شَبْوَةُ حَزِينْةٌ لِفرَاقِ المُجَاهِدِ / علي صَالح باهُمَيل الهِلالَي
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
ودَّعَتْ مُحافَظةُ شَبوةَ – بِمَوْكِبٍ جَنَائزيٍّ مَهِيبٍ حَزِينٍ يَومَ الجُمْعَةِ الحَزِينَةِ، 15 / سِبتمْبر / 2023م – ابْنَهَا المُجَاهِدَ البَارَّ العَتِيْدَ الحَاجَّ / عليَّ بنَ صَالح بَاهُمَيل الهِلَالِي، المَوُلُودَ عَامَ 1940م في مَدِينَةِ لَمَاطر فِي سَلطَنَةِ الوَاحِدِي الحَضْرَمِيَّةِ سَابِقاً، مُحَافَظةِ شَبوَةَ اليَمَنيَّةِ حَالِيَّاً، وَدَّعَتْهُ، وَأعْيُنُ أصْدِقَائهِ وَمُحِبِّيهِ وَأهْلِهِ وَطُلَّابِهِ ومُرِيْدِيْهِ بَاكِيةٌ بِدُمُوعٍ حَرَّى غَزِيرَةٍ، وَوجُوهُهُمْ مُوَشَّحَةٌ بِألَمٍ عَمِيقٍ، مُتَهدِّجَةٌ مِنْ هَوْلِ الصَّدْمَةِ العُظْمَى لِفِرَاقِهِ الأبَدِيِّ، ونَفْسِيَّاتُهُمْ مُحَطَّمَةٌ مِنْ هَذَا الوَدَاعِ الأخِيْرِ لِشَخصِيَّةٍ فِكْريَّةٍ اسْتِثنَائيَّةٍ حَمَلَتْ في وِجْدَانِهَا وَعَقلِها مَوْضُوعَ التَّغْييْرِ لِلأوْطَانِ بِقِيْمِ التَّسَامُحِ وَالفِكْرِ المُسْتَنيْرِ لِلْقِيْمِ الرُّوْحِيَّةِ لِلإسْلامِ الحَنِيفِ، كَيفَ لَا ؟ وَهُوَ الحَامِلُ في قَلبِهِ وَوِجْدَانِهِ مَشَاعِلَ الفِكْرِ الإسْلامِيِّ الوَسَطِيِّ الحَنيْفِ طِيلَةَ مَا يَربُو عَلَى سَبعَةِ عُقُوْدٍ وَنَيِّفٍ مِنْ رِحْلَتِهِ الفِكْريَّةِ الجِهَادِيَّةِ الثَّريَّةِ .
تَتَلمَذَ – في صِبَاهُ – عَلَى يَدِ العَلَّامَةِ بن لَمْرَط بَارَحمَة في مِعْلَامَتِهِ ذَائعَةِ الصِّيتِ في مَنْطِقَةِ بِلادِ لمَاطر، وَهِيَ حَوطَةُ عِلْمٍ وَثقَافَةٍ بمِقيَاسِ ذَلِكَ الزَّمَانِ .. تَعلَّمَ هُوَ وأقرَانُه ُمنْ آلِ باهُمَيل، وآلِ بَارحمَة، وآلِ بَاسَرْدَه، وآلِ بَاعُوضَه يَومَذاكَ، وَبعدَهَا انتَقلَ إلى عَدَن؛ لِأخذِ دَوْرَاتٍ تَربَويَّةٍ وثقَافِيَّةٍ ومِهْنِيَّةٍ، وَعَادَ إلى مَنْطِقتِهِ؛ ليِعمَلَ مُعلِّمَاً في المَدرَسَةِ الابتِدائيَّةِ في لَمَاطر، لِيبدَأَ مِنْ هُنَا رِحلَتَهُ الفِكْريَّةَ والثَّقافِيَّةَ والعِلْميَّةَ مَعَ الحَرْفِ والكَلِمَةِ والقَلَمِ، مُستَخدِماً الأسْلُوْبَ السِّلمِيَّ التَّوعَويَّ الجِهَادِيَّ سِلاحَاً تَنوِيْريَّاً مُؤثِّرَاً وفَعَّالاً، ونَتَائجُهُ مَلمُوسَةٌ في صِرَاعِهِ مَعَ قِوَى الاحتِلالِ البريطانيِّ وأعْوَانِهِ وزَبَانيَّتِهِ.
