي أعلنتها في 2002، مع بعض التحسينات الجديدة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة السعودية القضية الفلسطينية كامب ديفيد مصر مصر السعودية القضية الفلسطينية كامب ديفيد حرب أكتوبر صحافة صحافة صحافة تغطيات سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة العالم العربی مع السعودیة

إقرأ أيضاً:

مفاجأة زلزلتني: من «العالم العربي» إلى «الملفات».. (1- 3)

 

 

 

د. مجدي العفيفي

 

كيف تحوّلنا من أُمَّة إلى حدود؟

(1)

حدث أن جلستُ ذات يوم مع رجل كان يحمل على كتفيه ثقل دولةٍ تعدّ من أقدم الديمقراطيات الغربية، ومن أشرس القوى العسكرية في العالم: وزير الدفاع الفرنسي في الثمانينيات.

حوار طويل دار بيننا، تجوّلنا فيه بين خرائط التاريخ وموازين الجغرافيا وإيقاعات القوة والنفوذ..

كان ذلك وانا أعيش في سلطنة عُمان، وكنت مراسلًا صحفيًا لعشر صحف ومجلات عربية وأجنبية في عنفوان الشباب والصحافة، في ضياء عملي التأسيسي المشارك في الإعلام العُماني ابداعا وانتاجا وصناعة وصياغة..

كنت أتحدّث مع ذلك الرجل «الغربي» بعفوية «العربي» الذي تربّى على لغة المجد والقصائد، على الأغاني الوطنية والصور المثالية المكتنزة بالأساطير.

فسألته.. بتوقٍ صحفي أكثر مما هو سؤال واقعي:

كيف ترون العالم العربي؟

هذه قلب العروبة النابض.. وهذه لؤلؤة الخليج.. وتلك بوابة العرب الشرقية.. وهذه سلة الغذاء العربي. وتلك أم الحضارة.. وهذه أصل العرب.. و..و..و..

توقعت أن يبتسم.. أن يوافق.. أن يدير حديثًا دبلوماسيًا.

لكنّه قلب الطاولة بكلمة واحدة زلزلت وجداني، وهدمت ألف نشيد كنت أحمله في صدري:

«ما هذه الألقاب»؟ نحن لا نعرف شيئًا اسمه «عالم عربي» نحن نتعامل مع (ملفات): الملف المصري، الملف السوري، الملف السعودي... وهكذا.

(2)

توقفت الكلمات داخلي.

كانت اللحظة كافية لأفهم أن الفجوة ليست في السياسة فقط، بل في الوعي.

الفجوة ليست في القوة، بل في إدراك القوة.

نحن نحب أن نسمي أنفسنا: أمة.. لكن الآخر لا يرانا كذلك.

نحن نغني: "بلاد العرب أوطاني".. بينما هو يضع كل دولة منا في سطر منفصل، جدول منفصل، خريطة نفوذ منفصلة، و"أجندة" لا تشبه الأخرى.

نحن نتماهى مع صورة رومانسية.. وهو يتعامل مع واقع استراتيجي صارخ.

نحن نحلم.. وهو يخطط.

نحن ننفعل.. وهو يحسب.

(3)

قلت في نفسي: أيّ مأساة هذه؟ من المسؤول عن تحويل الأمة التي امتدت من طنجة إلى بغداد إلى مجرد أوراق في درج موظف عسكري في دولة أجنبية؟

الصدمة ليست في أنه قال ذلك.. الصدمة في أنه كان صادقًا.

نحن من صنعنا هذه الحقيقة.. بتواطؤٍ ناعم، بتفككٍ طوعي، بنظام عربي يشبه "عمارة" قديمة كل شقة فيها تضع لنفسها بابًا حديديًا مضادًا للسرقة.. ليس خوفًا من الأجنبي.. بل من الجيران.

لقد نجحنا بامتياز: أن نحيا معًا.. لكن منفصلين.

أن نتحدث لغة واحدة.. لكن دون وعي واحد.. أن نحمل تاريخًا واحدا.. لكن دون مصير واحد.

الغرب لا يصنع لنا صورتنا.. نحن من قدمنا له الصورة جاهزة على طبق من ضعف.

حين انقسمنا.. قالوا: ملفات.

حين تحاربنا.. قالوا: ملفات.

حين جعلنا كل قُطر "أُمة" بذاته.. قالوا: ملفات.

فالسياسة ليست شعارات.. السياسة سجلات ومصالح وتوازن قوى، والقوة لا تُقاس بعدد الخطب.. بل بمدى حضورك على طاولة القرار.

(4)

لكن ما الذي جعلني أكتب هذا الآن؟

لأننا في هذه اللحظة التاريخية، في هذا الزمن الذي تتفكك فيه الخرائط ويتغير شكل العالم، نكرر الخطأ نفسه:

نصفق للألقاب.. نتمسّك بالروايات.. نرسم صورًا لا يسكنها إنسان.. نقول: واقع عربي واحد، بينما الحقيقة: ألف واقع.. نقول: مصير مشترك.. بينما المصير أصبح مزادات نفوذ.