قَدْ يَسْتغْرِبُ القَارِئُ اللبِيْبُ مِنْ تَسمِيَةِ الفَقِيْدِ وأسْرتِهِ الكَريْمَةِ، ولمَزِيْدِ مَعْرِفةٍ بِهِ وأسْرَتَهُ الكَريْمَةَ، فَهُمْ يَنتَسِبُوْنَ إلَى أسْرَةٍ مِنْ بَني هِلالٍ اليَمَنيَّةِ العَرِيْقةِ، وَاسِعَةِ الانتِشَارِ في اليَمَنِ، وفي عَالَمِنا العَرَبِيِّ، وتَحدِيْدَاً يَنتَمُوْنَ إلى قَبِيلَةِ النَّسييْنَ الهلِالَيَّةِ، وَمَوقِعُهَا مَنَاطِقُ مَرْخَةَ العُليَا والسُّفْلَى – مُحَافظَةُ شَبْوَةَ، انتَقَلَتْ – كَغَيْرِها مِنْ الأسَرِ اليَمَنيَّةِ كــَ(نَقِيلَةٍ) مِنْ مَنَاطِقِهِمْ للاسْتِقرَارِ في مَنْطِقَةِ بِلَادِ لمَاطر المَعرُوفَةِ آنَذَاكَ إنَّها مَنْطِقَةُ مَشَائخَ عِلْمٍ وَتِجَارةٍ، فاسْتقَرُّوا فِيْهَا كِرَامَاً مُكَرَّمِيْنَ.
عُرِفَتْ أسْرَةُ آلِ بَاهُمَيل بِالجِدِّ والاجْتِهَادِ والمُثَابَرَةِ في الأعْمَالِ المَوْكَلَةِ لَهُمْ، وكَذَا في التَّحْصِيْلِ العِلْمِيِّ والمِهْنيِّ، ومِنْ شَخْصيَّاتِهُمُ الكَبِيرَةِ – الَّتي خَدَمتْ في مُؤسَّسَاتِ الدَّولَةِ الوَطَنيَّةِ في جَنُوْبِ الوَطَنِ الشَّيْخُ جُمَيع الخَضِر بَاهُمَيل، والشَّيْخُ سَالم الخَضِر بَاهُمَيل، والشَّيْخُ الشَّهيدُ / سَعيد الخَضِر بَاهُمَيل، والشَّيُخُ / عَلي بن صَالح، والأستَاذُ الكَبيْرُ / عبدُالله سَالم الخَضِر؛ مُديْرُ الغُرْفَةِ التِّجارِيَّةِ في جَنُوبِ اليَمَنِ سَابقاً، ومِنْهُمُ الأستَاذُ / مُحمَّد جُميع الخَضِر؛ مُدِيرُ مَطارِ عَدَن الدَّوليِّ سَابقاً، ومِنهُمُ الأستَاذُ/ حُسين علي صَالح بَاهُمَيل نَجلُ الفَقيْدِ، وهُوَ رَئيْسُ مُنظَّمةِ المُغتَربينَ بِالمَهْجَرِ، ومِنهُمْ سُفَراءُ وأطِباءُ وأسَاتِذةُ جَامِعةٍ، ومنْهُمْ طَيَّاروُنَ ورِجَالُ مَالٍ وأعْمَالٍ نَاجِحُونَ.
قَدَّمتْ أسْرَةُ آلِ بَاهُمَيل طَابُوراً طَويْلاً من َالشُّهدَاءِ في سَبِيلِ الدِّفاعِ عَنِ الوَطنِ كُلَّ الوَطَنِ، ومِنهُمْ شُهَدَاءُ في مَرحَلةِ تحريْرِ اليَمَنِ الجَنُوْبيِّ مِنَ الاحتِلالِ البريطانيِّ، وشُهَدَاءُ في زَمَنِ النِّظامِ الشُّمُوليِّ فِي مَراحِلِ ومُنْعطَفَاتِ الثَّورَةِ الوَطَنيَّةِ، وشُهدَاءُ مِنْ أجلِ الوَحدَةِ اليمَنيَّةِ المُبارَكةِ، خلَّدَهُمُ اللهُ في جنَّاتِهِ الوَاسِعَة. وعَوْدَةً إلى الحَدِيثِ عَنْ فَقِيدِنا الغَالي، ولمَاذَا نَكتُبُ عَنٌ شَخْصيَّةٍ عَزيزَةٍ فَقَدْنَاها، ولَنْ تَقرَأَ مَا سَنكْتبُهُ عَنهَا بِطبِيعةِ الحَالِ، الجَوَابُ بٍبسَاطَةٍ هُوَ مِنْ أجْلِ التَّعريفِ بمَنَاقِبِهِ، وبِشَخصيَّتِهِ الفَذَّةِ، وبِأعمَالِهِ الخَالِدةِ الوَضَّاءَةِ، وكَي يَتعَلَّمَ الأبْنَاءُ والحَفَدَةُ مِنْ دُرُوسِ تَجربتِهِ الثَّريَّةِ، وكَي نَتذكَّرَهُ بِحُبٍّ، ونَدْعُوَ لَهُ عِندَ اللهِ سُبحانَهُ وتَعَالَى بالَمغِفرَةِ والرَّحْمَةِ والخُلُودِ في الجَنَّةِ، هَذِهِ بِضْعَةٌ مِنْ مَشَاعِر ِالأحْيَاءِ تُجَاهَ حَبٍيبِهُمُ الغَالِي الَّذي فَقَدُوهُ في دَوَّامَةِ قَسَمَاتِ الحَيَاةِ وتَعَاريْجِها الوَعِرةِ، وفي زَحْمَةِ وتَراكُمِ مَهامِّ العَمَلِ اليَومِيِّ، وفي غَمْرَةِ جَفَافِ المَشَاعِرِ الانْسَانِيَّةِ لَدَى البَعْضِ للأسَفِ الشَّديْد.
لقَدْ نَهَلَ الحَاجُّ المُجَاهِدُ علي بن صالح (أبو) حُسين، الفِكرَ والفِقْه َوالثَّقافةَ الاسْلامِيَّةَ مُنذُ كَانَ شَابَّاً يَافِعاً مُفْعَماً بفكْرِ النِّضالِ الانسَانيِّ المُقَاومِ للاحتِلالِ البريطانيِّ المُغتَصِبِ، وَتتَلمَذَ في مدرَسةِ الفِكْرِ الإسْلامِيِّ المُعْتَدلِ وعَلى ثَقافةِ كَوكَبةٍ مِنَ الجَهَابِذَةِ العُلمَاءِ الكِبَار ِيومَذَاكَ، أمثَالُ العَلَّامَةِ الكَبيرِ مُحمَّد بن سَالم البَيْحاني، والعَلَّامَةُ بَاحَمِيْش، والعَلَّامَةُ العَبَّادِي، والعَلَّامَةُ الجُنيْدي والعَلَّامَةُ كعِيتي المحْضَار، رحْمةُ اللهِ عَلَيْهمْ جَمِيْعاً، نَهلَ منْهُمْ مَا استطَاعَ مِنَ الفِكْرِ، وطوَّرَ ِبِمَدَارِكِهِ المُسْتطاعَ مِنَ التَّجربةِ ومُنَاخاتِها القَاسِيَةِ.