نقول: تاريخ واحد...والتاريخ يُعاد كتابته كل يوم على يد غيرنا.

المسألة ليست يأسًا، وليست «نوستالجيا» (حنين) واستعادة فارغة للماضي؛ بل هي شهادة على لحظة وعي: لن تُحلّ قضايانا ما دُمنا نُعامل أنفسنا كجزرٍ معزولة.

ولن يحترمنا العالم إذا لم نعد نرى أنفسنا كأمّة أولًا.

القضية ليست سياسية فقط، بل ثقافية:

حين نُربّي جيلًا على أن "الوطن" هو فقط الحدود الجغرافية التي ولد فيها.. سنخسر!

حين ننسى أن اللغة ليست مجرد حروف، بل جسد يفكر.. سنخسر!

حين نسمح لليأس أن يتحول إلى نظام تفكير.. سنخسر!

الأمة ليست شعارًا.. الأمة خيار.. الأمة مشروع.. الأمة مسؤولية.

لم يكن الوزير الأوروبي يتحدث بكُرهٍ أو احتقار، كان يتحدث بمنطق الدول، ولم يكن يطرح رؤية صدامية (shock value) بقدر ما كان مُتفحصًا للواقع (reality check).

لقد أراد أن يقول لي، دون أن يقول: «من لا يتوحَّد.. يُدار».

ومن لا يعرف نفسه.. سيُعرّفه الآخر.

ومن لا يصنع تاريخه.. سيُكتب تاريخه عليه.

واليوم.. ربما نحتاج لتلك الصفعة ذاتها.. لنهدم الصورة القديمة كي نصنع صورةً جديدة، صورة لا تُبنى على الحنين.. بل على الإرادة.

فالسؤال الحقيقي ليس: كيف يروننا؟ بل: كيف نريد أن نكون؟

والأخطر من ذلك: هل نملك الشجاعة أن نتوقف عن الغناء.. لنبدأ العمل؟ لأن الأمم لا تُعرَّف بالأغاني.. بل تُعرَّف بما تفرضه على طاولة العالم.

(5)

اختراع القُطريات..

إذا أردنا فهم كيف خرجنا من صورة «الأمة» إلى حالة «الملفات»، فيجب أن نعود إلى اللحظة التي تغيّر فيها شكل الوعي العربي نفسه.. فالأمة ليست جغرافيا، وليست حتى تاريخًا؛ الأمة تخيّلٌ جماعي. وما يُكسر أولًا في الأمم هو المخيّلة المشتركة.

أولا: عندما قسّمونا.. فلم نمانع؛ فبعد الحرب العالمية الأولى، وبتحديدٍ أدقّ بعد إسقاط الامبراطورية العثمانية، لم يسأل الغرب العرب: «إلى أين تريدون أن تذهبوا بمستقبلكم؟» بل طرح سؤالًا آخر تمامًا: «كيف نُقسّمكم؟». ثم جلس البريطاني والفرنسي حول خريطة لا تعرف الشعب ولا اللغة ولا الذاكرة ولا القبيلة ولا الحضارة… خطّوا حدودًا باردة بقلم رصاص، ثم مرّروا فوقها قلم حبر، فأصبحت دولًا.

ولأول مرة منذ 14 قرنًا، أصبح العربي ينتمي إلى دولة قبل أن ينتمي إلى الأمة.. صار المصري «مصريًا قبل أن يكون عربيًا» واللبناني «لبنانيًا قبل أن يكون عربيًا» والعراقي «عراقيًا قبل أن يكون عربيًا»، ولم يكن ذلك صدفة.. كان مشروعًا كاملًا.

ولهذه السردية المؤلمة بقية!!

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • تقرير لـ "عن قرب مع أمل الحناوي": "اتفاق غزة.. عراقيل إسرائيلية تعقد الانتقال إلى المرحلة الثانية"
  • قافلة زاد العزة الـ92 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة
  • المبعوث الأمريكي: تركيا قادرة على المساعدة في غزة ومسار تطبيع مع إسرائيل ممكن
  • انتقادات إسرائيلية لمشروع قانون الإعدام ضد الأسرى الفلسطينيين
  • مشعل: القضية الفلسطينية استعادت حضورها الدولي والطوفان كشف الوجه الحقيقي لـ"إسرائيل"
  • طائرات إسرائيلية تحلق فوق حمص وحماة وسط سوريا
  • قافلة «زاد العزة» الـ91 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة
  • من إسلام آباد.. الرئيس الإندونيسي يجدد التزام بلاده بدعم القضية الفلسطينية
  • مصر تعاملت مع القضية الفلسطينية والتهجير بحنكة سياسية
  • مفاجأة زلزلتني: من «العالم العربي» إلى «الملفات».. (1- 3)