التقيتُهُ مِراراً في كُلٍّ مِنْ مُحافَظةِ شَبْوةَ، ومَديْنةِ عَدَن، ومَدينَةِ جِدَّةَ بالمَهْجَر، وفي كُلِّ لقَاءٍ تَشعُرُ أنَّكَ أمَامَ شَخصَّيةٍ جَادَّةٍ مُتنوِّعَةِ الثَّقَافةِ وثَريَّةٍ بالمَعلُومَاتِ التَّاريْخيَّةِ المُفِيْدَةِ للأجْيَالِ، ذَلكَ الثَّرَاءُ الفِكْرِيُّ والفِقْهِيُّ المُتنوِّعُ ناتَجٌ مِنْ قِرَاءَاتِهِ وكِتَابَاتِهِ وتَجارِبِهِ الوَاسِعَةِ في الحَيَاةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالعَمَلِيَّةِ والاجْتِمَاعِيَّةِ ومِنْ تنَوُّعِ الشَّخْصِيَّاتِ الحِزْبِيَّةِ والعِلْمِيَّةِ ِوالاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتي زَامَلَها ورَافَقَها في مَسِيْرَةِ حَيَاتِهِ وتَجْربتِهِ الطَّويْلَةِ.
وعَلى الصَّعِيْدِ العُرُوبِيّ القَوْمِيِّ فأنَّ لَهُ مَوْقِفَاً صُلْباً وصَادِقَاً وشُجَاعَاً وَثَابِتَاً إلى جَانِبِ حَقِّ الشَّعْبِ العَرَبيِّ الفِلِسْطِيْنيِّ، ومُقَاوَمَةِ الاحْتِلالِ الصُّهيُونيِّ الإسْرائيليِّ، مُنطَلِقاً مِنْ اقتِناعَاتٍ عَقَديَّةٍ وقوْمِيَّةٍ عُرُوبِيَّةٍ وَاضِحَةٍ، وَهُوَ مُتقَدِّمٌ في اقتِنَاعَاتِهِ ومَواَقفِهِ مَعَ الشُّعُوْبِ العَرَبيَّةِ والإسْلاميَّةِ وحُرِّيتِهَا واسْتقْلالِها، ضِدَّ المُسْتَعمِرِ بِكُلِّ ألْوَانِهِ وأشْكَالِهِ.
كُنْتُ أتمَنَّى مِنَ الأهْلِ أنْ يُوثِّقُوا تَجْرِبَةَ الفَقِيْدِ الثَّريَّةَ؛ كَي تُوزَّعَ عَلَى الأجْيَالِ لتَعْمِيْمِ المَعْرِفَةِ والفَائدَةِ والتَّعلُّمِ مِنْها؛ لأنَّ مِثْلَ هَؤلَاءِ الشَّخْصِيَّاتِ المُثقَّفَةِ والمُتفَقِّهَةِ في الغَالِبِ هُمْ نَادِرُوْنَ جِدَّاً في حَيَاتِنا وأسَرِنا بِالرِّيْفِ اليَمَنيِّ.
جَمِيْعُنا رَاحِلٌ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا العَابِرَةِ الفَانِيْةِ، ولَنْ يَبْقَى للإنْسَانِ مِنْ أثَرٍ إلا أعمالُهُ الطَّيِّبةُ ومَآثرُهِ الحَسَنةُ، وَأبنَاءُ بَارُّوْنَ يَدْعُونَ لَهُ، وصَدَقةٌ جَاريَةٌ تُوازِيْهِ في خُلُوْدِ الذِّكرَى .. عَنْ أبي هُريْرةَ -رَضِي َاللهُ عَنهُ- أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- قالَ: إذا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقطَعَ عَملُهُ إلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَاريَةٍ، أوْ عِلْمٍ يُنتفَعُ بِهِ، أوْ وَلدٍ صَالِحٍ يدْعُو لَهُ» رَواه مُسْلِم.
ولذَلكَ ولمَعرفِتي الشّخصيَّةِ بهِ ِوبتجربتِه الثَّرِيَّةِ النَّاضِجة ِ، أتمنّى أنْ ترَى تَجْربتُهُ المُوثقَّةُ المَكتُوبَةُ النُّوْرَ والعَلَنَ عَمَّا قرِيْبٍ بإذنِ اللهِ تَعالى، وهَذَا مُنتَهى العَشمِ في أبنَائهِ الكِرَامِ أنْ يُخلِّدُوا ذِكرَى والدِهِمْ بهذَا الكِتَابِ المُنتَظرِ بإذنِ اللهِ تَعَالى، وهُوَ كِتابٌ أو عَدَدٌ مِنَ المُجلَّدَاتِ،- لا ضَيرَ في ذَلكَ – عنْ تجْربةِ المُجَاهِد ِوالعَالمِ الكَبيْر ِعلي بن صالح بَاهُميل الهِلالَي، رَحمَةُ اللهِ عَلَيهِ، وأنزله مُنزلاً كريماً في جنَّاتِ الفِرْدَوْسِ الأعلى، ولَا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَظيْم .
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلْيْمٌ
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
المهنة راعي
المهنة راعي / عيسى الشبول أبو حمزة
#المهنة_راعي
أقول وأنا صادق، لطالما تمنّيت أن أعيش حياة هذه المهنة ولو لأيّام، بالذات فرعي الأغنام… برأيي، أنَّ هذه المهنة وما يرافقها من انطلاق في أرض الله الواسعة تُعيد الإنسان إلى إعداداته الأولى، إلى نمط الحياة الأول الذي عشناه في سبعينيّات القرن الماضي حيث البساطة واللطافة ونقاء الناس، الراعي يرى النور باستمرار، يرى الشمس وشروقها الأخّاذ وقد أهدت للحلال يوماً جديداً، يرى الأرض على امتدادها، هضابها، تِلالها، وديانها، يرى ينابيع المياه ويسمع صوت خريرها، يرى الأشجار والأعشاب بأنواعها ويعيش التجربة كل يوم، يتمعّن في شق الصخور ويرى الشمس وقد تزاورت الى اليمين والشمال مُخلِّفةً ظِلّاً وبَراداً طازجين.
كان يوماً حافلاً لهذا الراعي وقد تمعّن في خلْق الله وملكوته في كل ِّ لحظة، هو في طريقه الى الحظائر وقد أزِفَ النهار على الرحيل، يرى الشمس المُدبرة وقد غَطَسَ قُرصها الحارق في الأفق، يعود بأغنامه على وقْعِ جرس المرياع واستقبال الخِراف الصغيرة لأمهاتها، إنّها الفِطرة وقد تجلّت بكامل معانيها، هذه الأغنام اسمها حلال وهي آية من آيات الله، فهي تمثّل الوداعة والعطاء والبذل.
عندما يعود الراعي بأغنامه تكون مهمّته في ذلك اليوم قد انتهت وقد كُتب له الأجر، حياة الراعي قريبة من النفس البشريّة السويّة، همّه أن يرعى القطيع وأنْ يقتات الحلال من فضل الله، وأغلى أمانيه سلامة أغنامه وإطعامها وحلْبِها، الراعي يأنس بحلاله وتأنس به ولا يعرف ذاك الأُنس إلاَّ من جرّب، يتكلم معها بأصوات بسيطة وليس بكلمات أو جُمَلْ وهذا يكفي لِفَهمها وامتثالها، الأغنام تحسُّ وتفهم على راعيها وهي مُطيعة ولا تعرف العِنَادْ ، وأولاً وآخراً يعيش الراعي حياة نقيّة ويشمُّ هواءً نقيّاً ويكفي أنه بعيداً عن القيل والقال، بعيداً عن سماع الأخبار وتحليلات الخُبراء، بعيداً عن قراءة أعمدة المُتكسبين وأوراقهم الصفراء، بعيداً عن صخب الحياة وضجيجها وتلوّثها، بعيداً عن كل ما من شأنه أنْ يقصف العمر..
دمتم بخير.